سورة الشرح (94): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الشرح بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الشرح مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الشرح

سُورَةُ الشَّرۡحِ
الصفحة 596 (آيات من 1 إلى 8)

تفسير سورة الشرح (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Alam nashrah laka sadraka

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) استفهام تقريري على النفي . والمقصود التقرير على إثبات المنفي كما تقدم غير مرة . وهذا التقرير مقصود به التذكير لأجل أن يراعي هذه المنة عندما يخالجه ضيق صدر مما يلقاه من أذى قوم يريد صلاحَهم وإنقاذَهم من النار ورفعَ شأنهم بين الأمم ، ليدوم على دعوته العظيمة نَشيطاً غير ذي أسف ولا كَمَدٍ .والشرح حقيقته : فصل أجزاء اللحم بعضِها عن بعض ، ومنه الشريحة للقطعة من اللحم ، والتشريح في الطب ، ويطلق على انفعال النفس بالرضى بالحال المتلبس بها . وظاهر كلام «الأساس» أن هذا إطلاق حقيقي . ولعله راعى كثرة الاستعمال ، أي هو من المجاز الذي يساوي الحقيقة لأن الظاهر أن الشرح الحقيقي خاص بشرح اللحم ، وأن إطلاق الشرح على رضى النفس بالحال أصله استعارة ناشئة عن إطلاق لفظ الضيق وما تصرف منه على الإحساس بالحزن والكمد قال تعالى : { وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز } [ هود : 12 ] الآية . فجعل إزالة ما في النفس من حزن مثل شرح اللحم وهذا الأنسب بقوله : { فإن مع العسر يسراً } [ الشرح : 5 ] .وتقدم قوله : { قال رب اشرح لي صدري } في سورة طه ( 25 ) .فالصدر مراد به الإِحساس الباطني الجامع لمعنى العقل والإدراك . وشرح صدره كناية عن الإِنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات وإعلامه برضى الله عنه وبشارته بما سيحصل للدّين الذّي جاء به من النصر .هذا تفسير الآية بما يفيده نظمها واستقلالها عن المرويات الخارجية ، ففسرها ابن عباس بأن الله شرح قلبه بالإِسلام ، وعن الحسن قال : شرح صدره أن مُلِىءَ علماً وحكماً ، وقال سهل بن عبد الله التستري : شرح صدره بنور الرسالة ، وعلى هذا الوجه حمله كثير من المفسرين ونسبه ابن عطية إلى الجمهور .ويجوز أن يجعل الشرح شرحاً بدنياً . وروي عن ابن عباس أنه فسر به وهو ظاهر صنيع الترمذي إذ أخرج حديث شقِّ الصدر الشريف في تفسير هذه السورة فتكون الآية إشارة إلى مرويات في شَق صدره صلى الله عليه وسلم شقّاً قُدُسياً ، وهو المروي بعض خبره في «الصحيحين» ، والمروي مطولاً في السيرة والمسانيد ، فوقع بعض الروايات في «الصحيحين» أنه كان في رؤيا النوم ورؤيا الأنبياء وحي ، وفي بعضها أنه كان يقظة وهو ظاهر ما في «البخاري» ، وفي «صحيح مسلم» أنه يقظة وبمرأى من غلمان أترابه ، وفي حديث مسلم عن أنس بن مالك أنه قال : رأيت أثر الشق في جلد صدر النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بين النائم واليقظان ، والرواياتُ مختلفة في زمانه ومكانه مع اتفاقها على أنه كان بمكة . واختلاف الروايات حمل بعضَ أهل العلم على القول بأن شق صدره الشريف تكرر مرتين إلى أربع ، منها حين كان عند حليمة .وفي حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل أن الشق كان وعمُر النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين .والذي في «الصحيح» عن أبي ذر أنه كان عند المعراج به إلى السماء ، ولعل بعضها كان رؤيا وبعضها حساً . وليس في شيء من هذه الأخبار على اختلاف مراتبها ما يدل على أنه الشرح المراد في الآية ، وإذ قد كان ذاك الشق معجزة خارقة للعادة يجوز أن يكون مراداً وهو ما نحاه أبو بكر بن العربي في «الأحكام» ، وعليه يكون الصدر قد أطلق على حقيقته وهو الباطن الحاوي للقلب . ومن العلماء فسر الصدر بالقلب حكاه عياض في «الشفا» ، يشير إلى ما جاء في خبرِ شق الصدر من إخراج قلبه وإزالة مقر الوسوسة منه ، وكلا المعنيين للشرح يفيد أنه إيقاع معنى عظيم لنفس النبي صلى الله عليه وسلم إمَّا مباشرة وإما باعتبار مغزاهُ كما لا يخفى .واللام في قوله : { لك } لام التعليل ، وهو يفيد تكريماً للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله فعل ذلك لأجله .وفي ذكر الجار والمجرور قبل ذكر المشروح سلوك طريقة الإِبهام للتشويق فإنه لما ذُكر فعل { نشرح } عَلم السامع أن ثَمَّ مشروحاً ، فلما وقع قوله : { لك } قوي الإِبهام فازداد التشويق ، لأن { لك } يفيد معنى شيئاً لأجلك فلما وقع بعده قوله : «صدره» تعين المشروح المترقَّب فتمكن في الذهن كمال تمكن ، وهذا ما أشار إليه في «الكشاف» وقفِّي عليه صاحب «المفتاح» في مبحث الإِطناب .

الترجمة الإنجليزية

WawadaAAna AAanka wizraka

وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) والوِزر : الحَرج ، ووضْعه : حطَّه عن حامله ، والكلام تمثيل لحال إزالة الشدائد والكروب بحال من يحط ثقلاً عن حامله ليريحه من عناء الثقل .والمعنى : أن الله أزال عنه كل ما كان يتحرج منه من عادات أهل الجاهلية التي لا تلائم ما فَطر الله عليه نفسه من الزكاة والسمو ولا يجد بداً من مسايرتهم عليه فوضع عنه ذلك حين أوحى إليه بالرسالة ، وكذلك ما كان يجده في أول بعثته من ثقل الوحي فيسَّره الله عليه بقوله : { سنقرئك فلا تنسى } إلى قوله : { ونيسرك لليسرى } [ الأعلى : 6 8 ] .

الترجمة الإنجليزية

Allathee anqada thahraka

الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) و { أنقض } جعل الشيءَ ذا نقيض ، والنقيض صوت صرير المحمل والرحْل وصوتُ عظام المفاصل ، وفرقعةُ الأصابع ، وفعله القاصر من باب نصر ويعدّى بالهمزة .وإسناد { أنقض } إلى الوِزر مجاز عقلي ، وتعديته إلى الظهر تَبع لتشبيه المشقة بالحمل ، فالتركيب تمثيل لمتجشم المشاققِ الشديدة ، بالحَمولة المثقلة بالإِجمال تثقيلاً شديداً حتى يسمع لعظام ظهرها فرقعة وصرير . وهو تمثيل بديع لأنه تشبيه مركب قابل لتفريق التشبيه على أجزائه .ووصف الوزر بهذا الوصف تكميل للتمثيل بأنه وزر عظيم .واعلم أن في قوله : { أنقض ظهرك } اتصالَ حرفي الضاد والظاء وهما متقاربا المخرج فربما يحصل من النطق بهما شيء من الثقل على اللسان ولكنه لا ينافي الفصاحة إذ لا يبلغ مبلغ ما يسمى بتنافر الكلماتتِ بل مثله مغتفر في كلام الفصحاء .والعرب فُصحاء الألسن فإذا اقتضى نظم الكلام ورود مثل هذين الحرفين المتقاربين لم يعبأ البليغ بما يعرض عند اجتماعهما من بعض الثقل ، ومثل ذلك قوله تعالى : { وسبحه } [ الإنسان : 26 ] في اجتماع الحاء مع الهاء ، وذلك حيث لا يصح الإدغام . وقد أوصى علماء التجويد بإظهار الضاد مع الظاء إذا تلاقيا كما في هذه الآية وقوله : { ويوم يعض الظالم } [ الفرقان : 27 ] ولها نظائر في القرآن .وهذه الآية هي المشتهرة ولم يزل الأيمة في المساجد يتوخون الحذر من إبدال أحد هذين الحرفين بالآخر للخلاف الواقع بين الفقهاء في بطلان صلاة اللحَّان ومَن لا يحسن القراءة مطلقاً أو إذا كان عَامداً إذا كان فذاً وفي بطلان صلاة من خلفه أيضاً إذا كان اللاحن إماماً .

الترجمة الإنجليزية

WarafaAAna laka thikraka

وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)ورفع الذكر : جعل ذكره بين الناس بصفات الكمال ، وذلك بما نزل من القرآن ثناء عليه وكرامة . وبإلهام الناس التحدث بما جبله الله عليه من المحامد منذ نشأته .وعطفُ { ووضعنا } و { رفعنا } بصيغة المضي على فعل { نشرح } بصيغة المضارع لأن ( لَم ) قلبت زمن الحال إلى المضي فعُطف عليه الفعلان بصيغة المضي لأنهما داخلان في حيز التقرير فلما لم يقترن بهما حرف ( لم ) صيّر بهما إلى ما تفيده ( لم ) من معنى المضي .والآية تشير إلى أحوال كان النبي صلى الله عليه وسلم في حرج منها أو من شأنه أن يكون في حرج ، وأن الله كشف عنه ما به من حرج منها أو هيّأ نفسه لعدم النوء بها .وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها كما أشعَر به إجمالها في الاستفهام التقريري المقتضي علم المقرَّر بما قُرر عليه ، ولعلّ تفصيلها فيما سبق في سورة الضحى فلعلها كانت من أحوال كراهيته ما عليه أهل الجاهلية من نبذ توحيد الله ومن مساوي الأعمال .وكان في حرج من كونه بينهم ولا يستطيع صرفهم عما هم فيه ولم يكن يترقب طريقها لأن يهديهم أو لم يصل إلى معرفة كنه الحق الذي يجب أن يكون قومه عليه ولم يطمع إلا في خويصة نفسه يودّ أن يجد لنفسه قبس نور يضيء له سبيل الحق مما كان باعثاً له على التفكر والخلوة والالتجاء إلى الله ، فكان يتحنث في غار حراء فلما انتشله الله من تلك الوحلة بما أكرمه به من الوحي كان ذلك شرحاً مما كان يضيق به صدره يومئذ ، فانجلى له النور ، وأمِر بإنقاذ قومه وقد يظنهم طلاَّب حق وأزكياء نفوس فلما قابلوا إرشاده بالإِعراض ومُلاطفته لهم بالامتعاض ، حدث في صدره ضيق آخر أشار إلى مثل قوله تعالى : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } [ الشعراء : 3 ] وذلك الذي لم يزل ينزل عليه في شأنه رَبْطُ جأشه بنحو قوله تعالى :{ ليس عليك هداهم ولكن اللَّه يهدي من يشاء } [ البقرة : 272 ] فكلما نزل عليه وحي من هذا أكسبه شرحاً لصدره ، وكان لحماية أبي طالب إياه وصده قريشاً عن أذاه منفس عنه ، وأقوى مؤيد له لدعوته يَنشرح له صدره . وكلما آمن أحد من الناس تزحزح بعض الضيق عن صدره ، وكانت شدة قريش على المؤمنين يضيق لها صدره فكلما خلُص بعض المؤمنين من أذى قريش بنحو عتق الصديق بلالاً وغيره ، وبما بشره الله من عاقبة النصر له وللمؤمنين تصريحاً وتعريضاً نحو قوله في السورة قبلها : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } [ الضحى : 5 ] فذلك من الشرح المراد هنا . وجماع القول في ذلك أنَّ تجليات هذا الشرح عديدة وأنها سر بين الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم المخاطب بهذه الآية .وأما وضع الوزر عنه فحاصل بأمرين : بهدايته إلى الحق التي أزالت حيرته بالتفكر في حال قومه وهو ما أشار إليه قوله تعالى : { ووجدك ضالاً فهدى } [ الضحى : 7 ] وبكفايته مؤنة كُلف عيشه التي قد تشغله عما هو فيه من الأنس بالفكرة في صلاح نفسه ، وهو ما أشار إليه قوله : { ووجدك عائلاً فأغنى } [ الضحى : 8 ] .ورفْع الذكر مجاز في إلهام الناس لأن يذكروه بخير ، وذلك بإيجاد أسباب تلك السمعة حتى يتحدث بها الناس ، استعير الرفع لحسن الذكر لأن الرفع جعل الشيء عالياً لا تناله جميع الأيدي ولا تدوسه الأرجل . فقد فطر الله رسوله صلى الله عليه وسلم على مكارم يعزّ وجود نوعها ولم يبلغ أحد شأوَ ما بلغه منها حتى لُقب في قومه بالأمين . وقد قيل إن قوله تعالى : { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين } [ التكوير : 19 21 ] مراد به النبي صلى الله عليه وسلمومن عظيم رفع ذكره أن اسمه مقترن باسم الله تعالى في كلمة الإِسلام وهي كلمة الشهادة .وروي هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري عند ابن حبان وأبي يعلى قال السيوطي : وإسناده حسن ، وأخرجه عياض في «الشفاء» بدون سند . والقول في ذكر كلمة { لك } مع { ورفعنا } كالقول في ذكر نظيرها مع قوله : { ألم نشرح } .وإنما لم يُذكر مع { ووضعنا عنك وزرك } بأن يقال : ووضعنا لك وزرك للاستغناء بقوله : { عنك } فإنه في إفادة الإِبهام ثم التفصيل مساوٍ لكلمة { لك } ، وهي في إفادة العناية به تساوي كلمة { لك } ، لأن فعل الوضع المعدَّى إلى الوزر يدل على أن الوضع عنه فكانت زيادة { عنك } إطناباً يشيرإلى أن ذلك عناية به نظير قوله : { لك } الذي قبله ، فحصل بذكر { عنك } إيفاء إلى تعدية فعل { وضعنا } مع الإِيفاء بحق الإِبهام ثم البيان .

الترجمة الإنجليزية

Fainna maAAa alAAusri yusran

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) الفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر يدل عليه الاستفهام التقريري هنا ، أي إذا علمت هذا وتقرر ، تعلَمُ أن اليسر مصاحب للعسر ، وإذ كان اليسر نقيض العسر كانت مصاحبةُ اليسر للعسر مقتضيةً نقضَ تأثير العسر ومبطلة لعمله ، فهو كناية رمزية عن إدراك العناية الإلهية به فيما سبق ، وتعريض بالوعد باستمرار ذلك في كل أحواله .وسياق الكلام وعد للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن يُيَسر اللَّهُ له المصاعب كلَّما عرضت له ، فاليسر لا يتخلف عن اللحاق بتلك المصاعب ، وذلك من خصائص كلمة { مع } الدالة على المصاحبة .وكلمة { مع } هنا مستعملة في غير حقيقة معناها لأن العسر واليسر نقيضان فمقارنتهما معاً مستحيلة ، فتعين أن المعيّة مستعارة لقرب حصول اليسر عقب حلول العسر أو ظهور بوادره ، بقرينة استحالة المعنى الحقيقي للمعية . وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى : { سيجعل اللَّه بعد عسر يسراً } في سورة الطلاق ( 7 ) .فهذه الآية في عسر خاص يعرض للنبيء ، وآية سورة الطلاق عامة ، وللبعْدية فيها مراتب متفاوتة .فالتعريف في العسر } تعريف العهد ، أي العسر الذي عَهِدْتَه وعلمتَه وهو من قبيل ما يسميه نحاة الكوفة بأن ( ال ) فيه عوض عن المضاف إليه نحو قوله تعالى : { فإن الجنة هي المأوى } [ النازعات : 41 ] أي فإن مع عُسرك يسراً ، فتكون السورة كلها مقصورة على بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه تعالى .وعد الله تعالى نبيئه صلى الله عليه وسلم بأن الله جعل الأمور العسرة عليه يسرة له وهو ما سبق وعده له بقوله : { ونيسرك لليسرى } [ الأعلى : 8 ] .

الترجمة الإنجليزية

Inna maAAa alAAusri yusran

إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)وحرف { إنْ } للاهتمام بالخبر .وإنما لم يستغن بها عن الفاء كما يقول الشيخ عبد القاهر : ( إنَّ ) تغني غَناء فاء التسبب ، لأن الفاء هنا أريد بها الفصيحة مع التسبب فلو اقتصر عَلى حرف ( إنّ ) لفات معنى الفصيحة .وتنكير { يسراً } للتعظيم ، أي مع العسر العارض لك تيسيراً عظيماً يغلب العسر ويجوز أن يكون هذا وعداً للنبيء صلى الله عليه وسلم ولأمته لأن ما يعرض له من عسر إنما يعرض له في شؤون دعوته للدين ولصالح المسلمين .وروى ابن جرير عن يونس ومعمر عن الحَسَن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما نزلت هذه الآية : { فإن مع العسر يسراً } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبشروا أتاكم اليسر لن يغلب عسر يسرين " فاقتضى أن الآية غير خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل تعمّه وأمته . وفي «الموطإ» «أن أبا عبيدة بن الجراح كتب إلى عمر بن الخطاب يَذْكُر له جموعاً من الروم وما يُتخوف منهم فكتب إليه عمر : «أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجاً وإنه لن يغلب عسر يسرين» .وروى ابن أبي حاتم والبزار في «مُسنده» عن عائذِ بن شريح قال : سمعت أنس بن مالك يقول : «كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وحياله حَجَر ، فقال : لو جاء العسر فدخل هذا الحَجَر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيُخرجه فأنزل الله عز وجل : { فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً } . قال البزار : لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح قال ابن كثير : وقد قال أبو حاتم الرازي : في حديث عائذ بن شريح ضعف .وروى ابن جرير مثله عن ابن مسعود موقوفاً ، ويجوز أن تكون جملة : { فإن مع العسر يسراً } معترضة بين جملة { ورفعنا لك ذكرك } [ الشرح : 4 ] وجملة : { فإذا فرغت فانصب } [ الشرح : 7 ] تنبيهاً على أن الله لطيف بعباده فقدر أن لا يخلو عسر من مخالطة يسر وأنه لولا ذلك لهلك الناس قال تعالى { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } [ النحل : 61 ] .وروي عن ابن عباس : يقول الله تعالى خلقت عسراً واحداً وخلقت يسرين ولن يغلب عسر يسرين ا ه .والعسر : المشقة في تحصيل المرغوب والعمللِ المقصود .واليسر ضده وهو : سهولة تحصيل المرغوب وعدم التعب فيه .وجملة : { إن مع العسر يسراً } مؤكدة لجملة : { فإن مع العسر يسراً } وفائدة هذا التأكيد تحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه لأنه خبر عجيب .ومن المفسرين من جعل اليسر في الجملة الأولى يسر الدنيا وفي الجملة الثانية يسر الآخرة وأسلوب الكلام العربي لا يساعد عليه لأنه متمحض لكون الثانية تأكيداً .هذا وقول النبي صلى الله عليه وسلم «لن يغلب عسر يسرين» قد ارتبط لفظه ومعناه بهذه الآية . وصُرح في بعض رواياته بأنه قرأ هذه الآية حينئذ وتضافر المفسّرون على انتزاع ذلك منها فوجب التعرض لذلك ، وشاع بين أهل العلم أن ذلك مستفاد من تعريف كلمة العسر وإعادتها معرفة ومن تنكير كملة «يسر» وإعادتها منكَّرة ، وقالوا : إن اللفظ النكرة إذا أعيد نكرة فالثاني غير الأول وإذا أعيد اللفظ معرفة فالثاني عين الأول كقوله تعالى : { كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول } [ المزمل : 15 ، 16 ] .وبناء كلامهم على قاعدة إعادة النكرة معرفة خطأ لأن تلك القاعدة في إعادة النكرة معرفة لا في إعادة المعرفة معرفة وهي خاصة بالتعريف بلام العهد دون لام الجنس ، وهي أيضاً في إعادة اللفظ في جملة أخرى والذي في الآية ليس بإعادة لفظ في كلام ثان بل هي تكرير للجملة الأولى ، فلا ينبغي الالتفات إلى هذا المأخذ ، وقد أبطله من قبل أبو علي الحسين الجرجاني في كتاب «النظم» كما في «معالم التنزيل» . وأبطله صاحب «الكشاف» أيضاً ، وجعل ابن هشام في «مغني اللبيب» تلك القاعدة خطأ .والذي يظهر في تقرير معنى قوله : «لن يغلب عسر يسرين» أن جملة : { إن مع العسر يسراً } تأكيد لجملة { فإن مع العسر يسراً } .ومن المقرر أن المقصود من تأكيد الجملة في مثله هو تأكيد الحكم الذي تضمنه الخبر . ولا شك أن الحكم المستفاد من هذه الجملة هو ثبوت التحاق اليسر بالعسر عند حصوله ، فكان التأكيد مفيداً ترجيح أثر اليسر على أثر العسر ، وذلك الترجيح عبر عنه بصيغة التثنية في قوله : «يسرين» ، فالتثنية هنا كناية رمزية عن التغلب والرجحان فإن التثنية قد يكنى بها عن التكرير المراد منه التكثير كما في قوله تعالى : { ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير } [ الملك : 4 ] أي ارجع البصر كثيراً لأن البصر لا ينقلب حسيراً من رَجعتين . ومن ذلك قول العرب : لَبَّيْك ، وسَعْدَيك ، ودَوَاليك» والتكرير يستلزم قوة الشيء المكرر فكانت القوة لازِمَ لازِممِ التثنية وإذا تعددت اللوازم كانت الكناية رمزية .وليس ذلك مستفاداً من تعريف { العسر } باللام ولا من تنكير «اليسر» وإعادته منكراً .

الترجمة الإنجليزية

Faitha faraghta fainsab

فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)تفريع على ما تقرر من التذكير باللطف والعناية ووعده وبتيسير ما هو عسير عليه في طاعته التي أعظمها تبليغ الرسالة دون مَلَل ولا ضجر .والفراغ : خلو باطن الظرف أو الإِناء لأن شأنه أن يظرف فيه .وفعل فرغ يفيد أن فاعله كان مملوءاً بشيء ، وفراغ الإِنسان . مجاز في إتمامه ما شأنه أن يعمله .ولم يذكر هنا متعلق { فرغت } وسياق الكلام يقتضي أنه لازم أعمال يعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن مساق السورة في تيسير مصاعب الدعوة وما يحف بها . فالمعنى إذا أتممت عملاً من مهام الأعمال فأقبل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة . ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قفوله من إحدى غزواته : « رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر » فالمقصود بالأمر هو { فانصب } . وأما قوله : { فإذا فرغت } فتمهيد وإفادة لإِيلاءِ العمل بعمللٍ آخر في تقرير الدين ونفع الأمة . وهذا من صيغ الدلالة على تعاقب الأعمال . ومثله قول القائل : ما تأتيني من فلان صلة إلا أعقبْتها أخرى .واختلفت أقوال المفسرين من السلف في تعيين المفروغ منه ، وإنما هو اختلاف في الأمثلة فحذفُ المتعلِق هنا لقصد العموم وهو عموم عرفي لنوع من الأعمال التي دل عليها السياق ليشمل كل متعلق عمله مما هو مهم كما علمت وهو أعلم بتقديم بعض الأعمال على بعض إذا لم يمكن اجتماع كثير منها بقدر الإِمكان كما أقر الله بأداء الصلاة مع الشغل بالجهاد بقوله : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك إلى قوله : كتاباً موقوتاً } في سورة النساء ( 102 ، 103 ) .وهذا الحكم ينسحب على كل عمل ممكن من أعماله الخاصة به مثل قيام الليل والجهاد عند تقوي المسلمين وتدبير أمور الأمة .وتقديم فإذا فرغت } على { فانصب } للاهتمام بتعليق العمل بوقت الفراغ من غيره لتتعاقب الأعمال . وهذه الآية من جوامع الكلم القرآنية لما احتوت عليه من كثرة المعاني .

الترجمة الإنجليزية

Waila rabbika fairghab

وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)عُطِفَ على تفريع الأمر بالشكر على النعم أمر بطلب استمرار نعم الله تعالى عليه كما قال تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } [ إبراهيم : 7 ] .والرغبة : طلب حصول ما هو محبوب وأصله أن يعدى إلى المطلوب منه بنفسه ويعدى إلى الشيء المطلوب ب ( في ) . ويقال : رغب عن كذا بمعنى صرَف رغبتهُ عنه بأن رغب في غيره وجُعل منه قوله تعالى : { وترغبون أن تنكحوهن } [ النساء : 127 ] بتقدير حرف الجر المحذوف قبل حرف ( أنْ ) هو حرف ( عَن ) . وذلك تأويل عائشة أم المؤمنين كما تقدم في سورة النساء .وأما تعدية فعل { فارغب } هنا بحرف { إلى } فلتضمينه معنى الإِقبال والتوجه تشبيهاً بسير السائر إلى من عنده حاجته كما قال تعالى عن إبراهيم : { وقال إني ذاهب إلى ربي } [ الصافات : 99 ] .وتقديم إلى { ربك } على { فارغب } لإِفادة الاختصاص ، أي إليه لا إلى غيره تكون رغبتك فإن صفة الرسالة أعظم صفات الخلق فلا يليق بصاحبها أن يرغب غير الله تعالى .وحُذف مفعول «ارغب» ليعم كل ما يرغبه النبي صلى الله عليه وسلم وهل يرغب النبي إلا في الكمال النفساني وانتشار الدين ونصر المسلمين .واعلم أن الفاء في قوله : { فانصب } [ الشرح : 7 ] وقوله : { فارغب } رابطة للفعل لأن تقديم المعمول يتضمن معنى الاشتراط والتقييد فإن تقديم المعمول لما أفاد الاختصاص نشأ منه معنى الاشتراط ، وهو كثير في الكلام قال تعالى : { بل الله فاعبد } [ الزمر : 66 ] وقال : { وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر } [ المدثر : 3 5 ] ، وفي تقديم المجرور قال تعالى : { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } [ المطففين : 26 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمَن سأل منه أن يَخرج للجهاد : " ألكَ أبَوان؟ قال : نعم : فقال ففيهما فجاهد " . بل قد يعامل معاملة الشرط في الإِعراب كما روي قول النبي صلى الله عليه وسلم " كما تَكونُوا يُوَلَّ عليكم " بجزم الفعلين ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : { فبذلك فليفرحوا } في سورة يونس ( 58 ) .وذكر الطيبي عن «أمالي السيد» ( يَعني ابنَ الشَجَري» أن اجتماع الفاء والواو هنا من أعجب كلامهم لأن الفاء تعطف أو تدخل في الجواب وما أشبَهَ الجوابَ بالاسم الناقص ، أو في صلة الموصول الفعلية ( لشبهها بالجواب ) ، وهي هنا خارجة عما وضعت له ا ه . ولا يبقى تعجب بعد ما قررناه .
596