سورة الضحى: الآية 10 - وأما السائل فلا تنهر...

تفسير الآية 10, سورة الضحى

وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنْهَرْ

الترجمة الإنجليزية

Waamma alssaila fala tanhar

تفسير الآية 10

فأما اليتيم فلا تُسِئْ معاملته، وأما السائل فلا تزجره، بل أطعمه، واقض حاجته، وأما بنعمة ربك التي أسبغها عليك فتحدث بها.

«وأما السائل فلا تنهر» تزجره لفقره.

وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ أي: لا يصدر منك إلى السائل كلام يقتضي رده عن مطلوبه، بنهر وشراسة خلق، بل أعطه ما تيسر عندك أو رده بمعروف [وإحسان].وهذا يدخل فيه السائل للمال، والسائل للعلم، ولهذا كان المعلم مأمورًا بحسن الخلق مع المتعلم، ومباشرته بالإكرام والتحنن عليه، فإن في ذلك معونة له على مقصده، وإكرامًا لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد.

( وأما السائل فلا تنهر ) أي : وكما كنت ضالا فهداك الله ، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد .قال ابن إسحاق : ( وأما السائل فلا تنهر ) أي : فلا تكن جبارا ، ولا متكبرا ، ولا فحاشا ، ولا فظا على الضعفاء من عباد الله .وقال قتادة : يعني رد المسكين برحمة ولين .

وقوله- سبحانه-: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ معطوف على ما قبله. أى: وكما أننا قد هديناك بعد حيرة.. فاشكر نعمنا على ذلك، بأن تفتح صدرك للسائل الذي يسألك العون، أو يسألك معرفة ما يجهله من علم. فالمراد بالسائل، ما يشمل كل سائل عن مال، أو عن علم، أو عن غير ذلك من شئون الحياة.قال القرطبي: قوله: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ أى: لا تزجره، فهو نهى عن إغلاظ القول.. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ردوا السائل ببذل يسير، أو رد جميل..» .وفي حديث أبى هارون العبدى قال: كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري يقول: مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله قال: «إن الناس لكم تبع، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا ... ».

( وأما السائل فلا تنهر ) قال المفسرون : يريد السائل على الباب ، يقول : لا تنهره لا تزجره إذا سألك ، فقد كنت فقيرا فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا ، يقال : نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره .وقال قتادة : رد السائل برحمة ولين . قال إبراهيم بن أدهم : نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة .وقال إبراهيم : السائل يريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول : هل توجهون إلى أهليكم بشيء ؟وروي عن الحسن في قوله : " أما السائل فلا تنهر " ، قال : طالب العلم .

قوله تعالى : وأما السائل فلا تنهر أي لا تزجره فهو نهي عن إغلاظ القول . ولكن رده ببذل يسير ، أو رد جميل ، واذكر فقرك قاله قتادة وغيره . وروي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يمنعن أحدكم السائل ، وأن يعطيه إذا سأل ، ولو رأى في يده قلبين من ذهب . وقال إبراهيم بن أدهم : نعم القوم السؤال : يحملون زادنا إلى الآخرة . وقال إبراهيم النخعي : السائل بريد الآخرة ، يجيء إلى باب أحدكم فيقول : هل تبعثون إلى أهليكم بشيء . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ردوا السائل ببذل يسير ، أو رد جميل ، فإنه يأتيكم من ليس من الإنس ولا من الجن ، ينظر كيف صنيعكم فيما خولكم الله . وقيل : المراد بالسائل هنا ، الذي يسأل عن الدين أي فلا تنهره بالغلظة والجفوة ، وأجبه برفق ولين قالهسفيان . قال ابن العربي : وأما السائل عن الدين فجوابه فرض على العالم ، على الكفاية كإعطاء سائل البر سواء . وقد كان أبو الدرداء ينظر إلى أصحاب الحديث ، ويبسط رداءه لهم ، ويقول : مرحبا بأحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي حديث أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا إذا أتينا أبا سعيد يقول : مرحبا بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا . وفي رواية يأتيكم رجال من قبل المشرق . . . فذكره . واليتيم والسائل منصوبان بالفعل الذي بعده وحق المنصوب أن يكون بعد الفاء ، والتقدير : مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم ، ولا تنهر السائل . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " سألت ربي مسألة وددت أني لم أسألها : قلت يا رب اتخذت إبراهيم خليلا ، وكلمت موسى تكليما ، وسخرت مع داود الجبال يسبحن ، وأعطيت فلانا كذا فقال - عز وجل - : ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أوتك ما لم أوت أحدا قبلك : خواتيم سورة البقرة ، ألم أتخذك خليلا ، كما اتخذت إبراهيم خليلا ؟ قلت بلى يا رب " .

وقوله: ( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ) يقول: وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته .

وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وكذلك القول في تقديم { السائل } وتقديم { بنعمة ربك } على فعليهما .وقد قوبلت النعم الثلاث المتفرع عليها هذا التفصيل بثلاثة أعمال تقابلها . فيجوز أن يكون هذا التفصيل على طريقة اللف والنشر المرتب . وذلك ما درج عليه الطيبي ، ويجري على تفسير سفيان بن عيينة { السائل } بالسائل عن الدين والهدى ، فقوله : { فأما اليتيم فلا تقهر } مقابل لقوله : { ألم يجدك يتيماً فآوى } [ الضحى : 6 ] لا محالة ، أي فكما آواك ربك وحفظك من عوارض النقص المعتاد لليُتم ، فكن أنت مُكرماً للأيتام رفيقاً بهم ، فجمع ذلك في النهي عن قهره ، لأن أهل الجاهلية كانوا يقهرون الأيتام ولأنه إذا نهى عن قهر اليتيم مع كثرة الأسباب لقهره لأن القهر قد يصدر من جراء القلق من مطالب حاجاته فإن فلتات اللسان سريعة الحصول كما قال تعالى : { فلا تقل لهما أف } [ الإسراء : 23 ] وقال : { وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً } [ الإسراء : 28 ] .والقهر : الغلبة والإذلال وهو المناسب هنا ، وتكون هذه المعاني بالفِعل كالدَّعّ والتحقير بالفعل وتكون بالقول قال تعالى : { وقولوا لهم قولاً معروفاً } [ النساء : 5 ] ، وتكون بالإِشارة مثل عُبوس الوجه ، فالقهر المنهي عنه هو القهر الذي لا يعامَل به غير اليتيم في مثل ذلك فأما القهر لأجل الاستصلاح كضرب التأديب فهو من حقوق التربية قال تعالى : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } [ البقرة : 220 ] .وقوله : { وأما السائل فلا تنهر } مقابل قوله : { ووجدك ضالاً فهدى } [ الضحى : 7 ] لأن الضلال يستعدي السؤال عن الطريق ، فالضال معتبر من نصف السائلين .والسائل عن الطريق قد يتعرض لحماقة المسؤول كما قال كعب: ... وقال كُل خليل كنت آمله :لا أُلْهِيَنَّك أني عنك مشغول ... فجعل الله الشكر عن هدايته إلى طريق الخير أن يوسع باله للسائلين .فلا يختص السائلُ بسائل العطاء بل يشمل كل سائل وأعظم تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بإرشاد المسترشدين ، وروي هذا التفسير عن سفيان بن عيينة . روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الناس لكم تبع وإن رجالاً يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون فإذا أتوكم فاستَوْصوا بهم خيراً " قال هارون العبدي : كنا إذا أتيْنا أبا سعيد يقول : مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلموالتعريف في { السائل } تعريف الجنس فيعم كل سائل ، أي عمّا يُسال النبي صلى الله عليه وسلم عن مثله .ويكون النشر على ترتيب اللف .فإن فسر { السائل } بسائل معروف كان مقابل قوله : { ووجدك عائلاً فأغنى } [ الضحى : 8 ] وكان من النشر المشوش ، أي المخالف لترتيب اللف ، وهو ما درج عليه «الكشاف» .والنهر : الزجر بالقول مثل أن يقول : إليك عني . ويستفاد من النهي عن القهر والنهر النهي عما هو أشد منهما في الأذى كالشتم والضرب والاستيلاء على المال وتركه محتاجاً وليس من النهر نهي السائل عن مخالفة آداب السؤال في الإِسلام .
الآية 10 - سورة الضحى: (وأما السائل فلا تنهر...)