سورة العلق: الآية 18 - سندع الزبانية...

تفسير الآية 18, سورة العلق

سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ

الترجمة الإنجليزية

SanadAAu alzzabaniyata

تفسير الآية 18

أرأيت أعجب مِن طغيان هذا الرجل (وهو أبو جهل) الذي ينهى عبدًا لنا إذا صلَّى لربه (وهو محمد صلى الله عليه وسلم)؟ أرأيت إن كان المنهي عن الصلاة على الهدى فكيف ينهاه؟ أو إن كان آمرًا غيره بالتقوى أينهاه عن ذلك؟ أرأيت إن كذَّب هذا الناهي بما يُدعى إليه، وأعرض عنه، ألم يعلم بأن الله يرى كل ما يفعل؟ ليس الأمر كما يزعم أبو جهل، لئن لم يرجع هذا عن شقاقه وأذاه لنأخذنَّ بمقدَّم رأسه أخذًا عنيفًا، ويُطرح في النار، ناصيته ناصية كاذبة في مقالها، خاطئة في أفعالها. فليُحْضِر هذا الطاغية أهل ناديه الذين يستنصر بهم، سندعو ملائكة العذاب. ليس الأمر على ما يظن أبو جهل، إنه لن ينالك -أيها الرسول- بسوء، فلا تطعه فيما دعاك إليه مِن تَرْك الصلاة، واسجد لربك واقترب منه بالتحبب إليه بطاعته.

(سندع الزبانية) الملائكة الغلاظ الشداد لإهلاكه كما في الحديث "" لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عيانا "".

سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ أي: خزنة جهنم، لأخذه وعقوبته، فلينظر أي: الفريقين أقوى وأقدر؟ فهذه حالة الناهي وما توعد به من العقوبة.

( سندع الزبانية ) وهم ملائكة العذاب ، حتى يعلم من يغلب : أحزبنا أو حزبه .قال البخاري : حدثنا يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لئن فعله لأخذته الملائكة " . ثم قال : تابعه عمرو بن خالد ، عن عبيد الله - يعني ابن عمرو - ، عن عبد الكريم .وكذا رواه الترمذي والنسائي في تفسيرهما من طريق عبد الرزاق به ، وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن زكريا بن عدي ، عن عبيد الله بن عمرو به .وروى أحمد والترمذي وابن جرير - وهذا لفظه - من طريق داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام ، فمر به أبو جهل بن هشام ، فقال : يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ - وتوعده - فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ، فقال : يا محمد بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا ! فأنزل الله : ( فليدع ناديه سندع الزبانية ) قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته وقال الترمذي : حسن صحيح .وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا إسماعيل بن زيد أبو يزيد ، حدثنا فرات ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال أبو جهل : لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه . قال : فقال : " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا " .وقال ابن جرير أيضا : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن الوليد بن العيزار ، عن ابن عباس ، قال : قال أبو جهل : لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه . فأنزل الله عز وجل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق [ خلق الإنسان من علق ] ) حتى بلغ هذه الآية : ( لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية ) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى فقيل : ما يمنعك ؟ قال : قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب . قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه .وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، حدثنا نعيم بن أبي هند ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم . قال : فقال : واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ، قال : فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، قال : فقيل له : ما لك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة . قال : فقال رسول الله : " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا " . قال : وأنزل الله - لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا - : ( كلا إن الإنسان ليطغى ) إلى آخر السورة .وقد رواه أحمد بن حنبل ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم ، من حديث معتمر بن سليمان به .

ولفظ الزبانية في كلام العرب: يطلق على رجال الشرطة الذين يزبنون الناس، أى:يدفعونهم إلى ما يريدون دفعهم إليه بقوة وشدة وغلظة، جمع زبنيّة، وأصل اشتقاقه من الزّبن، وهو الدفع الشديد، ومنه قولهم: حرب زبون، إذا اشتد الدفع والقتال فيها، وناقة زبون إذا كانت تركل من يحلبها.والمقصود بهاتين الآيتين، التهكم بهذا الإنسان المغرور، والاستخفاف به وبكل من يستنجد به، ووعيده بأنه إن استمر في غروره ونهيه عن الصلاة فسيسلط الله- تعالى- عليه ملائكة غلاظا شدادا. لا قبل له ولا لقومه بهم.

( سندع الزبانية ) جمع زبني مأخوذ من الزبن وهو الدفع ، قال ابن عباس : يريد زبانية جهنم سموا بها لأنهم يدفعون أهل النار إليها ، قال الزجاج : هم الملائكة الغلاظ الشداد ، قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله

سندع الزبانية أي الملائكة الغلاظ الشداد - عن ابن عباس وغيره - واحدهم زبني ; قاله الكسائي . وقال الأخفش : زابن . أبو عبيدة : زبنية . وقيل : زباني . وقيل : هو اسم للجمع ; كالأبابيل والعباديد . وقال قتادة : هم الشرط في كلام العرب . وهو مأخوذ من الزبن وهو الدفع ; ومنه المزابنة في البيع . وقيل : إنما سموا الزبانية لأنهم يعملون بأرجلهم ، كما يعملون بأيديهم ; حكاه أبو الليث السمرقندي - رحمه الله - قال : وروي في الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ هذه السورة ، وبلغ إلى قوله تعالى : لنسفعا بالناصية قال أبو جهل : أنا أدعو قومي حتى يمنعوا عني ربك . فقال الله تعالى : فليدع ناديه سندع الزبانية . فلما سمع ذكر الزبانية رجع فزعا ; فقيل له : خشيت منه قال لا ولكن رأيت عنده فارسا يهددني بالزبانية . فما أدري ما الزبانية ، ومال إلي الفارس ، فخشيت منه أن يأكلني . وفي الأخبار أن الزبانية رءوسهم في السماء وأرجلهم في الأرض ، فهم يدفعون الكفار في جهنم وقيل : إنهم أعظم الملائكة خلقا ، وأشدهم بطشا . والعرب تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه . قال الشاعر :مطاعيم في القصوى مطاعين في الوغى زبانية غلب عطام حلومهاوعن عكرمة عن ابن عباس : سندع الزبانية قال : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا " . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب . وروى عكرمة عن ابن عباس قال : مر أبو جهل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي عند المقام ، فقال : ألم أنهك عن هذا يا محمد فأغلظ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فقال أبو جهل : بأي شيء تهددني يا محمد ، والله إني لأكثر أهل الوادي هذا ناديا ; فأنزل الله - عز وجل - : فليدع ناديه سندع الزبانية . قال ابن عباس : والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب من ساعته . أخرجه الترمذي بمعناه ، وقال : حسن غريب صحيح . والنادي في كلام العرب : المجلس الذي ينتدي فيه القوم ; أي يجتمعون ، والمراد أهل النادي ; كما قال جرير :لهم مجلس صهب السبال أذلة سواسية أحرارها وعبيدهاوقال زهير :وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعلوقال آخر [ المهلهل ] :[ نبئت أن النار بعدك أوقدت ] واستب بعدك يا كليب المجلسوقد ناديت الرجل أناديه إذا جالسته . قال زهير :وجار البيت والرجل المنادي أمام الحي عقدهما سواء

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) قال: الملائكة.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل: الزبانية أرجلهم في الأرض، ورءوسهم في السماء.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عن قتادة، في قوله: ( سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ فَعَلَ أبُو جَهْلٍ لأخَذَتْهُ الزَّبانِيَةُ المَلائِكَةُ عِيانًا ".حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) قال: الملائكة.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الزبانية، قال: الملائكة.

سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) { خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزبانية } { الزبانية } .تفريع على الوعد . ومناسبة ذلك ما رواه الترمذي والنسائي عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام فمر به أبو جهل فقال : يا محمد ألم أنهك عن هذا ، وتوعَّده ، فأغلظ له رسول الله ، فقال أبو جهل : يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر أهل هذا الوادي نادياً ، فأنزل الله تعالى : { فليدع ناديه سندع الزبانية } يعني أن أبا جهل أراد بقوله ذلك تهديدَ النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يغري عليه أهل نادِيه .والنادي : اسم للمكان الذي يَجتمع فيه القوم . يقال : ندَا القومُ نَدْواً ، إذ اجتَمعوا . والنَّدوة ( بفتح النون ) الجماعة ، ويقال : نَادٍ ونَدِيّ ، ولا يطلق هذا الاسمُ على المكان إلا إذا كان القوم مجتمعين فيه فإذا تفرقوا عنه فليس بنادٍ ، ويقال النادي لمجلس القوم نهاراً ، فأما مجلسهم في الليل فيسمى المسامر قال تعالى : { سامراً تهجرون } [ المؤمنون : 67 ] .واتخذ قُصي لندوة قريش داراً تسمى دار الندوة حَوْل المسجد الحرام وجعلها لتشاورهم ومهماتهم وفيها يُعقد على الأزواج ، وفيها تدَرَّع الجواري ، أي يلبسونهن الدروع ، أي الأقمصة إعلاناً بأنهن قاربْن سِن البلوغ ، وهذه الدار كانت اشترتها الخيزران زوجة المنصور أبي جعفر وأدخلتْها في ساحة المسجد الحرام ، وأُدخل بعضها في المسجد الحرام في زيادة عبد الملك بن مروان وبعضها في زيادة أبي جعفر المنصور ، فبقيت بقيتُها بيتاً مستقلاً ونزل به المهدي سنة 160 في مدة خلافة المعتضد بالله العباسي لما زاد في المسجد الحرام جعل مكان دار الندوة مسجداً متصلاً بالمسجد الحرام فاستمر كذلك ثم هدم وأدخلت مساحته في مساحة المسجد الحرام في الزيادة التي زادها الملك سعود بن عبد العزيز ملك الحجاز ونجد سنة 1379 .ويطلق النادي على الذين ينتدون فيه وهو معنى قول أبي جهل : إني لأكثر أهل هذا الوادي نَادياً ، أي نَاساً يجلسون إليَّ يريد أنه رئيس يصمد إليه ، وهو المعني هنا .وإطلاق النادي على أهله نظير إطلاق القرية على أهلها في قوله تعالى : { واسأل القرية } [ يوسف : 82 ] ونظير إطلاق المجلس على أهله في قول ذي الرمة: ... لهم مجلسٌ صُهْب السِّبال أذلةٌسَوَاسة أحرارُها وعبيدُها ... وإطلاق المقامة على أهلها في قول زهير: ... وفيهم مقامات حسان وجوههموأندية ينتابها القول والفعل ... أي أصحاب مقامات حسان وجوههم .وإطلاق المجمع على أهله في قول لبيد: ... إنَّا إذا ألتقَت المجامع لم يزلمنَّا لِزاز عظيمة جسامها ... الأبيات الأربعة .ولام الأمر في { فليدع ناديه } للتعجيز لأن أبا جهل هدّد النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة أنصاره وهم أهل ناديه فردّ الله عليه بأن أمره بدعوة ناديه فإنه إن دعاهم ليسطُوا على النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله ملائكة فأهلكوه .وهذه الآية معجزة خاصة من معجزات القرآن فإنه تحدى أبا جهل بهذا وقد سمع أبو جهل القرآن وسمعه أنصاره فلم يقدم أحد منهم على السطو على الرسول صلى الله عليه وسلم مع أن الكلام يلهب حميته .وإضافة النادي إلى ضميره لأنه رئيسهم ويجتمعون إليه قالت أعرابية : «سيدُ ناديه ، وَثِمَالُ عافيهْ» .وقوله : { سندع الزبانية } جواب الأمر التعجيزي ، أي فإن دعا ناديَه دعوْنا لهم الزبانية ففعل { سندع } مجزوم في جواب الأمر ، ولذلك كتب في المصحف بدون واو وحرف الاستقبال لتأكيد الفعل .والزبانية : بفتح الزاي وتخفيف التحتية جمع زباني بفتح الزاي وبتحتية مشددة ، أو جمع زِبْنيَة بكسر الزاي فموحدة ساكنة فنون مكسورة فتحتية مخففة ، أو جمع زِبْنِيّ بكسر فسكون فتحتية مشددة . وقيل : هو اسم جمع لا واحد له من لفظه مثل أبابيل وعَبَاديد . وهذا الاسم مشتق من الزبن وهو الدفع بشِدة يقال : ناقة زَبُون إذا كانت تركُل من يحلبُها ، وحرب زبون يدفع بعضها بعضاً بتكرر القتال .فالزبانية الذين يزبنون الناس ، أي يدفعونهم بشدة . والمراد بهم ملائكة العذاب ويطلق الزبانية على أعوان الشُّرطة .و { كَلاّ } ردع لإِبطال ما تضمنه قوله : { فليدع ناديه } ، أي وليس بفاعل ، وهذا تأكيد للتحدّي والتعجيز .وكتب { سندع } في المصحف بدون واو بعد العين مراعاة لحالة الوصل ، لأنها ليست محل وقف ولا فاصلة .{ كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ واسجد } .هذا فذلكة للكلام المتقدم من قوله : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } [ العلق : 9 ، 10 ] ، أي لا تترك صلاتك في المسجد الحرام ولا تخش منه .وأطلقت الطاعة على الحذر الباعث على الطاعة على طريق المجاز المرسل ، والمعنى : لا تخفه ولا تحذره فإنه لا يَضرك .وأكد قوله : { لا تطعه } بجملة { واسجد } اهتماماً بالصلاة .وعطف عليه { واقترب } للتنويه بما في الصلاة من مرضاة الله تعالى بحيث جعل المصلّي مقترباً من الله تعالى .والاقتراب : افتعال من القرب ، عبر بصيغة الافتعال لما فيها من معنى التكلف والتطلب ، أي اجتهد في القرب إلى الله بالصلاة .
الآية 18 - سورة العلق: (سندع الزبانية...)