سورة الأنعام (6): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الأنعام بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الأنعام مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الأنعام

سُورَةُ الأَنۡعَامِ
الصفحة 147 (آيات من 143 إلى 146)

ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ ۖ مِّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ ۗ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلْأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلْأُنثَيَيْنِ ۖ نَبِّـُٔونِى بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ وَمِنَ ٱلْإِبِلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ ۗ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلْأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلْأُنثَيَيْنِ ۖ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ قُل لَّآ أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُۥ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ ۚ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُوا۟ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ
147

الاستماع إلى سورة الأنعام

تفسير سورة الأنعام (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Thamaniyata azwajin mina alddani ithnayni wamina almaAAzi ithnayni qul alththakarayni harrama ami alonthayayni amma ishtamalat AAalayhi arhamu alonthayayni nabbioonee biAAilmin in kuntum sadiqeena

جملة : { ثمانية أزواج } حال من { من الأنعام } [ الأنعام : 142 ]. ذكر توطئة لتقسيم الأنعام إلى أربعة أصناف الّذي هو توطئة للردّ على المشركين لقوله : { قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين إلى قوله أم كنتم شهداء أي أنشأ من الأنعام حمولة إلى آخره حالة كونها ثمانية أزواج .والأزواج جمع زوج ، والزوج اسم لذات منضمَّة إلى غيرها على وجه الملازمة ، فالزّوج ثان لواحد ، وكلّ من ذيْنِك الاثنين يقال له : زوج ، باعتبار أنّه مضموم ، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى : { وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجَنَّة } في سورة البقرة ( 35 ) ، ويطلق الزوج غالباً على الذّكر والأنثى من بني آدم المتلازمين بعقدة نكاح ، وتوسّع في هذا الإطلاق فأطلق بالاستعارة على الذّكر والأنثى من الحيوان الّذي يتقارن ذكره وأنثاه مثل حمار الوحش وأتانه ، وذكر الحمام وأنثاه ، لشبهها بالزوجين من الإنسان . ويطلق الزّوج على الصنف من نوع كقوله تعالى : ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين في سورة الرّعد ( 3 ). وكلا الإطلاقين الأخيرين صالح للإرادة هنا لأنّ الإبل والبقر والضأن والمعز أصناف للأنعام ، ولأنّ كلّ ذلك منه ذكر وأنثى . إذ المعنى أنّ الله خلق من الأنعام ذكرها وأنثاها ، فالأزواج هنا أزواج الأصناف ، وليس المراد زوْجاً بعينه ، إذ لا تعرف بأعيانها ، فثمانية أزواج هي أربعة ذكور من أربعة أصناف وأربعُ إناث كذلك .وقوله : من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } أُبدل { اثنين } من قوله : { ثمانية أزواج } قوله : { اثنين } : بدلَ تفصيل ، والمراد : اثنين منها أي من الأزواج ، أي ذَكَرٌ وأنثى كلّ واحد منهما زوج للآخر ، وفائدة هذا التّفصيل التوصّل لذكر أقسام الذّكور والإناث توطئة للاستدلال الآتي في قوله : { قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } الآية .وسُلك في التّفصيل طريق التّوزيع تمييزاً للأنواع المتقاربة ، فإنّ الضأن والمعز متقاربان ، وكلاهما يذبح ، والإبلَ والبقرَ متقاربة ، والإبلُ تنحر ، والبقر تذبح وتُنحر أيضاً . ومن البقر صنف له سنام فهو أشبه بالإبل ويوجد في بلاد فارس ودخل بلاد العرب وهو الجاموس ، والبقرُ العربي لا سنام له وثَورها يسمّى الفريش .ولمّا كانوا قد حرّموا في الجاهليّة بعض الغنم ، ومنها ما يسمّى بالوصيلة كما تقدّم ، وبعض الإبل كالبَحيرة والوصيلة أيضاً ، ولم يحرّموا بعض المعز ولا شيئاً من البقر ، ناسب أن يؤتى بهذا التّقسيم قبل الاستدلال تمهيداً لتحكّمهم إذْ حرّموا بعض أفراد من أنواع ، ولم يحرّموا بعضاً من أنواع أخرى ، وأسباب التّحريم المزعومة تتأتى في كلّ نوع فهذا إبطال إجمالي لما شرعوه وأنَّه ليس من دين الله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً .وهذا الاستدلال يسمى في علم المناظرة والبحث بالتحكّم .والضأن بالهمز اسم جمع للغَنم لا واحد له من لفظه ، ومفرد الضأن شاة وجمعها شاءٌ .وقيل هو جمع ضَائن . والضأن نوع من الأنعام ذواتتِ الظلف له صوف . والمعز اسم جمع مفرده ماعِز ، وهو نوع من الأنعام شبيه بالضأن من ذوات الظلف له شعر مستطيل ، ويقال : مَعْز بسكون العين ومَعز بفتح العين وبالأول قرأ نافع . وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو جعفر ، وخلف . وقرأ بالثّاني الباقون .وبعد أن تمّ ذكر المنّة والتّمهيد للحجّة ، غيرّ أسلوب الكلام ، فابتدىء بخطاب الرّسول عليه الصّلاة والسلام بأن يجادل المشركين ويظهر افتراءهم على الله فيما زعموه من تحريم ما ابتدعوا تحريمه من أنواع وأصناف الأنعام على من عيّنوه من النّاس بقوله : { قل ءآلذكرين حرم } الآيات . فهذا الكلام ردّ على المشركين ، لإبطال ما شرعوه بقرينة قوله : { نبئوني بعلم إن كنتم صادقين } وقوله : { أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا } الآية . فقوله : قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين إلى آخرها في الموضعين ، اعتراض بعد قوله : { ومن المعز اثنين } وقوله : { ومن البقر اثنين }.وضمير : { حرّم } عائد إلى اسم الله في قوله : { كلوا مما رزقكم الله } [ الأنعام : 142 ] ، أو في قوله : { وحرموا ما رزقهم الله } [ الأنعام : 140 ] الآية . وفي تكرير الاستفهام مرّتين تعريض بالتّخطئة ، فالتّوبيخ والتّقريع الّذي يعقبه التّصريح به في قوله : { إن كنتم صادقين } وقوله : { أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن أفترى على الله كذباً } الآية . فلا تردّد في أنّ المقصود من قوله : { قل ءآلذكرين حرم } في الموضعين إبطال تحريم ما حرّم المشركون أكله ، ونفي نسبة ذلك التّحريم إلى الله تعالى . وإنَّما النظر في طريق استفادة هذا المقصود من نظم الكلام . وهو من المعضلات .فقال الفخر : «أطبق المفسّرون على أنّ تفسير هذه الآية أنّ المشركين كانوا يحرّمون بعض الأنعام فاحتجّ الله على إبطال قولهم بأنْ ذكَرَ الضأن والمعز والإبل والبقر . وذكر من كلّ واحد من هذه الأربعة زوجين ذكراً وأنثى ، ثمّ قال : إن كان حُرّم منها الذّكر وجب أن يكون كلّ ذكورها حراماً ، وإن كان حُرم الأنثى وجب أن يكون كلّ إناثها حراماً ، وأنَّه إن كان حرّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين وجب تحريم الأولاد كلّها» . حاصل المعنى نفي أن يكون الله حرّم شيئاً ممّا زعموا تحريمه إياه بطريق السبّر والتّقسيم وهو من طريق الجدل .قلت : هذا ما عزاه الطّبري إلى قتادة ، ومجاهد ، والسدّي ، وهذا لا يستقيم لأنّ السبر غير تامّ إذ لا ينحصر سبب التّحريم في النّوعيّة بل الأكثر أنّ سببه بعض أوصاف الممنوع وأحواله . 5وقال البغوي : قالوا : { هذه أنعَام وحرث حجر } [ الأنعام : 138 ] وقالوا : { ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا } [ الأنعام : 139 ] وحرّموا البحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي ، فلمّا قام الإسلام جَادَلوا النّبيء صلى الله عليه وسلم وكان خطيبهم مالكَ بن عوف الجُشَمي قالوا : يا محمّد بلغَنا أنَّك تحرّم أشياء ممّا كان آباؤنا يفعلونه .فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّكم قد حرّمتم أصنافاً من النّعم على غير أصل ، وإنَّما خلق الله هذه الأزواج الثّمانية للأكل والانتفاع بها ، فمِن أيْن جاء هذا التّحريم أمِن قِبلَ الذّكر أم من قِبَل الأنثى . فسكت مالك بن عوف وتحيَّر اه ( أي وذلك قبل أن يُسلم مالك بن عوف ) ولم يعزه البغوي إلى قائل وهو قريب ممّا قاله قتادة والسّدي ومجاهد فتبيّن أنّ الحجاج كلّه في تحريم أكل بعض هذه الأنواع من الأنعام ، وفي عدم التّفرقة بين ما حرّموا أكله وما لم يحرّموه مع تماثل النّوع أو الصنف .والّذي يؤخذ من كلام أئمَّة العربيّة في نظم الاستدلال على المشركين أنّ الاستفهام في قوله : { ءآلذكرين حرم } في الموضعين . استفهام إنكاري ، قال في «الكشاف» الهمزة في { ءآلذكرين } للإنكار . والمعنى : إنكار أن يحرّم الله تعالى من جنسي الغنم شيئاً من نوعي ذكورها وإناثها وما تحمل إناثها وكذلك في جنسي الإبل والبقر ، وبيّنه صاحب «المفتاح» في باب الطلب بقوله : وإن أردتَ به ( أي بالاستفهام ) الإنكا فانسجه على منوال النّفي فَقُل ( في إنكار نفس الضرب ) أضربت زيداً ، وقل ( في إنكار أن يكون للمخاطب مضروبٌ ) أزيداً ضربت أم عمراً ، فإنَّك إذا أنكرت من يُردّد الضّرب بينهما ( أي بزعمه ) تولّد منه ( أي من الإنكار عليه ) إنكار الضرب على وجه بُرهاني ومنه قوله تعالى : { ءآلذكرين حرم أم الأنثيين }.قال شارحه القطب الشّيرازي : لاستلزام انتفاء محلّ التّحريم انتفاءَ التّحريم لأنَّه عرض يمتنع وجوده ، أي التّحريم ، دون محلّ يقوم به فإذا انتفى ( أي محلّه ) انتفى هو أي التّحريم ا ه .أقول وجه الاستدلال : أنّ الله لو حرّم أكل بعض الذّكور من أحد النّوعين لحرّم البعضَ الآخر ، ولو حرّم أكل بعض الإناث لحرّم البعض الآخر . لأنّ شأن أحكام الله أن تكون مطّردة في الأشياء المتّحدة بالنّوع والصّفة ، ولو حَرّم بعض ما في بطون الأنعام على النّساء لحرّم ذلك على الرّجال ، وإذْ لم يحرّم بعضها على بعض مَع تماثل الأنواع والأحوال . أنتجَ أنَّه لم يحرّم البعض المزعوم تحريمُه ، لأنّ أحكام الله منوطة بالحكمة ، فدلّ على أنّ ما حرّموه إنَّما حرّموه من تلقاء أنفسهم تحكّماً واعتباطاً ، وكان تحريمهم ما حرّموه افتراءً على الله . ونهضت الحجّة عليهم ، الملجئةُ لهم ، كما أشار إليه كلام النّبيء صلى الله عليه وسلم لمالك بن عوف الجُشمي المذكورُ آنفاً ، ولذلك سَجَّل عليهم بقوله : { نبئوني بعلم إن كنتم صادقين } فقوله : { ءآلذكرين حرم } أي لو حرّم الله ءآلذكرين لسوّى في تحريمهما بين الرّجال والنّساء . وكذلك القول في الأنثيين ، والاستفهام في قوله : { ءآلذكرين حرم } في الموضعين مُستعمل في التّقرير والإنكار بقرينة قوله قبله : { سيجزيهم وصفهم إنَّه حكيم عليم }[ الأنعام : 139 ]. وقوله : { ولا تتَّبعوا خطوات الشّيطان } [ البقرة : 168 ]. ومعلوم أنّ استعمال الاستفهام في غير معنى طلب الفهم هو إما مجاز أو كناية .ولذلك تعيَّن أن تكون { أم } منقطعة بمعنى ( بل ) ومعناها الإضراب الانتقالي تعديداً لهم ويُقَدّر بعدها استفهام . فالمفرد بعد { أم } مفعول لفعل محذوف ، والتّقدير : أم أحرّم الأنثيين . وكذلك التّقدير في قوله : { أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } وكذلك التّقدير في نظيره .وقوله : { من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } مع قوله : { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } من مسلك السير والتقسيم المذكور في مسالك العلة من علم أصول الفقه .وجملة : { نبئوني بعلم إن كنتم صادقين } بدل اشتمال من جملة؛ { ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } لأنّ إنكار أن يكون الله حرّم شيئاً من ذكور وإناث ذينك الصنفين يقتضي تكذيبهم في زعمهم أنّ الله حرّم ما ذكروه فيلزم منه طلبُ الدّليل على دعواهم . فموقع جملة { ءآلذكرين } بمنزلة الاستفسار في علم آداب البحث . وموقع جملة : { نبئوني بعلم إم كنتم صادقين } بمنزلة المنع . وهذا تهكّم لأنَّه لا يَطلب تلقّي علم منهم . وهذا التَّهكّم تابع لصورة الاستفهام وفرعٌ عنها . وهو هنا تجريد للمجاز أو للمعنى الملزوم المنتقل منه في الكناية . وتثنية ءآلذكرين والأنثيين : باعتبار ذكور وإناث النّوعين .وتعدية فعل : { حَرّم } إلى { الذّكرين } و { الأنثيين } وما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، على تقدير مضاف معلوم من السّياق ، أي : حرّم أكل ءآلذكرين أم الأنثيين إلى آخره .والتّعريف في قوله : { ءآلذكرين } وقوله : { أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } تعريف الجنس كما في «الكشاف» .والباء في { بعلم } : يحتمل أن تكون لتعدية فعل الإنباء ، فالعلم بمعنى المعلوم . ويحتمل أن تكون للملابسة ، أي نبّئوني إنباء ملابساً للعلم ، فالعلم ما قابل الجهل أي إنباء عالم . ولمَّا كانوا عاجزين عن الإنباء دلّ ذلك على أنَّهم حرّموا ما حرّموه بجهالة وسوء عقل لا بعلم ، وشأن من يتصدّى للتحريم والتّحليل أن يكون ذا علم .وقوله : { إن كنتم صادقين } أي في قولكم : إنّ الله حرّم ما ذكرتم أنَّه محرّم ، لأنَّهم لو كانوا صادقين في تحريم ذلك لاستطاعوا بيان ما حرّمه الله ، ولأبدوا حكمة تحريم ما حرّموه ونسبوا تحريمه إلى الله تعالى .

الترجمة الإنجليزية

Wamina alibili ithnayni wamina albaqari ithnayni qul alththakarayni harrama ami alonthayayni amma ishtamalat AAalayhi arhamu alonthayayni am kuntum shuhadaa ith wassakumu Allahu bihatha faman athlamu mimmani iftara AAala Allahi kathiban liyudilla alnnasa bighayri AAilmin inna Allaha la yahdee alqawma alththalimeena

وقوله : { ومن الإبل اثنين } إلى قوله { أرحام الأنثيين } عطف على : { ومن المعز اثنين } لأنَّه من تمام تفصيل عدد ثمانية أزواج ، والقول فيه كالقول في سابقه ، والمقصود إبطال تحريم البحيرة والسّائبة والحامي وما في بطون البحائر والسّوائب .و { أم } في قوله : { أم كنتم شهداء } منقطعة للإضراب الانتقالي . فتؤذن باستفهام مقدّر بعدها حيثما وقعت . وهو إنكاري تقريري أيضاً بقربنة السّياق .والشّهداء : الحاضرون جمعُ شَهيد وهو الحاضر ، أي شُهداء حين وصّاكم الله ، ف { إذْ } ظرف ل { شهداء } مضاف إلى جملة : { وصاكم }.والإيصاء : الأمر بشيء يُفعل في غيبة الآمر فيؤكَّد على المأمور بفعله لأنّ شأن الغائب التّأكيد .وأطلق الإيصاء على ما أمر الله به لأنّ النّاس لم يشاهدوا الله حين فعلهم ما يأمرهم به ، فكانَ أمر الله مؤكَّداً فعبّر عنه بالإيصاء تنبيهاً لهم على الاحتراز من التّفويت في أوامر الله ، ولذلك أطلق على أمر الله الإيصاءُ في مواضع كثيرة من القرآن ، كقوله : { يوصيكم الله في أولادكم } [ النساء : 11 ].والإشارة في قوله : { بهذا } إلى التحريم المأخوذ من قوله : { حرم } وذلك لأنّ في إنكار مجموع التّحريم تضمُّنا لإبطال تحريم معيَّن ادّعوه . وهم يعرفونه . فلذلك صحّت الإشارة إلى التّحريم على الإجمال ، وخصّ بالإنكار حالة المشاهدة ، تهكّماً بهم ، لأنَّهم كانوا يكذّبون الرّسول صلى الله عليه وسلم فحالهم حَال من يضع نفسه موضع من يحضر حضرة الله تعالى لسماع أوامره . أو لأنّ ذلك لمّا لم يكن من شرع إبراهيم ولا إسماعيل عليهم السّلام ، ولم يأت به رسول من الله ، ولم يدّعوه ، فلم يبق إلاّ أنّ يدّعوا أنّ الله خاطبهم به مباشرة .وقوله : { فمن أظلم ممن أفترى على الله كذباً } مترتّب على الإنكار في قوله : { ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } إلى قوله { إذ وصاكم الله بهذا } ، أي فيترتّب على ذلك الإبطال والإنكار أن يتوجّه سؤال من المتكلّم مشوبٌ بإنكار . عمّن اتّصف بزيادة ظلم الظّالمين الّذين كذبوا على الله ليضلّوا النّاس ، أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً ، فإذا ثبت أنّ هؤلاء المخاطبين قد افتروا على الله كذباً ، ثبت أنَّهم من الفريق الّذي هو أظلم الظالمين .والمشركون إمّا أن يكونوا ممّن وضع الشّرك وهم كبراء المشركين : مثل عَمرو بن لُحي ، واضععِ عبادة الأصنام ، وأوللِ من جعل البحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي ، ومن جاء بعده من طواغيت أهل الشّرك الّذين سنّوا لهم جعل شيء من أموالهم لبيوت الأصنام وسدنتها ، فهؤلاء مُفترون ، وإمَّا أن يكونوا ممّن اتَّبع أولئك بعزم وتصلّب وشاركوهم فهم اتَّبعوا أناساً ليسوا بأهل لأنّ يُبلِّغوا عن الله تعالى ، وكان حقّهم أن يتوخَّوا من يتَّبعون ومن يظنّون أنَّه مبلّغ عن الله وهم الرّسل ، فمن ضلالهم أنَّهم لمّا جاءهم الرّسول الحقّ عليه الصلاة والسلام كذّبوه ، وقد صدّقوا الكَذَبَة وأيَّدوهم ونصروهم .ويستفاد من الآية أنّ من الظلم أن يُقدِم أحد على الإفتاء في الدّين ما لم يكن قد غلب على ظنّه أنَّه يفتي بالصّواب الّذي يُرضي الله ، وذلك إنْ كان مجتهداً فبالاستناد إلى الدّليل الّذي يغلب على ظنّه مصادفته لمراد الله تعالى ، وإن كان مقلّداً فبالاستناد إلى ما يغلب على ظنّه أنَّه مذهب إمامه الّذي قلَّده .وقوله : { بغير علم } تقدّم القول في نظيره آنفاً .وقوله : { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } يجوز أن يكون تعليلاً لكونهم من أظلم النّاس ، لأنّ معنى الزّيادة في الظلم لا يتحقّق إلاّ إذا كان ظلمهم لا إقلاع عنه ، لأنّ الضّلال يزداد رسوخاً في النّفس بتكررّ أحواله ومظاهره ، لأنَّهم لمّا تعمّدوا الإضلال أو اتَّبعوا متعمّديه عن تصلّب ، فهم بمعزل عن تطلب الهدى وإعادة النّظر في حال أنفسهم ، وذلك يغريهم بالازدياد والتملّي من تلك الأحوال ، حتّى تصير فيهم ملكة وسجيّة ، فيتعذّر إقلاعهم عنها ، فعلى هذا تكون { إنّ } مفيدة معنى التّعليل .ويجوز أن تكون الجملة تهديداً ووعيداً لهم ، إن لم يقلعوا عمّا هم فيه ، بأنّ الله يحرمهم التّوفيق ويذرهم في غيّهم وعمههم ، فالله هَدى كثيراً من المشركين هم الّذين لم يكونوا بهذه المثابة في الشّرك ، أي لم يكونوا قادة ولا متصلّبين في شركهم ، والّذين كانوا بهذه المثابة هم الّذين حرمهم الله الهدى ، مثل صناديد قريش أصحاب القليب يوم بدر ، فأمّا الّذين اتَّبعوا الإسلام بالقتال مثل معظم أهل مكّة يوم الفتح ، وكذلك هوازن ومَن بعدها ، فهؤلاء أسلموا مذعنين ثمّ علموا أنّ آلهتهم لم تغن عنهم شيئاً فحصل لهم الهدى بعد ذلك ، وكانوا من خيرة المسلمين ونصروا الله حقّ نصره . فالمراد من نفي الهدى عنهم : إمَّا نفيه عن فريق من المشركين ، وهم الّذين ماتُوا على الشّرك ، وإمَّا نفي الهدى المحض الدالّ على صفاء النّفس ونور القلب ، دون الهدى الحاصل بعد الدّخول في الإسلام ، فذلك هدى في الدرجة الثّانية كما قال تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتَل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } [ الحديد : 10 ].

الترجمة الإنجليزية

Qul la ajidu fee ma oohiya ilayya muharraman AAala taAAimin yatAAamuhu illa an yakoona maytatan aw daman masfoohan aw lahma khinzeerin fainnahu rijsun aw fisqan ohilla lighayri Allahi bihi famani idturra ghayra baghin wala AAadin fainna rabbaka ghafoorun raheemun

استئناف بياني نشأ عن إبطال تحريم ما حرّمه المشركون ، إذ يتوجّه سؤال سائل من المسلمين عن المحرّمات الثابتة ، إذْ أبطلت المحرّمات الباطلة ، فلذلك خوطب الرّسول صلى الله عليه وسلم ببيان المحرّمات في شريعة الإسلام بعد أن خوطب ببيان ما ليس بمحرّم ممّا حرّمه المشركون في قوله : { قل ءآلذّكرين حرم أم الأنثيين } [ الأنعام : 144 ] الآيات .وافتُتح الكلام المأمورُ بأن يقوله بقوله : { لا أجد } إدماجاً للردّ على المشركين في خلال بيان ما حُرّم على المسلمين ، وهذا الردّ جار على طريقة كناية الإيماء بأن لم يُنْفَ تحريم ما ادّعوا تحريمه صريحاً ، ولكنّه يقول لا أجده فيما أوحي إليّ ويستفاد من ذلك أنَّه ليس تحريمه من الله في شرعه ، لأنَّه لا طريق إلى تحريم شيء ممّا يتناوله النّاس إلاّ بإعلام من الله تعالى ، لأنّ الله هو الّذي يُحلّ ما شاء ويحرّم ما شاء على وفق علمه وحكمته ، وذلك الإعلام لا يكون إلاّ بطريق الوحي أو ما يُستنبط منه ، فإذا كان حكم غير موجود في الوحي ولا في فروعه فهو حكم غير حقّ ، فاستفيد بطلان تحريم ما زعموه بطريقة الإيماء ، وهي طريقة استدلالية لأنّ فيها نفي الشّيء بنفي ملزومه .و { أجد } بمعنى : أظفر ، وهو الّذي مصدره الوَجد والوجدانُ ، وهو هنا مجاز في حصول الشّيء وبلوغه ، يقال : وجَدْت فلاناً ناصراً ، أي حصلت عليه ، فشبّه التّحصيل للشّيء بالظفَر وإلْفاءِ المطلوب ، وهو متعدّ إلى مفعول واحد .والمراد ، ب { ما أوحي } ما أعلمه الله رسوله صلى الله عليه وسلم بوحي غير القرآن لأنّ القرآن النّازل قبل هذه الآية ليس فيه تحريم الميتة والدّم ولحم الخنزير وإنَّما نزل القرآن بتحريم ما ذكر في هذه الآية ثمّ في سورة المائدة .والطاعم : الآكِلُ ، يقال : طَعِم كَعَلِم ، إذا أكل الطَّعام ، ولا يقال ذلك للشَّارب ، وأمَّا طَعِم بمعنى ذاق فيستعمل في ذوق المطعومات والمشروبات ، وأكثر استعماله في النّفي ، وتقدّم بيانه عند قوله تعالى : { ومن لم يطعَمْه فإنَّه منّي } في سورة البقرة ( 249 ) ، وبذلك تكون الآية قاصرة على بيان محرّم المأكولات .وقوله : يطعمه } صفة لطاعم وهي صفة مؤكّدة مثل قوله : { ولا طائر يطير بجناحيه } [ الأنعام : 38 ].والاستثناء من عموم الأكوان الّتي دلّ عليها وقوع النّكرة في سياق النّفي . أي لا أجد كائناً محرّماً إلاّ كونه ميتة إلخ أي : إلاّ الكائن ميتة إلخ ، فالاستثناء متّصل .والحصر المستفاد من النّفي والاستثناء حقيقي بحسب وقت نزول هذه الآية . فلم يكن يومئذ من محرّمات الأكل غير هذه المذكورات لأنّ الآية مكّيّة ثمّ نزلت سورة المائدة بالمدينة فزيد في المحرمات كما يأتي قريباً .والمسفوح : المصبوب السائل ، وهو ما يخرج من المذبح والمَنْحَر . أو من الفصد في بعض عروق الأعضاء فيسيل .وقد كان العرب يأكلون الدّم الّذي يسيل من أوداج الذّبيحة أو من منحَر المنحورة ويجمعونه في مَصير أو جِلد ويجفّفونه ثمّ يشْوونه ، وربّما فصدوا من قوائم الإبل مَفصدا فأخذوا ما يحتاجون من الدّم بدون أن يهلك البعير ، وربَّما خلطوا الدّم بالوَبَر ويسمّونه ( العِلْهِز ) ، وذلك في المجاعات . وتقييد الدّم بالمسفوح للتّنبيه على العفو عن الدمّ الّذي ينزّ من عروق اللّحم عند طبخه فإنَّه لا يمكن الاحتراز عنه .وقوله : { فإنه رجس } جملة معترضة بين المعطوفات ، والضّمير قيل : عائد إلى لحم الخنزير ، والأظهر أن يعود إلى جميع ما قبله ، وأنّ افراد الضّمير على تأويله بالمذكور ، أي فإنّ المذكور رجس ، كما يفرد اسم الإشارة مثل قوله : { ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } [ الفرقان : 68 ].والرّجس : الخبيث والقَذر . وقد مضى بيانه عند قوله تعالى : { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } في هذه السورة ( 125 ).فإن كان الضّمير عائداً إلى لحم الخنزير خاصّة فوصفه برجس تنبيه على ذمّه . وهو ذمّ زائد على التّحريم ، فوَصفه به تحذير من تناوله . وتأنيس للمسلمين بتحريمه ، لأنّ معظم العرب كانوا يأكلون لحم الخنزير بخلاف الميتة والدّم فما يأكلونها إلاّ في الخصاصة . وخباثة الخنزير علمها الله تعالى الّذي خلَقه . وتبيّن أخيراً أنّ لحمه يشتمل على ذرّات حيوانية مضرّة لآكِله أثبتها علم الحيوان وعلم الطبّ . وقيل : أريد أنَّه نجس لأنَّه يأكل النّجاسات وهذا لا يستقيم لأنّ بعض الدّواب تأكل النّجاسة وتُسمّى الجلاّلة وليست محرّمة الأكللِ في صحيح أقوال العلماء .وإن كان الضّمير عائداً إلى الثلاثة بتأويل المذكور كان قوله : فإنه رجس } تنبيهاً على علّة التّحريم وأنَّها لدفع مفسدة تحصل من أكل هذه الأشياء . وهي مفسدة بدنيّة . فأمَّا الميتة فلما يتحوّل إليه جسم الحيوان بعد الموت من التعفّن ، ولأنّ المرض الّذي كان سبب موته قد يَنتقل إلى آكله . وأمَّا الدّم فلأنّ فيه أجزاء مضرّة . ولأنّ شُربه يورث ضراوة .والفسق : الخروج عن شَيْء . وهو حقيقة شرعية في الخروج عن الإيمان ، أو عن الطّاعة الشّرعية ، فلذلك يوصف به الفعل الحرام باعتبار كونه سبباً لفسق صاحبه عن الطّاعة . وقد سمّى القرآن ما أهلّ به لغير الله فسقاً في الآية السالفة وفي هذه الآية ، فصار وصفاً مشهوراً لِمّا أهلّ به لغير الله ، ولذلك أتبعه بقوله : { أهل لغير الله به }.فتكون جملة : { أهل لغير الله به } صفة أو بياناً ل { فسقاً } ، وفي هذا تنبيه على أنّ تحريم ما أهلّ لغير الله به ليس لأنّ لحمه مضرّ بل لأنّ ذلك كفر بالله .وقد دلّت الآية على انحصار المحرّمات من الحيوان في هذه الأربعة ، وذلك الانحصار بحسب ما كان مُحرّماً يوم نزول هذه الآية ، فإنَّه لم يحرّم بمكّة غيرها من لحم الحيوان الّذي يأكلونه ، وهذه السّورة مكّيّة كلّها على الصّحيح ، ثمّ حرّم بالمدينة أشياء أخرى ، وهي : المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وأكيلة السّبع بآية سورة العقود ( 3 ).وحُرّم لحم الحُمر الإنسيّة بأمر النّبيء صلى الله عليه وسلم على اختلاف بين العلماء في أنّ تحريمه لذاته كالخنزير ، أو لكونها يومئذ حَمولة جيش خيبر ، وفي أنّ تحريمه عند القائلين بأنّه لذاته مستمرّ أو منسوخ ، والمسألة ليست من غرض التّفسير فلا حاجه بنا إلى ما تكلّفوه من تأويل حصر هذه الآية المحرّمات في الأربعة . وكذلك مسألة تحريم لحم كلّ ذي ناب من السّباع ولحم سباع الطّير وقد بسطها القرطبي وتقدّم معنى : { أهِلّ لغير الله به } في تفسير سورة المائدة ( 3 ).وقرأ الجمهور : إلاّ أن يكون } بياء تحتيّة ونصب { ميتة } وما عطف عليها وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وحمزة بتاء فوقيّة ونصب { ميتة } وما عطف عليه عند من عَدا ابن عامر . وقرأه ابن عامر وأبو جعفر بتاء فوقيّة ورفع { ميتةٌ } ويشكل على هذه القراءة أنّ المعطوف على ميتة منصوبات وهي : { أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به }.ولم يعرّج عليها صاحب «الكشاف» ، وقد خُرّجت هذه القراءة على أن يكون : { أو دماً مسفوحاً } عطفاً على { أنْ } وصلتها لأنَّه محلّ نصب بالاستثناء فالتّقدير : إلاّ وجود ميتة ، فلمّا عبّر عن الوجود بفعل { يكون } التّامّ ارتفع ما كان مضافاً إليه .وقوله : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } تقدّم القول في نظيره في سورة البقرة ( 173 ) في قوله : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . } وإنَّما جاء المسند إليه في جملة الجزاء وهو ربك } معرّفاً بالإضافة دون العلميّة كما في آية سورة البقرة ( 192 ) : { فإنّ الله غفور رحيم } لما يؤذن به لفظ الربّ من الرأفة واللّطف بالمربوب والولاية ، تنبيها على أنّ الله جعل هذه الرّخصة للمسلمين الّذين عبدوه ولم يشركوا به ، وأنَّه أعرض عن المشركين الّذين أشركوا معه غيره لأنّ الإضافة تشعر بالاختصاص ، لأنَّها على تقدير لام الاختصاص ، فلمّا عبر عن الغفور تعالى بأنَّه ربّ النّبيء عليه الصّلاة والسّلاة علم أنَّه ربّ الَّذين اتَّبعوه ، وأنَّه ليس ربّ المشركين باعتبار ما في معنى الربّ من الولاية ، فهو في معنى قوله تعالى : { ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم } } [ محمد : 11 ] أي لا مولى يعاملهم بآثار الولاية وشعارها ، ذلك لأنّ هذه الآية وقعت في سياق حجاج المشركين بخلاف آية البقرة ( 172 ) فإنَّها مفتتحة بقوله : { يأيّها الذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم . } والإخبار بأنَّه غفور رحيم ، مع كون ذلك معلوماً من مواضع كثيرة ، هو هنا كناية عن الإذن في تناول تلك المحرّمات عند الاضطرار ورفع حرج التّحريم عنها حينئذ فهو في معنى قوله في سورة البقرة ( 182 ) : { فلا إثم عليه إنّ الله غفور رحيم . }

الترجمة الإنجليزية

WaAAala allatheena hadoo harramna kulla thee thufurin wamina albaqari waalghanami harramna AAalayhim shuhoomahuma illa ma hamalat thuhooruhuma awi alhawaya aw ma ikhtalata biAAathmin thalika jazaynahum bibaghyihim wainna lasadiqoona

جملة : { وعلى الذين ادوا حرمنا } عَطْف على جملة : { قُل } [ الأنعام : 145 ] عطفَ خبر على إنشاء ، أي بيِّن لهم ما حرّم في الإسلام ، واذكُرْ لهم ما حرّمنا على الّذين هادوا قبل الإسلام ، والمناسبة أنّ الله لمّا أمر نبيّه عليه الصلاة والسلام أن يبيّن ما حَرّم الله أكله من الحيوان ، وكان في خلال ذلك تنبيه على أنّ ما حرّمه الله خبيث بعضُه لا يصلح أكله بالأجساد الّذي قال فيه { فإنه رجس } [ الأنعام : 145 ] ، ومنه ما لا يلاقي واجب شكر الخالق وهو الّذي قال فيه : { أو فِسقاً أهل لغير الله به } [ الأنعام : 145 ] أعقب ذلك بذكر ما حرّمه على بني إسرائيل تحريماً خاصّاً لحكمة خاصّة بأحوالهم ، وموقَّتة إلى مجيء الشّريعة الخاتمة . والمقصود من ذكر هذا الأخير : أن يظهر للمشركين أنّ ما حرّموه ليس من تشريع الله في الحال ولا فيما مضى ، فهو ضلال بحت . وتقديم المجرور على متعلَّقة في قوله : { وعلى الذين هادوا حرمنا } لإفادة الاختصاص ، أي عليهم لا على غيرهم من الأمم .والظفر : العظم الذي تحت الجلد في منتهى أصابع الإنسان والحيوان والمخالب ، وهو يقابل الحافر والظلف ويكون للإبل والسّبع والكلب والهرّ والأرنب والوبْر ونحوها؛ فهذه محرّمة على اليهود بنص شريعة موسى عليه السّلام ففي الإصحاح الرابع عشر من سفر التّثنية : «الجمل والأرنب والوَبْر فلا تأكلوها» .والشّحوم : جمع شحم ، وهو المادّة الدُهنية التي تكون مع اللّحم في جسد الحيوان ، وقد أباح الله لليهود أكل لحوم البقر والغنم وحرم عليهم شحومهما إلاّ ما كان في الظهر .و { الحوايا } معطوف على { ظهورهما }.فالمقصود العطف على المباح لا على المحرّم ، أي : أو ما حملت الحوايا ، وهي جمع حَوِيَّة ، وهي الأكياس الشَّحميّة التي تحوي الأمعاء .{ أو ما اختلط بعظم } هو الشّحم الذي يكون ملتفّاً على عَظْم الحيوان من السِّمَن فهو معفو عنه لعسر تجريده عن عظمه .والظّاهر أنّ هذه الشّحوم كانت محرّمة عليهم بشريعة موسى عليه السّلام ، فهي غير المحرّمات التي أجملتها آية سورة النّساء ( 160 ) بقوله تعالى : { فبظلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم ، كما أشرنا إليه هنالك لأنّ الجرائم التي عدّت عليهم هنالك كلّها ممّا أحدثوه بعد موسى عليه السّلام . فقوله تعالى : ذلك جزيناهم ببغيهم } يراد منه البغي الذي أحدثوه زمن موسى . في مدّة التيه ، ممّا أخبر الله به عنهم : مثل قولهم : { لن نصبِرَ على طعام واحد } [ البقرة : 61 ] وقولهم : { فاذْهَب أنت وربّك فقاتلا } [ المائدة : 24 ] وعبادتِهم العِجْل . وقد عدّ عليهم كثير من ذلك في سورة البقرة .ومناسبة تحريم هذه المحرّمات للكون جزاءً لبغيهم : أنّ بغيهم نشأ عن صلابة نفوسهم وتغلّب القوّة الحيوانيّة فيهم على القوّة المَلكيّة ، فلعلّ الله حرّم عليهم هذه الأمور تخفيفاً من صلابتهم ، وفي ذلك إظهار منَّته على المسلمين بإباحة جميع الحيوان لهم إلاّ ما حرّمه القرآن وحرّمتْه السنّة ممّا لم يختلف فيه العلماء وما اختلفوا فيه .ولم يذكر الله تحريم لحم الخنزير ، مع أنَّه ممّا شمله نصّ التّوراة ، لأنَّه إنَّما ذكر هنا ما خُصّوا بتحريمه ممّا لم يحرّم في الإسلام ، أي ما كان تحريمه موقَّتاً .وتقديم المجرور على عامله في قوله : { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم } للاهتمام ببيان ذلك ، لأنَّه ممّا يلتفت الذّهن إليه عند سماع تحريم كلّ ذي ظُفُر فيترقّب الحكم بالنّسبة إليهما فتقديم المجرور بمنزلة الافتتاح ب ( أمَّا ).وجملة : { ذلك جزيناهم ببغيهم } تذييل يبيِّن علّة تحريم ما حرّم عليهم .واسم الإشارة في قوله : { ذلك جزيناهم } مقصود به التّحريم المأخوذ من قوله : { حرمنا } فهو في موضع مفعول ثان : ل { جزيناهم } قدّم على عامله ومفعولِه الأوّل للاهتمام به والتَّثبيت على أنّ التّحريم جزاء لبغيهم .وجملة : { وإنا لصادقون } تذييل للجملة التي قبلها قصداً لتحقيق أنّ الله حرّم عليهم ذلك ، وإبطالاً لقولهم : إنّ الله لم يحرّم علينا شيئاً وإنَّما حرّمنا ذلك على أنفسنا اقتداء بيعقوب فيما حرّمه على نفسه لأنّ اليهود لمّا انتبزوا بتحريم الله عليهم ما أحلّه لغيرهم مع أنَّهم يزعمون أنَّهم المقرّبون عند الله دون جميع الأمم ، أنكروا أن يكون الله حرّم عليهم ذلك وأنَّه عقوبة لهم فكانوا يزعمون أنّ تلك المحرّمات كان حرّمها يعقوب على نفسه نذراً لله فاتَّبعه أبناؤه اقتداء به . وليس قولهم بحقّ : لأنّ يعقوب إنَّما حرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها ، كما ذكره المفسّرون وأشار إليه قوله تعالى : { كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التوراة } في سورة آل عمران ( 93 ). وتحريم ذلك على نفسه لنذر أو مصلحة بدنية لا يسرى إلى من عداه من ذرّيته . وأنّ هذه الأشياء التي ذكر الله تحريمها على بني إسرائيل مذكور تحريمها في التّوراة فكيف ينكرون تحريمها .فالتّأكيد للردّ على اليهود ونظيرُ قوله هنا : { وإنَّا لصادقون } قولُه في سورة آل عمران ( 93 ). عقب قوله : { كلّ الطعام كان حلا لبني إسرائيل . قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين إلى قوله : { قل صدق الله } [ آل عمران : 93 95 ].
147