سورة القمر: الآية 3 - وكذبوا واتبعوا أهواءهم ۚ وكل...

تفسير الآية 3, سورة القمر

وَكَذَّبُوا۟ وَٱتَّبَعُوٓا۟ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ

الترجمة الإنجليزية

Wakaththaboo waittabaAAoo ahwaahum wakullu amrin mustaqirrun

تفسير الآية 3

وكذَّبوا النبي صلى الله عليه وسلم، واتبعوا ضلالتهم وما دعتهم إليه أهواؤهم من التكذيب، وكلُّ أمر من خير أو شر واقع بأهله يوم القيامة عند ظهور الثواب والعقاب.

«وكذبوا» النبي صلى الله عليه وسلم «واتبعوا أهواءهم» في الباطل «وكل أمر» من الخير والشر «مستقر» بأهله في الجنة أو النار.

وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ كقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ فإنه لو كان قصدهم اتباع الهدى، لآمنوا قطعا، واتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنه أراهم الله على يديه من البينات والبراهين والحجج القواطع، ما دل على جميع المطالب الإلهية، والمقاصد الشرعية، وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ أي: إلى الآن، لم يبلغ الأمر غايته ومنتهاه، وسيصير الأمر إلى آخره، فالمصدق يتقلب في جنات النعيم، ومغفرة الله ورضوانه، والمكذب يتقلب في سخط الله وعذابه، خالدا مخلدا أبدا.

( وكذبوا واتبعوا أهواءهم ) أي : كذبوا بالحق إذ جاءهم ، واتبعوا ما أمرتهم به آراؤهم وأهواؤهم من جهلهم وسخافة عقلهم .وقوله : ( وكل أمر مستقر ) قال قتادة : معناه : أن الخير واقع بأهل الخير ، والشر واقع بأهل الشر .وقال ابن جريج : مستقر بأهله . وقال مجاهد : ( وكل أمر مستقر ) أي : يوم القيامة .وقال السدي : ( مستقر ) أي : واقع .

ثم أخبر- سبحانه- عن حالهم في الماضي، بعد بيان حالهم في المستقبل، فقال- تعالى-: وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ.أى: أن هؤلاء الجاحدين جمعوا كل الرذائل، فهم إن يروا معجزة تشهد لك بالصدق- أيها الرسول الكريم- يعرضوا عنها، ويصفوها بأنها سحر، وهم في ماضيهم كذبوا دعوتك، واتبعوا أهواءهم الفاسدة، ونفوسهم الأمارة بالسوء.وجملة: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ معترضة، وهي جارية مجرى المثل، أى: وكل أمر لا بد وأن يستقر إلى غاية، وينتهى إلى نهاية، وكذلك أمر هؤلاء الظالمين، سينتهي إلى الخسران، وأمر المؤمنين سينتهي إلى الفلاح.وفي هذا الاعتراض تسلية وتبشير للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه بحسن العاقبة، وتيئيس وإقناط لأولئك المشركين من زوال أمر النبي صلى الله عليه وسلم كما كانوا يتمنون ويتوهمون.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ.

( وكذبوا واتبعوا أهواءهم ) أي : كذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وما عاينوا من قدرة الله - عز وجل - واتبعوا ما زين لهم الشيطان من الباطل . ( وكل أمر مستقر ) قال الكلبي : لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر ، وما كان منه في الآخرة فسيعرف . وقال قتادة : كل أمر مستقر فالخير مستقر بأهل الخير ، [ والشر مستقر بأهل الشر ] .وقيل : كل أمر من خير أو شر مستقر قراره ، فالخير مستقر بأهله في الجنة ، والشر مستقر بأهله في النار .وقيل : يستقر قول المصدقين والمكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب . وقال مقاتل : لكل حديث منتهى . وقيل : كل ما قدر كائن واقع لا محالة .وقرأ أبو جعفر " مستقر " بكسر الراء ، ولا وجه له .

وكذبوا نبينا واتبعوا أهواءهم أي ضلالاتهم واختياراتهم .وكل أمر مستقر أي يستقر بكل عامل عمله ، فالخير مستقر بأهله في الجنة ، والشر مستقر بأهله في النار . وقرأ شيبة " مستقر " بفتح القاف ; أي لكل شيء وقت يقع فيه من غير تقدم وتأخر . وقد روي عن أبي جعفر بن القعقاع " وكل أمر مستقر " بكسر القاف والراء جعله نعتا لأمر و " كل " على هذا يجوز أن يرتفع بالابتداء والخبر محذوف ، كأنه قال : وكل أمر مستقر في أم الكتاب كائن . ويجوز أن يرتفع بالعطف على الساعة ; المعنى : اقتربت الساعة وكل أمر مستقر ; أي : اقترب استقرار الأمور يوم القيامة . ومن رفعه جعله خبرا عن ( كل ) .

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)يقول تعالى ذكره: وكذّب هؤلاء المشركون من قريش بآيات الله بعد ما أتتهم حقيقتها, وعاينوا الدلالة على صحتها برؤيتهم القمر منفلقا فلقتين ( وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ) يقول: وآثروا اتباع ما دعتهم إليه أهواء أنفسهم من تكذيب ذلك على التصديق بما قد أيقنوا صحته من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم , وحقيقة ما جاءهم به من ربهم.وقوله ( وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) يقول تعالى ذكره: وكلّ أمر من خير أو شرّ مستقر قراره, ومتناه نهايته, فالخير مستقرّ بأهله في الجنة, والشرّ مستقرّ بأهله في النار.كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) : أي بأهل الخير الخير, وبأهل الشرّ الشرّ.

وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3({ وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } .هذا إخبار عن حالهم فيما مضى بعد أن أخبر عن حالهم في المستقبل بالشرط الذي في قوله : { وإن يروا آية يعرضوا } [ القمر : 2 ] . ومقابلة ذلك بهذا فيه شبه احتباك كأنه قيل : وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا : سحر ، وقد رأوا الآيات وأعرضوا وقالوا : سحر مستمر ، وكذبوا واتبعوا أهوائهم وسيكذبون ويتبعون أهواءهم .وعَطْف { واتبعوا أهواءهم } عطفُ العلة على المعلول لأن تكذيبهم لا دافع لهم إليه إلا اتباعُ ما تهواه أنفسهم من بقاء حالهم على ما ألفوه وعهدوه واشتهر دوامه .وجمع الأهواء دون أن يقول واتبعوا الهوى كما قال : { إن يتبعون إلا الظن } [ الأنعام : 116 ] ، حيث إن الهوى اسم جنس يصدق بالواحد والمتعدد ، فعدل عن الإِفراد إلى الجمع لمزاوجة ضمير الجمع المضاف إليه ، وللإِشارة إلى أن لهم أصنافاً متعددة من الأهواء : من حب الرئاسة ، ومن حسد المؤمنين على ما آتاهم الله ، ومن حب اتباع ملة آبائهم ، ومن محبة أصنامهم ، وإلففٍ لعوائدهم ، وحفاظ على أنفتهم .{ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرّ } .هذا تذييل للكلام السابق من قوله : { وإن يروا آية يعرضوا } إلى قوله : { أهواءهم } [ القمر : 2 ، 3 ] ، فهو اعتراض بين جملة { وكذبوا } وجملة { ولقد جاءهم من الأنباء } [ القمر : 4 ] ، والواو اعتراضية وهو جار مجرى المثل .و { كل } من أسماء العموم . وأمر : اسم يدل على جنس عاللٍ ومثله شيء ، وموجود ، وكائن ، ويتخصص بالوصف كقوله تعالى : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به } [ النساء : 83 ] وقد يتخصص بالعقل أو العادة كما تخصّص شيء في قوله تعالى عن ريح عَاد { تدمّر كل شيء } [ الأحقاف : 25 ] أي من الأشياء القابلة للتدمير . وهو هنا يعم الأمور ذوات التأثير ، أي تتحقق آثار مواهِيها وتظهر خصائصها ولو اعترضتها عوارض تعطل حصول آثارها حيناً كعوارضَ مانعة من ظهور خصائصها ، أو مدافعات يراد منها إزالة نتائجها فإن المؤثرات لا تلبث أن تتغلب على تلك الموانع والمدافعات في فُرصصِ تَمكنها من ظهور الآثار والخصائص .والكلام تمثيل شبهت حالة تردد آثار الماهية بين ظهور وخفاء إلى إبان التمكن من ظهور آثارها بحالة سير السائر إلى المكان المطلوب في مختِلف الطرق بين بُعد وقرب إلى أن يستقر في المكان المطلوب . وهي تمثيلية مكنية لأن التركيب الذي يدل على الحالة المشبه بها حُذِف ورمز إليه بذكر شيء من روادف معناه وهو وصف مستقر .ومن هذا المعنى قوله تعالى : { لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون } [ الأنعام : 67 ] وقد أخذه الكميّت بن زيد في قوله :فالآن صِرت إلى أميةَ والأمورُ إلى مصائرفالمراد بالاستقرار الذي في قوله : { مستقر } الاستقرار في الدنيا .وفي هذا تعريض بالإِيماء إيماء إلى أن أمر دعوة محمد صلى الله عليه وسلم سيرسخ ويستقر بعد تقلقله .ومستقِر : بكسر القاف اسم فاعل من استقر ، أي قَرّ ، والسين والتاء للمبالغة مثل السين والتاء في استجاب .وقرأ الجمهور برفع الراء من { مستقر } . وقرأه أبو جعفر بخفض الراء على جعل { كل أمر } عطفاً على { الساعة } [ القمر : 1 ] . والتقدير : واقترب كل أمر . وجَعل { مستقر } صِفة { أمر } .والمعنى : أن إعراضهم عن الآيات وافتراءهم عليها بأنها سحر ونحوه وتكذيبهم الصادق وتمالؤهم على ذلك لا يوهن وقعها في النفوس ولا يعوق إنتاجها . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم صائر إلى مصير أمثاله الحق من الانتصار والتمام واقتناع الناس به وتزايد أتباعه ، وأن اتباعهم أهواءهم واختلاق معاذيرهم صائر إلى مصير أمثاله الباطلة من الانخذال والافتضاح وانتقاص الأَتباع .وقد تضمن هذا التذييل بإجماله تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وتهديداً للمشركين واستدعاء لنظر المترددين .
الآية 3 - سورة القمر: (وكذبوا واتبعوا أهواءهم ۚ وكل أمر مستقر...)