سورة الإسراء: الآية 3 - ذرية من حملنا مع نوح...

تفسير الآية 3, سورة الإسراء

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا

الترجمة الإنجليزية

Thurriyyata man hamalna maAAa noohin innahu kana AAabdan shakooran

تفسير الآية 3

يا سلالة الذين أنجيناهم وحَمَلْناهم مع نوح في السفينة لا تشركوا بالله في عبادته، وكونوا شاكرين لنعمه، مقتدين بنوح عليه السلام؛ إنه كان عبدًا شكورًا لله بقلبه ولسانه وجوارحه.

يا «ذرية من حملنا مع نوح» في السفينة «إنه كان عبدا شكورا» كثير الشكر لنا حامدا في جميع أحواله.

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ أي: يا ذرية من مننا عليهم وحملناهم مع نوح، إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ففيه التنويه بالثناء على نوح عليه السلام بقيامه بشكر الله واتصافه بذلك والحث لذريته أن يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه، وأن يتذكروا نعمة الله عليهم إذ أبقاهم واستخلفهم في الأرض وأغرق غيرهم.

ثم قال : ( ذرية من حملنا مع نوح ) تقديره : يا ذرية من حملنا مع نوح . فيه تهييج وتنبيه على المنة ، أي : يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة ، تشبهوا بأبيكم ، ( إنه كان عبدا شكورا ) فاذكروا أنتم نعمتي عليكم بإرسالي إليكم محمدا صلى الله عليه وسلم . وقد ورد في الحديث وفي الأثر عن السلف : أن نوحا ، عليه السلام ، كان يحمد الله [ تعالى ] على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله ؛ فلهذا سمي عبدا شكورا .قال : الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن عبد الله بن سنان ، عن سعد بن مسعود الثقفي قال : إنما سمي نوح عبدا شكورا ؛ لأنه كان إذا أكل أو شرب حمد الله .وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو أسامة ، حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها " .وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من طريق أبي أسامة ، به .وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : كان يحمد الله على كل حال .وقد ذكر البخاري هنا حديث أبي زرعة ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا سيد الناس يوم القيامة - بطوله ، وفيه - : فيأتون نوحا فيقولون : يا نوح ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وقد سماك الله عبدا شكورا ، اشفع لنا إلى ربك " وذكر الحديث بكماله .

وقوله: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ... منصوب على الاختصاص، أو على النداء والمقصود بهذه الجملة الكريمة إثارة عزائمهم نحو الإيمان والعمل الصالح، وتنبيههم إلى نعمه- سبحانه- عليهم، حيث جعلهم من ذرية أولئك الصالحين الذين آمنوا بنوح- عليه السلام- وحضهم على السير على منهاجهم في الإيمان والعمل الصالح، فإن شأن الأبناء أن يقتدوا بالآباء في التقوى والصلاح.والمعنى: لا تتخذوا يا بنى إسرائيل معبودا غير الله- تعالى-، فأنتم أبناء أولئك القوم الصالحين، الذين آمنوا بنوح- عليه السلام- فأنجاهم الله- تعالى- مع نبيهم من الغرق.قال الآلوسى: وفي التعبير بما ذكر إيماء إلى علة النهى من أوجه: أحدها تذكيرهم بالنعمة في إنجاء آبائهم. والثاني: تذكيرهم بضعفهم وحالهم المحوج إلى الحمل والثالث: أنهم أضعف منهم- أى من آبائهم- لأنهم متولدون عنهم وفي إيثار لفظ الذرية الواقعة على الأطفال والنساء في العرف الغالب مناسبة تامة لما ذكر.وقوله: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً تذييل قصد به الثناء على نوح- عليه السلام- أى:إن نوحا- عليه السلام- كان من عبادنا الشاكرين لنعمنا، المستعملين لها فيما خلقت له، المتوجهين إلينا بالتضرع والدعاء في السراء والضراء.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: قوله: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ما وجه ملاءمته لما قبله؟.قلت: كأنه قيل لا تتخذوا من دوني وكيلا، ولا تشركوا بي، لأن نوحا كان عبدا شكورا، وأنتم من آمن به وحمل معه، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم، ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم، والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح- عليه السلام- فهم متصلون به، فاستأهلوا لذلك الاختصاص...وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد دعتا إلى إخلاص العبادة لله- تعالى- بأسلوب يرضى العقول السليمة، والعواطف الشريفة.ثم بين- سبحانه- بعد ذلك قضاءه العادل في بنى إسرائيل وساق سنة من سننه التي لا تتخلف في خلقه فقال- تعالى-:

( ذرية من حملنا ( قال مجاهد : هذا نداء يعني : يا ذرية من حملنا ، ( مع نوح ( في السفينة فأنجيناهم من الطوفان ، ( إنه كان عبدا شكورا ( كان نوح عليه السلام إذا أكل طعاما أو شرب شرابا أو لبس ثوبا قال : الحمد لله فسمي عبدا شكورا أي كثير الشكر .

قوله تعالى : ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا أي يا ذرية من حملنا ، على النداء ; قال مجاهد ورواه عنه ابن أبي نجيح . والمراد بالذرية كل من احتج عليه بالقرآن ، وهم جميع من على الأرض ; ذكره المهدوي . وقال الماوردي : يعني موسى وقومه من بني إسرائيل ، والمعنى يا ذرية من حملنا مع نوح لا تشركوا . وذكر نوحا ليذكرهم نعمة الإنجاء من الغرق على آبائهم . وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ( ذرية ) بفتح الذال وتشديد الراء والياء . وروى هذه القراءة عامر بن الواجد عن زيد بن ثابت . وروي عن زيد بن ثابت أيضا ذرية بكسر الذال وشد الراء . ثم بين أن نوحا كان عبدا شكورا يشكر الله على نعمه ولا يرى الخير إلا من عنده . قال قتادة : كان إذا لبس ثوبا قال : بسم الله ، فإذا نزعه قال : الحمد لله . كذا روى عنه معمر . وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال : شكره إذا أكل قال : بسم الله ، فإذا فرغ من الأكل قال : الحمد لله . قال سلمان الفارسي : لأنه كان يحمد الله على طعامه . وقال عمران بن سليم : إنما سمى نوحا عبدا شكورا لأنه كان إذا أكل قال : الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء لأجاعني ، وإذا شرب قال : الحمد لله الذي سقاني ولو شاء لأظمأني ، وإذا اكتسى قال : الحمد لله الذي كساني ولو شاء لأعراني ، وإذا احتذى قال : الحمد لله الذي حذاني ولو شاء لأحفاني ، وإذا قضى حاجته قال : الحمد لله الذي أخرج عني الأذى ولو شاء لحبسه في . ومقصود الآية : إنكم من ذرية نوح وقد كان عبدا شكورا فأنتم أحق بالاقتداء به دون آبائكم الجهال . وقيل : المعنى أن موسى كان عبدا شكورا إذ جعله الله من ذرية نوح .وقيل : يجوز أن يكون ذرية مفعولا ثانيا ل تتخذوا ويكون قوله : وكيلا يراد به الجمع فيسوغ ذلك في القراءتين جميعا أعني الياء والتاء في تتخذوا . ويجوز أيضا في القراءتين جميعا أن يكون ذرية بدلا من قوله وكيلا لأنه بمعنى الجمع ; فكأنه قال لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح . ويجوز نصبها بإضمار أعني وأمدح ، والعرب قد تنصب على المدح والذم . ويجوز رفعها على البدل من المضمر في تتخذوا في قراءة من قرأ بالياء ; ولا يحسن ذلك لمن قرأ بالتاء لأن المخاطب لا يبدل منه الغائب . ويجوز جرها على البدل من بني إسرائيل في الوجهين . فأما أن من قوله ألا تتخذوا فهي على قراءة من قرأ بالياء في موضع نصب بحذف الجار ، التقدير : هديناهم لئلا يتخذوا . ويصلح على قراءة التاء أن تكون زائدة والقول مضمر كما تقدم . ويصلح أن تكون مفسرة بمعنى أي ، لا موضع لها من الإعراب ، وتكون " لا " للنهي فيكون خروجا من الخبر إلى النهي .

يقول تعالى ذكره: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ذرية من حملنا مع نوح. وعنى بالذرية: جميع من احتجّ عليه جلّ ثناؤه بهذا القرآن من أجناس الأمم، عربهم وعجمهم من بني إسرائيل وغيرهم، وذلك أنّ كلّ من على الأرض من بني آدم، فهم من ذرية من حمله الله مع نوح في السفينة.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ) والناس كلهم ذرّية من أنجى الله في تلك السفينة، وذُكر لنا أنه ما نجا فيها يومئذ غير نوح وثلاثة بنين له، وامرأته وثلاث نسوة، وهم: سام، وحام، ويافث؛ فأما سام: فأبو العرب؛ وأما حام: فأبو الحبش (8) ؛ وأما يافث: فأبو الروم.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ) قال: بنوه ثلاثة ونساؤهم، ونوح وامرأته.حدثنا ابن عبد الأعلى، قالا ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال مجاهد: بنوه ونساؤهم ونوح، ولم تكن امرأته.وقد بيَّنا في غير هذا الموضع فيما مضى بما أغنى عن إعادته.وقوله ( إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ) يعني بقوله تعالى ذكره: " إنه " إن نوحا، والهاء من ذكر نوح كان عبدا شكورا لله على نعمه.وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي سماه الله من أجله شكورا، فقال بعضهم: سماه الله بذلك لأنه كان يحمد الله على طعامه إذا طعمه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن بن مهدي، قالا ثنا سفيان، عن التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان نوح إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما حمد الله، فسمِّي عبدا شكورا.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان عن أبي حصين، عن عبد الله بن سنان، عن سعيد بن مسعود بمثله.حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن أبي حصين، عن عبد الله بن سنان، عن سعيد بن مسعود قال: ما لبس نوح جديدا قطّ، ولا أكل طعاما قطّ إلا حمد الله فلذلك قال الله (عَبْدًا شَكُورًا).حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: ثني سفيان الثوري، قال: ثني أيوب، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان، قال: إنما سمي نوح عبدا شكورا أنه كان إذا لبس ثوبا حمد الله، وإذا أكل طعاما حمد الله.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ) من بني إسرائيل وغيرهم (إِنَّهُ كانَ عَبْدًا شَكُورًا) قال: إنه لم يجدّد ثوبا قطّ إلا حمد الله، ولم يبل ثوبا قطّ إلا حمد الله، وإذا شرب شربة حمد الله، قال: الحمد لله الذي سقانيها على شهوة ولذّة وصحة، وليس في تفسيرها، وإذا شرب شربة قال هذا، ولكن بلغني ذا.حدثني القاسم ، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو فضالة، عن النضر بن شفي، عن عمران بن سليم، قال: إنما سمي نوح عبدا شكورا أنه كان إذا أكل الطعام قال: الحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء أجاعني وإذا شرب قال: الحمد لله الذي سقاني، ولو شاء أظمأني، وإذا لبس ثوبا قال: الحمد لله الذي كساني، ولو شاء أعراني، وإذا لبس نعلا قال: الحمد لله الذي حذاني، ولو شاء أحفاني، وإذا قضى حاجة قال: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه، ولو شاء حبسه.وقال آخرون في ذلك بما حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الجبار بن عمر أن ابن أبي مريم حدّثه، قال: إنما سمى الله نوحا عبدا شكورا، أنه كان إذا خرج البراز منه قال: الحمد لله الذي سوّغنيك طيبا، وأخرج عنى أذاك، وأبقى منفعتك.وقال آخرون في ذلك بما حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله لنوح (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ذكر لنا أنه لم يستجد ثوبا قطّ إلا حمد الله، وكان يأمر إذا استجدّ الرجل ثوبا أن يقول: الحمد لله الذي كساني ما أتجمَّل به، وأواري به عورتي.حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) قال: كان إذا لبس ثوبا قال: الحمد لله، وإذا أخلقه قال: الحمد لله.

يجوز أن يكون اعتراضاً في آخر الحكاية ليس داخلاً في الجملة التفسيرية . فانتصاب { ذريّةَ } على الاختصاص لزيادة بيان بني إسرائيل بياناً مقصوداً به التعريض بهم إذ لم يشكروا النعمة . ويجوز أن يكون من تمام الجملة التفسيرية ، أي حال كونكم ذرية من حملنا مع نوح عليه السلام ، أو ينتصب على النداء بتقدير حرف النداء ، أي يا ذرية من حملنا مع نوح ، مقصوداً به تحريضهم على شكر نعمة الله واجتناب الكفر به باتخاذ شركاء دونه .والحمل وضع شيء على آخر لنقله ، والمراد الحمل في السفينة كما قال : { حملناكم في الجارية } [ الحاقة : 11 ] ، أي ذرّيّة من أنجيناهم من الطوفان مع نوح عليه السلام .وجملة { إنه كان عبدا شكوراً } مفيدة تعليل النهي عن أن يتخذوا من دون الله وكيلاً ، لأن أجدادهم حملوا مع نوح بنعمة من الله عليهم لنجاتهم من الغرق وكان نوح عبداً شكوراً والذين حملوا معه كانوا شاكرين مثله ، أي فاقتدوا بهم ولا تكفروا نعم الله .ويحتمل أن تكون هذه الجملة من تمام الجملة التفسيرية فتكون مما خاطب الله به بني إسرائيل ، ويحتمل أنها مذيلة لجملة { وآياتنا موسى الكتاب } فيكون خطاباً لأهل القرآن .واعلم أن في اختيار وصفهم بأنهم ذرية من حمل مع نوح عليه السلام معاني عظيمة من التذكير والتحريض والتعريض لأن بني إسرائيل من ذرية سام بن نوح وكان سام ممن ركب السفينة .وإنما لم يقل ذرية نوح مع أنهم كذلك قصداً لإدماج التذكير بنعمة إنجاء أصولهم من الغرق .وفيه تذكير بأن الله أنجى نوحاً ومن معه من الهلاك بسبب شكره وشكرهم تحريضاً على الائتساء بأولئك .وفيه تعريض بأنهم إن أشركوا ليُوشكن أن ينزل بهم عذاب واستئصال ، كما في قوله : { قيل يا نوح اهبِطْ بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنُمتعهم ثم يَمَسُّهُمْ منا عذابٌ أليم } [ هود : 48 ].وفيه أن ذرية نوح كانوا شقين شق بار مطيع ، وهم الذين حملهم معه في السفينة ، وشق متكبر كافر وهو ولده الذي غرق ، فكان نوح عليه السلام مثلاً لأبي فريقين ، وكان بنو إسرائيل من ذرية الفريق البار ، فإن اقتدوا به نَجُوا وإن حادوا فقد نزعوا إلى الفريق الآخر فيوشك أن يهلكوا . وهذا التماثل هو نكتة اختيار ذكر نوح من بين أجدادهم الآخرين مثل إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب عليهم السلام ، لفوات هذا المعنى في أولئك . وقد ذكر في هذه السورة استئصال بني إسرائيل مرتين بسبب إفسادهم في الأرض وعلوهم مرتين وأن ذلك جزاء إهمالهم وعْدَ اللّهِ نوحاً عليه السلام حينما نجاه .وتأكيد كون نوح كان عبداً شكوراً } بحرف ( إنّ ) تنزيل لهم منزلة من يجهل ذلك؛ إما لتوثيق حملهم على الاقتداء به إن كانت الجملة خطاباً لبني إسرائيل من تمام الجملة التفسيرية ، وإما لتنزيلهم منزلة من جهل ذلك حتى تورطوا في الفساد فاستأهلوا الاستئصال وذهاب ملكهم ، لينتقل منه إلى التعريض بالمشركين من العرب بأنهم غير مقتدين بنوح لأن مثلهم ومثل بني إسرائيل في هذا السياق واحد في جميع أحوالهم ، فيكون التأكيد منظوراً فيه إلى المعنى التعريضي .ومعنى كون نوح { عبداً } أنه معترف لله بالعبودية غير متكبر بالإشراك ، وكونه { شكوراً } ، أي شديداً لشكر الله بامتثال أوامره . وروي أنه كان يكثر حمد الله .والاقتداء بصالح الآباء مجبولة عليه النفوس ومحل تنافس عند الأمم بحيث يعد خلاف ذلك كمثير للشك في صحة الانتساب .وكان نوح عليه السلام مثلاً في كمال النفس وكانت العرب تعرف ذلك وتنبعث على الاقتداء به . قال النابغة: ... فألفيت الأمانة لم تخنهاكذلك كان نوح لا يخون ...
الآية 3 - سورة الإسراء: (ذرية من حملنا مع نوح ۚ إنه كان عبدا شكورا...)