سورة الأنفال: الآية 8 - ليحق الحق ويبطل الباطل ولو...

تفسير الآية 8, سورة الأنفال

لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَٰطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ

الترجمة الإنجليزية

Liyuhiqqa alhaqqa wayubtila albatila walaw kariha almujrimoona

تفسير الآية 8

ليعزَّ الله الإسلام وأهله، ويذهب الشرك وأهله، ولو كره المشركون ذلك.

«ليُحق الحق ويبطل» يمحق «الباطل» الكفر «ولو كره المجرمون» المشركون ذلك.

تفسير الآيات من 5 حتى 8 : قدم تعالى - أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة - الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها، لأن من قام بها استقامت أحواله وصلحت أعماله، التي من أكبرها الجهاد في سبيله. فكما أن إيمانهم هو الإيمان الحقيقي، وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم اللّه به،.كذلك أخرج اللّه رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في بدر بالحق الذي يحبه اللّه تعالى، وقد قدره وقضاه. وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال. فحين تبين لهم أن ذلك واقع، جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويكرهون لقاء عدوهم، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون. والحال أن هذا لا ينبغي منهم، خصوصا بعد ما تبين لهم أن خروجهم بالحق، ومما أمر اللّه به ورضيه،. فبهذه الحال ليس للجدال محل [فيها] لأن الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الأمر،. فأما إذا وضح وبان، فليس إلا الانقياد والإذعان. هذا وكثير من المؤمنين لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء، ولا كرهوا لقاء عدوهم،.وكذلك الذين عاتبهم اللّه، انقادوا للجهاد أشد الانقياد، وثبتهم اللّه، وقيض لهم من الأسباب ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها. وكان أصل خروجهم يتعرضون لعير خرجت مع أبي سفيان بن حرب لقريش إلى الشام، قافلة كبيرة،.فلما سمعوا برجوعها من الشام، ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس،.فخرج معه ثلاثمائة، وبضعة عشر رجلا معهم سبعون بعيرا، يعتقبون عليها، ويحملون عليها متاعهم،.فسمعت بخبرهم قريش، فخرجوا لمنع عيرهم، في عَدَدٍ كثير وعُدَّةٍ وافرة من السلاح والخيل والرجال، يبلغ عددهم قريبا من الألف. فوعد اللّه المؤمنين إحدى الطائفتين، إما أن يظفروا بالعير، أو بالنفير،.فأحبوا العير لقلة ذات يد المسلمين، ولأنها غير ذات شوكة،.ولكن اللّه تعالى أحب لهم وأراد أمرا أعلى مما أحبوا. أراد أن يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم،. وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ فينصر أهله وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ أي: يستأصل أهل الباطل، ويُرِيَ عباده من نصره للحق أمرا لم يكن يخطر ببالهم. لِيُحِقَّ الْحَقَّ بما يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه،. وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ بما يقيم من الأدلة والشواهد على بطلانه وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ فلا يبالي اللّه بهم.

لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ

ثم بين- سبحانه- الحكمة في اختيار ذات الشوكة لهم، ونصرتهم عليهم فقال: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ.أى: فعل ما فعل من النصرة والظفر بالأعداء لِيُحِقَّ الْحَقَّ أى: ليثبت الدين الحق دين الإسلام وَيُبْطِلَ الْباطِلَ أى: ويمحق الدين الباطل وهو ما عليه المشركون من كفر وطغيان.وقوله: وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ بيان لنفاذ إرادته- سبحانه-، أى: اقتضت إرادته أن يعز الدين الحق وهو دين الإسلام، وأن يمحق ما سواه، ولو كره المشركون ذلك لأن كراهيتهم لا وزن لها، ولا تعويل عليها..وبهذا يتبين أنه لا تكرار بين الآيتين السابقتين، لأن المراد بإحقاق الحق في قوله- تعالى- وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ: إعلاؤه وإظهاره ونصرته عن طريق قتال المؤمنين للمشركين.والمراد بإحقاق الحق في قوله بعد ذلك في الآية الثانية لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ:تثبيت دين الإسلام وتقويته وإظهار شريعته، ويمحق دين الكفر.فكان ما اشتملت عليه الآية الأولى هو الوسيلة والسبب وما اشتملت عليه الآية الثانية هو المقصد والغاية.وقد بسط هذا المعنى الإمام الرازي فقال ما ملخصه: فإن قيل: أليس قوله: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ثم قوله بعد ذلك: لِيُحِقَّ الْحَقَّ تكرارا محضا، فالجواب:ليس هاهنا تكرير لأن المراد بالأول سبب ما وعد به في هذه الواقعة من النصر والظفر بالأعداء، والمراد بالثاني تقوية القرآن والدين ونصرة هذه الشريعة، لأن الذي وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين، كان سببا لعزة الدين وقوته، ولهذا السبب قرنه بقوله وَيُبْطِلَ الْباطِلَ الذي هو الشرك، وذلك في مقابلة الْحَقَّ الذي هو الدين والإيمان.وإلى هنا نرى السورة الكريمة قد حدثتنا في الأربع الآيات الأولى منها عن حكم الله- تعالى- في غنائم بدر بعد أن اختلف بعض المؤمنين في شأنها، وعن صفات المؤمنين الصادقين الذين يستحقون من الله- تعالى- أرفع الدرجات.ثم حدثتنا في الأربع الآيات الثانية منها عن حال بعض المؤمنين عند ما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتال أعدائهم، وعن مجادلتهم له في ذلك، وعن إيثارهم المال على القتال، وعن إرادة ما هو خير لهم في دنياهم وآخرتهم، وفي ذلك ما فيه من العبر والعظات لقوم يعقلون.ثم ساق- سبحانه- بعض مظاهر تدبيره المحكم في هذه الغزوة، وبعض النعم التي أنعم بها على المؤمنين، وبعض البشارات التي تقدمت تلك الغزوة أو صاحبتها، والتي كانت تدل دلالة واضحة على أن النصر سيكون للمسلمين فقال- تعالى-:

( ليحق الحق ) ليثبت الإسلام ، ( ويبطل الباطل ) أي : يفني الكفر ( ولو كره المجرمون ) المشركون . وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة ليلة من شهر رمضان .

ليحق الحق أي يظهر دين الإسلام ويعزه ويبطل الباطل ولو كره المجرمون أي الكفر . وإبطاله إعدامه ; كما أن إحقاق الحق إظهاره بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولو كره المجرمون .

القول في تأويل قوله : لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويريد الله أن يقطع دابر الكافرين، كيما يحق الحق, كيما يُعبد الله وحده دون الآلهة والأصنام, ويعزّ الإسلام, وذلك هو " تحقيق الحق "=(ويبطل الباطل)، يقول ويبطل عبادة الآلهة والأوثان والكفر، ولو كره ذلك الذين أجرموا فاكتسبوا المآثم والأوزار من الكفار. (107)15733- حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)، هم المشركون.* * *وقيل: إن " الحق " في هذا الموضع، الله عز وجل.------------------------الهوامش:(107) انظر تفسير " المجرم " فيما سلف ص : 70 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

ومعنى { يُحق الحق } : يثبت ما يسمى الحق وهو ضد الباطل يقال : حق الشيء ، إذا ثبت قال تعالى : { أفمن حَق عليه كلمة العذاب } [ الزمر : 19 ].والمراد بالحق . هنا : دين الحق وهو الإسلام ، وقد أطلق عليه اسم الحق في مواضع كثيرة من القرآن كقوله : { حتى جاءهم الحق ورسولٌ مبينٌ } [ الزخرف : 29 ] الآية .وإحقاقه باستيصال معانديه ، فأنتم تريدون نفعاً قليلاً عاجلاً ، وأراد الله نفعاً عظيماً في العاجل والآجل . والله يعلم وأنتم لا تعلمون .وفي قوله : { ليُحق الحَق } جناس الاشتقاق . وفيه دلالة على أن أصل مادة الحق هو فعل حق . وأن أصل مادة الباطل هي فعل بَطل . ونظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم للذين قالوا في التشهد السلام على الله فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الله هو السلام .وكلمات الله ما يدل على مراده وعلى كلامه النفسي ، حقيقه من أقوال لفظية يخلقها خلقاً غير متعارف ليفهمها أحد البشر ويبلغها عن الله ، مثل القرآن ، أو مجازاً من أدلة غير لفظية ، مثل ما يخاطب به الملائكة المحكي في قوله تعالى : { حتى إذا فُزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العليّ الكبير } [ سبأ : 23 ] وفسره قول رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا قضى الله الأمر في السماء ضَربت الملائكة بأجنحتها خُضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فُزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قال للذي قالَ : الحق وهو العلي الكبير »والجمع المعرف بالإضافة يفيد العموم ، فقوله : { بكلماته } يعم أنواع الكلام الذي يوحي به الله الدال على إرادته تثبيت الحق . مثل آيات القرآن المنزلة في قتال الكفار وما أمر به الملائكة من نصرتهم المسلمين يوم بدر .والباء في { بكلماته } للسببية ، وذكر هذا القيد للتنويه بإحقاق هذا الحق وبيان أنه مما أراد الله ويسره وبينه للناس من الأمر ، ليقوم كل فريق من المأمورين بما هو حظه من بعض تلك الأوامر ، وللتنبيه على أن ذلك واقع لا محالة لأن كلمات الله لا تتخلف كما قال تعالى : { يريدون أن يبدلو كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل } [ الفتح : 15 ] ، ولمدح هذا الإحقاق بأنه حصل بسبب كلمات الله .وقطع دابر الشيء إزالة الشيء كله إزالة تأتي على آخر فرد منه يَكون في مؤخرته من ورائه وتقدم في قوله { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } في سورة [ الأنعام : 45 ].والمعنى : أردتم الغنيمة وأراد الله إظهار أمركم وخضذ شوكه عدوكم وإن كان ذلك يَحرمكم الغنى العارض فإن أمنكم واطمئنان بالكم خير لكم وأنتم تحسبون أن لا تستطيعوا هزيمة عدوكم .واللام في قوله : { ليحق الحق ويبطل الباطل } لام التعليل . وهي متعلقة بقوله { ويريد الله أن يحق الحق بكلماته } أي إنما أراد ذلك وكون أسبابه بكلماته لأجل تحقيقه الحق وإبطاله الباطلَ .وإذ قد كان محصول هذا التعليل هو عين محصول المعلل في قوله : { ويريد الله أن يحق الحق بكلماته } وشان العلة أن تكون مخالفة للمعلل ، ولو في الجملة ، إذ فائدة التعليل إظهار الغرض الذي يقصده الفاعل من فعله ، فمقتضى الظاهر أن لا يكون تعليل الفعل بعين ذلك الفعل ، لأن السامع لا يجهل أن الفاعل المختار ما فعل فعلاً إلا وهو مرادٌ له ، فإذا سمعنا من كلام البليغ تعليل الفعل بنفس ذلك الفعل ، كان ذلك كناية عن كونه ما فعل ذلك الفعل إلا لذاتتِ الفعل ، لا لغرض آخر عائد عليه ، فإفادة التعليل حينئذ معنى الحصر حاصلة من مجرد التعليل بنفس المعلّل .والحصر هنا من مستتبعات التركيب ، وليس من دلالة اللفظ ، فافهمه فإنه دقيق وقد وقعت فيه غفلات .ويجوز أن يكون الاختلاف بين المعلل والعلة بالعموم والخصوص أي يريد الله أن يحق الحق في هذه الحادثة لأنه يريد إحقاق الحق عموماً .وأما قوله : { ويبطل الباطل } فهو ضد معنى قوله : { ليُحق الحق } وهو من لوازم معنى ليُحق الحق ، لأنه إذا حصل الحق ذهب الباطل كما قال تعالى : { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقٌ } [ الأنبياء : 18 ] ، ولما كان الباطل ضد الحق لزم من ثبوت أحدهما انتفاء الآخر . ومن لطائف عبد الله بن عباس أنه قال لعُمر بن أبي ربيعة : كم سِنّك فقال ابن أبي ربيعة وُلدت يوم مات عمر بن الخطاب ، فقال ابن عباس : «أي حق رُفع وأيّ باطل وضع» أي في ذلك اليوم ، ففائدة قوله : { ويبطل الباطل } التصريح بأن الله لا يرضى بالباطل ، فكان ذكر بعد قوله : { ليحق الحق } بمنزلة التوكيد لقوله { ليحق الحق } لأن ثبوت الشيء قد يُؤكد بنفي ضده كقوله تعالى :{ قد ضلوا وما كانوا مهتدين } [ الأنعام : 140 ].ويجيء في قوله : { ويبطل الباطل } من معنى الكلام ، ومن جناس الاشتقاق ، ما جاء في قوله : { أن يحق الحق } ثم في مقابلة قوله : { ليُحق الحق } بقوله { ويُبطل الباطل } محسن الطباق .{ ولو كره المجرمون } شرط اتصالي . و { لو } اتصالية تدل على المبالغة في الأحوال ، وهو عطف على { يريد الله } ، أو على { ليُحِق الحق } أي يريد ذلك لذلك لا لغيره ، ولا يصد مراده ما للمعاندين من قوة بأن يكرهَه المجرمون وهم المشركون .والكراهة هنا كناية عن لوازمها وهي الاستعداد لمقاومة المراد من تلك الإرادة ، فإن المشركين ، بكثرة عددهم وعُددهم ، يريدون إحقاق الباطل ، وإرادة الله تنفذ بالرغم على كراهة المجرمين ، وأمّا مجرد الكراهة فليس صالحاً أن يكون غاية للمبالغة في أحوال نفوذ مراد الله تعالى إحقاقَ الحق : لأنه إحساس قاصر على صاحبه ، ولكنه إذا بعثه على مدافعة الأمر المكروه كانت أسباب المدافعة هي الغاية لنفوذ الأمر المكروه على الكاره .وتقدم الكلام على { لو } الاتصالية عند قوله تعالى : { ولو افتدى به } في سورة [ آل عمران : 91 ] وقوله تعالى : { أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً } في سورة [ البقرة : 170 ].
الآية 8 - سورة الأنفال: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون...)