سورة النجم: الآية 3 - وما ينطق عن الهوى...

تفسير الآية 3, سورة النجم

وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ

الترجمة الإنجليزية

Wama yantiqu AAani alhawa

تفسير الآية 3

أقسم الله تعالى بالنجوم إذا غابت، ما حاد محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق، وما خرج عن الرشاد، بل هو في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد، وليس نطقه صادرًا عن هوى نفسه. ما القرآن وما السنة إلا وحي من الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

«وما ينطق» بما يأتيكم به «عن الهوى» هوى نفسه.

وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى أي: ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه

( وما ينطق عن الهوى ) أي : ما يقول قولا عن هوى وغرض

و «الهوى» الميل مع شهوات النفس، دون التقيد بما يقتضيه الحق، أو العقل السليم.والمعنى: وحق النجم الذي ترونه بأعينكم- أيها المشركون- عند غروبه وأفوله، وعند رجمنا به للشياطين.. إن محمدا صلى الله عليه وسلم الذي أرسلناه إليكم شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، ما ضل عن طريق الحق في أقواله وأفعاله، وما كان رأيه مجانبا للصواب في أمر من الأمور، وما ينطق بنطق صادر عن هوى نفسه ورأيه، وإنما ينطق بما نوحيه إليه من قرآن كريم، ومن قول حكيم، ومن توجيه سديد.وقد أقسم- سبحانه- بالنجم عند غروبه، للإشعار بأن هذا المخلوق العظيم مسخر لإرادة الله- تعالى- وقدرته فهو مع لمعانه وظهوره في السماء لا يتأبى عن الغروب والأفول، إذا ما أراد الله- تعالى- له ذلك، ولا يصلح أن يكون إلها، لأنه خاضع لإرادة خالقه.ولقد حكى- سبحانه- عن نبيه إبراهيم أنه حين جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي، فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ.قال بعض العلماء: والوجه أن يكون قوله: إِذا هَوى بدل اشتمال من النجم، لأن المراد من النجم أحواله الدالة على قدرة خالقه ومصرفه، ومن أعظم أحواله حال هويّه وسقوطه، ويكون «إذا» اسم زمان مجردا عن معنى الظرفية، في محل جر بحرف القسم.. .وقال- سبحانه-: صاحِبُكُمْ للإشارة إلى ملازمته صلى الله عليه وسلم لهم، طوال أربعين سنة قبل البعثة، وأنهم في تلك المدة الطويلة لم يشاهدوا منه إلا الصدق، والأمانة، والعقل الراجح، والقول السديد.. وأنهم لم يخف عليهم حاله بل كانوا مصاحبين له، ومطلعين على سلوكه بينهم، فقولهم بعد بعثته صلى الله عليه وسلم إنه ساحر أو مجنون.. هو نوع من كذبهم البين، وجهلهم المطبق..

( وما ينطق عن الهوى ) أي : بالهوى يريد لا يتكلم بالباطل ، وذلك أنهم قالوا : إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - يقول القرآن من تلقاء نفسه .

قوله تعالى : وما ينطق عن الهوى .قوله تعالى : وما ينطق عن الهوى قال قتادة : وما ينطق بالقرآن عن هواه وقيل : عن الهوى أي بالهوى ; قاله أبو عبيدة ; كقوله تعالى : فاسأل به خبيرا أي فاسأل عنه . النحاس : قول قتادة أولى ، وتكون " عن " على بابها ، أي ما يخرج نطقه عن رأيه ، إنما هو بوحي من الله عز وجل ; لأن بعده : إن هو إلا وحي يوحى .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)يقول تعالى ذكره: وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه ( إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ) يقول: ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) : أي ما ينطق عن هواه .

وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3(وقال الراغب : قيل أراد بذلك أي ب { النجم } القرآن المنزل المنجم قدراً فقدراً ، ويعني بقوله : { هوى } نزوله اه .ومناسبة القسم ب { النجم إذا هَوَى } ، أن الكلام مسوق لإثباتتِ أن القرآن وحي من الله منزل من السماء فشابَه حالُ نزوله الاعتباريِّ حال النجم في حالة هويِّه مشابهة تمثيلية حاصلة من نزول شيء منيرٍ إنارة معنوية نازل من محل رفعة معنوية ، شبه بحالة نزول نجم من أعلى الأفق إلى أسفله وهو من تمثيل المعقول بالمحسوس ، أو الإِشارة إلى مشابهة حالة نزول جبريل من السماوات بحالة نزول النجم من أعلى مكانه إلى أسفله ، أو بانقضاض الشهاب تشبيه محسوس بمحسوس ، وقد يشبهون سرعة الجري بإنقضاض الشهاب ، قال أوس بن حجر يصف فرساً :فانقضّ كالدُريّ يتبعه ... نقع يثور تخاله طُنباوالضلال : عدم الاهتداء إلى الطريق الموصل إلى المقصود ، وهو مجاز في سلوك ما ينافي الحق .والغواية : فساد الرأي وتعلقه بالباطل .والصاحب : الملازم للذي يضاف إليه وصف صاحب ، والمراد بالصاحب هنا : الذي له ملابسات وأحوال مع المضاف إليه ، والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم وهذا كقول أبي مَعبد الخزاعي الوارد في أثناء قصة الهجرة لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته وفيها أمُّ معبد وذكرت له معجزة مسحه على ضرع شاتها : «هذا صاحب قريش» ، أي صاحب الحوادث الحادثة بينه وبينهم .وإيثار التعبير عنه بوصف { صاحبكم } تعريض بأنهم أهل بهتان إذ نسبوا إليه ما ليس منه في شيء مع شدة إطلاعهم على أحواله وشؤونه إذ هو بينهم في بلد لا تتعذر فيه إحاطة علم أهله بحال واحد معين مقصود من بينهم .ووقع في خطبة الحجاج بعد دَير الجماجم قوله للخوارج «ألستم أصحابي بالأهواز حين رُمتم الغدر واستبطنتم الكفر» يريد أنه لا تخفى عنه أحوالهم فلا يحاولون التنصل من ذنوبهم بالمغالطة والتشكيك .وهذا رد من الله على المشركين وإبطال لقولهم في النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم قالوا : مجنون ، وقالوا : ساحر ، وقالوا : شاعر ، وقالوا في القرآن : إنْ هذا إلا اختلاق .فالجنون من الضلال لأن المجنون لا يهتدي إلى وسائل الصواب ، والكذبُ والسحر ضلال وغواية ، والشعر المتعارف بينهم غواية كما قال تعالى : { والشعراء يتبعهم الغاوون } [ الشعراء : 224 ] أي يحبذون أقوالهم لأنها غواية .وعُطف على جواب القسم { ما ينطق عن الهوى } وهذا وصف كمال لذاته . والكلام الذي ينطق به هو القرآن لأنهم قالوا فيه : { إن هذا إلا إفك افتراه } [ الفرقان : 4 ] وقالوا : { أساطير الأولين اكتتبها } [ الفرقان : 5 ] وذلك ونحوه لا يعدُو أن يكون اختراعه أو اختياره عن محبة لما يُخترع وما يُختار بقطع النظر عن كونه حقاً أو باطلاً ، فإن من الشعر حكمة ، ومنه حكاية واقعات ، ومنه تخيلات ومفتريات . وكله ناشىء عن محبة الشاعر أن يقول ذلك ، فأراهم الله أن القرآن داععٍ إلى الخير .و ( ما ( نافية نفت أن ينطق عن الهوى .والهوى : ميل النفس إلى ما تحبه أو تحب أن تفعله دون أن يقتضيه العقل السليم الحكيم ، ولذلك يختلف الناس في الهوى ولا يَختلفون في الحق ، وقد يحب المرء الحق والصواب . فالمراد بالهوى إذا أطلق أنه الهوى المجرد عن الدليل .ونفي النطق عن هَوى يقتضي نفي جنس ما يَنْطق به عن الاتصاف بالصدور عن هوى سواء كان القرآن أو غيره من الإِرشاد النبوي بالتعليم والخطابة والموعظة والحكمة ، ولكن القرآن هو المقصود لأنه سبب هذا الرد عليهم .واعلم أن تنزيهه صلى الله عليه وسلم عن النطق عن هوى يقتضي التنزيه عن أن يفعل أو يحكم عن هوى لأن التنزه عن النطق عن هوى أعظم مراتب الحكمة . ولذلك ورد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم «أنه يمزح ولا يقول إلا حقًّا» . وهنا تم إبطال قولهم فحسن الوقف على قوله : { وما ينطق عن الهوى } .وبين { هوى } و { الهوى } جِناس شبه التام .
الآية 3 - سورة النجم: (وما ينطق عن الهوى...)