سورة الأعلى: الآية 10 - سيذكر من يخشى...

تفسير الآية 10, سورة الأعلى

سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ

الترجمة الإنجليزية

Sayaththakkaru man yakhsha

تفسير الآية 10

سيتعظ الذي يخاف ربه، ويبتعد عن الذكرى الأشقى الذي لا يخشى ربه، الذي سيدخل نار جهنم العظمى يقاسي حرَّها، ثم لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة تنفعه.

«سيذكر» بها «من يخشى» يخاف الله تعالى كآية " فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ".

فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى الله تعالى، فإن خشية الله تعالى، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله ، توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي والسعي في الخيرات.

أي سيتعظ بما تبلغه يا محمد من قلبه يخشى الله ويعلم أنه ملاقيه.

ويدل على هذا المعنى قوله- تعالى- بعد ذلك: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى أى: سينتفع بتذكيرك- أيها الرسول الكريم- من يخشى الله- تعالى- ويخاف عذابه، ويرجو ثوابه.

"سيذكر"، سيتعظ، "من يخشى"، الله عز وجل.

قوله تعالى : سيذكر من يخشى أي من يتقي الله ويخافه . فروى أبو صالح عن ابن عباس قال : نزلت في ابن أم مكتوم . الماوردي : وقد يذكر من يرجوه ، إلا أن تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الراجي فلذلك علقها بالخشية دون الرجاء ، وإن تعلقت بالخشية والرجاء . وقيل : أي عمم أنت التذكير والوعظ ، وإن كان الوعظ إنما ينفع من يخشى ، ولكن يحصل لك ثواب الدعاء حكاه القشيري .

وقوله: ( سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ) يقول جلّ ثناؤه: سَيَذَّكَّرُ يا محمد إذا ذكرت الذين أمرتك بتذكيرهم من يخشى الله، ويخاف عقابه .

سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) أي فذكر الناس ودلّ عليه قوله : { سيذكر من يخشى } الآيتين .وجملة : { إن نفعت الذكرى } معترضة بين الجملتين المعلَّلة وعِلتها ، وهذا الاعتراض منظور فيه إلى العموم الذي اقتضاه حذف مفعول { فذكر } ، أي فدم على تذكير الناس كلهم إن نفعت الذكرى جميعهم ، أي وهي لا تنفع إلا البعض وهو الذي يؤخذ من قوله : { سيذكر من يخشى } الآية .فالشرط في قوله : { إن نفعت الذكرى } جملة معترضة وليس متعلقاً بالجملة ولا تقييداً لمضمونها إذ ليس المعنى : فذكر إذا كان للذكرى نفع حتى يفهم منه بطريق مفهوم المخالفة أن لا تُذَكِّر إذا لم تنفع الذكرى ، إذ لا وجه لتقييد التذكير بما إذا كانت الذكرى نافعة إذ لا سبيل إلى تعرف مواقع نفع الذكرى ، ولذلك كان قوله تعالى : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } [ ق : 45 ] مؤولاً بأن المعنى فذكر بالقرآن فيتذكر من يخاف وعيد ، بل المراد فذكّر الناس كافة إنْ كانت الذكرى تنفع جميعَهم ، فالشرط مستعمل في التشكيك لأن أصل الشرط ب ( إنْ ) أن يكون غير مقطوع بوقوعه ، فالدعوة عامة وما يعلمه الله من أحوال الناس في قبول الهدى وعدمه أمر استأثر اللَّهُ بعلمه ، فأبو جهل مدعو للإِيمان والله يعلم أنه لا يؤمن لكن الله لم يخصّ بالدعوة من يرجى منهم الإِيمان دون غيرهم ، والواقعُ يكشف المقدور .وهذا تعريض بأن في القوم من لا تنفعه الذكرى وذلك يفهم من اجْتلاب حرف ( إنْ ) المقتضي عدم احتمال وقوع الشرط أو ندرة وقوعه ، ولذلك جاء بعده بقوله : { سيذكر من يخشى } فهو استئناف بياني ناشىء عن قوله : { فذكر } وما لحقه من الاعتراض بقوله : { إن نفعت الذكرى } المشعر بأن التذكير لا ينتفع به جميع المذكَّرين .وهذا معنى قول ابن عباس : تنفع أوليائي ولا تنفع أعدائي ، وفي هذا ما يريك معنى الآية واضحاً لا غُبار عليه ويدفع حيرة كثير من المفسرين في تأويل معنى ( إن ) ، ولا حاجة إلى تقدير الفراء والنحاس : إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع وأنه اقتصر على القسم الواحد لدلالته على الثاني .ويذّكَّر : مُطاوع ذَكَّره . وأصله : يتذكر ، فقلبت التاء ذالاً لقرب مخرجيهما ليتأتى إدغامها في الذال الأخرى .و { من يخشى } : جنس لا فرد معين أي سيتذكر الذين يَخْشون . والضمير المستتر في { يخشى } مراعى فيه لفظ ( من ) فإنه لفظ مُفرد .وقد نُزِّل فعل { يخشى } منزلة اللازم فلم يقدّر له مفعول ، أي يتذكر من الخَشْيَة فكرته وجبلته ، أي من يتَوقع حصول الضر والنفع فينظر في مظان كللٍ ويتدبر في الدلائل لأنه يخشى أن يحق عليه ما أنذر به .والخشية : الخوف ، وتقدم في قوله تعالى : { لعله يتذكر أو يخشى } في سورة طه ( 44 ) . والخشية ذات مراتب وفي درجاتها يتفاضل المؤمنون .
الآية 10 - سورة الأعلى: (سيذكر من يخشى...)