سورة الدخان: الآية 12 - ربنا اكشف عنا العذاب إنا...

تفسير الآية 12, سورة الدخان

رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ

الترجمة الإنجليزية

Rabbana ikshif AAanna alAAathaba inna muminoona

تفسير الآية 12

فانتظر -أيها الرسول- بهؤلاء المشركين يوم تأتي السماء بدخان مبين واضح يعمُّ الناس، ويقال لهم: هذا عذاب مؤلم موجع، ثم يقولون سائلين رفعه وكشفه عنهم: ربنا اكشف عنا العذاب، فإن كشفته عنا فإنا مؤمنون بك.

«ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون» مصدقون نبيك.

وقوله : ( ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) أي : يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم ، كقوله : ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) [ الأنعام : 27 ] . وكذا قوله : ( وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ) [ إبراهيم : 44 ] ،

ثم يقولون- أيضا-: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أى: يا ربنا أزل عنا هذا العذاب المتمثل في الجوع والمرض وغيرهما، فإنك إن رفعت عنا ذلك آمنا برسولك صلّى الله عليه وسلّم، واتبعنا دعوته، ولكنهم بعد أن كشف الله- تعالى- عنهم هذا العذاب، نقضوا عهودهم، وأصروا على كفرهم.

ورواه محمد بن إسماعيل عن يحيى عن وكيع عن الأعمش ، قال : قالوا : ( ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) فقيل له : إن كشفنا عنهم عادوا إلى كفرهم ، فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر ، فذلك قوله : " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين " ، إلى قوله : " إنا منتقمون " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان .وقال قوم : هو دخان يجيء قبل قيام الساعة ولم يأت بعد ، فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين حتى يكون كالرأس الحنيذ ، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار ، وهو قول ابن عباس وابن عمر والحسن .أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا عقيل بن محمد الجرجاني ، حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكريا البغدادي ، حدثنا محمد بن جرير الطبري ، حدثني عصام بن رواد بن الجراح ، حدثنا أبي ، أخبرنا أبو سفيان بن سعيد ، حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول الآيات الدخان ، ونزول عيسى بن مريم ، ونار تخرج من قعر عدن أبين ، تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا " ، قال حذيفة : يا رسول الله وما الدخان ؟ فتلا هذه الآية : " يوم تأتي السماء بدخان مبين " ، يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام ، وأما الكافر فكمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره .

قوله تعالى : ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون .أي يقولون ذلك : اكشف عنا العذاب ف ( إنا مؤمنون ) ، أي : نؤمن بك إن كشفته عنا . قيل : إن قريشا أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : إن كشف الله عنا هذا العذاب أسلمنا ، ثم نقضوا هذا القول . قال قتادة : ( العذاب ) هنا الدخان . وقيل : الجوع ، حكاه النقاشقلت : ولا تناقض ؛ فإن الدخان لم يكن إلا من الجوع الذي أصابهم ، على ما تقدم . وقد يقال للجوع والقحط : الدخان ، ليبس الأرض في سنة الجدب وارتفاع الغبار بسبب قلة الأمطار ، ولهذا يقال لسنة الجدب : الغبراء . وقيل : إن العذاب هنا الثلج . قال الماوردي : وهذا لا وجه له ; لأن هذا إنما يكون في الآخرة أو في أهل مكة ، ولم تكن مكة من بلاد الثلج ، غير أنه مقول فحكيناه .

وقوله ( رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ ) يعني أن الكافرين الذين يصيبهم ذلك الجهد يضرعون إلى ربهم بمسألتهم إياه كشف ذلك الجهد عنهم, ويقولون: إنك إن كشفته آمنا بك وعبدناك من دون كلّ معبود سواك, كما أخبر عنهم جل ثناؤه ( رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ) .

رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)هذه جملة معترضة بين جملة { هذا عذاب أليم } [ الدخان : 11 ] وجملة { أنّى لهم الذكرى } [ الدخان : 13 ] فهي مقول قول محذوف . وحملها جميع المفسرين على أنها حكاية قوللِ الذين يغشاهم العذابُ بتقدير يقولون : ربّنا اكشف عنا العذاب ، أي هو وَعد صادر من النّاس الذين يغشاهم العذاب بأنهم يؤمنون إن كشف عنهم العذاب أي فيكون مثل قوله تعالى في سورة الزخرف ( 49 ) { وقالوا يا أيها الساحر ادعُ لنا ربّك بما عهد عندك إننا لمهتدون } أي إنْ دعوتَ ربّك اتبعناك ويكون بمعنى قوله في سورة الأعراف ( 134 ) { ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادْعُ لنا ربّك } إلى قوله : { لئن كشفت عنا الرجز لَنُؤمِنَن لك . } ومما تسمح به تراكيب الآية وسياقها أن يكون القول المحذوف مقدَّراً بفعللِ أمرٍ أي قولوا لتلقين المسلمين أن يستعيذوا بالله من أن يصيبهم ذلك العذاب إذ كانوا والمشركين في بلد واحد كما استعاذ موسى عليه السلام بقوله : { أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } [ الأعراف : 155 ] . وفيه إيماء إلى أن الله سيخرج المؤمنين من مكة قبل أن يحلّ بأهلها هذا العذاب ، فهذا التلقين كالذي في قوله تعالى : { ربّنا لا تُؤاخذنآ إن نسينآ أو أخطأنا } [ البقرة : 286 ] الآيات . وعليه فجملة { إنا مؤمنون } تعليل لطلب دفع العذاب عنهم ، أي إنا متلبسون بما يدفع عنا عذاب الكافرين ، وفي تلقينهم بذلك تنويه بشرف الإيمان ، وأسلوبُ الكلام جارٍ على أن جملة { إنا مؤمنون } تعليل لطلب كشف العذاب عنهم لما يقتضيه ظاهر استعمال حرف ( إنَّ ) من معنى الإخبار دون الوعد ، ومن التعليل دون التأكيد ، ولما يقتضيه اسم الفاعل في زمن الحال دون الاستقبال ، ولأن سياقه خطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم بترقب إعانة الله إياه على المشركين ، كما كان يدعو « أعني عليهم بسبع كسني يوسف » فمقتضى المقام تأمينُه من أن يصيبَ العذابُ المسلمين وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم وظاهر مادة الكشف تقتضي إزالة شيء كان حاصلاً في شيء إلاّ أن الكشف هنا لما لم يكن مستعملاً في معناه الحقيقي كان مجازه محتملاً أن يكون مستعملاً في منع حصول شيء يُخشى حصوله كما في قوله تعالى : { إلاَّ قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا } [ يونس : 98 ] فإن قوم يونس لم يحل بهم عذاب فزال عنهم ولكنهم تُوعدوا به فبادروا بالإيمان فنجاهم الله منه ، وقول جعفر بن عُلْبة الحارثي: ... لا يَكشف الغَماء إلا ابنُ حرةيَرى غمراتتِ الموت ثم يَزُورها ... أراد أنه يمنع العدوّ من أن ينالهم بسوء ، ومحتملاً للاستعمال في زوال شيء كان حصل . ولم يذكر أحد من رواة السِير والآثار أن المشركين وعَدوا النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يسلمون إن أزال الله عنهم القحط .
الآية 12 - سورة الدخان: (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون...)