سورة الأنبياء: الآية 1 - اقترب للناس حسابهم وهم في...

تفسير الآية 1, سورة الأنبياء

ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ

الترجمة الإنجليزية

Iqtaraba lilnnasi hisabuhum wahum fee ghaflatin muAAridoona

تفسير الآية 1

دنا وقت حساب الناس على ما قدَّموا من عمل، ومع ذلك فالكفار يعيشون لاهين عن هذه الحقيقة، معرضين عن هذا الإنذار.

«اقترب» قرب «للناس» أهل مكة منكري البعث «حسابهم» يوم القيامة «وهم في غفلة» عنه «معرضون» عن التأهب له بالإيمان.

هذا تعجب من حالة الناس، وأنه لا ينجع فيهم تذكير، ولا يرعون إلى نذير، وأنهم قد قرب حسابهم، ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة والطالحة، والحال أنهم في غفلة معرضون، أي: غفلة عما خلقوا له، وإعراض عما زجروا به. كأنهم للدنيا خلقوا، وللتمتع بها ولدوا

سورة الأنبياء وهي مكية .قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق : سمعت عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله قال : بنو إسرائيل ، والكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء ، هن من العتاق الأول ، وهن من تلادي .هذا تنبيه من الله ، عز وجل ، على اقتراب الساعة ودنوها ، وأن الناس في غفلة عنها ، أي : لا يعملون لها ، ولا يستعدون من أجلها .وقال النسائي : حدثنا أحمد بن نصر ، حدثنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( في غفلة معرضون ) قال : " في الدنيا " ، وقال تعالى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) [ النحل : 1 ] ، وقال [ تعالى ] : ( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) [ القمر : 1 ، 2 ]وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن هانئ أبي نواس الشاعر أنه قال : أشعر الناس الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول :الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحنفقيل له : من أين أخذ هذا؟ قال : من قوله تعالى : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) .[ وروى في ترجمة " عامر بن ربيعة " ، من طريق موسى بن عبيدة الآمدي ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن عامر بن ربيعة : أنه نزل به رجل من العرب ، فأكرم عامر مثواه ، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه الرجل فقال : إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا في العرب ، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك . فقال عامر : لا حاجة لي في قطيعتك ، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) ] .ثم أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله ، والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار

تمهيد بين يدي السورة1- سورة الأنبياء، من السور المكية. وعدد آياتها اثنتا عشرة ومائة عند الكوفيين.وعند غيرهم إحدى عشرة آية ومائة. وكان نزولها بعد سورة إبراهيم.قال الآلوسى: وهي سورة عظيمة، فيها موعظة فخيمة، فقد أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر، عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرمه عامر، وكلم فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءه الرجل فقال: إنى استقطعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واديا ما في العرب واد أفضل منه. وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك.فقال عامر: لا حاجة لي في ذلك، فقد نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا.ثم قرأ: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ.. .2- وعند ما نقرأ هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل، نراها في مطلعها تسوق لنا ما يهز القلوب، ويحملها على الاستعداد لاستقبال يوم القيامة بالإيمان والعمل الصالح، ويزجرها عن الغفلة والإعراض.قال- تعالى-: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ. ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ...3- ثم تحكى السورة بعد ذلك ألوانا من الشبهات التي أثارها المشركون حول الرسول صلّى الله عليه وسلّم وحول دعوته، وردت عليهم بما يبطل شبهاتهم وأقوالهم، فقال- تعالى-: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ، بَلْ هُوَ شاعِرٌ، فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ.4- ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ادلة متعددة على وحدانية الله- تعالى- وعلى شمول قدرته. منها قوله- عز وجل-: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.وقوله- سبحانه-: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما، وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ.5- وبعد أن ذكرت السورة ألوانا من نعم الله على خلقه، وحكت جانبا من تصرفات المشركين السيئة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أتبعت ذلك بتسليته صلّى الله عليه وسلّم عما قالوه في شأنه.قال- تعالى-: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.6- ثم عرضت السورة الكريمة جانبا من قصص بعض الأنبياء، تارة على سبيل الإجمال، وتارة بشيء من التفصيل، فتحدثت عن موسى وهارون، وعن إبراهيم ولوط، وعن إسحاق ويعقوب، وعن نوح وأيوب، وعن داود وسليمان، وعن إسماعيل وإدريس، وعن يونس وزكريا.وفي نهاية حديثها عنهم- صلوات الله وسلامه عليهم- عقبت بالمقصود الأساسى من رسالتهم، وهو دعوة الناس جميعا إلى إخلاص العبادة لله- تعالى-، وأنهم جميعا قد جاءوا برسالة واحدة في جوهرها، فقال- تعالى-: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.7- ثم تحدثت في أواخرها عن أشراط الساعة، وعن أهوالها، وعن أحوال الناس فيها.قال- تعالى-: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا، يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ.8- ثم ختم- سبحانه- سورة الأنبياء بالحديث عن سنة من سننه التي لا تتخلف، وعن رسالة نبيه صلّى الله عليه وسلّم وعن موقفه من أعدائه، فقال- تعالى-:وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ، وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.وبعد: فهذا عرض إجمالى لسورة الأنبياء، ومنه نرى أنها قد أقامت ألوانا من الأدلة على وحدانية الله- تعالى-، وعلى صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن يوم القيامة حق ...كما حكت شبهات المشركين وردت عليها بما يبطلها، كما ساقت نماذج متعددة من قصص الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام.ونسأل الله- تعالى- أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.قوله - سبحانه - : ( اقترب ) من القرب الذى هو ضد البعد .والمعنى : قرب الزمن الذى يحاسب فيه الناس على أعمالهم فى الدنيا ، والحال أن الكافرين منهم فى غفلة تامة عن هذا الحساب ، وفى إعراض مستمر عن الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح .قال الإمام ابن كثير : هذا تنبيه من الله - عز وجل - على اقتراب الساعة ودنوها ، وأن الناس فى غفلة عنها ، أى لا يعملون لها ، ولا يستعدون من أجلها .قال - تعالى - : ( أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ . . . ) وقال : ( اقتربت الساعة وانشق القمر وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ) وعبر سبحانه - بالقرب مع أنه قد مضى على نزول هذه الآية وأمثالها أكثر من أربعة عشر قرنا ، لأن كل آت وإن طالت أوقات استقباله وترقبه ، قريب الوقوع ، ولأن ذلك الوقت وإن كان كبيرا فى عرف الناس ، إلا أنه عند الله - تعالى - قليل ، كما قال - سبحانه - : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) وقال - تعالى - : ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً ) وقال - تعالى - : ( اقترب لِلنَّاسِ . . . ) بلفظ العموم ، مع أن ما بعده من ألفاظ الغفلة والإعراض يشعر بأن المراد بهم الكافرون ، للتنبيه على أن الحساب سيشمل الجميع ، إلا أنه بالنسبة للكافرين سيكون حسابا عسيرا .قال صاحب الكشاف : وصفهم بالغفلة مع الإعراض ، على معنى : أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون فى عاقبتهم ، ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم ، مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسىء . وإذا قرعت لهم العصا ، ونبهوا عن سنة الغفلة ، وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر ، أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا .وفي التعبير عن اقتراب يوم القيامة باقتراب الحساب، زيادة في الترهيب والتخويف، وفي الحض على الاستعداد لهذا اليوم، لأنه يوم يحاسب فيه الناس على أعمالهم في الدنيا حسابا دقيقا، ولن تملك فيه نفس لنفس شيئا، وإنما يجازى فيه كل إنسان بحسب عمله.

مكية( اقترب للناس ) قيل اللام بمعنى من ، أي اقترب من الناس حسابهم ، أي : وقت محاسبة الله إياهم على أعمالهم ، يعني يوم القيامة ، نزلت في منكري البعث ، ( وهم في غفلة معرضون ) عن التأهب له .

سورة الأنبياءمكية في قول الجميع ، وهي مائة واثنتا عشرة آيةقال : قوله تعالى : اقترب للناس حسابهم قال عبد الله بن مسعود : الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول ، وهن من تلادي يريد من قديم ما كسب وحفظ من القرآن كالمال التلاد . وروي أن رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبني جدارا فمر به آخر في يوم نزول هذه السورة ، فقال الذي كان يبني الجدار : ماذا نزل اليوم من القرآن ؟ فقال الآخر : نزل اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون فنفض يده من البنيان ، وقال : والله لا بنيت أبدا وقد اقترب الحساب ، اقترب أي قرب الوقت الذي يحاسبون فيه على أعمالهم . للناس قال ابن عباس : المراد بالناس هنا المشركون بدليل قوله تعالى : إلا استمعوه وهم يلعبون إلى قوله : أفتأتون السحر وأنتم تبصرون . وقيل : الناس عموم وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش ؛ يدل على ذلك ما بعد من الآيات ؛ ومن علم اقتراب الساعة قصر أمله ، وطابت نفسه بالتوبة ، ولم يركن إلى الدنيا ، فكأن ما كان لم يكن إذا ذهب ، وكل آت قريب ، والموت لا محالة آت ؛ وموت كل إنسان قيام ساعته ؛ والقيامة أيضا قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان ، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى . وقال الضحاك : معنى اقترب للناس حسابهم أي عذابهم يعني أهل مكة ؛ لأنهم استبطئوا ما وعدوا به من العذاب تكذيبا ، وكان قتلهم يوم بدر . النحاس : ولا يجوز في الكلام اقترب حسابهم للناس ؛ لئلا يتقدم مضمر على مظهر لا يجوز أن ينوي به التأخير . وهم في غفلة معرضون ابتداء وخبر . ويجوز النصب في غير القرآن على الحال . وفيه وجهان : أحدهما : وهم في غفلة معرضون يعني بالدنيا عن الآخرة . الثاني : عن التأهب للحساب وعما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - . وهذه الواو عند سيبويه بمعنى ( إذ ) وهي التي يسميها النحويون واو الحال ؛ كما قال الله تبارك وتعالى : يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم .

يقول تعالى ذكره: دنا حساب الناس على أعمالهم التي عملوها في دنياهم ونعمهم التي أنعمها عليهم فيها في أبدانهم، وأجسامهم، ومطاعمهم، ومشاربهم، وملابسهم وغير ذلك من نعمه عندهم، ومسألته إياهم ماذا عملوا فيها؛ وهل أطاعوه فيها، فانتهوا إلى أمره ونهيه في جميعها، أم عصوه فخالفوا أمره فيها؟( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) يقول: وهم في الدنيا عما الله فاعل بهم من ذلك يوم القيامة، وعن دنو محاسبته إياهم منهم، واقترابه لهم في سهو وغفلة، وقد أعرضوا عن ذلك، فتركوا الفكر فيه، والاستعداد له، والتأهب، جهلا منهم بما هم لاقوه عند ذلك من عظيم البلاء، وشديد الأهوال.وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) قال أهل التأويل، وجاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثني أبو معاوية، قال: أخبرنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) قال: في الدنيا.

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)افتتاح الكلام بهذه الجملة أسلوب بديع في الافتتاح لما فيه من غرابة الأسلوب وإدخال الروع على المنذَرين ، فإن المراد بالناس مشركو مكة ، والاقتراب مبالغة في القرب ، فصيغة الافتعال الموضوعة للمطاوعة مستعملة في تحقق الفعل أي اشتد قرب وقوعه بهم .وفي إسناد الاقتراب إلى الحساب استعارة تمثيلية شبه حال إظلال الحساب لهم بحالة شخص يسعى ليقرب من ديار ناس ، ففيه تشبيه هيئة الحساب المعقولة بهيئة محسوسة ، وهي هيئة المغير والمُعَجِّل في الإغارة على القوم فهو يلح في السير تكلفاً للقرب من ديارهم وهم غافلون عن تطلب الحساب إياهم كما يكون قوم غارّين معرضين عن اقتراب العدوّ منهم ، فالكلام تمثيل .والمراد من الحساب إما يوم الحساب ، ومعنى اقترابه أنه قريب عند الله لأنه محقق الوقوع ، أو قريب بالنسبة إلى ما مضى من مدة بقاء الدنيا كقول النبي صلى الله عليه وسلم " بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين " أو اقترب الحساب كناية عن اقتراب موتهم لأنهم إذا ماتوا رأوْا جَزاء أعمالهم ، وذلك من الحساب . وفي هذا تعريض بالتهديد بقرب هلاكهم وذلك بفنائهم يوم بدر .أو المراد بالحساب المؤاخذة بالذنب كما في قوله تعالى : { إنْ حسابهم إلاّ على ربي } [ الشعراء : 113 ] وعليه فالاقتراب مستعمل في حقيقته أيضاً فهو من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه .واللام في قوله { للناس } إن أبقيت على معناها الأصلي من الاختصاص فذكرها تأكيد لمعنى اللام المقدرة في الإضافة في قوله { حسابهم } لأن تقديره : حسابٌ لهم . والضمير عائد إلى { الناس } فصار قوله { للناس } مساوياً للضمير الذي أضيف إليه ( حساب ) فكأنه قيل : اقترب حساب للناس لهم فكانَ تأكيداً لفظياً ، وكما تقول : أزف للحي رَحيلُهم ، أصله أزف الرحيلُ للحيّ ثم صار أزف للحي رحيلُهم ، ومنه قول العرب : لا أبَا لك ، أصله لا أباكَ ، فكانت لام ( لك ) مؤكدة لمعنى الإضافة لإمكان إغناء الإضافة عن ذكر اللام . قال الشاعر :أبالموت الذي لا بد أنيمُلاق لا أباك تخوّفينيوأصل النظم : اقترب للناس الحساب . وإنما نظم التركيب على هذا النظم بأن قدم ما يدل على المضاف إليه وعُرِّف { الناس } تعريف الجنس ليحصل ضرب من الإبهام ثم يقع بعده التبيين ، ولِما في تقديم الجار والمجرور من الاهتمام بأن الاقتراب للناس ليعلم السامع أن المراد تهديد المشركين لأنهم الذين يُكنَّى عنهم بالناس كثيراً في القرآن ، وعند التقديم احتيج إلى تقدير مضاف فصار مثل : اقترب حساب للناس الحساب ، وحذف المضاف لدلالة مفسره عليه . ولما كان الحساب حساب الناس المذكورين جيء بضمير الناس ليعود إلى لفظ الناس فيحصل تأكيد آخر وهذا نمط بديع من نسج الكلام ، ويجوز أن تكون اللام بمعنى ( من ) أو بمعنى ( إلى ) متعلقة ب { اقترب } فيكون المجرور ظرفاً لغواً ، وعن ابن مالك أنه مَثّل لانتهاء الغاية بقولهم : «تقربت منك» .وجملة { وهم في غفلة معرضون } حال من { الناس ، } أي اقترب منهم الحساب في حال غفلتهم وإعراضهم . والمراد بالناس المشركون لأنهم المقصود بهذا الكلام كما يدل عليه ما بعده .والغفلة : الذهول عن الشيء وعن طرق علمه ، وقد تقدمت عند قوله تعالى : { وإن كنا عن دراستهم لغافلين } في سورة [ الأنعام : 156 ] ، وقوله تعالى : { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } في [ سورة الأعراف : 146 ].والإعراض : صرف العقل عن الاشتغال بالشيء . وتقدم في قوله : { فأعرض عنهم وعظهم } في سورة [ النساء : 63 ] ، وقوله : { فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } في سورة [ الأنعام : 68 ].ودلت ( في ) على الظرفية المجازية التي هي شدة تمكن الوصف منهم ، أي وهم غافلون أشد الغفلة حتى كأنهم منغمسون فيها أو مظروفون في محيطها ، ذلك أن غفلتهم عن يوم الحساب متأصلة فيهم بسبب سابق كفرهم . والمعنى : أنهم غافلون عن الحساب وعن اقترابه .وإعراضهم هو إبايتهم التأمل في آيات القرآن التي تذكرهم بالبعث وتستدل لهم عليه ، فمتعلق الإعراض غير متعلق الغفلة لأن المعرض عن الشيء لا يعد غافلاً عنه ، أي أنهم لما جاءتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان وإنذارهم بيوم القيامة استمروا على غفلتهم عن الحساب بسبب إعراضهم عن دلائل التذكير به . فكانت الغفلة عن الحساب منهم غير مقلوعة من نفوسهم بسبب تعطيلهم ما شأنه أن يقلع الغفلة عنهم بإعراضهم عن الدلائل المثبتة للبعث .
الآية 1 - سورة الأنبياء: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون...)