سورة عبس: الآية 21 - ثم أماته فأقبره...

تفسير الآية 21, سورة عبس

ثُمَّ أَمَاتَهُۥ فَأَقْبَرَهُۥ

الترجمة الإنجليزية

Thumma amatahu faaqbarahu

تفسير الآية 21

لُعِنَ الإنسان الكافر وعُذِّب، ما أشدَّ كفره بربه!! ألم ير مِن أيِّ شيء خلقه الله أول مرة؟ خلقه الله من ماء قليل- وهو المَنِيُّ- فقدَّره أطوارا، ثم بين له طريق الخير والشر، ثم أماته فجعل له مكانًا يُقبر فيه، ثم إذا شاء سبحانه أحياه، وبعثه بعد موته للحساب والجزاء. ليس الأمر كما يقول الكافر ويفعل، فلم يُؤَدِّ ما أمره الله به من الإيمان والعمل بطاعته.

«ثم أماته فأقبره» جعله في قبر يستره.

ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ أي: أكرمه بالدفن، ولم يجعله كسائر الحيوانات التي تكون جيفها على وجه الأرض،

وقوله ( ثم أماته فأقبره ) أي إنه بعد خلقه له ( أماته فأقبره ) أي جعله ذا قبر والعرب تقول قبرت الرجل إذا ولي ذلك منه وأقبره الله وعضبت قرن الثور ، وأعضبه الله وبترت ذنب البعير وأبتره الله وطردت عني فلانا وأطرده الله ، أي جعله طريدا قال الأعشىلو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر

( ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) أى : ثم أمات - سبحانه - هذا الإِنسان ، بأن سلبه الحياة ( فأقبره ) أى : فجعله ذا قبر يوارى فيه جسده تكريما له ، ولم يتركه مطروحا على وجه الأرض ، بحيث يستقذره الناس ، ويكون عرضة لاعتداء الطيور والحيوانات عليه .يقال : قبر فلان الميت يقبره - بكسر الباء وضمها - ، إذا دفنه بيده فهو قابر . ويقال : أقبره ، إذا أمر بدفنه ، أو مكن غيره من دفنه .وفى الآية الكريمة إشارة إلى أن مواراة الأجساد فى القبور من سنن الإِسلام ، أما تركها بدون دفن ، أو حرقها . . فيتنافى مع تركيم هذه الأجساد .

( ثم أماته فأقبره ) جعل له قبرا يوارى فيه . قال الفراء : جعله مقبورا ولم يجعله ممن يلقى كالسباع والطيور . يقال : قبرت الميت إذا دفنته ، وأقبره الله : أي صيره بحيث يقبر ، وجعله ذا قبر ، كما يقال : طردت فلانا والله أطرده أي صيره طريدا .

ثم أماته فأقبره أي جعل له قبرا يوارى فيه إكراما ، ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض تأكله الطير والعوافي ; قاله الفراء . وقال أبو عبيدة : أقبره : جعل له قبرا ، وأمر أن يقبر . قال أبو عبيدة : ولما قتل عمر بن هبيرة صالح بن عبد الرحمن ، قالت بنو تميم ودخلوا عليه : أقبرنا صالحا ; فقال : دونكموه . وقال : أقبره ولم يقل قبره ; لأن القابر هو الدافن بيده ، قال الأعشى :لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابريقال : قبرت الميت : إذا دفنته ، وأقبره الله : أي صيره بحيث يقبر ، وجعل له قبرا ; تقول العرب : بترت ذنب البعير ، وأبتره الله ، وعضبت قرن الثور ، وأعضبه الله ، وطردت فلانا ، والله أطرده ، أي صيره طريدا .

وقوله: ( ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) يقول: ثم قَبَضَ رُوحه، فأماته بعد ذلك. يعني بقوله: ( أَقْبَرَهُ ) صيره ذا قبر، والقابر: هو الدافن الميت بيده، كما قال الأعشى:لَوْ أسْنَدَتْ مَيْتا إلى نَحْرِهاعاشَ وَلمْ يُنْقَلْ إلى قابِرِ (3)والمقبر: هو الله، الذي أمر عباده أن يقبروه بعد وفاته، فصيره ذا قبر. والعرب تقول فيما ذُكر لي: بترت ذنَب البعير، والله أبتره، وعضبت قَرنَ الثور، والله أعضبه؛ وطردت عني فلانا، والله أطرده، صيره طريدا.--------------------الهوامش :(3) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة ( ديوانه طبع القاهرة 139 ) من قصيدة يهجو بها علقمة بن علاثة ، ويمدح عامر بن الطفيل في المنافرة التي جرت بينهما . وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( 185 ) قال : فأقبره : " أمر بأن يقبر ... " والذي يدفن بيده هو القابر ، قال الأعشى : " لو أسندت ... " البيت. ا ه وفي ( اللسان : قبر ) وقبره يقبره ويقبره ( كيحفر ويدخل ) : دفنه . وأقبره : جعل له قبرا ، وأقبر : إذا أمر إنسانا بحفر قبر . قال أبو عبيدة : قالت بنو تميم للحجاج ، وكان قتل صالح بن عبد الرحمن أقبرنا صالحا ؛ أي: ائذن لنا في أن نقبره ، فقال لهم : دونكموه . وقال الفراء في قوله تعالى : ثم أماته فأقبره " أي : جعله مقبورا ، ممن يقبر ، ولم يجعله ممن يلقي للطير والسباع " ولا ممن يلقى في النواويس ، كأن القبر مما أكرم به المسلم . ا ه .

ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) وفيه مناسبة لقوله بعده : { ثم أماته فأقبره } ، ف { أماته } مقابل { خلقه } و { أقبره } مقابل { ثم السبيل يسره } لأن الإِقبار إدخال في الأرض وهو ضد خروج المولود إلى الأرض .والتيسير : التسهيل ، و { السبيل } منصوب بفعل مضمر على طريق الاشتغال ، والضمير عائد إلى { السبيل } . والتقدير : يسّر السبيل له ، كقوله : { ولقد يسرنا القرآن للذكر } [ القمر : 17 ] أي لذِكر الناس .وتقديم { السبيل } على فعله للاهتمام بالعبرة بتيسير السبيل بمعنييه المجازيين ، وفيه رعاية للفواصل .وكذلك عطف { ثم أماته } على { يسره } بحرف التراخي هو لتراخي الرتبة فإن انقراض تلك القُوى العقلية والحسيّة بالموت ، بعد أن كانت راسخة زمناً ما ، انقراض عجيب دون تدريج ولا انتظارِ زماننٍ يساوي مدة بقائها ، وهذا إدماج للدلالة على عظيم القدرة .ومن المعلوم بالضرورة أن الكثير الذي لا يُحصى من أفراد النوع الإنساني قد صار أمره إلى الموت وأن من هو حيّ آيل إلى الموت لا محالة ، فالمعنى : ثم أماته ويُميته .فصيغة المضي في قوله : { أماته } مستعملة في حقيقته وهو موت من مات ، ومجازِه وهو موت من سيموتون ، لأن موتهم في المستقبل محقق . وذكر جملة : { ثم أماته } توطئة وتمهيد لجملة { فأقبره } .وإسناد الإماتة إلى الله تعالى حقيقة عقلية بحسب عرف الاستعمال . وهذا إدماج للامتنان في خلال الاستدلال كما أدمج : { فقدره ثم السبيل يسره } فيما سبق .و { أقبره } جعله ذا قبر ، وهو أخص من معنى قَبَره ، أي أن الله سَبّب له أن يقبر . قال الفراء : «أي جعله مقبوراً ، ولم يجعله ممن يُلقى للطير والسباع ولا ممن يلقى في النواويس» ( جمع ناووس صندوق من حجر أو خشب يوضع فيه الميت ويجعل في بيت أو نحوه ) .والإِقبار : تهيئة القبر ، ويقال : أقبره أيضاً ، إذا أمر بأن يُقبر ، ويقال : قبر المَيت ، إذا دفنه ، فالمعنى : أن الله جعل الناس ذوي قبور .وإسناد الإِقبار إلى الله تعالى مجاز عقلي لأن الله ألهم الناس الدَّفن كما في قصة دفن أحد ابني آدم أخاه بإلهام تقليده لفعل غراب حفر لغراب آخر ميتتٍ حفرةً فواراه فيها ، وهي في سورة العقود ، فأسند الإِقبار إلى الله لأنه ألهم الناس إياه . وأكد ذلك بما أمر في شرائعه من وجوب دفن المَيت .والقول في أن صيغة المضي مستعملة في حقيقتها ومجازها نظير القول في صيغة { أماته } .وهذه كلها دلائل على عظيم قدرة الله تعالى وهم عَدوها قاصرة على الخلق الثاني ، وهي تتضمن منناً على الناس في خلقهم وتسويتهم وإكمال قواهم أحياء ، وإكرامهم أمواتاً بالدفن لئلا يكون الإنسان كالشيء اللّقي يجتنب بنو جنسه القرب منه ويهينه التقام السباع وتمزيق مخالب الطير والكلاب ، فمحل المنة في قوله : { ثم أماته } هو فيما فرع عليه بالفاء بقوله : { فأقبره } وليست الإِماتة وحدها منة .وفي الآية دليل على أن وجوب دفن أموات الناس بالإِقبار دون الحرق بالنار كما يفعل مجوس الهند ، ودون الإِلقاء لسباع الطير في ساحات في الجبال محوطة بجدران دون سقف كما كان يفعله مجوس الفرس وكما كان يفعله أهل الجاهلية بموتى الحروب والغارات في الفيافي إذ لا يوارونهم بالتراب وكانوا يفتخرون بذلك ويتمنونه قال الشنفَرَى: ... لا تقبروني إن قبري محرَّمعليكم ولكن أبشري أمَّ عامر ... يريد أن تأكله الضبع ، وأبطل الإسلام ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفَن شهداء المسلمين يوم أحد في قبور مشتركة ، ووارَى قتلى المشركين ببدر في قليب ، قال عمرو بن معديكرب قبل الإِسلام: ... آليتُ لا أدفِن قتلاكُمُ
الآية 21 - سورة عبس: (ثم أماته فأقبره...)