تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة القصص بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة القصص مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.
معلومات عن سورة القصص
نوع سورة القصص: مكية
عدد الآيات في سورة القصص: 88
ترتيب سورة القصص في القرآن الكريم: 28
ترتيب نزول الوحي: 49
اسم السورة باللغة الإنجليزية: The Stories
أرقام الصفحات في القرآن الكريم: من الصفحة 385 إلى 396
تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الإشارة في قوله { تلك ءايات الكتاب المبين } على نحو الإشارة في نظيره في سورة الشعراء [ 2 ] . فالمشار إليه ما هو مقروء يوم نزول هذه الآية من القرآن تنويهاً بشأن القرآن وأنه شأن عظيم .
Natloo AAalayka min nabai moosa wafirAAawna bialhaqqi liqawmin yuminoona
نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)وجملة { نتلو عليك من نبأ موسى } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً .ومهد لنبأ موسى وفرعون بقوله { نتلو عليك } للتشويق لهذا النبأ لما فيه من شتى العبر بعظيم تصرف الله في خلقه .والتلاوة : القراءة لكلام مكتوب أو محفوظ كما قال تعالى { وأن أتلو القرآن } [ النمل : 92 ] ، وهو يتعدى إلى من تبلغ إليه التلاوة بحرف ( على ) وتقدمت عند قوله { واتبعوا ما تتلو الشياطين } في [ البقرة : 102 ] ، وقوله { وإذا تليت عليهم ءاياته } في سورة [ الأنفال : 2 ] .وإسناد التلاوة إلى الله إسناد مجازي لأنه الذي يأمر بتلاوة ما يوحى إليه من الكلام والذي يتلو حقيقة هو جبريل بأمر من الله ، وهذا كقوله تعالى { تلك ءايات الله نتلوها عليك بالحق } في سورة [ البقرة : 252 ] .وجلعت التلاوة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الذي يتلقى ذلك المتلو . وعبر عن هذا الخبر بالنبإ لإفادة أنه خبر ذو شأن وأهمية .واللام في { لقوم يؤمنون } لام التعليل ، أي نتلو عليك لأجل قوم يؤمنون فكانت الغاية من تلاوة النبأ على النبي صلى الله عليه وسلم هي أن ينتفع بذلك قوم يؤمنون فالنبي يبلغ ذلك للمؤمنين؛ فإن كان فريق من المؤمنين سألوا أو تشوّفوا إلى تفصيل ما جاء من قصة موسى وفرعون في سورة الشعراء وسورة النمل وهو الظاهر ، فتخصيصهم بالتعليل واضح وانتفاع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك معهم أجدر وأقوى ، فلذلك لم يتعرض له بالذكر اجتزاء بدلالة الفحوى لأن المقام لإفادة من سأل وغيرهم غير ملتفت إليه في هذا المقام .وإن لم يكن نزول هذه القصة عن تشوف من المسلمين فتخصيص المؤمنين بالتلاوة لأجلهم تنويه بأنهم الذين ينتفعون بالعِبَر والمواعظ لأنهم بإيمانهم أصبحوا متطلّبين للعلم والحكمة متشوفين لأمثال هذه القصص النافعة ليزدادوا بذلك يقيناً .وحصول ازدياد العلم للنبيء صلى الله عليه وسلم بذلك معلوم من كونه هو المتلقي والمبلغ ليتذكر من ذلك ما علمه من قبل ويزداد علماً بما عسى أن لا يكون قد علمه ، وفي ذلك تثبيت فؤاده كما قال تعالى { وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } [ هود : 120 ] .فالمراد بقوم يؤمنون قوم الإيمان شأنهم وسجيتهم . وللإشارة إلى معنى تمكن الإيمان من نفوسهم أجري وصف الإيمان على كلمة ( قوم ) ليفيد أن كونهم مؤمنين هو من مقومات قوميتهم كما قدمناه غير مرة . فالمراد : المتلبسون بالإيمان . وجيء بصيغة المضارع للدلالة على أن إيمانهم موجود في الحال ومستمر متجدد .وفي هذا إعراض عن العبء بالمشركين في سوق هذه القصة بما يقصد فيها من العبرة والموعظة فإنهم لم ينتفعوا بذلك وإنما انتفع بها من آمن ومن سيؤمن بعد سماعها .والباء في قوله { بالحق } للملابسة ، وهو حال من ضمير { نتلو } ، أو صفة للتلاوة المستفادة من { نتلو } .والحق : الصدق لأن الصدق حق إذ الحق هو ما يحق له أن يثبت عند أهل العقول السليمة والأديان القويمة .ومفعول { نتلو } محذوف دل عليه صفته وهي { من نبإ موسى وفرعون } فالتقدير : نتلو عليك كلاماً من نبأ موسى وفرعون .و { من } تبعيضية فإن المتلو في هذه السورة بعض قصة موسى وفرعون في الواقع ألا ترى أنه قد ذكرت في القرآن أشياء من قصة موسى لم تذكر هنا مثل ذكر آية الطوفان والجراد .وجعل الزمخشري { من } اسماً بمعنى ( بعض ) فجعلها مفعول { نتلو } . وجعل الأخفش { من } زائدة لأنه يرى أن { من } تزاد في الإثبات ، فجعل { نبإ موسى } هو المفعول جُرّ بحرف الجر الزائدة .والنبأ : الخبر المهم العظيم .
Inna firAAawna AAala fee alardi wajaAAala ahlaha shiyaAAan yastadAAifu taifatan minhum yuthabbihu abnaahum wayastahyee nisaahum innahu kana mina almufsideena
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)وهذه الجملة وما عطف عليها بيان لجملة { نتلو } [ القصص : 3 ] أو بيان ل { نبأ موسى وفرعون } [ القصص : 3 ] فقدم له الإجمال للدلالة على أنه نبأ له شأن عظيم وخطر بما فيه من شتى العبر . وافتتاحها بحرف التوكيد للاهتمام بالخبر .وابتدئت القصة بذكر أسبابها لتكون عبرة للمؤمنين يتخذون منها سنناً يعلمون بها علل الأشياء ومعلولاتها ، ويسيرون في شؤونهم على طرائقها ، فلولا تجبر فرعون وهو من قبيح الخلال من حلّ به وبقومه الاستئصال ، ولما خرج بنو إسرائيل من ذل العبودية . وهذا مصداق المثل : مصائب قوم عند قوم فوائد ، وقوله تعالى { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم } [ البقرة : 216 ] .وصورت عظمة فرعون في الدنيا بقوله { علا في الأرض } لتكون العبرة بهلاكه بعد ذلك العلو أكبر العبر .ومعنى العلوّ هنا الكِبْر ، وهو المذموم من العلو المعنوي كالذي في قوله تعالى { نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض } [ القصص : 83 ] . ومعناه : أن يستشعر نفسه عالياً على موضع غيره ليس يساويه أحد ، فالعلو مستعار لمعنى التفوّق على غيره ، غير محقوق لحق من دين أو شريعة أو رعي حقوق المخلوقات معه فإذا استشعر ذلك لم يعبأ في تصرفاته برعي صلاح وتجنب فساد وضر وإنما يتبع ما تحدوه إليه شهوته وإرضاء هواه ، وحسبك أن فرعون كان يجعل نفسه إلهاً وأنه ابن الشمس .فليس من العلو المذموم رجحان أحد في أمر من الأمور لأنه جدير بالرجحان فيه جرياً على سبب رجحان عقلي كرجحان العالم على الجاهل والصالح على الطالح والذكي على الغبي ، أو سبب رجحان عادي ويشمل القانوني وهو كل رجحان لا يستقيم نظام الجماعات إلا بمراعاته كرجحان أمير الجيش على جنوده ورجحان القاضي على المتخاصمين .وأعدل الرجحان ما كان من قبل الدين والشريعة كرجحان المؤمن على الكافر ، والتقي على الفاسق ، قال تعالى { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } [ الحديد : 10 ] ويترجح في كل عمل أهل الخبرة به والإجادة فيه وفيما وراء ذلك فالأصل المساواة .وفرعون هذا هو ( رعمسيس ) الثاني وهو الملك الثالث من ملوك العائلة التاسعة عشرة في اصطلاح المؤرخين للفراعنة ، وكان فاتحاً كبيراً شديد السطوة وهو الذي ولد موسى عليه السلام في زمانه على التحقيق .و { الأرض } : هي أرض مصر ، فالتعريف فيها للعهد لأن ذكر فرعون يجعلها معهودة عند السامع لأن فرعون اسم ملك مصر . ويجوز أن تجعل المراد بالأرض جميع الأرض يعني المشهور المعروف منها ، فإطلاق الأرض كإطلاق الاستغراق العرفي فقد كان ملك فرعون ( رعمسيس ) الثاني ممتداً من بلاد الهند من حدود نهر ( الكنك ) في الهند إلى نهر ( الطونة ) في أوروبا ، فالمعنى أرض مملكته ، وكان علوه أقوى من علو ملوك الأرض وسادة الأقوام .والشيع : جمع شيعة . والشيعة : الجماعة التي تشايع غيرها على ما يريد ، أي تتابعه وتطيعه وتنصره كما قال تعالى { هذا من شيعته وهذا من عدوه } [ القصص : 15 ] ، وأطلق على الفرقة من الناس على سبيل التوسع بعلاقة الإطلاق عن التقييد قال تعالى { من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون } [ الروم : 32 ] .ومن البلاغة اختياره هنا ليدل على أنه جعل أهل بلاد القبط فرقاً ذات نزعات تتشيع كل فرقة إليه وتعادي الفرقة الأخرى ليتم لهم ضرب بعضهم ببعض ، وقد أغرى بينهم العداوة ليأمن تألبهم عليه كما يقال «فرّق تحكم» وهي سياسة لا تليق إلا بالمكر بالضد والعدو ولا تليق بسياسة ولي أمر الأمة الواحدة .وكان ( رعمسيس ) الثاني قسم بلاد مصر إلى ست وثلاثين إيالة وأقام على كل إيالة أمراء نواباً عنه ليتسنى له ما حكي عنه في هذه الآية بقوله تعالى { يستضعف طائفة منهم } الواقع موقع الحال من ضمير { جعل } وأبدلت منها بدل اشتمال جملة { يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم } لأنه ما فعل ذلك بهم إلا لأنه عدّهم ضعفاء ، أي أذلة فكان يسومهم العذاب ويسخّرهم لضرب اللبن وللأعمال الشاقة . والطائفة المستضعفة هي طائفة بني إسرائيل ، وضمير { منهم } عائد إلى { أهلها } لا إلى { شيعاً } . وتقدم الكلام على ذبح أبناء بني إسرائيل في سورة البقرة .وجملة { إنه كان من المفسدين } تعليل لجملة { إن فرعون علا في الأرض } . وقد علمت مما مضى عند قوله { قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } في سورة [ البقرة : 67 ] أن الخبر بتلك الصيغة أدل على تمكن الوصف مما لو قيل : أن أكون جاهلاً ، فكذلك قوله { إنه كان من المفسدين } دال على شدة تمكن الإفساد من خلقه ولفعل الكون إفادة تمكن خبر الفعل من اسمه .فحصل تأكيد لمعنى تمكن الإفساد من فرعون ، ذلك أن فعله هذا اشتمل على مفاسد عظيمة .المفسدة الأولى : التكبر والتجبر فإنه مفسدة نفسية عظيمة تتولد منها مفاسد جمة من احتقار الناس والاستخفاف بحقوقهم وسوء معاشرتهم وبث عداوته فيهم ، وسوء ظنه بهم وأن لا يرقب فيهم موجبات فضل سوى ما يرضي شهوته وغضبه ، فإذا انضم إلى ذلك أنه ولي أمرهم وراعيهم كانت صفة الكبر مقتضية سوء رعايته لهم والاجتراء على دحض حقوقهم ، وأن يرمقهم بعين الاحتقار فلا يعبأ بجلب الصالح لهم ودفع الضر عنهم ، وأن يبتز منافعهم لنفسه ويسخر من استطاع منهم لخدمة أغراضه وأن لا يلين لهم في سياسة فيعاملهم بالغلظة وفي ذلك بث الرعب في نفوسهم من بطشه وجبروته ، فهذه الصفة هي أمّ المفاسد وجماعها ولذلك قدمت على ما يذكر بعدها ثم أعقبت بأنه { كان من المفسدين } .المفسدة الثانية : أنه جعل أهل المملكة شيعاً وفرّقهم أقساماً وجعل منهم شيعاً مقربين منه ويفهم منه أنه جعل بعضهم بضد ذلك وذلك فساد في الأمة لأنه يثير بينها التحاسد والتباغض ، ويجعل بعضها يتربص الدوائر ببعض ، فتكون الفرق المحظوظة عنده متطاولة على الفرق الأخرى ، وتكدح الفرق الأخرى لتزحزح المحظوظين عن حظوتهم بإلقاء النميمة والوشايات الكاذبة فيحلوا محل الآخرين .وهكذا يذهب الزمان في مكائد بعضهم لبعض فيكون بعضهم لبعض فتنة ، وشأن الملك الصالح أن يجعل الرعية منه كلها بمنزلة واحدة بمنزلة الأبناء من الأب يحب لهم الخير ويقومهم بالعدل واللين ، لا ميزة لفرقة على فرقة ، ويكون اقتراب أفراد الأمة منه بمقدار المزايا النفسية والعقلية .المفسدة الثالثة : أنه يستضعف طائفة من أهل مملكته فيجعلها محقرة مهضومة الجانب لا مساواة بينها وبين فرق أخرى ولا عدل في معاملتها بما يعامل به الفرق الأخرى ، في حين أن لها من الحق في الأرض ما لغيرها لأن الأرض لأهلها وسكانها الذين استوطنوها ونشأوا فيها .والمراد بالطائفة : بنو إسرائيل وقد كانوا قطنوا في أرض مصر برضى ملكها في زمن يوسف وأعطوا أرض ( جاسان ) وعمروها وتكاثروا فيها ومضى عليهم فيها أربعمائة سنة ، فكان لهم من الحق في أرض المملكة ما لسائر سكانها فلم يكن من العدل جعلهم بمنزلة دون منازل غيرهم ، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى { طائفة منهم } إذ جعلها من أهل الأرض الذين جعلهم فرعون شيعاً .وأشار بقوله { طائفة } إلى أنه استضعف فريقاً كاملاً ، فأفاد ذلك أن الاستضعاف ليس جارياً على أشخاص معيّنين لأسباب تقتضي استضعافهم ككونهم ساعين بالفساد أو ليسوا أهلاً للاعتداد بهم لانحطاط في أخلاقهم وأعمالهم بل جرى استضعافه على اعتبار العنصرية والقبلية وذلك فساد لأنه يقرن الفاضل بالمفضول .من أجل ذلك الاستضعاف المنوط بالعنصرية أجرى شدته على أفراد تلك الطائفة دون تمييز بين مستحق وغيره ولم يراع غير النوعية من ذكورة وأنوثة وهي :المفسدة الرابعة : أنه { يذبح أبناءهم } أي يأمر بذبحهم ، فإسناد الذبح إليه مجاز عقلي . والمراد بالأبناء : الذكور من الأطفال . وقد تقدم ذكر ذلك في سورة البقرة . وقصده من ذلك أن لا تكون لبني إسرائيل قوة من رجال قبيلتهم حتى يكون النفوذ في الأرض لقومه خاصة .المفسدة الخامسة : أنه يستحيي النساء ، أي يستبقي حياة الإناث من الأطفال ، فأطلق عليهم اسم النساء باعتبار المآل إيماء إلى أنه يستحييهن ليصرن نساء فتصلحن لما تصلح له النساء وهو أن يصرن بغايا إذ ليس لهن أزواج . وإذ كان احتقارهن بصد قومه عن التزوج بهن فلم يبق لهن حظ من رجال القوم إلا قضاء الشهوة ، وباعتبار هذا المقصد انقلب الاستحياء مفسدة بمنزلة تذبيح الأبناء إذ كل ذلك اعتداء على الحق . وقد تقدم آنفاً موقع جملة { إنه كان من المفسدين } .
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) عطفت جملة { ونريد } على جملة { إن فرعون علا في الأرض } [ القصص : 4 ] لمناسبة ما في تلك الجملة من نبأ تذبيح الأبناء واستحياء النساء ، فذلك من علو فرعون في الأرض وهو بيان لنبإ موسى وفرعون فإن إرادة الله الخير بالذين استضعفهم فرعون من تمام نبإ موسى وفرعون ، وهو موقع عبرة عظيمة من عِبَر هذه القصة .وجيء بصيغة المضارع في حكاية إرادة مضت لاستحضار ذلك الوقت كأنه في الحال لأن المعنى أن فرعون يطغى عليهم والله يريد في ذلك الوقت إبطال عمله وجعلهم أمة عظيمة ، ولذلك جاز أن تكون جملة { ونريد } في موضع الحال من ضمير { يستضعف } [ القصص : 4 ] باعتبار أن تلك الإرادة مقارنة لوقت استضعاف فرعون إياهم . فالمعنى على الاحتمالين : ونحن حينئذ مُريدون أن ننعم في زمن مستقبل على الذين استضعفوا .والمنّ : الإنعام ، وجاء مضارعه مضموم العين على خلاف القياس .و { الذين استضعفوا في الأرض } هم الطائفة التي استضعفها فرعون . و { الأرض } هي الأرض في قوله { إن فرعون علا في الأرض } [ القصص : 4 ] .ونكتة إظهار { الذين استضعفوا } دون إيراد ضمير الطائفة للتنبيه على ما في الصلة من التعليل فإن الله رحيم لعباده ، وينصر المستضعفين المظلومين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً .وخص بالذكر من المن أربعة أشياء عطفت على فعل { نمنّ } عطف الخاص على العام وهي : جعلهم أيمة ، وجعلهم الوارثين ، والتمكين لهم في الأرض ، وأن يكون زوال ملك فرعون على أيديهم في نعم أخرى جمة ، ذكر كثير منها في سورة البقرة .فأما جعلهم أيمة فذلك بأن أخرجهم من ذلّ العبودية وجعلهم أمة حرة مالكة أمر نفسها لها شريعة عادلة وقانون معاملاتها وقوة تدفع بها أعداءها ومملكة خالصة لها وحضارة كاملة تفوق حضارة جيرتها بحيث تصير قدوة للأمم في شؤون الكمال وطلب الهناء ، فهذا معنى جعلهم أيمة ، أي يقتدي بهم غيرهم ويدعون الناس إلى الخير وناهيك بما بلغه ملك إسرائيل في عهد سليمان عليه السلام .وأما جعلهم الوارثين فهو أن يعطيهم الله ديار قوم آخرين ويحكّمهم فيهم ، فالإرث مستعمل مجازاً في خلافة أمم أخرى .فالتعريف في { الوارثين } تعريف الجنس المفيد أنهم أهل الإرث الخاص وهو إرث السلطة في الأرض بعد من كان قبلهم من أهل السلطان ، فإن الله أورثهم أرض الكنعانيين والحثيين والأموريين والأراميين ، وأحلهم محلهم على ما كانوا عليه من العظمة حتى كانوا يعرفون بالجبابرة قال تعالى { قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين } [ المائدة : 22 ] .