سورة عبس: الآية 19 - من نطفة خلقه فقدره...

تفسير الآية 19, سورة عبس

مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ

الترجمة الإنجليزية

Min nutfatin khalaqahu faqaddarahu

تفسير الآية 19

لُعِنَ الإنسان الكافر وعُذِّب، ما أشدَّ كفره بربه!! ألم ير مِن أيِّ شيء خلقه الله أول مرة؟ خلقه الله من ماء قليل- وهو المَنِيُّ- فقدَّره أطوارا، ثم بين له طريق الخير والشر، ثم أماته فجعل له مكانًا يُقبر فيه، ثم إذا شاء سبحانه أحياه، وبعثه بعد موته للحساب والجزاء. ليس الأمر كما يقول الكافر ويفعل، فلم يُؤَدِّ ما أمره الله به من الإيمان والعمل بطاعته.

«من نطفة خلقه فقدره» علقة ثم مضغة إلى آخر خلقه.

خلقه الله من ماء مهين، ثم قدر خلقه، وسواه بشرا سويا، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة.

أي قدر أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد.

ثم وضح - سبحانه - كيفية خلق الإِنسان فقال : ( مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) أى : خلق الله - تعالى - الإِنسان من نطفة ، أى : من ماء قليل يخرج من الرجل إلى رحم المرأة - ( فقدره ) أى : فأوجد الله - تعالى - الإِنسان بعد ذلك إيجادا متقنا محكما ، حيث صير بقدرته النطفة علقة فمضغة . . ثم أنشأه خلقا آخر ثُمَّ خَلَقْنَا( فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ) .

ثم فسره فقال: "من نطفة خلقه فقدره"، أطواراً: نطفة ثم علقة إلى آخر خلقه، قال الكلبي: قدر خلقه، رأسه وعينيه ويديه ورجليه.

من نطفة أي من ماء يسير مهين جماد خلقه فلم يغلط في نفسه ؟ ! قال الحسن : كيف يتكبر من خرج من سبيل البول مرتين . فقدره في بطن أمه . كذا روى الضحاك عن ابن عباس : أي قدر يديه ورجليه وعينيه وسائر آرابه ، وحسنا ودميما ، وقصيرا وطويلا ، وشقيا وسعيدا . وقيل : فقدره أي فسواه كما قال : أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا . وقال : الذي خلقك فسواك . وقيل : فقدره أطوارا أي من حال إلى حال ; نطفة ثم علقة ، إلى أن تم خلقه .

ثم بين جلّ ثناؤه الذي منه خلقه، فقال: ( مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) أحوالا نطفة تارة، ثم عَلَقة أخرى، ثم مُضغة، إلى أن أتت عليه أحواله وهو في رحم أمه.

مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) وقدم الجار والمجرور في قوله : { من نطفة خلقه } محاكاة لتقديم المبيَّن في السؤال الذي اقتضى تقديمَه كونُه استفهاماً يستحق صدر الكلام ، مع الاهتمام بتقديم ما منه الخلق ، لما في تقديمه من التنبيه للاستدلال على عظيم حكمة الله تعالى إذ كوّن أبدع مخلوققٍ معروف من أهون شيء وهو النطفة .وإنما لم يستغن عن إعادة فعل خلقه في جملة الجواب مع العلم به بتقدم ذكر حاصله في السؤال لزيادة التنبيه على دقة ذلك الخلق البديع .فذكر فعل { خلقه } الثاني من أسلوب المساواة ليس بإيجاز ، وليس بإطناب .والنطفة : الماء القليل ، وهي فُعلة بمعنى مفعولة كقولهم : قُبضةُ حَب ، وغُرفة ماء . وغلب إطلاق النطفة على الماء الذي منه التناسل ، فذُكرت النطفة لتعيُّن ذكرها لأنها مادة خلق الحيوان للدلالة على أن صنع الله بديع فإمكان البعث حاصل ، وليس في ذكر النطفة هنا إيماء إلى تحقير أصل نشأة الإنسان لأن قصد ذلك محل نظر ، على أن المقام هنا للدلالة على خلققٍ عظيم وليس مقام زجر المتكبر .وفُرع على فعل { خلقه } فعلُ { فقدره } بفاء التفريع لأن التقدير هنا إيجاد الشيء على مقدار مضبوط منظم كقوله تعالى : { وخلق كل شيء فقدره تقديراً } [ الفرقان : 2 ] أي جعل التقدير من آثار الخلق لأنه خلقه متهيئاً للنماء وما يلابسه من العقل والتصرف وتمكينه من النظر بعقله ، والأعمال التي يريد إتيانها وذلك حاصل مع خلقه مدرَّجاً مفرعاً .وهذا التفريع وما عطف عليه إدماج للامتنان في خلال الاستدلال .
الآية 19 - سورة عبس: (من نطفة خلقه فقدره...)