سورة العلق: الآية 1 - اقرأ باسم ربك الذي خلق...

تفسير الآية 1, سورة العلق

ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ

الترجمة الإنجليزية

Iqra biismi rabbika allathee khalaqa

تفسير الآية 1

اقرأ -أيها النبي- ما أُنزل إليك من القرآن مُفْتَتِحًا باسم ربك المتفرد بالخلق، الذي خلق كل إنسان من قطعة دم غليظ أحمر. اقرأ -أيها النبي- ما أُنزل إليك، وإن ربك لكثير الإحسان واسع الجود، الذي علَّم خلقه الكتابة بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يكن يعلم، ونقله من ظلمة الجهل إلى نور العلم.

«اقرأ» أوجد القراءة مبتدئا «باسم ربك الذي خلق» الخلائق.

هذه السورة أول السور القرآنية نزولًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.فإنها نزلت عليه في مبادئ النبوة، إذ كان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأمره أن يقرأ، فامتنع، وقال: ما أنا بقارئ فلم يزل به حتى قرأ. فأنزل الله عليه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ عموم الخلق، ثم خص الإنسان.

تفسير سورة اقرأ وهي أول شيء نزل من القرآن .قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه - وهو : التعبد - الليالي ذوات العدد ، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزود لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فيه فقال : اقرأ . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقلت : ما أنا بقارئ " . قال : " فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ، فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) حتى بلغ : ( ما لم يعلم ) قال : فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : " زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب عنه الروع . فقال : يا خديجة ، ما لي : فأخبرها الخبر وقال : " قد خشيت علي " . فقالت له : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ; إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن قصي - وهو ابن عم خديجة أخو أبيها ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، وكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي - فقالت خديجة : أي ابن عم ، اسمع من ابن أخيك . فقال ورقة : ابن أخي ، ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أومخرجي هم ؟ " . فقالورقة : نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا . [ ثم ] لم ينشب ورقة أن توفي ، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه ، تبدى له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقا . فيسكن بذلك جأشه ، وتقر نفسه فيرجع . فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك .وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري وقد تكلمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه في أول شرحنا للبخاري مستقصى ، فمن أراده فهو هناك محرر ، ولله الحمد والمنة .فأول شيء [ نزل ] من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات وهن أول رحمة رحم الله بها العباد ، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم .

تفسير سورة العلقمقدمة وتمهيد1- هذه السورة الكريمة تسمى سورة «العلق» ، وتسمى سورة «اقرأ» وعدد آياتها تسع عشرة آية في المصحف الكوفي، وفي الشامي ثماني عشرة آية، وفي الحجازي عشرون آية.وصدر هذه السورة الكريمة يعتبر أول ما نزل من قرآن على النبي صلى الله عليه وسلم.2- ومن أغراضها: التنويه بشأن القراءة والكتابة، والعلم والتعلم، والتهديد لكل من يقف في وجه دعوة الإسلام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم من عند ربه- عز وجل- وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله- تعالى- مطلع على ما يبيته له أعداؤه من مكر وحقد، وأنه- سبحانه- قامعهم وناصره عليهم، وأمره صلى الله عليه وسلم بأن يمضى في طريقه، دون أن يلتفت إلى مكرهم أو سفاهاتهم.وقد أجمع المحققون من العلماء ، على ن هذه الآيات الكريمة ، أول ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من قرآن على الإطلاق ، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى ، الرؤيا الصالحة فى النوم . فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث - أى : فيتعبد - فيه الليالى ذوات العدد ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لذلك ، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء . فجاءه الملك فقال له : ( اقرأ ) قال : ما أنا بقارئ ، قال صلى الله عليه وسلم فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى فقال : ( اقرأ ) فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى فقال : ( اقرأ ) فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذنى فغطنى الثالثة حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى فقال : ( اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ . خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ . . ) .وما ورد من أحاديث تفيد أن أول سورة نزلت هى " سورة الفاتحة " فمحمول على أن أول سورة نزلت كاملة هى سورة الفاتحة .كذلك ما ورد من أحاديث فى أن أول ما نزل سورة المدثر ، محمول على أن أول ما نزل بعد فترة الوحى . أما صدر سورة العلق فكان نزوله قبل ذلك .قال الآلوسى - بعد أن ساق الأحاديث التى وردت فى ذلك - : " وبالجملة فالصحيح - كما قال بعض وهو الذى أختاره - أن صدر هذه السورة الكريمة ، هو أول ما نزل من القرآن على الإِطلاق . وفى شرح مسلم : الصواب أن أول ما نزل " اقرأ " أى : مطلقاً ، وأول ما نزل بعد فترة الوحى ، " يأيها المدثر " ، وأما قول من قال من المفسرين ، أول ما نزل الفاتحة ، فبطلانه أظهر من أن يذكر " .والذى نرجحه ونميل إليه أن أول من قرآن على الإطلاق ، هو صدر هذه السورة لكريمة إلى قوله ( مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ، لورود الأحاديث الصحيحة بذلك . أما بقيتها فكان نزوله متأخراً .قال الأستاذ الإِمام " أما بقية السورة فهو متأخر النزول قطعاً ، وما فيه من ذكر أحوال المكذبين ، يدل على أنه إنما نزل بعد شيوع خبر البعثة ، وظهور أمر النبوة ، وتحرش قريش لإيذائه صلى الله عليه وسلم " .وقد افتتحت السورة الكريمة بطلب القراءة من النبى صلى الله عليه وسلم مع أنه كان أميا لتهيئة ذهنه لما سيلقى عليه صلى الله عليه وسلم من وحى . . فقال - سبحانه - : ( اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ ) . أى : اقرأ - أيها الرسول الكريم - ما سنوحيه إليك من قرآن الكريم- ما سنوحيه إليك من قرآن كريم - ولتكن قراءتك ملتبسة باسم ربك ، وبقدرته وإرادته ، لا باسم غيره ، فهو - سبحانه - الذى خلق الأشياء جميعها ، والذى لا يعجزه أن يجعلك قارئاً ، بعد كونك لم تكن كذلك .وقال - سبحانه - ذاته بقوله : ( الذي خَلَقَ ) للتذكير بهذه النعمة ، لأن الخلق هو أعظم النعم ، وعليه تترتب جميعها .

مكية( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) أكثر المفسرين : على أن هذه السورة أول سورة نزلت من القرآن ، وأول ما نزل خمس آيات من أولها إلى قوله : " ما لم يعلم " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق ، وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ فقال : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ، فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ ، [ قال : فأخذني ] فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثالثة [ حتى بلغ مني الجهد ] ، ثم أرسلني ، فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم ) فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد ، فقال : زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة : ما لي ؟ وأخبرها الخبر ، وقال : لقد خشيت على نفسي ، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى - ابن عم خديجة - وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي ، فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت له خديجة : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك ما يقول ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أومخرجي [ هم ] ؟ قال : نعم لم يأت [ أحد بمثل ما ] جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، ثم لم يمكث ورقة أن توفي ، وفتر الوحي .وروى محمد بن إسماعيل هذا الحديث في موضع آخر من كتابه ، عن يحيى بن بكير بهذا الإسناد ، وقال : حدثني عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر قال الزهري ، فأخبرني عروة عن عائشة وذكر الحديث ، قال : " اقرأ باسم ربك الذي خلق " حتى بلغ " ما لم يعلم " وزاد في آخره فقال : وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي ، - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا حتى يتردى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه ، تبدى له جبريل فقال : يا محمد ، إنك رسول الله حقا ، فيسكن لذلك جأشه ، وتقر نفسه ، فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل ، فقال له مثل ذلك " .أخبرنا أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد الوراق أخبرنا مكي بن عبدان ، أخبرنا عبد الرحمن بن بشر ، حدثنا سفيان عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : أول سورة نزلت قوله - عز وجل - : " اقرأ باسم ربك " .قال أبو عبيدة : مجازه : اقرأ اسم ربك ، يعني أن الباء زائدة ، والمعنى : اذكر اسمه ، أمر أن يبتدئ القراءة باسم الله [ تأديبا ] .( الذي خلق ) قال الكلبي : يعني الخلائق

سورة العلقوهي مكية بإجماع ، وهي أول ما نزل من القرآنفي قول أبي موسى وعائشة رضي الله عنهما . وهي تسع عشرة آيةبسم الله الرحمن الرحيماقرأ باسم ربك الذي خلقهذه السورة أول ما نزل من القرآن في قول معظم المفسرين . نزل بها جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم على حراء ، فعلمه خمس آيات من هذه السورة . وقيل : إن أول ما نزل يا أيها المدثر ، قاله جابر بن عبد الله ; وقد تقدم . وقيل : فاتحة الكتاب أول ما نزل ; قاله أبو ميسرة الهمداني . وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : أول ما نزل من القرآن قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم والصحيح الأول . قالت عائشة : أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصادقة ; فجاءه الملك فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم . خرجه البخاري .وفي الصحيحين عنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ; فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء ، يتحنث فيه الليالي ذوات العدد ، قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك ; ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ; حتى فجئه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك ، فقال : " اقرأ " : فقال : " ما أنا بقارئ - قال - فأخذني فغطني ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني " فقال : " اقرأ " فقلت : " ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : " اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم " الحديث بكماله .وقال أبو رجاء العطاردي : وكان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد " مسجد البصرة " فيقعدنا حلقا ، فيقرئنا القرآن ; فكأني أنظر إليه بين ثوبين له أبيضين ، وعنه أخذت هذه السورة : اقرأ باسم ربك الذي خلق . وكانت أول سورة أنزلها الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - . وروت عائشة - رضي الله عنها - أنها أول سورة أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم بعدها ن والقلم ، ثم بعدها يا أيها المدثر ثم بعدها والضحى ذكره الماوردي . وعن الزهري : أول ما نزل سورة : ( اقرأ باسم ربك - إلى قوله - ما لم يعلم ) ، فحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وجعل يعلو شواهق الجبال ، فأتاه جبريل فقال له : ( إنك نبي الله ) فرجع إلى خديجة وقال : " دثروني وصبوا علي ماء باردا " فنزل يا أيها المدثر .ومعنى اقرأ باسم ربك أي اقرأ ما أنزل إليك من القرآن مفتتحا باسم ربك ، وهو أن تذكر التسمية في ابتداء كل سورة . فمحل الباء من باسم ربك النصب على الحال . وقيل : الباء بمعنى على ، أي اقرأ على اسم ربك . يقال : فعل كذا باسم الله ، وعلى اسم الله . وعلى هذا فالمقروء محذوف ، أي اقرأ القرآن ، وافتتحه باسم الله . وقال قوم : اسم ربك هو القرآن ، فهو يقول : اقرأ باسم ربك أي اسم ربك ، والباء زائدة ; كقوله تعالى تنبت بالدهن ، وكما قال :هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسورأراد : لا يقرأن السور . وقيل : معنى اقرأ باسم ربك أي اذكر اسمه . أمره أن يبتدئ القراءة باسم الله .

القول في تأويل قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)يعني جل ثناؤه بقوله: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأ يا محمد بذكر ربك ( الَّذِي خَلَقَ ) .

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) { عَلَقٍ } .هذا أول ما أوحي به من القرآن إلى محمد صلى الله عليه وسلم لِما ثبت عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مما سيأتي قريباً .وافتتاح السورة بكلمة { اقرأ } إيذان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيكون قارئاً ، أي تالياً كتاباً بعد أن لم يكن قد تلا كتاباً قال تعالى : { وما كنت تتلوا من قبله من كتاب } [ العنكبوت : 48 ] ، أي من قبل نزول القرآن ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين قال له اقرأ : " ما أنا بقارىء " .وفي هذا الافتتاح براعة استهلال للقرآن .وقوله تعالى : { اقرأ } أمر بالقراءة ، والقراءة نطق بكلام معيَّن مكتوببٍ أو محفوظٍ على ظهر قلب .وتقدم في قوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللَّه من الشيطان الرجيم } في سورة النحل ( 98 ) .والأمر بالقراءة مستعمل في حقيقته من الطلب لتحصيل فعل في الحال أو الاستقبال ، فالمطلوب بقوله : { اقرأ } أن يفعل القراءة في الحال أو المستقبل القريب من الحال ، أي أن يقول مَا سَيُمْلَى عليه ، والقرينة على أنه أمر بقراءة في المستقبل القريب أنه لم يتقدم إملاء كلام عليه محفوظ فتطلب منه قراءته ، ولا سُلمت إليه صحيفة فتطلب منه قراءتها ، فهو كما يقول المُعلم للتلميذ : اكتب ، فيتأهب لكتابة ما سيمليه عليه .وفي حديث «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها قولها فيه : « حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال : اقرأ . قال : فقلت : ما أنا بقارىء فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهْد ثم أرْسَلَني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارىء فأخذني فغطّني الثانيةَ حتى بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجَهد ، ثم أرسلني فقال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } إلى { ما لم يعلم } .فهذا الحديث روته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولها قال : " فقلت : ما أنا بقارىء " . وجميع ما ذكرته فيه مما روته عنه لا محالة وقد قالت فيه : «فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فُؤاده» أي فرجع بالآيات التي أُمليَتْ عليه ، أي رجع متلبساً بها ، أي بوعيها .وهو يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقى ما أوحي إليه . وقرأه حينئذٍ ويزيد ذلك إيضاحاً قولها في الحديث : «فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك» ، أي اسمع القول الذي أوحي إليه وهذا ينبىء بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قيل له بعد الفطة الثالثة : { اقرأ باسم ربك } الآيات الخمس قد قرأها ساعتئذٍ كما أمره الله ورجع من غار حراء إلى بيته يقرؤها وعلى هذا الوجه يكون قول المَلك له في المرات الثلاث { اقرأ } إعادة للفّظ المنزل من الله إعادة تكرير للاستئناس بالقراءة التي لم يتعلمها من قبل .ولم يُذكر لِفعل { اقرأ } مفعول ، إما لأنه نزل منزلة اللازم وأن المقصود أوجد القراءة ، وإما لظهور المقروء من المقام ، وتقديره : اقرأ ما سنلقيه إليك من القرآن .وقوله { باسم ربك } فيه وجوه :أولها : أن يكون افتتاح كلام بعد جملة { اقرأ } وهو أول المقروء ، أي قل : باسم الله ، فتكون الباء للاستعانة فيجوز تعلقه بمحذوف تقديره : ابتدىء ويجوز أن يتعلق ب { اقرأ } الثاني فيكون تقديمه على معموله للاهتمام بشأن اسم الله . ومعنى الاستعانة باسم الله ذكر اسمه عند هذه القراءة ، وإقحامُ كلمة ( اسم ) لأن الاستعانة بذكر اسمه تعالى لا بذاته كما تقدم في الكلام على البسملة ، وهذا الوجه يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { باسم الله } حين تلقَّى هذه الجملة .الثاني : أن تكون الباء للمصاحبة ويكون المجرور في موضع الحال من ضمير { اقرأ } الثاني مقدَّماً على عامله للاختصاص ، أي اقرأ ما سيوحَى إليك مصاحباً قراءتَك ( اسمَ ربك ) . فالمصاحبة مصاحبة الفهم والملاحظة لجلاله ، ويكون هذا إثباتاً لوحدانية الله بالإلهية وإبطالاً للنداء باسم الأصنام الذي كان يفعله المشركون يقولون : باسم اللاتتِ ، باسم العزى ، كما تقدم في البسملة . فهذا أول ما جاء من قواعد الإسلام قد افتتح به أول الوَحي .الثالث : أن تكون الباء بمعنى ( على ) كقوله تعالى : { من إن تأمنه بقنطار } [ آل عمران : 75 ] ، أي على قنطار . والمعنى : اقرأ على اسم ربك ، أي على إذنه ، أي أن المَلَك جاءك على اسم ربك ، أي مرسلاً من ربك ، فذكر ( اسْم ) على هذا متعين .وعدل عن اسم الله العَلم إلى صفة { ربك } لما يؤذن وصف الرب من الرأفة بالمربوب والعناية به ، مع ما يتأتى بذكره من إضافته إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم إضافة مؤذنة بأنه المنفرد بربوبيته عنده رداً على الذين جعلوا لأنفسهم أرباباً من دون الله فكانت هذه الآية أصلاً للتوحيد في الإسلام .وجيء في وصف الربّ بطريق الموصول { الذي خلق } ولأن في ذلك استدلالاً على انفراد الله بالإلهية لأن هذا القرآن سيُتلى على المشركين لما تفيده الموصولية من الإيماء إى علة الخبر ، وإذا كانت علة الإقبال على ذكر اسم الرب هي أنه خالق دل ذلك على بطلان الإقبال على ذكر غيره الذي ليس بخالق ، فالمشركون كانوا يقبلون على اسم اللات واسم العزى ، وكونُ الله هو الخالق يعترفون به قال تعالى : { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } [ لقمان : 25 ] فلما كان المقام مقام ابتداء كتاب الإسلام دين التوحيد كان مقتضياً لذكر أدلّ الأوصاف على وحدانيته . 6وجملة { خلق الإنسان من علق } يجوز أن تكون بدلاً من جملة { الذي خلق } بدل مفصَّل من مُجْمل إن لم يقدر له مفعول ، أو بدل بعض إن قُدِّر له مفعول عام ، وسُلك طريق الإبدال لما فيه من الإجمال ابتداءً لإقامة الاستدلال على افتقار المخلوقات كلها إليه تعالى لأن المقام مقام الشروع في تأسيس ملة الإسلام .ففي الإجمال إحضار للدليل مع الاختصار مع ما فيه من إفادة التعميم ثم يكون التفصيل بعد ذلك لزيادة تقرير الدليل .
الآية 1 - سورة العلق: (اقرأ باسم ربك الذي خلق...)