سورة عبس: الآية 33 - فإذا جاءت الصاخة...

تفسير الآية 33, سورة عبس

فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ

الترجمة الإنجليزية

Faitha jaati alssakhkhatu

تفسير الآية 33

فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصمُّ مِن هولها الأسماع، يوم يفرُّ المرء لهول ذلك اليوم من أخيه، وأمه وأبيه، وزوجه وبنيه. لكل واحد منهم يومئذٍ أمر يشغله ويمنعه من الانشغال بغيره.

«فإذا جاءت الصاخة» النفخة الثانية.

أي: إذا جاءت صيحة القيامة، التي تصخ لهولها الأسماع، وتنزعج لها الأفئدة يومئذ، مما يرى الناس من الأهوال وشدة الحاجة لسالف الأعمال.

قال ابن عباس : ( الصاخة ) اسم من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده قال ابن جرير لعله اسم للنفخة في الصور وقال البغوي ( الصاخة ) يعني صيحة القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع ، أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها .

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالحديث عن أحوال الناس فى يوم القيامة فقال - تعالى - :( فَإِذَا جَآءَتِ . . . ) .الفاء فى قوله - سبحانه - ( فَإِذَا جَآءَتِ الصآخة ) للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها من فنون النعم . وجواب ( إذا ) محذوف يدل عليه قوله - تعالى - بعد ذلك : ( لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) ، ويصح أن يكون جوابه قوله : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ) .والصاخة : الصحية الشديدة التى تصُخُّ الآذان ، أى تزلزلها لشدة صوتها ، وأصل الصخ : الصك الشديد ، والمراد بها هنا : النفخة الثانية التى بعدها يبعث الناس من قبورهم . .أى : فإذا جاءت الصيحة العظيمة التى بعدها يخرج الناس من قبورهم للحساب والجزاء ، كان ما كان من سعادة أقوام ، ومن شقاء آخرين .

ثم ذكر القيامة فقال: "فإذا جاءت الصاخة"، يعني صيحة القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع، أي تبالغ في الأسماع حتى تكاد تصمها.

قوله تعالى : فإذا جاءت الصاخة لما ذكر أمر المعاش ذكر أمر المعاد ، ليتزودوا له بالأعمال الصالحة ، وبالإنفاق مما امتن به عليهم . والصاخة : الصيحة التي تكون عنها القيامة ، وهي النفخة الثانية ، تصخ الأسماع : أي تصمها فلا تسمع إلا ما يدعى به للأحياء . وذكر ناس من المفسرين قالوا : تصيخ لها الأسماع ، من قولك : أصاخ إلى كذا : أي استمع إليه ، ومنه الحديث : " ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة شفقا من الساعة إلا الجن والإنس " . وقال الشاعر :يصيخ للنبأة أسماعه إصاخة المنشد للمنشدقال بعض العلماء : وهذا يؤخذ على جهة التسليم للقدماء ، فأما اللغة فمقتضاها القول الأول ، قال الخليل : الصاخة : صيحة تصخ الآذان صخا أي تصمها بشدة وقعتها . وأصل الكلمة في اللغة : الصك الشديد . وقيل : هي مأخوذة من صخه بالحجر : إذا صكه قال الراجز :يا جارتي هل لك أن تجالدي جلادة كالصك بالجلامدومن هذا الباب قول العرب : صختهم الصاخة وباتتهم البائتة ، وهي الداهية . الطبري : وأحسبه من صخ فلان فلانا : إذا أصماه . قال ابن العربي : الصاخة التي تورث الصمم ، وإنها لمسمعة ، وهذا من بديع الفصاحة ، حتى لقد قال بعض حديثي الأسنان حديثي الأزمان :أصم بك الناعي وإن كان أسمعاوقال آخر :أصمني سرهم أيام فرقتهم فهل سمعتم بسر يورث الصممالعمر الله إن صيحة القيامة لمسمعة تصم عن الدنيا ، وتسمع أمور الآخرة .

وقوله: ( فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ) ذُكر أنها اسم من أسماء القيامة، وأحسبها مأخوذة من قولهم: صاخ فلان لصوت فلان: إذا استمع له، إلا أن هذا يقال منه: هو مُصِيخ له، ولعلّ الصوت هو الصاخّ، فإن يكن ذلك كذلك، فينبغي أن يكون قبل ذلك لنفخة الصور.ذكر من قال: هو اسم من أسماء القيامةحدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ) قال: هذا من أسماء يوم القيامة عظَّمه الله، وحذّره عباده.

فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) الفاء للتفريع على اللوْم والتوبيخ في قوله : { قتل الإنسان ما أكفره } [ عبس : 17 ] وما تبعه من الاستدلال على المشركين من قوله : { من أي شيء خلقه } إلى قوله { أنا صببنا الماء صباً } [ عبس : 18 25 ] ، ففُرع على ذلك إنذار بيوم الجزاء ، مع مناسبة وقوع هذا الإِنذار عقب التعريض والتصريح بالامتنان في قوله : { إلى طعامه } [ عبس : 24 ] وقوله : { متاعاً لكم ولأنعامكم } [ عبس : 32 ] على نحو ما تقدم في قوله : { فإذا جاءت الطامة الكبرى } من سورة النازعات ( 34 ) .والصَّاخّة } : صيحة شديدة من صيحات الإِنسان تَصُخ الأسماع ، أي تُصِمها . يقال : صَخَّ يصخ قاصراً ومتعدياً ، ومضارعه يصُخ بضم عينه في الحالين . وقد اختلف أهل اللغة في اشتقاقها اختلافاً لا جدوَى له ، وما ذكرناه هو خلاصة قول الخليل والراغب وهو أحسن وأجرى على قياس اسم الفاعل من الثلاثي ، فالصاخّة صارت في القرآن عَلماً بالغَلبة على حادثةِ يوم القيامة وانتهاءِ هذا العالم ، وتحصل صيحات منها أصوات تزلزل الأرض واصطدام بعض الكواكب بالأرض مثلاً ، ونفخة الصُّور التي تبعث عندها الناس . و ( إذا ) ظرف وهو متعلق ب { جاءت الصاخّة } وجوابه قوله : { وجوه يومئذ مسفرة } الآيات .والمجيء مستعمل في الحصول مجازاً ، شُبه حصول يوم الجزاء بشخص جاء من مكان آخر .
الآية 33 - سورة عبس: (فإذا جاءت الصاخة...)