سورة الشورى (42): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الشورى بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الشورى مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الشورى

سُورَةُ الشُّورَىٰ
الصفحة 483 (آيات من 1 إلى 10)

حمٓ عٓسٓقٓ كَذَٰلِكَ يُوحِىٓ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۖ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ۚ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلْأَرْضِ ۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِۦ ۚ وَٱلظَّٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ أَمِ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ ۖ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِىُّ وَهُوَ يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
483

الاستماع إلى سورة الشورى

تفسير سورة الشورى (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Hameem

حم (1) ابتدئت بالحروف المقَطَّعة على نحو ما ابتدئت به أمثالها مثل أول سورة البقرة لأن ابتداءها مشير إلى التحدّي بعجزهم عن معارضة القرآن وأن عجزهم عن معارضته دليل على أنه كلام منزل من الله تعالى .وخصت بزيادة كلمة { عسق } على أوائل السور من آل { حم } ولعل ذلك لحال كانوا عليه من شدّة الطعن في القرآن وقت نزول هذه السورة ، فكان التحدي لهم بالمعارضة أشد فزيد في تحدّيهم من حروف التهجّي . وإنّما لم تُوصل الميم بالعين كما وصلت الميم بالراء في طالعة سورة الرعد ، وكما وصلت الميم بالصاد في مفتتح سورة الأعراف ، وكما وصلت العين بالصاد في مفتتح سورة مريم ، لأن ما بعد الميم في السور الثلاث حرف واحد فاتصاله بما قبله أولى بخلاف ما في هذه السورة فإنه ثلاثة حروف تشبه كلمة فكانت أولى بالانفصال .

الترجمة الإنجليزية

AAaynseenqaf

عسق (2)ابتدئت بالحروف المقَطَّعة على نحو ما ابتدئت به أمثالها مثل أول سورة البقرة لأن ابتداءها مشير إلى التحدّي بعجزهم عن معارضة القرآن وأن عجزهم عن معارضته دليل على أنه كلام منزل من الله تعالى .وخصت بزيادة كلمة { عسق } على أوائل السور من آل { حم } ولعل ذلك لحال كانوا عليه من شدّة الطعن في القرآن وقت نزول هذه السورة ، فكان التحدي لهم بالمعارضة أشد فزيد في تحدّيهم من حروف التهجّي . وإنّما لم تُوصل الميم بالعين كما وصلت الميم بالراء في طالعة سورة الرعد ، وكما وصلت الميم بالصاد في مفتتح سورة الأعراف ، وكما وصلت العين بالصاد في مفتتح سورة مريم ، لأن ما بعد الميم في السور الثلاث حرف واحد فاتصاله بما قبله أولى بخلاف ما في هذه السورة فإنه ثلاثة حروف تشبه كلمة فكانت أولى بالانفصال .

الترجمة الإنجليزية

Kathalika yoohee ilayka waila allatheena min qablika Allahu alAAazeezu alhakeemu

كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)موقع الإشارة في قوله : { كذلك يوحي إليك } كموقع قوله : { وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً } في سورة البقرة ( 143 ) . والمعنى : مِثْلَ هذا الوحي يُوحِي الله إليك ، فالمشار إليه : الإيحاء المأخوذ من فعل يوحي } .وأما { وإلى الذين من قبلك } فإدماج . والتشبيه بالنسبة إليه على أصله ، أي مثل وحيه إليك وحيه إلى الذين من قبلك ، فالتشبيه مستعمل في كلتا طريقتيه كما يستعمل المشترك في معنييه . والغرض من التشبيه إثبات التسوية ، أي ليس وحي الله إليك إلا على سنة وحيه إلى الرّسل من قبلك ، فليس وحيه إلى الرّسل من قبلك بأوضح من وحيه إليك . وهذا كقوله تعالى : { إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيئين من بعده } [ النساء : 163 ] ، أي ما جاء به من الوحي إن هو إلا مِثلُ ما جاءت به الرّسل السابقون ، فما إعراض قومه عنه إلا كإعراض الأمم السالفة عما جاءت به رسلهم . فحصل هذا المعنى الثاني بغاية الإيجاز مع حسن موقع الاستطراد .وإجراء وصفي { العزيز الحكيم } على اسم الجلالة دون غيرهما لأن لهاتين الصفتين مزيدَ اختصاص بالغرض المقصود من أن الله يصطفي من يشاء لرسالته . ف { العزيز } المتصرف بما يريد لا يصده أحد . و { الحكيم } يُحَمِّل كلامَه معاني لا يبلغ إلى مثلها غيرُه ، وهذا من متممات الغرض الذي افتتحت به السورة وهو الإشارة إلى تحدّي المعاندين بأن يأتوا بسورة مثل سور القرآن .وجملة { كذلك يوحي إليك } إلى آخرها ابتدائية ، وتقديم المجرور من قوله { كذلك } على { يوحي إليك } للاهتمام بالمشار إليه والتشويق بتنبيه الأذهان إليه ، وإذ لم يتقدم في الكلام ما يحتمل أن يكون مشاراً إليه ب { كذلك } عُلم أن المشار إليه مقدر معلوم من الفعل الذي بعد اسم الإشارة وهو المصدر المأخوذ من الفعل ، أي كذلك الإيحاء يوحي إليك الله . وهذا استعمال متّبع في نظائر هذا التركيب كما تقدم في قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً } في سورة البقرة ( 143 ) . وأحسب أنّه من مبتكرات القرآن إذ لم أقف على مثله في كلام العرب قبل القرآن . وما ذكره الخفاجي في سورة البقرة من تنظيره بقول زهير: ... كذلك خِيمهم ولكلِّ قومإذا مسَّتهم الضّراء خِيم ... لا يصحّ لأن بيْت زهير مسبوق بما يصلح أن يكون مشاراً إليه ، وقد فاتني التنبيه على ذلك فيما تقدم من الآيات فعليك بضم ما هنا إلى ما هنالك .والجار والمجرور صفة لمفعول مطلق محذوف دلّ عليه { يوحي } أي إيحاءً كذلك الإيحاء العجيب . والعدول عن صيغة الماضي إلى صيغة المضارع في قوله : { يوحي } للدلالة على أن إيحاءه إليه متجدد لا ينقطع في مدة حياته الشريفة لييأس المشركون من إقلاعه بخلاف قوله : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } [ الشورى : 52 ] وقوله : { وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً } [ الشورى : 7 ] إذ لا غرض في إفادة معنى التجدد هناك .وأمّا مراعاة التجدّد هنا فلأنَّ المقصود من الآية هو ما أوحي به إلى محمّد صلى الله عليه وسلم من القرآن ، وأنَّ قوله : { إلى الذين من قبلك } إدماج .ولك أن تعتبر صيغة المضارع منظوراً فيها إلى متعلِّقي الإيحاء وهو { إليك } و { إلى الذين من قبلك } ، فتجعل المضارع لاستحضار الصورة من الإيحاء إلى الرّسل حيث استبعد المشركون وقوعه فجعل كأنّه مشاهد على طريقة قوله تعالى : { الله الذي أرسل الرّياح فتثير سحاباً } [ فاطر : 9 ] وقوله : { ويصنع الفلك } [ هود : 38 ] .وقرأ الجمهور { يوحي } بصيغة المضارع المبني للفاعل واسم الجلالة فاعل . وقرأه ابن كثير { يوحَى } بالبناء للمفعول على أن { إليك } نائب فاعل ، فيكون اسم الجلالة مرفوعاً على الابتداء بجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً كأنّه لما قال : يوحى إليك ، قيل : ومن يُوحيه ، فقيل : الله العزيز الحكيم ، أي يوحيه الله على طريقة قول ضِرار بن نَهشل أو الحارث بن نهيك: ... ليُبْك يزيدُ ضارعٌ لخُصومةومختَبِط ممّا تُطيح الطوائح ... إذ كانت رواية البيت بالبناء للنائب .

الترجمة الإنجليزية

Lahu ma fee alssamawati wama fee alardi wahuwa alAAaliyyu alAAatheemu

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)جملة { له ما في السموات وما في الأرض } مقررة لوصفه { العزيز الحكيم } [ الشورى : 3 ] لأن من كان ما في السماوات وما في الأرض مِلكاً له تتحقق له العزّة لقوة ملكوته ، وتتحقق له الحكمة لأن الحكمة تقتضي خلقَ ما في السماوات والأرض وإتقانَ ذلك النظام الذي تسير به المخلوقات . ولكون هذه الجملة مقررةً معنى التي قبلها كانت بمنزلة التأكيد فلم تعطف عليها .وجملة { وهو العلي العظيم } عطف عليها مقررة لما قررته الجملة قبلها فإن مَن اتصف بالعلاء والعظمة لو لم يكن عزيزاً لتخلف علاؤهُ وعظمته ، ولا يكون إلا حكيماً لأن عَلاءه يقتضي سموّه عن سفاسف الصفات والأفعال ، ولو لم يكن عظيماً لتعلقت إرادته بسفاسف الأمور ولتنازل إلى عبث الفعال .والعلو هنا علو مجازي ، وهو السموّ في الكمال بحيث كان أكمل من كل موجود كامل . والعظمة مجازية وهي جلالة الصفات والأفعال . وأفادت صيغة الجملة معنى القصر ، أي لا عليّ ولا عظيم غيره لأن مَن عداه لا يخلو عن افتقار إليه فلا علوّ له ولا عظمة . وهذا قصر قلب ، أي دون آلهتكم فلا علو لها كما تزعمون . قال أبو سفيان : أعْلُ هُبل .وتقدم معنى هاتين الجملتين في خلال آية الكرسي من سورة البقرة .

الترجمة الإنجليزية

Takadu alssamawatu yatafattarna min fawqihinna waalmalaikatu yusabbihoona bihamdi rabbihim wayastaghfiroona liman fee alardi ala inna Allaha huwa alghafooru alrraheemu

تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5){ العظيم * تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ والملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ } .جملة مستأنفة مقررة لمعنى جملة { وهو العلي العظيم } [ الشورى : 4 ] ولذلك لم تعطف عليها ، أي يكاد السماوات على عظمتهن يتشققن من شدّة تسخرهن فيما يسخرهُن الله له من عمل لا يخالف ما قدّره الله لهنّ ، وأيضاً قد قيل : إن المعنى : يكاد السماوات يتفطرن من كثرة ما فيهن من الملائكة والكواكب وتصاريف الأقدار ، فيكون في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " أطَّتتِ السماء وبِحَقها أن تَئطّ . والذي نفسُ محمّد بيده ما فيها موضع شِبر إلا فيه جبهة مَلَك ساجد يسبح الله بحمده " ويرجّحه تعقيبه بقوله تعالى : { والملائكة يسبحون بحمد ربهم } كما سيأتي .وقرأ نافع وحده والكسَائِي { يكاد } بتحتية في أوّله . وقرأه الباقون بفوقية وهما وجهان جائزان في الفعل المسند إلى جمع غيرِ المذكر السالم وخاصة مع عدم التأنيث الحقيقي . وتقدم في سورة مريم ( 90 ) قوله : { يكاد السماوات يتفَطَّرْنَ منه . وقرأ الجمهور يتفطرن } بتحتية ثم فوقية وأصله مضارع التفطر ، وهو مطاوع التفطير الذي هو تكرير الشقّ . وقرأه أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بِتَحتيّة ثم نون وهو مضارع : انفطَر ، مطاوع الفطر مصدر فطَر الثلاثي ، إذا شَقَّ ، وليس المقصود منه على القراءتين قبول أثر الفاعل إذ لا فاعل هنا للشقّ وإنّما المقصود الخبر بحصول الفعل ، وهذا كثير ، كقولهم : انشقّ ضوء الفجر ، فلا التفات هنا لما يقصد غالباً في مادة التفعل من تكرير الفعل إذ لا فاعل للشقّ هنا ولا لتكرره ، فاستوت القراءتان في باب البلاغة ، على أنّ استعمال صيغ المطاوعة في اللّغة ذو أنحاء كثيرة واعتبارات كما نبه عليه كلام الرضيّ في «شرح الشافية» .وقوله : { من فوقهن } يجوز أن يكون ضمير { فوقهن } عائداً على { السماوات } ، فيكون المجرور متعلقاً بفعل { يتفطرن } بمعنى : أن انشقاقهن يحصل من أعلاهنّ ، وذلك أبلغ الانشقاق لأنه إذا انشقّ أعلاهن كان انشقاق ما دونه أولى ، كما قيل في قوله تعالى : { وهي خاوية على عروشها } كما تقدم في سورة البقرة ( 259 ) وفي سورة الحج ( 45 ) . وتكون { من } ابتدائيّة .ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى { الأرض } من قوله تعالى : { وما في الأرض } [ الشورى : 4 ] على تأويل الأرض بأرضين باعتبار أجزاء الكرة الأرضية أو بتأويل الأرض بسكانها من باب { واسْأل القرية } [ يوسف : 82 ] .وتكون { من } زائدة زيادتها مع الظروف لتأكيد الفوقية ، فيفيد الظرف استحضار حالة التفطر وحالة موقعه ، وقد شبه انشقاق السماء بانشقاق الوَردة في قوله تعالى : { فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدِّهان } [ الرحمن : 37 ] . والوردة تنشق من أعلاها حين ينفتح بُرْعُومُها فيوشك إنْ هُن تفطَّرْنَ أن يخْررْنَ على الأرض ، أي يكاد يقع ذلك لِما فشا في الأرض من إشراك وفساد على معنى قوله تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إِدًّا يكاد السماوات يتفطَّرْنَ منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً }[ مريم : 88 90 ] ويرجحه قوله الآتي : { والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم } [ الشورى : 6 ] . وعن ابن عباس { يكاد السماوات يتفطَّرن } من قول المشركين { اتخذ الله ولداً } [ البقرة : 116 ] .{ فَوْقِهِنَّ والملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الارض أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور } .جملة عطفت على جملة { يكاد السماوات يتفطرن } لإفادتها تقرير معنى عظمة الله تعالى وجلاله المدلول عليهما بقوله : { وهو العلي العظيم } [ الشورى : 4 ] .مرتبة واجب الوجود سبحانه وهو أهل التنزيه والحمد ومرتبة الروحانيات وهي الملائكة وهي واسطة المتصرف القدير ومفيض الخير في تنفيذ أمره من تكوين وهدى وإفاضة خير على النّاس ، فهي حين تتلقى من الله أوامره تسبِّحُه وتحمده ، وحين تفيض خيرات ربّها على عباده تستغفر للذين يتقبلونها تقبل العبيد المؤمنين بربّهم ، وتلك إشارة إلى حصول ثمرات إبلاغها ، وذلك بتأثيرها في نظم أحوال العالم الإنساني . ومرتبة البشرية المفضلة بالعقل إذ أكمله الإيمانُ وهي المراد ب ( من في الأرض ) .

الترجمة الإنجليزية

Waallatheena ittakhathoo min doonihi awliyaa Allahu hafeethun AAalayhim wama anta AAalayhim biwakeelin

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)جملة معطوفة على جملة { له ما في السموات وما في الأرض } [ الشورى : 4 ] بعد أن أفيد ما هو كالحجة على أن لله ما في السماوات وما في الأرض من قوله { وهو العليُ العظيم يكاد السموات } [ الشورى : 4 ، 5 ] الآيتين . فالمعنى : قد نهضت حجة انفراده تعالى بالعزة والحكمة والعلوّ والعظمة وعلمها المؤمنون فاستغفرْت لهم الملائكة . وأما الذين لم يبصروا تلك الحجة وعميت عليهم الأدلة فلا تَهْتَمَّ بشأنهم فإن الله حَسْبُهم وما أنت عليهم بوكيل . فهذا تسكين لحزن الرّسول صلى الله عليه وسلم من أجل عدم إيمانهم بوحدانية الله تعالى .وهذه مقدّمة لما سيأمر به الرّسول صلى الله عليه وسلم من الدعوة ابتداء من قوله : { وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى } [ الشورى : 7 ] الآية ، ثم قوله : { شَرع لكم من الدّين ما وصَّى به نوحاً } [ الشورى : 13 ] الآيات ، ثم قوله : { فلذلك فادع واستقم } [ الشورى : 15 ] ، وقوله : { قل لا أسألُكم عليه أجراً } [ الشورى : 23 ] الآية .وقوله : { الذين اتخذوا من دونه أولياء } مبتدأ وجملة { الله حفيظ عليهم } خبر عن { الذين اتخذوا من دونه أولياء } .والحفيظ : فعيل بمعنَى فاعل ، أي حافظ ، وتختلف معانيه ومرجعها إلى رعاية الشيء والعناية به : ويكثر أن يستعمل كناية عن مراقبة أحوال المرقوب وأعماله ، وباختلاف معانيه تختلف تعديته بنفسه أو بحرف جرّ يناسب المعنى ، وقد عُدّي هنا بحرف ( على ) كما يُعدّى الوكيل لأنه بمعناه .والوكيل فعيل بمعنى مفعول وهو الموكولُ إليه عملٌ في شيء أو اقتضاءُ حق . يقال : وكله على كذا ، ومنه الوكالة في التصرفات المالية والمخاصمة ، ويكثر أن يستعمل كناية عن مراقبة أحوال الموكّل عليه وأعماله . وقد استعمل { حفيظ } و ( وكيل ) هنا في استعمالهما الكنائي عن مُتقارب المعنى فلذلك قد يفسر أهل اللّغة أحد هذين اللفظين بما يقرب من تفسير اللّفظ الآخر كتفسير المرادف بمرادفه ، وذلك تسامحٌ . / فعلَى من يريد التفرقة بين اللّفظين أن يرجع بهما إلى أصل مادتي ( حَفِظ ) و ( وكَل ) ، فمادة ( حفظ ) تقتضي قيام الحدث بفاعل وتعديته إلى مفعول ، ومادة ( وكَل ) تقتضي قيام الحدث بفاعل وتعديته إلى مفعول وتجاوزه من ذلك المفعول إلى شيء آخر هو متعلق به ، وبذلك كان فعل ( حفظ ) مفيداً بمجرد ذكر فاعله ومفعوله دون احتياج إلى متعلَّق آخر ، بخلاف فعل ( وَكَلَ ) فإفادته متوقفة على ذكرِ أو على تقديرِ ما يدل على شيء آخر زائد على المفعول ومن علائقه ، فلذلك أوثر وصف { حفيظ } هنا بالإسناد إلى اسم الجلالة لأن الله جلّ عن أن يكلفه غيره حفظ شيء فهو فاعل الحفظ ، وأوثر وصف ( وكيل ) بالإسناد إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم لأن المقصود أن الله لم يكلفه بأكثر من التبليغ ، والمعنى : الله رقيب عليهم لا أنتَ وما أنت بموكل من الله على جبرهم على الإيمان .وفي معناه قوله في آخر هذه السورة { فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إنْ عليك إلا البلاغ } [ الشورى : 48 ] .وأيضاً هي كالبيان لما في جملة { يكاد السموات يتفطرن } [ الشورى : 5 ] لأنّ من أسباب مقاربة تفطرهن كثرة ما فيهن من الملائكة . ولولا أنّها أريد منها زيادة تقرير معنى جملة { وهو العلي العظيم } [ الشورى : 4 ] لكانت جديرة بأن تفصل ولكن رُجح العطف لأجل الاهتمام بتقرير العلوّ والعظمة لله تعالى . وأما التبيين فيحصل بمجرد تعقيب جملة يكاد السماوات يتفطرن بها كما علمته آنفاً .فقوله : { الملائكة } [ الشورى : 5 ] مبتدأ وجملة { يسبحون } [ الشورى : 5 ] خبر والمقصود الإعلام بجلال الله .وتسبيح الملائكة بحمد الله : خضوع لعظمته وعلوه ، والتسبيح : التنزيه عن النقائص .فتسبيح الملائكة قد يكون عبارة عن إدراكهم عظمة الله تعالى فهو : انفعال رُوحاني كقوله تعالى : { اذكر ربّك في نفسك تضرعاً وخيفةً } [ الأعراف : 205 ] ، وقد يكون دلالة على التنزيه بما يناسب الملائكة من ظواهر الانفعال بالطاعة أو من كلام مناسب للحالة الملَكية وكذلك حمدهم ربّهم واستغفارهم لمن في الأرض .ومفعول { يسبحون محذوف دلّ عليه مصاحبته { بحمد ربهم } [ الشورى : 5 ] تقديره : يسبحون ربّهم ، والباء للمصاحبة ، أي يسبحون تسبيحاً مصاحباً لحمدهم ربّهم ، أي الثناء عليه بصفاته الكمالية ، ومن الثناء ما هو شكر على نعمه عليهم وعلى غيرهم ، فالمعنى : يسبحون الله ويحمدونه . وهذا تعريض بالمشركين إذ أعرضوا عن تسبيح ربّهم وحمده وشُغلوا بتحميد الأصنام التي لا نعمة لها عليهم ولا تنفعهم ولا تضرهم .وتقديم التسبيح على الحمد إشارة إلى أن تنزيه الله عمّا لا يليق به أهم من إثبات صفات الكمال له لأن التنزيه تمهيد لإدراك كمالاته تعالى . ولذلك كانت الصفات المعبّر عنها بصفات السُّلُوب مقدمة في ترتيب علم الكلام على صفات المعاني عندنا والصفاتتِ المعنوية .والاستغفار لمن في الأرض : طلب المغفرة لهم بحصول أسبابها لأن الملائكة يعلمون مراتب المغفرة وأسبابها ، وهم لكونهم من عالم الخير والهدى يحرصون على حصول الخير للمخلوقات وعلى اهتدائهم إلى الإيمان بالله والطاعات ويناجون نفوس الناس بدواعي الخير ، وهي الخواطر المَلكية . فالمراد ب { لمن في الأرض } [ الشورى : 5 ] من عليها يستحقون استغفار الملائكة كما قال تعالى : { الذين يحملون العرش ومَن حوله يسبحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربّنا وَسِعتَ كل شيءٍ رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقِهِمْ عذاب الجحيم } [ غافر : 7 ] ثم قال : { وقِهِمْ السيّئات } في سورة المؤمن ( 9 ) . وقد أثبت القرآن أن الملائكة يلعنون من تحق عليه اللّعنة بقوله تعالى : { أولئك عليهم لعنة الله والملائكة } في سورة البقرة ( 161 ) . فعموم من في الأرض هنا مخصوص بما دلّت عليه آية سورة المؤمن .وجملة { ألا إن الله هو الغفور الرحيم } [ الشورى : 5 ] تذييل لجملة { والملائكة يسبحون بحمد ربهم } [ الشورى : 5 ] إلى آخرها لإبطال وهَم المشركين أن شركاءهم يشفعون لهم ، ولذلك جيء في هذه الجملة بصيغة القصر بضمير الفصل ، أي أن غير الله لا يغفر لأحد . وصُدرت بأداة التنبيه للاهتمام بمُفادها . وقد أشارت الآية إلى مراتب الموجودات ، وهي :والمقصود رفع التبعية عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدم استجابتهم للتوحيد ، أي لا تخشَ أن نسألك على عدم اهتدائهم إذ ما عليك إلا البلاغ ، وتقدم في قوله :{ وما أنت عليهم بوكيل } في سورة الأنعام ( 107 ) .وإذ قد كان الحفيظ الوكيل بمعنًى كان إثبات كون الله حفيظاً عليهم ونفيُ كون الرّسول وكيلاً عليهم مفيداً قصر الكون حفيظاً عليهم على الله تعالى دون الرّسول بطريققٍ غيرِ أحدِ طرق القصر المعروفة فإن هذا من صريح القصر ومنطوقهِ لا من مفهومه وهو الأصل في القصر وإن كان قليلاً ، ومنه قول السمَوْأل: ... تَسيل على حد الظبات نفوسُناوليستْ على غير الظُبات تسيل ... وأما طرق القصر المعروفة في علم المعاني فهي من أسلوب الإيجاز ، والقصر قصر قلب كما هو صريح طرفه الثاني في قوله : وما أنت عليهم بوكيل } ، نزل الرّسول صلى الله عليه وسلم منزلة من يحسب أنه وكيل على إيمانهم وحصل من هذا التنزيل تعريض بهم بأنهم لا يضرّون الرّسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يصدّقوه .

الترجمة الإنجليزية

Wakathalika awhayna ilayka quranan AAarabiyyan litunthira omma alqura waman hawlaha watunthira yawma aljamAAi la rayba feehi fareequn fee aljannati wafareequn fee alssaAAeeri

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)عطف على جملة { كذلك يُوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله } [ الشورى : 3 ] الخ باعتبار المغايرة بين المعطوفة والمعطوف عليها بما في المعطوفة من كون المُوحَى به قرآناً عربيّاً ، وما في المعطوف عليها من كونه من نوع ما أوحي به إلى الذين من قبله . والقول في { وكذلك أوحينا } كالقول في { كذلك يوحِي إليك } [ الشورى : 3 ] .وإنّما أعيد { وكذلك أوحينا } ليبنى عليه { قرآناً عربياً } لِما حجز بينهما من الفصل وأصل النظم : كذلك يوحي إليك الله العزيز الحكيم قرآناً عربياً مع ما حصل بتلك الإعادة من التأكيد لتقرير ذلك المعنى أفضل تقرير .والعدول عن ضمير الغائب إلى ضمير العظمة التفات . وفي هذا إشارة إلى أنه لا فرق بين ما أوحي إليك وما أوحي إلى مَن قبلك ، إلا اختلاف اللّغات كما قال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم } [ إبراهيم : 4 ] .والقرآن مصدر : قرأ ، مثل : غُفران وسُبحان ، وأطلق هنا على المقروء مبالغة في الاتصاف بالمقروئية لكثرة ما يقرأه القارئون وذلك لحسنه وفائدته ، فقد تضمن هذا الاسم معنى الكمال بين المقروءات . و { عربياً } نسبة إلى العربية ، أي لغة العرب لأنّ كونه قرآناً يدلّ على أنه كلام ، فوصفه بكونه { عربياً } يفيد أنه كلام عربي .وقوله : { لتنذر أم القرى ومن حولها } تعليل ل { أوحينا إليك قرآناً عربياً } لأن كونه عربيّاً يليق بحال المنذَرين به وهم أهل مكّة ومَن حولها ، فأولئك هم المخاطبون بالدِّين ابتداء لما اقتضته الحكمة الإلهية من اختيار الأمة العربية لتكون أوّل من يتلقّى الإسلام وينشره بين الأمم ، ولو روعي فيه جميع الأمم المخاطبين بدعوة الإسلام لاقتضى أن ينزل بلغات لا تُحصى ، فلا جرم اختار الله له أفضل اللّغات واختار إنزاله على أفضل البشر .و { أم القرى } مكّة ، وكنيت : أم القرى لأنها أقدم المدن العربية فدعاها العرب : أم القرى ، لأن الأم تطلق على أصل الشيء مثل : أم الرأس ، وعلى مرجعه مثل قولهم للراية : أم الحرب ، وقولهم : أم الطريق ، للطريق العظيم الذي حوله طرق صغار . ثم إن إنذار أم القرى يقتضي إنذار بقية القُرى بالأحرى ، قال تعالى : { وما كان ربّك مهلك القرى حتى يبعث في أمّها رسولاً } [ القصص : 59 ] ، وتقدم في قوله تعالى : { ولتنذر أم القرى } في سورة الأنعام ( 92 ) .والمراد : لتنذر أهلَ أمّ القُرى ، فأطلق اسم البلد على سكانه كقوله تعالى : { واسألْ القريةَ } [ يوسف : 82 ] . وأهل مكّة هم قريش ، وأما من حولها فهم النازلون حولها من القبائل مثل خُزاعة وكنانة ، ومن الذين حولها قريشٌ الظواهر وهم الساكنون خارج مكة في جبالها .والاقتصار على إنذار أمّ القُرى ومن حولها لا يقتضي تخصيص إنذار الرّسول صلى الله عليه وسلم بأهل مكة ومَن حولها ، ولا تخصيص الرّسول صلى الله عليه وسلم بالإنذار دون التبشير للمؤمنين لأن تعليل الفعل بعلة باعثه لا يقتضي أن الفعل المعلّل مخصص بتلك العلّة ولا بمتعلِّقاتها إذ قد يكون للفعل الواحد عللُ باعثة فإن الرّسول صلى الله عليه وسلم بُعث للنّاس كافة ، كما قال تعالى :{ وما أرسلناك إلا كافّة للنّاس بشيراً ونذيراً } [ سبأ : 28 ] . والاقتصار هنا على إنذار أهل مكّة ومَن حولها لأنهم المقصود بالردّ عليهم لإنكارهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلموانتصب { أم القرى } على المفعول به لِفعل { تنذر } بتنزيل الفعل منزلة المعدَّى إلى مفعول واحد إذ لم يذكر معه المنذَر منه وهو الذي يكون مفعولاً ثانياً لفعل الإنذار . لأنّ ( أنذر ) يتعدّى إلى مفعولين كقوله تعالى : { فقل أنذرتكم صاعقةً } [ فصلت : 13 ] ، وفي حديث الدجال : « مَا من نبيء إلاّ أنذَر قومَه » . فالمعنى : لتنذر أهل القرى ومن حولها ما يُنذرونه من العذاب في الدّنيا والآخرة .وقولُه : { وتنذر يوم الجمع } أعيد فعل { تنذر } لزيادة تهويل أمر يوم الجمع لأن تخصيصه بالذكر بعد عموم الإنذار يقتضي تهويله ، ولأن تعدية فعل { وتنذر } إلى { يوم الجمع } تعدية مخالفة لإنذار أم القرى لأن { يوم الجمع } مفعول ثان لفعل { وتنذر } ، أي وتنذر الناس يوم الجمع ، فمفعول { وتنذر } الثاني هو المنذر به ومفعول { لتنذر } الأول هو المنذر .وانتصب { يوم الجمع } على أنّه مفعول ثاننٍ لفعل { تنذر } وحذف مفعوله الأول لدلالة ما تقدم عليه ، أي وتنذرهم ، أي أهل أم القرى يومَ الجمع بالخصوص كقوله { وأنذرهم يوم الآزفة } [ غافر : 18 ] .ويومُ الجمع : يومُ القيامة ، سمي { يوم الجمع } لأن الخلائق تُجمَع فيه للحساب ، قال تعالى : { يوم يجمعكم ليوم الجمع } [ التغابن : 9 ] .والجمع مصدر ، ويجوز أن يكون اسماً للمجتمعين كقوله تعالى : { هذا فَوْجٌ مقتحمٌ معكم } [ ص : 59 ] ، أي يوم جماعة النّاس كلهم .وجملة { فريق في الجنة } مستأنفة استئنافاً بيانياً ، وعطفت عليها جملة { وفريق في السعير } فكان الجملتان جواباً لسؤال سائل عن شأن هذا الجمع إن كان بمعنى المصدر . فقيل : فريق في الجنّة وفريق في السعير ، أي فريق من المجموعين بهذا الجمع في الجنّة وفريق في السعير ، أو لسؤال سائل عن حال هذا الجمع إن كان الجمعُ بمعنى المجموعين . والتقدير : فريق منهم في الجنّة وفريق منهم في السعير . وتقدم السعير عند قوله تعالى : { كُلَّمَا خبت زدناهم سعيراً } في سورة الإسراء ( 97 ) . وسوغ الابتداء ب { فريق } وهو نكرة لوقوعها في معرض التفصيل كقول امرىء القيس: ... فأقبلتُ زحفاً على الركبتينفثوبٌ لبِستُ وثوبٌ أَجُرّ ... وجملة { لا ريب فيه } معترضة بين البيان والمبيَّن . ومعنى { لا ريب فيه } أن دلائله تنفي الشك في أنه سيقع فنزّل ريب المرتابين في منزلة العدم لأن موجبات اليقين بوقوعه بينة كقوله تعالى : { ذلك الكتاب لا ريب فيه } في سورة البقرة ( 2 ) . وظرفية الريب المنفي في ضمير اليوم في قوله : لا ريب فيه } من باب إيقاع الفعل ونحوه على اسم الذات ، والمراد : إيقاعه على بعض أحوالها التي يدل عليها المقام مثل { حُرِّمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] ، أي أكلُها ، أي لا ريبَ في وقوعه . وجملة { فريق في الجنة } الخ معترضة و { فريق } خبر مبتدأ محذوف على طريقة الحذف المتابع فيه الاستعمال كما سماه السكاكي ، أي هم فريق في الجنّة الخ .

الترجمة الإنجليزية

Walaw shaa Allahu lajaAAalahum ommatan wahidatan walakin yudkhilu man yashao fee rahmatihi waalththalimoona ma lahum min waliyyin wala naseerin

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)عطف على جملة { فريق في الجنة وفريق في السعير } [ الشورى : 7 ] . والغرض من هذا العطف إفادة أن كونهم فريقين أمرٌ شاء الله تقديره ، أي أوجد أسبابه بحكمته ولو شاء لقدّر أسباب اتحادهم على عقيدة واحدة من الهُدى فكانوا سواء في المصير ، والمراد : لكانوا جميعاً في الجنّة .وهذا مسوق لتسلية الرّسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على تمنّيهم أن يكون النّاس كلّهم مهتدين ويكون جميعهم في الجنّة ، وبذلك تعلم أن ليس المراد : لو شاء الله لجعلهم أمّة واحدة في الأمرين الهُدى والضلال ، لأن هذا الشقّ الثاني لا يتعلق الغرض ببيانه هنا وإن كان في نفس الأمر لو شاء الله لكان . فتأويل هذه الآية بما جاء في قوله تعالى : { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حقّ القول مني لأملان جهنم من الجنّة والنّاس أجمعين } [ السجدة : 13 ] وقوله : { ولو شاء ربُّك لآمَنَ مَنْ في الأرض كلّهم جميعاً أفأنت تكره النّاس حتى يكونوا مؤمنين } [ يونس : 99 ] .وقد دلّ على ذلك الاستدراكُ الذي في قوله : { ولكن يدخل من يشاء في رحمته } أي ولكن شَاء مشيئةً أخرى جرت على وفق حكمته ، وهي أنْ خلقهم قابلين للهدى والضلال بتصاريف عُقولهم وأميالهم ، ومكَّنهم من كسب أفعالهم وأوضح لهم طريق الخير وطريق الشر بالتكليف فكان منهم المهتدون وهم الذين شاء الله إدخالهم في رحمته ، ومنهم الظالمون الذين ما لهم من ولي ولا نصير . فقوله : { يدخل من يشاء في رحمته } أحدُ دليلين على المعنى المستدرَك إذ التقدير : ولكنه جعلهم فريقين فريقاً في الجنّة وفريقاً في السعير ليدخل من يشاء منهم في رحمته وهي الجنة . وأفهم ذلك أنّه يدخل منهم الفريق الآخر في عقابه ، فدلّ عليه أيضاً بقوله : { والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير } لأن نفي النصير كناية عن كونهم في بؤس وضُر ومغلوبية بحيث يحتاجون إلى نصير لو كان لهم نصير ، فيدخل في الظالمين مشركو أهل مكّة دخولاً أوليًّا لأنهم سبب ورود هذا العموم .وأصل النظم : ويُدخل من يشاء في غضبه ، فعُدِل عنه إلى ما في الآية للدلالة على أن سبب إدخالهم في غضبه هو ظلمهم ، أي شركهم { إن الشرك لظلمٌ عظيمٌ } [ لقمان : 13 ] مع إفادة أنّهم لا يجدون وليًّا يدفع عنهم غضبه ولا نصيرا يثْأر لهم . وضمير ( جعلهم ) عائد إلى فريق الجنّة وفريق السعير باعتبار أفراد كل فريق .

الترجمة الإنجليزية

Ami ittakhathoo min doonihi awliyaa faAllahu huwa alwaliyyu wahuwa yuhyee almawta wahuwa AAala kulli shayin qadeerun

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) { أمْ } للإضراب الانتقالي كما يقال : دَع الاهتمامَ بشأنهم وإنذارَهم ولنعُدْ إلى فظاعة حالهم في اتخاذهم من دون الله أولياء . وتُقَدَّر بعد { أمْ } همزة استفهام إنكاري . فالمعنى : بل أأتخذوا من دونه أولياء ، أي أتوا منكراً لَمَّا اتخذوا من دونه أولياء . فضمير { اتخذوا } عائد إلى { الذين اتخذوا من دونه أولياء } [ الشورى : 6 ] في الجملة السابقة .والفاء في قوله : { فالله هو الولي } فاء جواببٍ لشرط مقدر دلّ عليه مقام إنكار اتخاذِهم أولياء من دون الله ، لأن إنكار ذلك يقتضي أن أولياءهم ليست جديرة بالوَلاية ، وأنهم ضلّوا في ولايتهم إياها ، فنشأ تقدير شرط معناه : إنْ أرادوا وَليًّا بحقَ فالله هوَ الوليّ .قال السكاكي في «المفتاح» : وتقديرُ الشرط لقرائننِ الأحوال غيرُ ممتنع قال تعالى : { فَلَمْ تقتلوهم ولكنّ الله قتلَهم } [ الأنفال : 17 ] على تقدير إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ، وقال { فالله هو الولي } على تقدير : إن أرادوا وليًّا بحق فالله هو الوليّ بالحق لا وليّ سواه .والمراد بالوِلاية في قوْله { أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي } ، وِلايةُ المعبودية ، فأفاد تعريفُ المسند في قوله : { فالله هو الولي } قصرَ جنس الولي بهذا الوصف على الله ، وإذ قد عبدوا غير الله تعيّن أن المراد قصرُ الوِلاية الحَقّ عليه تعالى .وأفاد ضمير الفصل في قوله : { فالله هو الولي } تأكيدَ القصر وتحقيقَه وأنه لا مبالغة فيه تذكيراً بأن الولاية الحقَّ في هذا الشأن مختصة بالله تعالى . وهذا كلّه مسوق إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين تسلية وتثبيتاً وتعريضاً بالمشركين فإنهم لا يَخلُون من أن يسمعوه .وعطفُ { وهو يحيي الموتى } على جملة { فالله هو الولي } إدماج لإعادة إثبات البعث ترسِيخاً لعلم المسلمين وإبلاغاً لمسامع المنكرين لأنّهم أنكروا ذلك في ضمن اتخاذهم أولياء من دون الله ، فلمّا أُبطل معتقدهم إلهية غير الله أُردف بإبطال ما هو من علائق شركهم وهو نفي البعث ، وليس ذلك استدلالاً عليهم لإبطال إلهاية آلهتهم لأن وقوع البعث مجحود عندهم . فأما عطف جملة { وهو على كل شيء قدير } فهو لإثبات هذه الصفة لله تعالى تذكيراً بانفراده بتمام القدرة ، ويفيد الاستدلال على إمكان البعث قال تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] ، ويفيد الاستدلالَ على نفي الإلهاية عن أصنامهم لأن من لا يَقْدر على كل شيء لا يصلح للإلهاية : قال تعالى : { أفَمَنْ يخلُق كمَن لا يخلق } [ النحل : 17 ] وقال : { لا يخلقون شيئاً وهم يُخْلَقون } [ النحل : 20 ] وقال { وإنْ يسلِبْهم الذُّبابُ شيئاً لا يستنقذوه منه } [ الحج : 73 ] . والغرض من هذا تعريض بإبلاغه إلى مسامع المشركين .ولما كان المقصود إثباتَ القدرة لله تعالى عطفت الجملة على التي قبلها لأنها مثلُها في إفادة الحكم ، وكانت إفادة التعليل بها حاصلة من مَوقعها عقبَها ، ولو أريد التعليل ابتداءً لفُصلت الجملة ولم تعطف .( 10 ) { لله قَدِيرٌ * وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله ذَلِكُمُ الله رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } .

الترجمة الإنجليزية

Wama ikhtalaftum feehi min shayin fahukmuhu ila Allahi thalikumu Allahu rabbee AAalayhi tawakkaltu wailayhi oneebu

وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10){ قَدِيرٌ * وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله ذَلِكُمُ الله رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } .يجوز أن يكون هذا تكملة للاعتراض فيكون كلاماً موجهاً من الله تعالى إلى النّاس . ويجوز أن يكون ابتداء كلام متصلاً بقوله : { ذلاكم الله ربّي عليه توكلت } ، { فحكمه إلى الله } تعيَّن أن يكون مجمُوع هذا الكلام لمتكلممٍ واحد ، لأن ضمائر { ربي } ، و { توكلتُ } ، و { أنيب } ضمائره ، وتلك الضمائر لا تصلح أن تعود إلى الله تعالى . ولا حظَّ في سياق الوحي إلى أحد سوى النبي صلى الله عليه وسلم فتعين تقدير فعل أمرٍ بقوللٍ يَقوله النبي صلى الله عليه وسلموالجملة معطوفة على الجمل التي قبلها لأن الكلام موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين . والواو عاطفة فِعل أمر بالقول ، وحَذْفُ القول شائع في القرآن بدلالة القرائن لأن مادة الاختلاف مشعرة بأنه بين فريقين وحالة الفريقين مشعرة بأنه اختلاف في أمور الاعتقاد التي أنكرها الكافرون من التوحيد والبعثثِ والنفع والإضرار .و { من شيء } بيان لإبهام { ما } ، أيْ أيُّ شيء اختلفتم فيه ، والمراد : من أشياء الدّين وشؤون الله تعالى .وضمير { فحكمه } عائد إلى { مَا اختلفتم } على معنى : الحكمُ بينكم في شأنه إلى الله . والمعنى : أنه يتضح لهم يوم القيامة المحقّ من المبطل فيما اختلفوا فيه حين يرون الثواب للمؤمنين والعقاب للمشركين ، فيعلَم المشركون أنهم مبطلون فيما كانوا يزعمون .و { إلى الله } خبر عن ( حُكْمُهُ ) . و { إلى } للانتهاء وهو انتهاء مجازي تمثيلي ، مُثِّل تأخيرُ الحكم إلى حلول الوقت المعيَّن له عند الله تعالى بسير السائر إلى أحد يَنزل عنده .ولا علاقة لهذه الآية باختلاف علماء الأمة في أصول الدّين وفروعه لأن ذلك الاختلافَ حكمه منوط بالنظر في الأدلة والأقيسة صحةً وفساداً فإصدار الحكم بين المصيب والمخطىء فيها يسيرٌ إن شاء النّاس التداول والإنصاف . وبذلك توصل أهل الحق إلى التمييز بين المصيب والمخطىء ، ومراتببِ الخطأ في ذلك ، على أنّه لا يناسب سياق الآيات سابِقها وتاليها ولا أغراضَ السور المكية . وقد احتج بهذه الآية نفاة القياس ، وهو احتجاج لا يرتضيه نطَّاس .{ الله ذَلِكُمُ الله رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ } .يجوز أن تكون الجملة مقول قول محذوف يدلّ عليه قوله : { لتنذر أمّ القرى } [ الشورى : 7 ] الآية ، فتكون كلاماً مستأنفاً لأن الإنذار يقتضي كلاماً منذراً به ، ويجوز أن تكون متصلة بجملة { وما اختلفتم فيه من شيء } تكملة للكلام الموجه من الله ويكون في قوله : { ربي } التفاتاً من الخطاب إلى التكلم ، والتقدير : ذلكم الله ربّكم ، وتكون جملتا { عليه توكلت وإليه أنيب } معترضتين .والإشارةُ لتمييز المشار إليه وهو المفهوم مِن { فحكمه إلى الله } . وهذا التمييز لإبطال التباس ماهية الإلهياة والربوبية على المشركين إذ سموا الأصنام آلهة وأرباباً .وأوثر اسم الإشارة الذي يستعمل للبعيد لقصد التعظيم بالبعد الاعتباري اللازم لِلسموّ وشرف القدْر ، أي ذلكم الله العظيمُ . ويُتوصل من ذلك إلى تعظيم حكمه ، فالمعنى : الله العظيم في حكمه هُو ربّي الذي توكلت عليه فهو كافيني منكم .والتوكل : تفعل من الوَكْل ، وهو التفويض في العَمل ، وتقدم عند قوله تعالى ، { فإذا عزمتَ فتوكّل على الله } في سورة آل عمران ( 159 ) .والإنابة : الرجوع ، والمراد بها هنا الكناية عن ترك الاعتماد على الغير لأن الرجوع إلى الشيء يستلزم عدم وجود المطلوب عند غيره ، وتقدمت الإنابة عند قوله تعالى : { إن إبراهيم لحليمٌ أوّاهٌ منيبٌ } في سورة هود ( 75 ) .وجيء في فعل { توكلت } بصيغة الماضي وفي فعل { أنيب } بصيغة المضارع للإشارة إلى أن توكله على الله كان سابقاً من قبل أن يظهر له تنكر قومه له ، فقد صادف تنكرُهم منه عبداً متوكلاً على ربّه ، وإذا كان توكله قد سبق تنكُّرَ قومه فاستمراره بعد أن كشّروا له عن أنياب العدوان محقق .وأما فعل { أنيب } فجيء فيه بصيغة المضارع للإشارة إلى تجدد الإنابة وطلب المغفرة . ويعلم تحققها في الماضي بمقارنتها لجملة { عليه توكلت } لأن المتوكل منيب ، ويجوز أن يكون ذلك من الاحتباك . والتقدير : عليه توكلت وأتوكل وإليه أنْبت وأنيب .وتقديم المتعلِّقين في { عليه توكلت وإليه أنيب } لإفادة الاختصاص ، أي لا أتوكّل إلا عليه ولا أنيب إلا إليه .
483