سورة العاديات: الآية 4 - فأثرن به نقعا...

تفسير الآية 4, سورة العاديات

فَأَثَرْنَ بِهِۦ نَقْعًا

الترجمة الإنجليزية

Faatharna bihi naqAAan

تفسير الآية 4

فهيَّجْنَ بهذا العَدْو غبارًا.

«فأثرن» هيجن «به» بمكان عدوهن أو بذلك الوقت «نقعا» غبارا بشدة حركتهن.

فَأَثَرْنَ بِهِ أي: بعدوهن وغارتهن نَقْعًا أي: غبارًا.

يعني غبارا فى مكان معترك الخيول.وقالوا كلهم في قوله : ( فأثرن به نقعا ) هو : المكان الذي إذا حلت فيه أثارت به الغبار ، إما في حج أو غزو .

وقوله : ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً ) أى : هيجن وأثرن " النقع " أى : الغبار من شدة الجرى . تقول : أثرت الغبار أثيره ، إذا هيجته وحركته . والنون فى " أثرن " ضمير العاديات .

( فأثرن به ) أي هيجن بمكان [ سيرهن ] كناية عن غير مذكور ، لأن المعنى مفهوم ، ( نقعا ) غبارا ، والنقع : الغبار .

قوله تعالى : فأثرن به نقعا أي غبارا ; يعني الخيل تثير الغبار بشدة العدو في المكان الذي أغارت به . قال عبد الله بن رواحة :عدمت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداءوالكناية في به ترجع إلى المكان أو إلى الموضع الذي تقع فيه الإغارة . وإذا علم المعنى جاز أن يكنى عما لم يجر له ذكر بالتصريح ; كما قال حتى توارت بالحجاب . وقيل : فأثرن به ، أي بالعدو نقعا . وقد تقدم ذكر العدو . وقيل : النقع : ما بين مزدلفة إلى منى ; قاله محمد بن كعب القرظي . وقيل : إنه طريق الوادي ; ولعله يرجع إلى الغبار المثار من هذا الموضع . وفي الصحاح : النقع : الغبار ، والجمع : نقاع . والنقع : محبس الماء ، وكذلك ما اجتمع في البئر منه . وفي الحديث : أنه نهى أن يمنع نقع البئر . والنقع الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء ; والجمع : نقاع وأنقع ; مثل بحر وبحار وأبحر .قلت : وقد يكون النقع رفع الصوت ، ومنه حديث عمر حين قيل له : إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد ; فقال : وما على نساء بني المغيرة أن يسفكن من دموعهن وهن جلوس على أبي سليمان ، ما لم يكن نقع ، ولا لقلقة . قال أبو عبيد : يعني بالنقع رفع الصوت ; على هذا رأيت قول الأكثرين من أهل العلم ; ومنه قول لبيد :فمتى ينقع صراخ صادق يحلبوها ذات جرس وزجلويروى يحلبوها أيضا . يقول : متى سمعوا صراخا أحلبوا الحرب ، أي جمعوا لها . وقوله ( ينقع صراخ ) : يعني رفع الصوت . وقال الكسائي : قوله نقع ولا لقلقة النقع : صنعة الطعام ; يعني في المأتم . يقال منه : نقعت أنقع نقعا . قال أبو عبيد : ذهب بالنقع إلى النقيعة ; وإنما النقيعة عند غيره من العلماء : صنعة الطعام عند القدوم من سفر ، لا في المأتم . وقال بعضهم : يريد عمر بالنقع : وضع التراب على الرأس ; يذهب إلى أن النقع هو الغبار . ولا أحسب عمر ذهب إلى هذا ، ولا خافه منهن ، وكيف يبلغ خوفه ذا وهو يكره لهن القيام . فقال : يسفكن من دموعهن وهن جلوس . قال بعضهم : النقع : شق الجيوب ; وهو الذي لا أدري ما هو من الحديث ولا أعرفه ، وليس النقع عندي في الحديث إلا الصوت الشديد ، وأما اللقلقة : فشدة الصوت ، ولم أسمع فيه اختلافا . وقرأ أبو حيوة ( فأثرن ) بالتشديد ; أي أرت آثار ذلك . ومن خفف فهو من أثار : إذا حرك ; ومنه وأثاروا الأرض .

وقوله ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا )يقول تعالى ذكره: فرفعن بالوادي غبارا; والنقع: الغبار, ويقال: إنه التراب. والهاء في قوله " به " كناية اسم الموضع, وكنى عنه, ولم يجر له ذكر, لأنه معلوم أن الغبار لا يثار إلا من موضع, فاستغنى بفهم السامعين بمعناه من ذكره.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ) قال: الخيل.حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, عن واصل, عن عطاء وابن زيد, قال: النقع: الغبار.حدثنا هناد, قال: ثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ) قال: هي أثارت الغبار, يعني الخيل.حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, قال: ثنا أبو رجاء, قال: سئل عكرِمة, عن قوله ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ) قال: أثارت التراب بحوافرها.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران عن سعيد, عن قتادة ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ) قال: أثرن بحوافرها نقع التراب.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, مثله.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ) قال: أثرن به غبارا.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني أبو صخر, عن أبي معاوية البجلي, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: قال لي علي: إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى المزدلفة, ومن المزدلفة إلى منى ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ) : الأرض حين تطؤها بأخفافها وحوافرها.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ) قال: إذا سرن يثرن التراب.

فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) والفاء العاطفة لقوله : { فأثرن به نقعاً } عاطفة على وصف «المغيرات» . والمعطوف بها من آثار وصف المغيرات . وليست عاطفة على صفة مستقلة مثل الصفات الثلاث التي قبلها لأن إثارة النقع وتوسط الجمع من آثار الإِغارة صُبحاً ، وليسا مُقْسماً بهما أصالةً وإنما القَسم بالأوصاف الثلاثة الأولى .فلذلك غُير الأسلوب في قوله : { فأثرن به نقعاً فوسطن به جمعاً } فجيء بهما فعلين ماضيين ولم يأتيا على نسق الأوصاف قبلهما بصيغة اسم الفاعل للإِشارة إلى أن الكلام انتقل من القَسَم إلى الحكاية عن حصول ما تَرتَّبَ على تلك الأوصاف الثلاثة ما قُصد منها من الظفَر بالمطلوب الذي لأجله كان العَدو والإِيراء والإِغارة عقبه وهي الحلُول بدار القوم الذين غزَوهم إذَا كان المراد ب { العاديات } الخيل ، أو بلوغُ تمام الحج بالدفع عن عرفة إذا كان المراد ب { العاديات } رواحل الحجيج ، فإن إثارة النقع يشعرون بها عند الوصول حين تقف الخيل والإِبل دفعة ، فتثير أرجلها نقعاً شديداً فيما بينهما ، وحينئذ تتوسطن الجمع من الناس . وعلى هذا
الآية 4 - سورة العاديات: (فأثرن به نقعا...)