سورة المدثر: الآية 7 - ولربك فاصبر...

تفسير الآية 7, سورة المدثر

وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ

الترجمة الإنجليزية

Walirabbika faisbir

تفسير الآية 7

يا أيها المتغطي بثيابه، قم مِن مضجعك، فحذِّر الناس من عذاب الله، وخُصَّ ربك وحده بالتعظيم والتوحيد والعبادة، وَطَهِّر ثيابك من النجاسات؛ فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن، ودُمْ على هَجْر الأصنام والأوثان وأعمال الشرك كلها، فلا تقربها، ولا تُعط العطيَّة؛ كي تلتمس أكثر منها، ولمرضاة ربك فاصبر على الأوامر والنواهي.

«ولربك فاصبر» على الأوامر والنواهي.

وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ أي: احتسب بصبرك، واقصد به وجه الله تعالى، فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، وبادر إليه، فأنذر الناس، وأوضح لهم بالآيات البينات جميع المطالب الإلهية، وعظم الله تعالى، ودعا الخلق إلى تعظيمه، وطهر أعماله الظاهرة والباطنة من كل سوء، وهجر كل ما يبعد عن الله من الأصنام وأهلها، والشر وأهله، وله المنة على الناس -بعد منة الله- من غير أن يطلب منهم على ذلك جزاء ولا شكورا، وصبر لله أكمل صبر، فصبر على طاعة الله، وعن معاصي الله، وعلى أقدار الله المؤلمة ، حتى فاق أولي العزم من المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

وقوله : ( ولربك فاصبر ) أي : اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل ، قاله مجاهد . وقال إبراهيم النخعي : اصبر عطيتك لله تعالى .

وقوله- سبحانه-: وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ أى: وعليك- أيها الرسول الكريم- أن توطن نفسك على الصبر، على التكاليف التي كلفك بها ربك، وأن تتحمل الآلام والمشاق في سبيل دعوة الحق، بعزيمة صادقة، وصبر جميل، وثبات لا يخالطه تردد أو ضعف.فهذه ست وصايا قد اشتملت على ما يرشد إلى التحلي بالعقيدة السليمة، والأخلاق الكريمة.

( ولربك فاصبر ) قيل : فاصبر على طاعته وأوامره ونواهيه لأجل ثواب الله . قال مجاهد : فاصبر لله على ما أوذيت . وقال ابن زيد : ] معناه حملت أمرا عظيما محاربة العرب والعجم فاصبر عليه لله - عز وجل - . وقيل : فاصبر تحت موارد القضاء لأجل الله .

قوله تعالى : ولربك فاصبرقوله تعالى : ولربك فاصبر أي ولسيدك ومالكك فاصبر على أداء فرائضه وعبادته ، وقال مجاهد : على ما أوذيت ، وقال ابن زيد : حملت أمرا عظيما ، محاربة العرب والعجم ، فاصبر عليه لله ، وقيل : فاصبر تحت موارد القضاء لأجل الله تعالى ، وقيل : فاصبر على البلوى لأنه يمتحن أولياءه وأصفياءه ، وقيل : على أوامره ونواهيه ، وقيل : على فراق الأهل والأوطان .

وقوله: ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) يقول تعالى ذكره: ولربك فاصبر على ما لقيت فيه من المكروه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل على اختلاف فيه بين أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) قال: على ما أوتيت.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) قال: حمل أمرًا عظيما محاربة العرب، ثم العجم من بعد العرب في الله.وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولربك فاصبر على عطيتك.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) قال: اصبر على عطيتك.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: اصبر على عطيتك لله.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) قال: عطيتك اصبر عليها.يعني جل ثناؤه بقوله: ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ ) فذلك يومئذ يوم شديد.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن فضيل وأسباط، عن مطرِّف، عن عطية العوفيِّ، عن ابن عباس، في قوله: ( فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَسْتَمعُ مَتَى يُؤْمَرُ يَنْفُخُ فِيهِ"، فقال أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نقول؟ فقال: تقولون: حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، عَلى اللهِ تَوَكَّلْنا ".

وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)تثبيت للنبيء صلى الله عليه وسلم على تحمل ما يلقاه من أذى المشركين وعلى مشاقّ الدعوة .والصبر : ثبات النفس وتحملها المشاق والآلام ونحوها .ومصدر الصبر وما يشتق منه يتضمن معنى التحمّل للشيء الشاقّ .ويعدّى فعل الصبر إلى اسم الذي يتحمله الصابر بحرف ( على ) ، يقال : صبر على الأذى . ويتضمن معنى الخضوع للشيء الشاق فيعدى إلى اسم ما يتحمله الصابر باللام . ومناسبة المقام ترجح إحدى التعديتين ، فلا يقال : اصبر على الله ، ويقال : اصبر على حكم الله ، أو لحكم الله . فيجوز أن تكون اللام في قوله { لربّك } لتعدية فعل الصبر على تقدير مضاف ، أي اصبر لأمره وتكاليف وحيه كما قال : { واصبر لحكم ربّك فإنك بأعيننا } في سورة الطور ( 48 ) وقوله : { فاصبر لحكم ربّك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } في سورة الإِنسان ( 24 ) فيناسب نداءه ب { يا أيها المدثر } [ المدثر : 1 ] لأنه تدثر من شدة وقع رؤية المَلك ، وتركُ ذكر المضاف لتذهب النفس إلى كل ما هو من شأن المضاف إليه مما يتعلق بالمخاطب .ويجوز أن تكون اللام للتعليل ، وحذف متعلق فعل الصبر ، أي اصبر لأجل ربّك على كل ما يشق عليك .وتقديم { لربّك } على « ( اصبر ) للاهتمام بالأمور التي يصبر لأجلها مع الرعاية على الفاصلة ، وجَعل بعضهم اللام في { لربّك } لام التعليل ، أي اصبر على أذاهم لأجله ، فيكون في معنى : إنه يصبر توكلاً على أن الله يتولى جزاءهم ، وهذا مبني على أن سبب نزول السورة ما لحق النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين .والصبر تقدم عند قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة في } [ البقرة : 45 ] .وفي التعبير عن الله بوصف ( ربّك ) إيماء إلى أن هذا الصبر برّ بالمولى وطاعة له .فهذه ست وصايا أوصى الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم في مبدإ رسالته وهي من جوامع القرآن أراد الله بها تزكية رسوله وجعلها قدوة لأمته .
الآية 7 - سورة المدثر: (ولربك فاصبر...)