سورة غافر (40): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة غافر بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة غافر مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة غافر

  • نوع سورة غافر: مكية
  • عدد الآيات في سورة غافر: 85
  • ترتيب سورة غافر في القرآن الكريم: 40
  • ترتيب نزول الوحي: 60
  • اسم السورة باللغة الإنجليزية: The Forgiver
  • أرقام الصفحات في القرآن الكريم: من الصفحة 467 إلى 476
  • التفسير: تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

سُورَةُ غَافِرٍ
الصفحة 467 (آيات من 1 إلى 7)

حمٓ تَنزِيلُ ٱلْكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِى ٱلطَّوْلِ ۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ مَا يُجَٰدِلُ فِىٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلَٰدِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلْأَحْزَابُ مِنۢ بَعْدِهِمْ ۖ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍۭ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَٰدَلُوا۟ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُوا۟ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِۦ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا۟ وَٱتَّبَعُوا۟ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
467

الاستماع إلى سورة غافر

تفسير سورة غافر (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Hameem

حم (1)القول فيه كالقول في نظائره من الحروف المقطّعة في أوائل السور ، وأن معظمها وقع بعده ذكر القرآن وما يشير إليه لِتحدّي المنكرين بالعجز عن معارضته . وقد مضى ذلك في أول سورة البقرة وذكرنا هنالك أن الحروف التي أسماؤها ممدودة الآخِر يُنطق بها في هذه الفواتح مقصورة بحذف الهمزة تخفيفاً لأنها في حالة الوقف مثل اسم ( حا ) في هذه السورة واسم ( را ) في ( أَلر ) واسم ( يا ) في ( يس ) .

الترجمة الإنجليزية

Tanzeelu alkitabi mina Allahi alAAazeezi alAAaleemi

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)القول فيه كالقول في فاتحة سورة الزمر . ويُزاد هنا أن المقصود بتوجيه هذا الخبر هم المشركون المنكرون أن القرآن منزل من عند الله . فتجريد الخبر عن المؤكد إخراج له على خلاف مقتضى الظاهر بجعل المنكِر كغير المنكر لأنه يحف به من الأدلة ما إِنْ تَأَمَّلَه ارتدع عن إنكاره فما كان من حقه أن ينكر ذلك .

الترجمة الإنجليزية

Ghafiri alththanbi waqabili alttawbi shadeedi alAAiqabi thee alttawli la ilaha illa huwa ilayhi almaseeru

غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)أجريت على اسم الله ستة نعوت معارفُ ، بعضُها بحرف التعريف وبعضها بالإضافة إلى معرّف بالحرف .ووصْفُ الله بوصفي { العَزِيز العَليم } [ غافر : 2 ] هنا تعريض بأن منكري تنزيل الكتاب منه مغلوبون مقهورون ، وبأن الله يعلم ما تكنّه نفوسهم فهو محاسبهم على ذلك ، ورَمْزٌ إلى أن القرآن كلام العزيز العليم فلا يقدر غير الله على مثله ولا يعلم غير الله أن يأتي بمثله .وهذا وجه المخالفة بين هذه الآية ونظيرتها من أول سورة الزمر التي جاء فيها وصف { العَزِيز الحكيم } [ الزمر : 1 ] على أنه يتأتى في الوصف بالعلم ما تأتَّى في بعض احتمالات وصف { الحكيم في سورة الزمر . ويتأتى في الوصفين أيضاً ما تَأَتَّى هنالك من طريقي إعجاز القرآن . وفي ذكرهما رمز إلى أن الله أعلم حيث يجعل رسالَته وأنه لا يجاري أهواء الناس فيمن يرشحونه لذلك من كبرائهم { وقالوا لولا نُزِّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] .وفي إِتْباع الوصفين العظيمين بأوصاف { غافر الذنب وقَابِل التَّوْب شَديد العِقاب ذِي الطَّول } ترشيح لذلك التعريضضِ كأنه يقول : إن كنتم أذنبتم بالكفر بالقرآن فإن تدارك ذنبكم في مكنتكم لأن الله مقرَّر اتصافه بقبول التوبة وبغفران الذنب فكما غفر لمن تابوا من الأمم فقبل إيمانهم يغفر لمن يتوب منكم .وتقديم { غافر } على { قابل التوب } مع أنه مرتب عليه في الحصول للاهتمام بتعجيل الإِعلام به لمن استعدّ لتدارك أمره فوصفُ { غافر الذنب وقابل التوب } تعريض بالترغيب ، وصِفتا { شَدِيد العقاب ذِي الطَّول } تعريض بالترهيب . والتوبُ : مصدر تاب ، والتوب بالمثناة والثوب بالمثلثة والأَوْب كلها بمعنى الرجوع ، أي الرجوع إلى أمر الله وامتثاله بعد الابتعاد عنه . وإنما عطفت صفة { وقَابِل التَّوْب } بالواو على صفة { غَافِر الذنب } ولم تُفْصَل كما فُصِلت صفتا { العليمِ } [ غافر : 2 ] { غافرِ الذنب } وصفة { شديد العقاب } إشارة إلى نكتة جليلة وهي إفادة أن يجمَع للمذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل توبته فيجعلها له طاعة ، وبين أن يمحو عنه بها الذنوب التي تاب منها وندِم على فعلها ، فيصبحَ كأنه لم يفعلها . وهذا فضل من الله .وقوله : { شديد العقاب } إفضاء بصريح الوعيد على التكذيب بالقرآن لأن مجيئه بعد قوله : { تنزيلُ الكِتَاب مِن الله } [ غافر : 2 ] يفيد أنه المقصود من هذا الكلام بواسطة دلالة مستتبعات التراكيب .والمراد بغافر } و { قابل } أنه موصوف بمدلوليهما فيما مضى إذ ليس المراد أنه سيغفر وسيقبل ، فاسم الفاعل فيهما مقطوع عن مشابهة الفعل ، وهو غير عامل عمَل الفعل ، فلذلك يكتسِبُ التعريف بالإِضافة التي تزيد تقريبه من الأسماء ، وهو المحمل الذي لا يناسب غيرُهُ هنا .و { التوب } صفة مشبَّهة مضافة لفاعلها ، وقد وقعت نعتاً لاسم الجلالة اعتداداً بأن التعريف الداخل عَلى فاعل الصفة يقوم مقام تعريف الصفة فلم يخالَف ما هو المعروف في الكلام من اتحاد النعت والمنعوت في التعريف واكتساب الصفة المشبهة التعريفَ بالإِضافة هو قول نحاة الكوفة طرداً لباب التعريف بالإضافة ، وسيبَويه يجوز اكتساب الصفات المضافةِ التعريفَ بالإِضافة إلاّ الصفة المشبهة لأن إضافتها إنما هي لفاعلها في المعنى لأن أصل ما تضاف إليه الصفة المشبهة أنه كان فاعلاً فكانت إضافتها إليه مجرد تخفيف لفظي والخطب سهل .والطوْل يطلق على سعة الفضل وسعة المال ، ويطلق على مطلق القدرة كما في «القاموس» ، وظاهرُه الإِطلاقُ وأقره في «تاج العروس» وجعله من معنى هذه الآية ، ووقوعُه مع { شديد العقاب } ومزاوجتها بوصفي { غافر الذنب وقابل التوب } ليشير إلى التخويف بعذاب الآخرة من وصف { شديد العِقَاب } ، وبعذاب الدنيا من وصف { ذِي الطَّوْل } كقوله : { أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون } [ الزخرف : 42 ] ، وقوله : { قل إن اللَّه قادر على أن ينزل آية } [ الأنعام : 37 ] . وأعقب ذلك بما يدل على الوحدانية وبأن المصير ، أي المرجع إليه تسجيلاً لبطلان الشرك وإفساداً لإِحالتهم البعث .فجملة { لا إله إلاَّ هو } في موضع الصفة ، وأتبع ذلك بجملة { إليه المَصِير } إنذاراً بالبعث والجزاء لأنه لما أجريت صفات { غَافِر الذَّنب وقَابِل التَّوببِ شَدِيد العِقَاب } أثير في الكلام الإِطماعُ والتخويفُ فكان حقيقاً بأن يشعروا بأن المصير إما إلى ثوابه وإما إلى عقابه فليزنوا أنفسهم ليضعوها حيث يلوح من حالهم .وتقديم المجرور في { إليه المَصِيرُ } للاهتمام وللرعاية على الفاصلة بحرفين : حرف لين ، وحرف صحيح مثل : العليم ، والبلاد ، وعقاب .وقد اشتملت فاتحة هذه السورة على ما يشير إلى جوامع أغراضها ويناسب الخوض في تكذيب المشركين بالقرآن ويشير إلى أنهم قد اعتزوا بقوتهم ومكانتهم وأن ذلك زائل عنهم كما زال عن أمم أشد منهم ، فاستوفت هذه الفاتحة كمال ما يطلب في فواتح الأغراض مما يسمى براعة المطلع أو براعة الاستهلال .

الترجمة الإنجليزية

Ma yujadilu fee ayati Allahi illa allatheena kafaroo fala yaghrurka taqallubuhum fee albiladi

مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)استئناف بياني نشأ من قوله : { تَنْزِيلُ الكِتَاببِ مِن الله العَزيز العَليم } [ غافر : 2 ] المقتضي أن كون القرآن منزلاً من عند الله أمرٌ لا ريب فيه كما تقدم ، فينشأ في نفوس السامعين أن يقولوا : فما بال هؤلاء المجادلين في صدق نسبة القرآن إلى الله لم تقنعهم دلائل نزول القرآن من الله ، فأجيب بأنه ما يجادل في صدق القرآن إلا الذين كفروا بالله وإذ قد كان كفر المكذبين بالقرآن أمراً معلوماً كان الإِخبار عنهم بأنهم كافرون غير مقصود منه إفادة اتصافهم بالكفر ، فتعين أن يكون الخبر غير مستعمل في فائدة الخبر لا بمنطوقه ولا بمفهومه ، فإن مفهوم الحصر وهو : أن الذين آمنوا لا يجادلون في آيات الله كذلك أمر معلوم مقرر ، فيجوز أن يجعل المراد بالذين كفروا نفس المجادلين في آيات الله وأن المراد بكفرهم كفرهم بوحدانية الله بسبب إشراكهم ، فالمعنى : لا عجب في جدالهم بآيات الله فإنهم أتوا بما هو أعظم وهو الإِشراك على طريقة قوله تعالى : { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا اللَّه جهرة } [ النساء : 153 ] .ويجوز أن يجعل المراد بالذين كفروا جميع الكافرين بالله من السابقين والحاضرين ، أي ما الجَدل في آيات الله إلا من شأن أهل الكفر والإِشراك ، ومجادلة مشركي مكة شعبة من شعب مجادلة كل الكافرين ، فيكون استدلالاً بالأعمّ على الخاص ، وعلى كلا الوجهين تُرك عطف هذه الجملة على التي قبلها .والمراد بالمجادلة هنا المجادلة بالباطل بقرينة السياق فمعنى { في آيات الله } في صدق آيات الله بقرينة قوله : { تَنزِيل الكِتَاب مِن الله العَزيز العليم } [ غافر : 2 ] فتعين تقدير مضاف دل عليه المقام كما دَل قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : { يجادلنا في قوم لوط } [ هود : 74 ] ، على تقدير : في إهلاك قوم لوط ، فصيغة المفاعلة للمبالغة في الفعل من جانب واحد لإِفادة التكرر مثل : سافر وعافاه الله ، وهم يتلونون في الاختلاق ويعاودون التكذيب والقولَ الزور من نحو قولهم : { أساطير الأولين } [ الأنعام : 25 ] ، { سحر مبين } [ المائدة : 110 ] ، { قول كاهن } [ الحاقة : 42 ] ، { قول شاعر } [ الحاقة : 41 ] لا ينفكون عن ذلك . ومن المجادلة توركهم على الرسول صلى الله عليه وسلم بسؤاله أن يأتيهم بآيات كما يقترحون ، نحو قولهم : { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } [ الإسراء : 90 ] الآيات وقولهم : { لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً } [ الفرقان : 7 ] الآيات .وقد كان لتعلق { في } الظرفية بالجدال ، ولدخوله على نفس الآيات دون أحوالها في قوله : { مَا يُجَادِلُ في آيات الله } موقعٌ عظيم من البلاغة لأن الظرفية تحْوِي جميعَ أصناف الجدال ، وجُعل مجرورُ الحرف نفسَ الآيات دون تعيين نحو صدقِها أو وقوعها أو صنفها ، فكان قوله : { في آيات الله } جامعاً للجدل بأنواعه ولمتعلِّق الجدل باختلاف أحواله والمراد الجدال بالباطل كما دل عليه تنظير حالهم بحال من قال فيهم{ وجادلوا بالباطل } [ غافر : 5 ] فإذا أريد الجدال بالحق يقيد فعل الجدال بما يدل عليه .والمعنى : ما يجادل في آيات الله أنها من عند الله ، فإن القرآن تحدّاهم أن يأتوا بمثله فعجزوا ، وإنما هو تلفيق وتستر عن عجزهم عن ذلك واعتصام بالمكابرة فمجادلتهم بعدما تقدم من التحدّي دالة على تمكن الكفر منهم وأنهم معاندون وبذلك حصل المقصود من فائدة هذا وإلاّ فكونهم كفاراً معلوم .وإظهار اسم الجلالة في قوله : { ما يجادل في آيات الله } دون أن يقول : في آياته ، لتفظيع أمرها بالصريح لأن ذكر اسم الجلالة مؤذن بتفظيع جدالهم وكفرهم وللتصريح بزيادة التنويه بالقرآن .وفُرع قوله : { فَلا يَغرُرك تَقَلُّبهم في البِلادِ } على مضمون { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } لما علمت من أن مقتضى تلك الجملة أن المجادلين في آيات الله هم أهل الكفر ، وذلك من شأنه أن يثير في نفس من يراهم في متعة ونعمة أن يتساءل في نفسه كيف يتركهم الله على ذلك ويظنَّ أنهم أمنوا من عذاب الله ، ففرع عليه الجواب { فلا يغررك تقلبهم في البلاد } أي إنما هو استدراج ومقدار من حلم الله ورحمته بهم وقتاً مَّا ، أو أن معناه نحن نُعلمُ أنهم يجادلون في آياتنا إصراراً على الكفر فلا يوهمْك تقلبهم في البلاد أنا لا نؤاخذهم بذلك .والغرور : ظن أحد شيئاً حسناً وهو بضده يقال : غَرّك ، إذا جعلك تظن السيّىء حسناً . ويكون التغرير بالقول أو بتحسين صورة القبيح .والتقلب : اختلاف الأحوال ، وهو كناية عن تناول محبوب ومرغوب . و { البلاد } الأرض ، وأريد بها هنا الدنيا كناية عن الحياة .والمخاطب بالنهي في قوله : { فلا يغررك } يجوز أن يكون غيرَ معين فيعم كل مَن شأنه أن يغره تقلب الذين كفروا في البلاد ، وعلى هذا يكون النهي جارياً على حقيقةِ بابه ، أي موجهاً إلى من يتوقع منه الغرور ، ومثله كثير في كلامهم ، قال كعب بن زهير: ... فلا يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ وما وعدتإِنَّ الأَمَانِيَّ والأَحلامَ تضليل ... ويجوز أن يكون الخطاب موجهاً للنبيء صلى الله عليه وسلم على أن تكون صيغة النهي تمثيلية بتمثيل حال النبي صلى الله عليه وسلم في استبطائه عقاب الكافرين بحال من غرّهُ تقلبهم في البلاد سالمين ، كقوله تعالى : { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون } [ الحجر : 3 ] .والمعنى : لا يوهمنك تناولهم مختلف النعماء واللذات في حياتهم أننا غير مؤاخذينهم على جدالِهم في آياتنا ، أو لا يوهمنك ذلك أننا لا نعلم ما هم عليه فلم نؤاخذهم به تنزيلاً للعالم منزلة الجاهل في شدة حزن الرسول صلى الله عليه وسلم على دوام كفرهم ومعاودةِ أذاهم كقوله : { ولا تحسبن اللَّه غافلاً عما يعمل الظالمون } [ إبراهيم : 42 ] ، وفي معنى هذه قوله تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } وتقدمت في [ آل عمران : 196 ، 197 ] . .

الترجمة الإنجليزية

Kaththabat qablahum qawmu noohin waalahzabu min baAAdihim wahammat kullu ommatin birasoolihim liyakhuthoohu wajadaloo bialbatili liyudhidoo bihi alhaqqa faakhathtuhum fakayfa kana AAiqabi

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)جملة { كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْم نُوحٍ } وما بعدها بيان لجملة { فلا يغرُرك تقلُّبهم في البلد } [ غافر : 4 ] باعتبار التفريع الواقع عقب هاته الجمل من قوله : { فأخذتهم فكيف كانَ عِقَاب } ، فالمعنى : سبقتهم أمم بتكذيب الرسل كما كذبوك وجادلوا بالباطل رسلهم كما جادلك هؤلاء فأخذتهم فكيف رأيت عقابي إياهم كذلك مثل هؤلاء في إمهالهم إلى أن آخذهم .والأحزاب : جمع حِزب بكسر الحاء وسكون الزاي وهو اسم للجماعة الذين هم سواء في شأن : من اعتقادٍ أو عمل أو عادةٍ . والمراد بهم هنا الأمم الذين كانت كل أمة منهم متفقة في الدين ، فكل أمة منهم حزب فيما اتفقت عليه .وفي قوله : { مِن بَعْدِهم } إشارة إلى أن قوم نوح كانوا حزباً أيضاً فكانوا يدينون بعبادة الأصنام : يغوث ، ويعوق ، ونسر ، وودَ ، وسُواع ، وكذلك كانت كل أمة من الأمم التي كذبت الرسل حزباً متفقين في الدين ، فعادٌ حزب ، وثمود حزب ، وأصحاب الأيكة حزب ، وقوم فرعون حزب . والمعنى : أنهم جميعاً اشتركوا في تكذيب الرسل وإن تخالف بعض الأمم مع بعضها في الأديان . وفي الجمع بين { قبلهم } و { مِن بَعْدِهِم } محسِّن الطباق في الكلام .والهمّ : العزم . وحقه أن يعدّى بالباء إلى المعاني لأن العزم فعل نفساني لا يتعلق إلا بالمعاني . كقوله تعالى : { وهموا بما لم ينالوا } [ التوبة : 74 ] ، ولا يتعدّى إلى الذوات ، فإذا عدّي إلى اسم ذات تعينّ تقدير معنى من المعاني التي تلابس الذات يدل عليها المقام كما في قوله تعالى : { ولقد همت به } [ يوسف : 24 ] أي همّت بمضاجعته . وقد يذكر بعد اسم الذات ما يدل على المعنى الذي يُهَمّ به كما في قوله هنا : { ليأخذوه } إن الهمّ بأخذه ، وارتكابُ هذا الأسلوب لقصد الإجمال الذي يعقبه التفصيل ، ومثله تعلق أفعال القلوب بالأسماء في ظننتك جائياً ، أي ظننت مجيئك .والأخذ يستعمل مجازاً بمعنى التصرف في الشيء بالعقاب والتعذيب والقتل ونحو ذلك من التنكيل ، قال تعالى : { فأخذهم أخذة رابية } [ الحاقة : 10 ] ويقال للأسير : أخيذ ، وللقتيل : أخيذ .واختير هذا الفعل هنا ليشمل مختلف ما هَمّت به كل أمة برسولها من قتل أو غيره كما قال تعالى : { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبوتك أو يقتلوك أو يخرجوك } [ الأنفال : 30 ] .( والمعنى : أن الأُمم السابقة من الكفرة لم يقتصروا على تكذيب الرسول بل تجاوزوا ذلك إلى غاية الأذى من الهمّ بالقتل كما حكى الله عن ثمود : { قالوا تقاسموا باللَّه لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون } [ النمل : 49 ] . وقد تآمر كفار قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة دار الندوة ليقتلوه أن يتجمع نفر من جَميع عشائرهم فيضربوه بالسيوف ضربة رجل واحد كيلا يستطيع أولياؤه من بني هاشم الأخذ بثأره ، فأخذ الله الأمم عقوبة لهم على همهم برسلهم فأهلكهم واستأصلهم .ويفهم من تفريع قوله : { فأخذتهم } على قوله : { وهَمَّتْ كُلُّ أُمة بِرَسولهم لِيَأْخُذوه } إنذارُ المشركين أن همهم بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم هو منتهى أمد الإِمهال لهم ، فإذا صمّموا العزم على ذلك أخذهم الله كما أخذ الأمم المكذبة قبلهم حين همّت كل أمة برسولهم ليأخذوه فإن قريشاً لما همّوا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم أنجاه الله منهم بالهجرة ثم أمكنه من نواصيهم يوم بدر . والمراد ب { كُلُّ أُمَّة } كل أمة من الأحزاب المذكورين .وضمير { وجادلوا بالباطل } عائد على { كُلُّ أُمَّة } . والمقصود : من تعداد جرائم الأمم السابقة من تكذيب الرسل والهمّ بقتلهم والجدال بالباطل تنظير حال المشركين النازل فيهم قوله : { ما يُجَادِلُ في آيَاتتِ الله إلا الذين كَفَرُوا } [ غافر : 4 ] بحال الأمم السابقين سواء ، لينطبق الوعيد على حالهم أكمل انطباق في قوله : { فأخَذْتهُم فَكَيفَ كَانَ عِقابِ } .والباء في قوله : { بالباطل } للملابسة ، أي جادلوا ملابسين للباطل فالمجرور في موضع الحال من الضمير ، أو الباء لِلآلة بتنزيل الباطل منزلة الآلة لِجدالهم فيكون الظرف لغواً متعلقاً ب { جادلوا } . وتقييد { جادلوا } هذا بقيد كونه { بالباطل } يقتضي تقييد ما أطلق في قوله : { مَا يُجَادل في آيات الله إلاَّ الذينَ كَفَرُوا } .والإِدحاض : إبطال الحجة ، قال تعالى : { حجتهم داحضة عند ربهم } [ الشورى : 16 ] . والمعنى : أنهم زوروا الباطل في صورة الحقّ وروّجوه بالسفسطة في صورة الحُجَّة ليبْطلوا حجج الحق وكفى بذلك تشنيعاً لكفرهم .وفُرع على قوله : { فأخذتهم } قولُه : { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } كما فُرّع قوله : { فَلا يَغررك تَقَلُّبهم في البِلاد } [ غافر : 4 ] على جملة { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } [ غافر : 4 ] فيجري توجيه الاستفهام هنا على نحو ما جرى من توجيه الخطاب هناك .والأخذ هنا : الغَلب . والاستفهام ب { كيف كانَ عقاب } مستعمل في التعجيب من حالة العقاب وذلك يقتضي أن المخاطب بالاستفهام قد شاهد ذلك الأخذ والعقاب وإنما بني ذلك على مشاهدة آثار ذلك الأخذ في مرور الكثير على ديارهم في الأسفار كما أشار إليه قوله تعالى : { وإنها لبسبيل مقيم } [ الحجر : 76 ] ونحوه ، وفي سماع الأخبار عن نزول العقاب بهم وتوصيفهم ، فنزل جميع المخاطبين منزلة من شاهد نزول العذاب بهم ، ففي هذا الاستفهام تحقيق وتثبيت لمضمون جملة { فأخذتهم } .ويجوز أن يكون في هذا الاستفهام معنى التقرير بناء على أن المقصود بقوله : { كذَّبَت قبلهم قوم نوح } إلى قوله : { فأخذتهم } التعريض بتهديد المشركين من قريش بتنبيههم على ما حلّ بالأمم قبلهم لأنهم أمثالهم في الإِشراك والتكذيب فلذلك يكون الاستفهام عمّا حلّ بنظرائهم تقريرياً لهم بذلك .وحذفت ياء المتكلم من { عقاب } تخفيفاً مع دلالة الكسرة عليها .

الترجمة الإنجليزية

Wakathalika haqqat kalimatu rabbika AAala allatheena kafaroo annahum ashabu alnnari

وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)الواو عاطفة على جملة { فكيف كان عِقَاب } [ غافر : 5 ] ، أي ومثل ذلك الحَقّ حقت كلمات ربك فالمشار إليه المصدَر المأخوذ من قوله : { حَقَّت كَلِماتُ رَبك } على نحو ما قرر غير مرة ، أولاها عند قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } في سورة البقرة ( 143 ) ، وهو يفيد أن المشبه بلغ الغاية في وجه الشبه حتى لو أراد أحد أن يشبهه لم يشبهه إلا بنفسه .ولك أن تجعل المشار إليه الأخْذَ المأخوذ من قوله : { فأخذتهم } [ غافر : 5 ] ، أي ومثل ذلك الأخذ الذي أخذ الله به قوم نوح والأحزابَ من بعدهم حقت كلمات الله على الذين كفروا ، فعلم من تشبيه تحقق كلمات الله على الذين كفروا بذلك الأخذِ لأن ذلك الأخذ كان تحقيقاً لكلمات الله ، أي تصديقاً لما أخبرهم به من الوعيد ، فالمراد بالذين كفروا } جميع الكافرين ، فالكلام تعميم بعد تخصيص فهو تذييل لأن المراد بالأحزاب الأمم المعهودة التي ذكرت قصصها فيكون { الذينَ كَفَروا } أعم . وبذلك يكون التشبيه في قوله : { وكذلك حقت كلمات ربك } جارياً على أصل التشبيه من المغايرة بين المشبه والمشبه به ، وليس هو من قبيل قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } [ البقرة : 143 ] ونظائره .ويجوز أن يكون المراد ب { الذين كفروا } عين المراد بقوله آنفاً : { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } [ غافر : 4 ] أي مثل أخذ قوم نوح والأحزاب حقت كلمات ربك على كفار قومك ، أي حقت عليهم كلمات الوعيد إذا لم يقلعوا عن كفرهم .و ( كلمات الله ) هي أقواله التي أوحى بها إلى الرسل بوعيد المكذبين ، و { على الذين كفروا } يتعلق ب { حقت .وقوله : أنهم أصحابُ النَّار } يجوز أن يكون بدلاً من { كلمات ربك } بدلاً مطابقاً فيكون ضمير { أنَّهُم } عائد إلى { الذين كفروا } ، أي حق عليهم أن يكونوا أصحاب النار ، وفي هذا إيماء إلى أن الله غير معاقب أمة الدعوة المحمدية بالاستئصال لأنه أراد أن يخرج منهم ذرية مؤمنين .ويجوز أن يكون على تقدير لام التعليل محذوفةٍ على طريقة كثرة حذفها قبل ( أنَّ ) . والمعنى : لأنهم أصحاب النار ، فيكون ضمير { أنَّهُم } عائداً إلى جميع ما ذكر قبله من قوم نوح والأحزاب من بعدهم ومن الذين كفروا .وقرأ الجمهور { كلمة ربك } بالإِفراد . وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر بصيغة الجمع ، والإِفراد هنا مساو للجمع لأن المراد به الجنس بقرينة أن الضمير المجرور ب ( على ) تعلق بفعل { حَقَّت } وهو ضمير جمع فلا جرم أن تكون الكلمة جنساً صادقاً بالمتعدد بحسب تعدد أزمان كلمات الوعيد وتعدد الأمم المتوعَّدة .

الترجمة الإنجليزية

Allatheena yahmiloona alAAarsha waman hawlahu yusabbihoona bihamdi rabbihim wayuminoona bihi wayastaghfiroona lillatheena amanoo rabbana wasiAAta kulla shayin rahmatan waAAilman faighfir lillatheena taboo waittabaAAoo sabeelaka waqihim AAathaba aljaheemi

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)استئناف ابتدائي اقتضاه الانتقال من ذكر الوعيد المؤذن بذم الذين كفروا إلى ذكر الثناء على المؤمنين ، فإن الكلام الجاري على ألسنة الملائكة مثل الكلام الجاري على ألسنة الرسل إذ الجميع من وحي الله ، والمناسبة المضادَّةُ بين الحالين والمقالين .ويجوز أن يكون استئنافاً بيانياً ناشئاً عن وعيد المجادلين في آيات الله أن يسأل سائل عن حال الذين لا يجادلون في آيات الله فآمنوا بها .وخص في هذه الآية طائفة من الملائكة موصوفة بأوصاف تقتضي رفعة شأنهم تذرعاً من ذلك إلى التنويه بشأن المؤمنين الذين تستغفر لهم هذه الطائفة الشريفة من الملائكة ، وإلا فإن الله قد أسند مثل هذا الاستغفار لعموم الملائكة في قوله في سورة [ الشورى : 5 ] { والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض } أي من المؤمنين بقرينة قوله فيها بعده : { والذين اتخذوا من دونه أولياء اللَّه حفيظ عليهم } [ الشورى : 6 ] .و { الذين يحمِلُون العَرْش } هم الموكَّلون برفع العرش المحيط بالسماوات وهو أعظم السماوات ، ولذلك أضيف إلى الله في قوله تعالى : { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } [ الحاقة : 17 ] .( و { من حَوله } طائفة من الملائكة تحفّ بالعرش تحقيقاً لعظمته قال تعالى : { وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم } [ الزمر : 75 ] ، ولا حاجة إلى الخوض في عددهم { وما يعلم جنود ربك إلا هو } [ المدثر : 31 ] .( والإِخبار عن صنفي الملائكة بأنهم يسبحون ويؤمنون به؛ توطئة وتمهيد للإخبار عنهم بأنهم يستغفرون للذين آمنوا فذلك هو المقصود من الخبر ، فقدم له ما فيه تحقيق استجابة استغفارهم لصدوره ممن دأبهم التسبيح وصفتهم الإِيمان .وصِيغةُ المضارع في { يسبحون } و { يؤمنون } و { يستغفرون } مفيدة لتجدد ذلك وتكرره ، وذلك مشعر بأن المراد أنهم يفعلون ذلك في الدنيا كما هو الملائم لقوله : { فاغفر للذين تابوا } وقوله : { وأدخِلهم جَنَّات عَدننٍ التي وعَدتَّهُم } [ غافر : 8 ] وقوله : { ومَن تَقِ السَّيِئات } [ غافر : 9 ] الخ وقد قال في الآية الأخرى { ويستغفرون لمن في الأرض } [ الشورى : 5 ] أي من المؤمنين كما تقدم .ومعنى تجدد الإِيمان المستفاد من { ويؤمنون } تجدد ملاحظته في نفوس الملائكة وإلا فإن الإِيمان عقد ثابت في النفوس وإنما تجدده بتجدد دلائله وآثاره . وفائدة الإخبار عنهم بأنهم يؤمنون مع كونه معلوماً في جانب الملائكة التنويهُ بشأن الإِيمان بأنه حال الملائكة ، والتعريضُ بالمشركين أن لم يكونوا مثل أشرف أجناس المخلوقات مثل قوله تعالى في حق إبراهيم { وما كان من المشركين } [ الأنعام : 161 ] .وجملة { رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شيء رَحْمَة وعِلمَاً } مبيّنة ل { يستغفرون } ، وفيها قول محذوف دلت عليه طريقة التكلم في قولهم : { ربنا } .والباء في { بِحَمْد رَبهِم } للملابسة ، أي يسبحون الله تسبيحاً مصاحباً للحمد ، فحذف مفعول { يسبحون } لدلالة المتعلِّق به عليه .والمراد ب { الذين آمنوا } المؤمنون المعهودون وهم المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنهم المقصود في هذا المقام وإن كان صالحاً لكل المؤمنين .وافتتح دعاء الملائكة للمؤمنين بالنداء لأنه أدخل في التضرع وأرجى للإِجابة ، وتوجهوا إلى الله بالثناء بسعة رحمته وعلمه لأن سعة الرحمة مما يُطمِع باستجابة الغفران ، وسعة العلم تتعلق بثبوت إيماننِ الذين آمنوا .ومعنى السعة في الصفتين كثرة تعلقاتهما ، وذكر سعة العلم كناية عن يقينهم بصدق إيمان المؤمنين فهو بمنزلة قول القائل ، أنت تعلم أنهم آمنوا بك ووحّدوك .وجيء في وصفه تعالى بالرحمة الواسعة والعلم الواسع بأسلوب التمييز المحوَّل عن النسبة لما في تركيبه من المبالغة بإسناد السعة إلى الذات ظاهراً حتى كأنَّ ذاته هي التي وَسِعَتْ ، فذلك إجمال يستشرف به السامع إلى ما يرِد بعدَه فيجيء بعده التمييز المبيِّن لنسبة السعة أنها من جانب الرحمة وجانب العلم ، وهي فائدة تمييز النسبة في كلام العرب ، لأن للتفصيل بعد الإِجمال تمكيناً للصفة في النفس كما في قوله تعالى : { واشتعل الرأس شيباً } [ مريم : 4 ] . والمراد أن الرحمة والعلم وَسِعَا كل موجود ، الآن ، أي في الدنيا وذلك هو سياق الدعاء كما تقدم آنفاً ، فما من موجود في الدنيا إلا وقد نالته قسمة من رحمة الله سواء في ذلك المؤمن والكافر والإِنسان والحيوان .و { كُلَّ شيءٍ } كل موجود ، وهو عام مخصوص بالعقل بالنسبة للرحمة ، أي كل شيء محتاج إلى الرحمة ، وتلك هي الموجودات التي لها إدراك تدرك به الملائم والمنافر والنافع والضار ، من الإِنسان والحيوان ، إذ لا فائدة في تعلق الرحمة بالحَجر والشجر ونحوهما . وأما بالنسبة إلى العلم فالعموم على بابه قال تعالى : { ألا يعلم من خلق } [ الملك : 14 ] .ولما كان سياق هذا الدعاء أنه واقع في الدنيا كما تقدم اندفع ما عسى أن يقال إن رحمة الله لا تسع المشركين يوم القيامة إذ هم في عذاب خالد فلا حاجة إلى تخصيص عموم كل شيء بالنسبة إلى سعة الرحمة بمخصصات الأدلة المنفصلة القاضية بعدم سعة رحمة الله للمشركين بعد الحساب .وتَفَرع على هذه التوطئة بمناجاة الله تعالى ما هو المتوسَّل إليه منها وهو طلب المغفرة للذين تابوا لأنه إذا كان قد عَلم صدق توبة من تاب منهم وكانت رحمته وسعت كلَّ شيء فقد استحقوا أن تشملهم رحمته لأنهم أحرياء بها .ومفعولُ { فاغفر } محذوف للعلم ، أي اغفر لهم ما تابوا منه ، أي ذنوب الذين تابوا . والمراد بالتوبة : الإِقلاع عن المعاصي وأعظمها الإشراك بالله .واتباع سبيل الله هو العمل بما أمرهم واجتنابُ ما نهاهم عنه ، فالإِرشاد يشبه الطريق الذي رسمه الله لهم ودلهم عليه فإذا عملوا به فكأنهم اتبعوا السبيل فمشَوا فيه فوصلوا إلى المقصود .{ وَقِهم عذاب الجحيم } عطف على { فاغفر } فهو من جملة التفريع فإن الغفران يقتضي هذه الوقاية لأن غفران الذنب هو عدم المؤاخذة به . وعذاب الجحيم جعله الله لِجزاء المذنبين ، إلا أنهم عضدوا دلالة الالتزام بدلالة المطابقة إظهاراً للحرص على المطلوب . والجحيم : شدة الالتهاب ، وسميت به جهنم دارُ الجزاء على الذنوب .
467