سورة النازعات: الآية 12 - قالوا تلك إذا كرة خاسرة...

تفسير الآية 12, سورة النازعات

قَالُوا۟ تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ

الترجمة الإنجليزية

Qaloo tilka ithan karratun khasiratun

تفسير الآية 12

يقول هؤلاء المكذبون بالبعث: أنُرَدُّ بعد موتنا إلى ما كنا عليه أحياء في الأرض؟ أنردُّ وقد صرنا عظامًا بالية؟ قالوا: رجعتنا تلك ستكون إذًا خائبة كاذبة.

«قالوا تلك» أي رجعتنا إلى الحياة «إذا» إن صحت «كرة» رجعة «خاسرة» ذات خسران قال تعالى:

قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ أي: استبعدوا أن يبعثهم الله ويعيدهم بعدما كانوا عظاما نخرة، جهلا [منهم] بقدرة الله، وتجرؤا عليه.

فقال محمد بن كعب قالت قريش لئن أحيانا الله بعد أن نموت لنخسرن.

وقوله - تعالى - : ( قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ) حكاية لقول آخر من أقوالهم الفاسدة ، وهو بدل اشتمال من قوله - سبحانه - قبل ذلك : ( يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة ) .واسم الإِشارة " تلك " يعود إلى الردة المستفادة من قولهم ( أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ . . . ) .ولفظ " إذا " جواب لكلامهم المتقدم . والكرة : المرة من الكَرّ بمعنى الرجوع ، وجمعها : كرَّات أى : يقول هؤلاء الجاحدون : أنرد إلى الحياة التى كنا فيها بعد أن نموت ونفنى؟ وبعد أن نصير عظاما نخرة؟ لو حدث هذا بأن رددنا إلى الحياة مرة أخرى ، لكانت عودتنا عودة خاسرة غير رابحة ، وهم يقصدون بهذا الكلام الزيادة فى التهكم والاستهزاء بالبعث .والخسران : أصله عدم الربح فى التجارة ، والمراد به هنا : حدوث ما يكرهونه لهم .ونسب الخسران إلى الكرة على سبيل المجاز العقلى ، للمبالغة فى وصفهم الرجعة بالخيبة والفشل ، وإلا فالمراد خيبتهم وفشلهم هم ، لأنهم تبين لهم كذبهم ، وصدق من أخبرهم بأن الساعة حق .

( قالوا ) يعني المنكرين ( تلك إذا كرة خاسرة ) رجعة خائبة ، يعني إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت .

قالوا تلك إذا كرة خاسرة أي رجعة خائبة ، كاذبة باطلة ، أي ليست كائبة ; قاله الحسن وغيره . الربيع بن أنس : خاسرة على من كذب بها . وقيل : أي هي كرة خسران . والمعنى أهلها خاسرون ; كما يقال : تجارة رابحة أي يربح صاحبها . ولا شيء أخسر من كرة تقتضي المصير إلى النار . وقال قتادة ومحمد بن كعب : أي لئن رجعنا أحياء بعد الموت لنحشرن بالنار ، وإنما قالوا هذا ; لأنهم أوعدوا بالنار . والكر : الرجوع ; يقال : كره ، وكر بنفسه ، يتعدى ولا يتعدى . والكرة : المرة ، والجمع الكرات .

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ : أي رجعة خاسرة .حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ قال: وأيّ كرّة أخسر منها، أُحيوا ثم صاروا إلى النار، فكانت كرّة سوء.

قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12){ قالوا } بدل اشتمال من جملة { يقولون أئنا لمردودون في الحافرة } [ النازعات : 10 ] .وأعيد فعل القول لمقاصد منها الدلالة على أن قولهم هذا في غرض آخر غير القول الأول فالقول الأول قصدهم منه الإِنكار والإِبطال ، والقول الثاني قصدوا منه الاستهزاء والتورك لأنهم لا يؤمنون بتلك الكرة فوصفهم إيّاها ب { خاسرة } من باب الفرض و التقدير ، أي لو حصلت كرّة لكانت خاسرة ومنها دفع توهم أن تكون جملة { تلك إذن كرة خاسرة } استئنافاً من جانب الله تعالى .وعبر عن قولهم هذا بصيغة الماضي دون المضارع على عكس { يقولون أئنا لمرددون في الحافرة } [ النازعات : 10 ] لأن هذه المقالة قالوها استهزاء فليست مما يتكرر منهم بخلاف قولهم : { أئنا لمردودون في الحافرة فإنه حجة ناهضة في زعمهم ، فهذا مما يتكرر منهم في كل مقام . وبذلك لم يكن المقصود التعجِيبَ من قولهم هذا لأن التعجيب يقتضي الإِنكار وكون كُرَّتهم ، أي عودتهم إلى الحياة عودةً خاسرة أمر محقق لا ينكر لأنهم يعودون إلى الحياة خاسرين لا محالة .وتلك } إشارة إلى الرَّدة المستفادة من { مردودون } والإِشارة إليه باسم الإِشارة للمؤنث للإِخبار عنه ب { كرة } .و ( إذَنْ ) جواب للكلام المتقدم ، والتقدير : إذن تلك كرة خاسرة ، فقدم { تلك } على حرف الجواب للعناية بالإِشارة .والكرة : الواحدة من الكرّ ، وهو الرجوع بعد الذهاب ، أي رجْعة .والخسران : أصله نقص مال التجارة التي هي لطلب الربح ، أي زيادة المال فاستعير هنا لمصادفة المكروه غير المتوقع .ووصف الكرّة بالخاسرة مجاز عقلي للمبالغة لأن الخاسر أصحابها . والمعنى : إنا إذن خاسرون لتكذيبنا وتبيُّن صدق الذي أنذرنا بتلك الرجعة .
الآية 12 - سورة النازعات: (قالوا تلك إذا كرة خاسرة...)