سورة ق: الآية 11 - رزقا للعباد ۖ وأحيينا به...

تفسير الآية 11, سورة ق

رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِۦ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ

الترجمة الإنجليزية

Rizqan lilAAibadi waahyayna bihi baldatan maytan kathalika alkhurooju

تفسير الآية 11

أنبتنا ذلك رزقًا للعباد يقتاتون به حسب حاجاتهم، وأحيينا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء بلدة قد أجدبت وقحطت، فلا زرع فيها ولا نبات، كما أحيينا بذلك الماء الأرض الميتة نخرجكم يوم القيامة أحياء بعد الموت.

«رزقا للعباد» مفعول له «وأحيينا به بلدة ميتا» يستوي فيه المذكر والمؤنث «كذلك» أي مثل هذا الإحياء «الخروج» من القبور فكيف تنكرونه والاستفهام للتقرير والمعنى أنهم نظروا وعلموا ما ذكر.

وحاصل هذا، أن ما فيها من الخلق الباهر، والشدة والقوة، دليل على كمال قدرة الله تعالى، وما فيها من الحسن والإتقان، وبديع الصنعة، وبديع الخلقة دليل على أن الله أحكم الحاكمين، وأنه بكل شيء عليم، وما فيها من المنافع والمصالح للعباد، دليل على رحمة الله، التي وسعت كل شيء، وجوده، الذي عم كل حي، وما فيها من عظم الخلقة، وبديع النظام، دليل على أن الله تعالى، هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، ولم يكن له كفوًا أحد، وأنه الذي لا تنبغي العبادة، والذل [والحب] إلا له تعالى.وما فيها من إحياء الأرض بعد موتها، دليل على إحياء الله الموتى، ليجازيهم بأعمالهم، ولهذا قال: وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ولما ذكرهم بهذه الآيات السماوية والأرضية، خوفهم أخذات الأمم، وألا يستمروا على ما هم عليه من التكذيب، فيصيبهم ما أصاب إخوانهم من المكذبين، فقال:

( رزقا للعباد ) أي : للخلق ، ( وأحيينا به بلدة ميتا ) وهي : الأرض التي كانت هامدة ، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك ، مما يحار الطرف في حسنها ، وذلك بعد ما كانت لا نبات بها ، فأصبحت تهتز خضراء ، فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك ، كذلك يحيي الله الموتى . وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث كقوله تعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) [ غافر : 57 ] ، وقوله : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ) [ الأحقاف : 33 ] ، وقال تعالى : ( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ) [ فصلت : 39 ] .

وقوله: رِزْقاً لِلْعِبادِ بيان للحكمة من إنزال المطر وإنبات الزرع..أى: أنبتنا ما أنبتنا من الجنات ومن النخل الباسقات.. ليكون ذلك رزقا نافعا للعباد..وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً أى: وأحيينا بذلك الماء الذي أنزلناه بلدة كانت مجدبة، وأرضا كانت خالية من النبات والزروع، وتذكير مَيْتاً لكون البلدة بمعنى المكان.وقوله: كَذلِكَ الْخُرُوجُ جملة مستأنفة لبيان أن الخروج من القبور عند البعث، مثله كمثل هذا الإحياء للأرض التي كانت جدباء ميتة، بأن أنبتت من كل زوج بهيج بعد أن كانت خالية من ذلك.فوجه الشبه بين إحياء الأرض بالنبات بعد جدبها، وبين إحياء الإنسان بالبعث بعد موته، استواء الجميع في أنه جاء بعد عدم.قال ابن كثير: قوله: وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ... وهي الأرض التي كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج. وذلك بعد أن كانت لا نبات فيها، فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك، كذلك يحيى الله الموتى، وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس، أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث..كقوله- تعالى-: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ.وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وقوله- تعالى-: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت ألوانا من الأدلة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، وعلى أن البعث حق، وأنه آت لا ريب فيه.وبعد هذا العرض البديع لمظاهر قدرة الله- تعالى- في هذا الكون، ولمظاهر نعمه على خلقه، ساقت السورة الكريمة جانبا من أحوال المكذبين للرسل السابقين. تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من قومه، فقال- تعالى-:

( رزقا للعباد ) أي جعلناها رزقا للعباد ( وأحيينا به ) أي بالمطر ( بلدة ميتا ) أنبتنا فيها الكلأ ( كذلك الخروج ) من القبور .

رزقا للعباد أي : رزقناهم رزقا ، أو على معنى أنبتناها رزقا ; لأن الإنبات في معنى الرزق ، أو على أنه مفعول له أي : أنبتناها لرزقهم ، والرزق ما كان مهيأ للانتفاع به . وقد تقدم القول فيه .وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج أي : من القبور أي : كما أحيا الله هذه الأرض الميتة فكذلك يخرجكم أحياء بعد موتكم ; فالكاف في محل رفع على الابتداء . وقد مضى هذا المعنى في غير موضع . وقال " ميتا " لأن المقصود المكان ولو قال ميتة لجاز .

وقوله ( رِزْقًا لِلْعِبَادِ ) يقول: أنبتنا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء هذه الجنات, والحبّ والنخل قوتا للعباد, بعضها غذاء, وبعضها فاكهة ومتاعا.وقوله ( وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ) يقول تعالى ذكره وأحيينا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء بلدة ميتا قد أجدبت وقحطت, فلا زرع فيها ولا نبت.وقوله ( كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ) يقول تعالى ذكره: كما أنبتنا بهذا الماء هذه الأرض الميتة, فأحييناها به, فأخرجنا نباتها وزرعها, كذلك نخرجكم يوم القيامة أحياء من قبوركم من بعد بلائكم فيها بما ينزل عليها من الماء.

رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11({ نَّضِيدٌ * رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً }مفعول لأجله لقوله : { فأنبتنا به جنات } [ ق : 9 ] إلى آخره ، فهو مصدر ، أي لنرزق العباد ، أي نقوتهم . والقول في التعليل به كالقول في التعليل بقوله : { تبصرة وذكرى } [ ق : 8 ] .والعباد : الناس وهو جمع عبد بمعنى عبد الله ، فأمّا العبد المملوك فجمعه العبيد . وهذا استدلال وامتنان .{ عِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً } .عطف على { رزقا للعباد } عطف الفعل على الاسم المشتق من الفعل وهو رزقه المشتق لأنه في معنى : رزقنا العباد وأحيينا به بلدة ميتا ، أي لرعي الأنعام والوحش فهو استدلال وفيه امتنان . والبلدة : القطعة من الأرض .والمَيْت بالتخفيف : مرادف المَيِّت بالتشديد قال تعالى : { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكون } [ يس : 33 ] .وتذكير الميت وهو وصف للبلدة ، وهي مؤنث على تأويله بالبلد لأنه مرادفه ، وبالمكان لأنه جنسه ، شبه الجدْب بالموت في انعدام ظهور الآثار ، ولذلك سمي ضده وهو إنبات الأرض حياة . ويقال لخِدمة الأرض اليابسة وسقِيها : إحياءُ موات .{ مَّيْتاً كذلك } .بعد ظهور الدلائل بصنع الله على إمكان البعث لأن خلق تلك المخلوقات من عدم يدل على أن إعادة بعض الموجودات الضعيفة أمكنُ وأهَونُ ، جيء بما يفيد تقريب البعث بقوله : { كذلك الخروج } .فهذه الجملة فذلكة للاستدلال على إمكان البعث الذي تضمنته الجمل السابقة فوجب انفصال هذه الجملة فتكون استئنافاً أو اعتراضاً في آخر الكلام على رأي من يجيزه وهو الأصح .والإشارة { بذلك } إلى ما ذكر آنفاً من إحياء الأرض بعد موتها ، أي كما أحيينا الأرض بعد موتها كذلك نحيي الناس بعد موتهم وبلاِهم ، مع إفادتها تعظيم شأن المشار إليه ، أي مثل البعث العظيم الإبداع .والتعريف في { الخروج } للعهد ، أي خروج الناس من الأرض كما قال تعالى : { يوم يخرجون من الأجداث سِراعا } [ المعارج : 43 ] . ف { الخروج } صار كالعلَم بالغلبة على البعث ، وسيأتي قوله تعالى : { ذلك يوم الخروج } [ ق : 42 ] . وتقديم المجرور على المبتدإ للاهتمام بالخبر لما في الخبر من دفع الاستحالة وإظهار التقريب ، وفيه تشويق لتلقي المسند إليه .
الآية 11 - سورة ق: (رزقا للعباد ۖ وأحيينا به بلدة ميتا ۚ كذلك الخروج...)