سورة العلق: الآية 7 - أن رآه استغنى...

تفسير الآية 7, سورة العلق

أَن رَّءَاهُ ٱسْتَغْنَىٰٓ

الترجمة الإنجليزية

An raahu istaghna

تفسير الآية 7

حقًا إن الإنسان ليتجاوز حدود الله إذا أبطره الغنى، فليعلم كل طاغية أن المصير إلى الله، فيجازي كلَّ إنسان بعمله.

«أن رآه» أي نفسه «استغنى» بالمال، نزل في أبي جهل، ورأى علمية واستغنى مفعول ثان وأن رآه مفعول له.

والإنسان -لجهله وظلمه- إذا رأى نفسه غنيًا، طغى وبغى وتجبر عن الهدى

إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله ثم تهدده وتوعده ووعظه.

والضمير في قوله رَآهُ يعود على الإنسان الطاغي، والجملة متعلقة بقوله لَيَطْغى بحذف لام التعليل، والرؤية بمعنى العلم.والمعنى: حقا إن الإنسان ليتعاظم ويتكبر ويتمرد على الحق، لأنه رأى نفسه ذا غنى في المال والجاه والعشيرة، ورآها- لغروره وبطره- ليست في حاجة إلى غيره.والمراد بالإنسان هنا: جنسه لأن من طبع الإنسان أن يطغى، إذا ما كثرت النعم بين يديه، إلا من عصمه الله- تعالى- من هذا الخلق الذميم، بأن شكره- سبحانه- على نعمه، واستعملها في طاعته.وقيل المراد بالإنسان هنا: أبو جهل، وأن هذه الآيات وما بعدها حتى آخر السورة قد نزلت في أبى جهل، فقد أخرج البخاري عن ابن عباس قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلى عند الكعبة، لأطأن على عنقه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لئن فعل لأخذته الملائكة» .. . ونزول هذه الآيات في شأن أبى جهل لا يمنع عموم حكمها، ويدخل في هذا الحكم دخولا أوليا أبو جهل، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

( أن ) لأن ( رآه استغنى ) أن رأى نفسه غنيا . قال الكلبي : يرتفع عن منزلة إلى منزلة في اللباس والطعام وغيرهما .وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل ، كان إذا أصاب مالا زاد في ثيابه ومركبه وطعامه ، فذلك طغيانه .

أن رآه أي لأن رأى نفسه استغنى ; أي صار ذا مال وثروة . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه ، قال : لما نزلت هذه الآية وسمع بها المشركون ، أتاه أبو جهل فقال : يا محمد تزعم أنه من استغنى طغى ; فاجعل لنا جبال مكة ذهبا ، لعلنا نأخذ منها ، فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك . قال فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال : ( يا محمد خيرهم في ذلك فإن شاءوا فعلنا بهم ما أرادوه فإن لم يسلموا فعلنا بهم كما فعلنا بأصحاب المائدة ) . فعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن القوم لا يقبلون ذلك ; فكف عنهم إبقاء عليهم . وقيل : أن رآه استغنى بالعشيرة والأنصار والأعوان . وحذف اللام من قوله أن رآه كما يقال : إنكم لتطغون إن رأيتم غناكم . وقال الفراء : لم يقل رأى نفسه ، كما قيل قتل نفسه ; لأن رأى من الأفعال التي تريد اسما وخبرا ، نحو الظن والحسبان ، فلا يقتصر فيه على مفعول واحد . العرب تطرح النفس من هذا الجنس تقول : رأيتني وحسبتني ، ومتى تراك خارجا ، ومتى تظنك خارجا . وقرأ مجاهد وحميد وقنبل عن ابن كثير ( أن رأه استغنى ) بقصر الهمزة . الباقون رآه بمدها ، وهو الاختيار .

ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك، ويطغى عليه، أن رآه استغنى.

أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) فموقع قوله : { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } موقع المقدمة لما يَرد بعده من قوله : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } إلى قوله : { لا تطعه } [ العلق : 19 ] لأن مضمونه كلمة شاملة لمضمون : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } إلى قوله : { فليدع ناديه } [ العلق : 17 ] .والمعنى : أن ما قاله أبو جهل ناشىء عن طغيانه بسبب غناه كشأن الإِنسان .والتعريف في { الإنسان } للجنس ، أي من طبع الإنسان أن يطغى إذا أحسّ من نفسه الاستغناء ، واللام مفيدة الاستغراق العرفي ، أي أغلب الناس في ذلك الزمان إلا من عصمه خُلقه أو دينه .وتأكيد الخبر بحرف التأكيد ولام الابتداء لقصد زيادة تحقيقه لغرابته حتى كأنه مما يتوقع أن يشك السامع فيه .والطغيان : التعاظم والكبر .والاستغناء : شدة الغنى ، فالسين والتاء فيه للمبالغة في حصول الفعل مثل استجاب واستقر .و { وَأنْ رآه } متعلق ب«يطغى» بحذف لام التعليل لأن حذف الجار مع ( أنْ ) كثير شائع ، والتقدير : إنّ الإِنسان ليطغى لرؤيته نفسه مستغنياً .وعلة هذا الخُلق أن الاستغناء تحدث صاحبَه نفسُه بأنه غير محتاج إلى غيره وأن غيره محتاج فيرى نفسه أعظم من أهل الحاجة ولا يزال ذلك التوهم يربو في نفسه حتى يصير خلقاً حيث لا وازع يزعه من دين أو تفكير صحيح فيطغى على الناس لشعوره بأنه لا يخاف بأسهم لأن له ما يدفع به الاعتداء من لأمةِ سلاححٍ وخدممٍ وأعوان وعُفاة ومنتفعين بماله من شركاء وعمال وأُجراء فهو في عزة عند نفسه .فقد بينت هذه الآية حقيقةً نفسية عظيمة من الأخلاق وعلم النفس . ونبهت على الحذر من تغلغلها في النفس .وضمير { رآه } المستتر المرفوع على الفاعلية وضميرُه البارز المنصوب على المفعولية كلاهما عائد إلى الإِنسان ، أي أن رأى نفسه استغنى .ولا يجتمع ضميران متحدا المعاد : أحدهما فاعل ، والآخر مفعول في كلام العرب ، إلا إذا كان العامل من باب ظن وأخواتها كما في هذه الآية ، ومنه قوله تعالى : { قال أرأيتك هذا الذي كرمت عليَّ } في سورة الإسراء ( 62 ) . قال الفراء : والعرب تطرح النفس من هذا الجنس ( أي جنس أفعال الظن والحسبان ) تقول : رأيتُني وحسبتُني ، ومتى تَراك خارجاً ، ومتى تظُنك خارجاً ، وألحقت ( رأى ) البصرية ب ( رأى ) القلبية عند كثير من النحاة كما في قول قطري بن الفجاءة: ... فلقد أراني للرِّمَاح دَريئةمن عن يميني مرة وأمامي ... ومن النادر قول النّمر بن تَوْلَب: ... قد بِتُّ أحْرُسُنِي وَحْدِي وَيَمْنَعُنِيصوتُ السباع به يضبَحْن والْهامِ ... وقرأ الجميع أن رآه } بألف بعد الهمزة ، وروى ابن مجاهد عن قنبل أنه قرأه عن ابن كثير «رأه» بدون ألف بعد الهمزة ، قال ابن مجاهد : هذا غلط ولا يعبأ بكلام ابن مجاهد بعد أن جزم بأنه رواه عن قنبل ، لكن هذا لم يروه غير ابن مجاهد عن قنبل فيكون وجهاً غريباً عن قنبل .وأُلحق بهذه الأفعال : فعل فقَدَ وفعل عَدِم إذا استعملا في الدعاء نحو قول القائل : فقَدْتُني وعَدِمْتُني .
الآية 7 - سورة العلق: (أن رآه استغنى...)