سورة المدثر: الآية 16 - كلا ۖ إنه كان لآياتنا...

تفسير الآية 16, سورة المدثر

كَلَّآ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ لِءَايَٰتِنَا عَنِيدًا

الترجمة الإنجليزية

Kalla innahu kana liayatina AAaneedan

تفسير الآية 16

دعني -أيها الرسول- أنا والذي خلقته في بطن أمه وحيدًا فريدًا لا مال له ولا ولد، وجعلت له مالا مبسوطًا واسعًا وأولادًا حضورًا معه في "مكة" لا يغيبون عنه، ويسَّرت له سبل العيش تيسيرًا، ثم يأمُل بعد هذا العطاء أن أزيد له في ماله وولده، وقد كفر بي. ليس الأمر كما يزعم هذا الفاجر الأثيم، لا أزيده على ذلك؛ إنه كان للقرآن وحجج الله على خلقه معاندًا مكذبًا، سأكلفه مشقة من العذاب والإرهاق لا راحة له منها. (والمراد به الوليد بن المغيرة المعاند للحق المبارز لله ولرسوله بالمحاربة، وهذا جزاء كلِّ من عاند الحق ونابذه).

«كلا» لا أزيده على ذلك «إنه كان لآياتنا» القرآن «عنيدا» معاندا.

كَلَّا أي: ليس الأمر كما طمع، بل هو بخلاف مقصوده ومطلوبه، وذلك لأنه كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا أي: معاندا، عرفها ثم أنكرها، ودعته إلى الحق فلم ينقد لها ولم يكفه أنه أعرض وتولى عنها، بل جعل يحاربها ويسعى في إبطالها.

أي معاندا وهو الكفر على نعمه بعد العلم.

وقوله- تعالى-: كَلَّا زجر وردع وقطع لرجائه وطمعه، وحكم عليه بالخيبة والخسران. أى: كلا، لن أعطيه شيئا مما يطمع فيه، بل سأمحق هذه النعم من بين يديه، لأنه قابلها بالجحود والبطر، ومن لم يشكر النعم يعرضها للزوال، ومن شكرها زاده الله- تعالى- منها، كما قال- سبحانه-: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ.وقوله: إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً تعليل للزجر والردع وقطع الرجاء. أى: كلا لن أمكنه مما يريده ويتمناه.. لأنه كان إنسانا شديد المعاندة والإبطال لآياتنا الدالة على وحدانيتنا، وعلى صدق رسولنا فيما يبلغه عنا. ومن مظاهر ذلك أنه وصف رسولنا صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر ...قال مقاتل: ما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقص من ماله وولده حتى هلك.

"كلا"، لا أفعل ولا أزيده، قالوا: فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك. "إنه كان لآياتنا عنيداً"، معانداً.

و ( كلا ) قطع للرجاء عما كان يطمع فيه من الزيادة فيكون متصلا بالكلام الأول ، وقيل : ( كلا ) بمعنى حقا ويكون ابتداء إنه يعني الوليد كان لآياتنا عنيدا أي معاندا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به ، يقال : عاند فهو عنيد مثل : جالس فهو جليس قاله مجاهد ، وعند يعند بالكسر أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند ، والعاند : البعير الذي يجور عن الطريق ويعدل عن القصد والجمع عند مثل راكع وركع ، وأنشد أبو عبيدة قول الحارثي :إذا ركبت فاجعلاني وسطا إني كبير لا أطيق العنداوقال أبو صالح : عنيدا معناه مباعدا ; قال الشاعر :أرانا على حال تفرق بيننا نوى غربة إن الفراق عنود قتادة : جاحدا . مقاتل : معرضا . ابن عباس : جحودا . وقيل : إنه المجاهر بعدوانه . وعن مجاهد أيضا قال : مجانبا للحق معاندا له معرضا عنه . والمعنى كله متقارب . والعرب تقول : عند الرجل إذا عتا وجاوز قدره . والعنود من الإبل : الذي لا يخالط الإبل ، إنما هو في ناحية . ورجل عنود إذا كان يحل وحده لا يخالط الناس والعنيد من التجبر . وعرق عاند : إذا لم يرقأ دمه . كل هذا قياس واحد وقد مضى في سورة ( إبراهيم ) . وجمع العنيد عند ، مثل رغيف ورغف .

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا ) قال: جحودا.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا ) قال محمد بن عمرو: معاندا لها. وقال الحارث: معاندا عنها، مجانبا لها.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد، قوله: ( عَنِيدًا ) قال: معاندا للحقّ مجانبا.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا ) كفورا بآيات الله جحودا بها.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( لآيَاتِنَا عَنِيدًا ) قال: مشاقا، وقيل: عنيدا، وهو من عاند معاندة فهو معاند، كما قيل: عام قابل، وإنما هو مقبل.

كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16)وكلاّ } ردع وإبطال لطمعه في الزيادة من النّعم وقطع لرجائه .والمقصود إبلاغ هذا إليه مع تطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوليد سيقطع عنه مدد الرزق لئلا تكون نعمته فتنة لغيره من المعاندين فيغريهم حاله بأن عنادهم لا يضرهم لأنهم لا يحسبون حياة بعد هذه كما حكى الله من قول موسى عليه السلام : { ربّنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } [ يونس : 88 ] .وفي هذا الإِبطال والردع إيذان بأن كفران النعمة سبب لقطعها قال تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } [ إبراهيم : 7 ] ، ولهذا قال الشيخ ابن عطاء الله : «من لم يشكر النعم فقد تعرَّض لزوالها ، ومن شكرها فقد قَيَّدها بعِقَالها» .يجوز أن تكون هذه الجملة تعليلاً للردع والإِبطال ، أي لأن شدة معاندته لآياتنا كانت كفراناً للنعمة فكانت سبباً لقطعها عنه إذ قد تجاوز حدّ الكفر إلى المناواة والمعاندة فإن الكافر يكون منعماً عليه على المختار وهو قول الماتريدي والمعتزلة خلافاً للأشعري ، واختار المحقّقون أنه خلاف لفظي .ويجوز أن تكون مستأنفة ويكون الوقف عند قوله تعالى : { كلاّ } .والعنيد : الشديد العناد وهو المخالفة للصواب وهو فَعيل من : عَنَدَ يعنِد كضرب ، إذا نازع وجادل الحق البين .وعناده : هو محاولته الطعن في القرآن وتحيله للتمويه بأنه سحر ، أو شعر ، أو كلام كهانة ، مع تحققه بأنه ليس في شيء من ذلك كما أعلن به لقريش ، قبل أن يلومَه أبو جهل ثم أخذه بأحد تلك الثلاثة ، وهو أن يقول : هو سحر ، تشبثاً بأن فيه خصائص السحر من التفريق بين المرء ومن هو شديد الصلة .
الآية 16 - سورة المدثر: (كلا ۖ إنه كان لآياتنا عنيدا...)