سورة العاديات: الآية 7 - وإنه على ذلك لشهيد...

تفسير الآية 7, سورة العاديات

وَإِنَّهُۥ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ

الترجمة الإنجليزية

Wainnahu AAala thalika lashaheedun

تفسير الآية 7

إن الإنسان لِنعم ربه لَجحود، وإنه بجحوده ذلك لمقر. وإنه لحب المال لشديد.

«وإنه على ذلك» أي كنوده «لشهيد» يشهد على نفسه بصنعه.

وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ أي: إن الإنسان على ما يعرف من نفسه من المنع والكند لشاهد بذلك، لا يجحده ولا ينكره، لأن ذلك أمر بين واضح. ويحتمل أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي: إن العبد لربه لكنود، والله شهيد على ذلك، ففيه الوعيد، والتهديد الشديد، لمن هو لربه كنود، بأن الله عليه شهيد.

وقوله : ( وإنه على ذلك لشهيد ) قال قتادة وسفيان الثوري : وإن الله على ذلك لشهيد . ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان ، قاله محمد بن كعب القرظي ، فيكون تقديره : وإن الإنسان على كونه كنودا لشهيد ، أي : بلسان حاله ، أي : ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله ، كما قال تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) [ التوبة : 17 ]

وقوله- تعالى-: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ أى: وإن الإنسان على كنوده وجحوده لنعم ربه «لشهيد» أى: لشاهد على نفسه بذلك، لظهور أثر هذه الصفة عليه ظهروا واضحا، إذ هو عند لجاجه في الطغيان يجحد الجلى من النعم، ويعبد من دون خالقه أصناما، مع أنه إذا سئل عن خالقه اعترف وأقر بأن خالقه هو الله- تعالى-، كما قال- سبحانه-: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ.قال الإمام الشيخ محمد عبده: قوله: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ أى: وإن الإنسان لشهيد على كنوده، وكفره لنعمة ربه، لأنه يفخر بالقسوة على من دونه، وبقوة الحيلة على من فوقه، وبكثرة ما في يده من المال مع الحذق في تحصيله، وقلما يفتخر بالمرحمة، وبكثرة البذل- اللهم إلا أن يريد غشا للسامع- وفي ذلك كله شهادة على نفسه بالكنود، لأن ما يفتخر به ليس من حق شكر النعمة، بل من آيات كفرها.ومنهم من يرى أن الضمير في قوله- تعالى- هنا وَإِنَّهُ يعود على الخالق- سبحانه- أى: وإن الله- تعالى- لعليم ولشهيد على ما يسلكه هذا الإنسان من جحود، فيكون المقصود من الآية الكريمة، التهديد والوعيد.قالوا: والأول أولى، لأنه هو الذي يتسق مع سياق الآيات، ومع اتحاد الضمائر فيها.

( وإنه على ذلك لشهيد ) قال [ أكثر المفسرين ] : وإن الله على كونه كنودا لشاهد . وقال ابن كيسان : الهاء راجعة إلى الإنسان أي : إنه شاهد على نفسه بما يصنع .

قوله تعالى : وإنه على ذلك لشهيدأي وإن الله - عز وجل - ثناؤه على ذلك من ابن آدم لشهيد . كذا روى منصور عن مجاهد ; وهو قول أكثر المفسرين ، وهو قول ابن عباس . وقال الحسن وقتادة ومحمد بن كعب : وإنه أي وإن الإنسان لشاهد على نفسه بما يصنع ; وروي عن مجاهد أيضا .

وقوله: ( وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ )يقول تعالى ذكره: إن الله على كنوده ربه لشهيد: يعني لشاهد.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة ( وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ) قال: يقول: إن الله على ذلك لشهيد.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ) في بعض القراءات " إن الله على ذلك لشهيد ".حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان ( وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ) يقول: وإن الله عليه شهيد.

وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وضمير { وإنه على ذلك لشهيد } عائد إلى الإنسان على حسب الظاهر الذي يقتضيه انتساق الضمائر واتحاد المتحدث عنه وهو قول الجمهور .والشهيد : يطلق على الشاهد وهو الخبر بما يُصدَّق دعوى مدع ، ويطلق على الحاضر ومنه جاء إطلاقه على العالم الذي لا يفوته المعلوم ، ويطلق على المقر لأنه شهد على نفسه .والشهيد هنا : إما بمعنى المقر كما في «أشْهد أن لا إله إلا الله» .والمعنى : أن الإنسان مقر بكنوده لربه من حيث لا يقصد الإِقرار ، وذلك في فلتات الأقواللِ مثل قول المشركين في أصنامهم : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى } [ الزمر : 3 ] . فهذا قول يلزمه اعترافهم بأنهم عبدوا ما لا يستحق أن يُعبد وأشركوا في العبادة مع المستحق للانفراد بها ، أليس هذا كنوداً لربهم ، قال تعالى : { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } [ الأنعام : 130 ] ، وفي فلتات الأفعال كما يعرض للمسلم في المعاصي .والمقصود من هذه الجملة تفظيع كنود الإنسان بأنه معلوم لصاحبه بأدنى تأمل في أقواله وأفعاله . وعلى هذا فحرف { على } متعلق ب«شهيد» واسم الإِشارة مُشار به إلى الكُنود المأخوذ من صفة «كَنود» .ويجوز أن يكون «شهيد» بمعنى ( عليم ) كقول الحارث بن حِلَّزة في عمرو بن هند: ... وهو الربُّ والشهيدُ على يَوْم الخيَارَيْننِ والبَلاء بَلاء ... ومتعلق «شهيد» محذوفاً دلّ عليه المقام ، أي عليم بأن الله ربه ، أي بدلائل الربوبية ، ويكون قوله : { على ذلك } بمعنى : مع ذلك ، أي مع ذلك الكُنود هو عليم بأنه ربه مستحق للشكر والطاعة لا للكنود ، فحرف { على } بمعنى ( مع ) كقوله : { وآتى المال على حبه } [ البقرة : 177 ] و { يطعمون الطعام على حبه } [ الإنسان : 8 ] وقول الحارث بن حلزة: ... فبقِينَا على الشَّناءَةِ تنْمِنَا حصون وعِرة قعساء ... والجار والمجرور في موضع الحال وذلك زيادة في التعجيب من كنود الإِنسان .وقال ابن عباس والحسن وسفيان : ضمير { وإنَّه } عائد إلى «ربه» ، أي وأن الله على ذلك لشهيد ، والمقصود أن الله يعلم ذلك في نفس الإِنسان ، وهذا تعريض بالتحذير من الحساب عليه . وهذا يسوغه أن الضمير عائد إلى أقرب مذكور ونقل عن مجاهد وقتادة كلا الوجهين فلعلهما رأيا جواز المحملين وهو أولى .وتقديم { على ذلك } على «شهيد» للاهتمام والتعجيب ومراعاة الفاصلة .والشديد : البخيل . قال أبو ذؤيب راثياً: ... حَذَرْنَاه بأثواب في قَعر هوةشَديدٍ على ما ضُمَّ في اللحد جُولُها ... والجول بالفتح والضَّم : التراب ، كما يقال للبخيل المتشدد أيضاً قال طرفة: ... عقيلة مال الفاحش المتشددواللام في { لحب الخير } لام التعليل ، والخير : المال قال تعالى : { إن ترك خيراً } [ البقرة : 18 ] .والمعنى : إن في خُلق الإِنسان الشُّحّ لأجل حبه المال ، أي الازدياد منه قال تعالى : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } [ الحشر : 9 ] .
الآية 7 - سورة العاديات: (وإنه على ذلك لشهيد...)