سورة عبس: الآية 5 - أما من استغنى...

تفسير الآية 5, سورة عبس

أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ

الترجمة الإنجليزية

Amma mani istaghna

تفسير الآية 5

أما مَن استغنى عن هديك، فأنت تتعرض له وتصغي لكلامه، وأي شيء عليك ألا يتطهر من كفره؟

«أما من استغنى» بالمال.

وهذه فائدة كبيرة، هي المقصودة من بعثة الرسل، ووعظ الوعاظ، وتذكير المذكرين، فإقبالك على من جاء بنفسه مفتقرا لذلك منك ، هو الأليق الواجب، وأما تصديك وتعرضك للغني المستغني الذي لا يسأل ولا يستفتي لعدم رغبته في الخير، مع تركك من هو أهم منه، فإنه لا ينبغي لك، فإنه ليس عليك أن لا يزكى، فلو لم يتزك، فلست بمحاسب على ما عمله من الشر.فدل هذا على القاعدة المشهورة، أنه: " لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة " وأنه ينبغي الإقبال على طالب العلم، المفتقر إليه، الحريص عليه أزيد من غيره.

أي أما الغني.

ثم فصل - سبحانه - ما كان منه صلى الله عليه وسلم بالنسبة لهذه القصة فقال : ( أَمَّا مَنِ استغنى فَأَنتَ لَهُ تصدى وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكى . وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يسعى . وَهُوَ يخشى . فَأَنتَ عَنْهُ تلهى ) أى : أما من استغنى عن الإِيمان ، وعن إرشادك - أيها الرسول الكريم - واعتبر نفسه فى غنى عن هديك . .

"أما من استغنى"، قال ابن عباس: عن الله وعن الإيمان بما له من المال.

أي كان ذا ثروة وغنى

القول في تأويل قوله تعالى : أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أما من استغنى بماله فأنت له تتعرّض رجاء أن يُسلِم.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) قال: نزلت في العباس.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ) قال عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة .

أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) تقدم الكلام على { أمَّا } في سورة النازعات أنها بمعنى : مهما يكن شيء ، فقوله : { أما من استغنى } تفسيره مهما يكن الذي استغنى فأنت له تصدّى ، أي مهما يكن شيء فالذي استغنى تتصدى له ، والمقصود : أنت تحرص على التصدي له ، فجعل مضمون الجواب وهو التصدّي له معلقاً على وجود من استغنى وملازماً له ملازمة التعليققِ الشرطي على طريقة المبالغة .والاستغناء : عدّ الشخص نفسه غنياً في أمر يدل عليه السياق قول ، أو فعل أو علم ، فالسين والتاء للحسبان ، أي حسب نفسه غنياً ، وأكثر ما يستعمل الاستغناء في التكبر والاعتزاز بالقوة .فالمراد ب { من استغنى } هنا : مَن عدّ نفسه غنياً عَن هديك بأن أعرض عن قبوله لأنه أجاب قول النبي صلى الله عليه وسلم له : « هل ترى بما أقول بَأساً ، بقوله : لا والدماء . . . » كناية عن أنه لا بأس به يريد ولكني غيرُ محتاج إليه .وليس المراد ب { من استغنى } من استغنى بالمال إذ ليس المقام في إيثار صاحب مال على فقير .وهذا الذي تصدَّى النبي صلى الله عليه وسلم لدعوته وعرض القرآن عليه هو على أشهر الأقوال المروية عن سلف المفسرين الوليد بن المغيرة المخزومي كما تقدم .
الآية 5 - سورة عبس: (أما من استغنى...)