سورة الدخان: الآية 14 - ثم تولوا عنه وقالوا معلم...

تفسير الآية 14, سورة الدخان

ثُمَّ تَوَلَّوْا۟ عَنْهُ وَقَالُوا۟ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ

الترجمة الإنجليزية

Thumma tawallaw AAanhu waqaloo muAAallamun majnoonun

تفسير الآية 14

كيف يكون لهم التذكر والاتعاظ بعد نزول العذاب بهم، وقد جاءهم رسول مبين، وهو محمد عليه الصلاة والسلام، ثم أعرضوا عنه وقالوا: علَّمه بشر أو الكهنة أو الشياطين، هو مجنون وليس برسول؟

«ثم تولوْا عنه وقالوا معلم» أي يعلمه القرآن بشر «مجنون».

(ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون )يقول : كيف لهم بالتذكر ، وقد أرسلنا إليهم رسولا بين الرسالة والنذارة ، ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه ، بل كذبوه وقالوا : معلم مجنون . وهذا كقوله تعالى : ( يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي ) [ الفجر : 23 ، 24 ] ، وقوله تعالى : ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد . وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد . وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب ) [ سبأ : 51 - 54 ] .

ولكنهم استحبوا العمى على الهدى، ولذا أكد القرآن ذلك فقال: ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ.أى: كيف يتعظون والحال أنه قد جاءهم رسول عظيم الشأن، وضح الحق أكمل توضيح.فما كان منهم بعد أن استمعوا إليه، إلا الإعراض عن دعوته، ولم يكتفوا بهذا الإعراض والصدود، بل قالوا في شأنه بجهالة وسوء أدب: مُعَلَّمٌ أى: إنسان يعلمه غيره من البشر، وقالوا في شأنه- أيضا- مَجْنُونٌ أى: مختلط في عقله.

( ثم تولوا عنه ) أعرضوا عنه ( وقالوا معلم ) أي يعلمه بشر ( مجنون ) .

( ثم تولوا عنه ) أي أعرضوا . قال ابن عباس : أي : متى يتعظون والله أبعدهم من الاتعاظ والتذكر بعد توليهم عن محمد - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبهم إياه . وقيل : أي : أنى ينفعهم قولهم : ( إنا مؤمنون ) بعد ظهور العذاب غدا أو بعد ظهور أعلام الساعة ، فقد صارت المعارف ضرورية . وهذا إذا جعلت الدخان آية مرتقبة . وقالوا معلم مجنون أي علمه بشر أو علمه الكهنة والشياطين ، ثم هو مجنون وليس برسول .

وبنحو الذي قلنا أيضا في قوله ( ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ) قال: تولوا عن محمد عليه الصلاة والسلام, وقالوا: معلم مجنون.

ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)، ولذلك كانت { ثم } للتراخي الرتبي لا لتراخي الزمان . ومعنى التراخي الرتبي هنا أن التولي والبهتان أفظع من الشك واللعب . والمعلَّم الذي يعلِّمه غيره ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يُعلِّمه بشر } في سورة النحل ( 103 ) .والمعنى : أنهم وصفوه مرة بأنه يعلّمه غيره ، ووصفوه مرة بالجنون ، تنقلاً في البهتان ، أو وصفَه فريق بهذا وفريق بذلك ، فالقول موزع بين أصحاب ضمير قالوا } أو بين أوقات القائلين . ولا يصح أن يكون قولاً واحداً في وقت واحد لأن المجنون لا يكون معلَّماً ولا يتأثر بالتعليم .
الآية 14 - سورة الدخان: (ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون...)