سورة الأعراف: الآية 6 - فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن...

تفسير الآية 6, سورة الأعراف

فَلَنَسْـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـَٔلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ

الترجمة الإنجليزية

Falanasalanna allatheena orsila ilayhim walanasalanna almursaleena

تفسير الآية 6

فلنسألن الأمم الذي أرسل إليهم المرسلون: ماذا أجبتم رسلنا إليكم؟ ولنسْألَنَّ المرسلين عن تبليغهم لرسالات ربهم، وعمَّا أجابتهم به أممهم.

«فلنسألن الذين أرسل إليهم» أي الأمم عن إجابتهم الرسل وعملهم «ولنسألن المرسلين» عن الإبلاغ.

وقوله: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أي: لنسألن الأمم الذين أرسل اللّه إليهم المرسلين، عما أجابوا به رسلهم، وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ الآيات. وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ عن تبليغهم لرسالات ربهم، وعما أجابتهم به أممهم.

وقوله : ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ) الآية ، كقوله تعالى ( ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ) [ القصص : 65 ] وقوله : ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ) [ المائدة : 109 ] فالرب تبارك وتعالى يوم القيامة يسأل الأمم عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به ، ويسأل الرسل أيضا عن إبلاغ رسالاته; ولهذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في تفسير هذه الآية : ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) قال : يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين ، ويسأل المرسلين عما بلغوا . .وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، حدثنا أبو سعيد الكندي ، حدثنا المحاربي ، عن ليث ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام يسأل عن الرجل والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها ، والعبد يسأل عن مال سيده " قال الليث : وحدثني ابن طاوس ، مثله ، ثم قرأ : ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) .وهذا الحديث مخرج في الصحيحين بدون هذه الزيادة .

وبعد أن بين القرآن ما أصاب الظالمين من عذاب دنيوى. عقبه ببيان ما سيحل بهم من عذاب أخروى، فقال:فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ: فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ.والمراد بالذين أرسل إليهم جميع الأمم التي بلغتها دعوة الرسل، يسأل كل فرد منها عن رسوله إليه وعن تبليغه لدعوة الله، ويسأل المرسلون عن التبليغ منهم وعن إجابة أقوامهم لهم، وقد ورد ذلك في كثير من آيات القرآن. قال- تعالى-: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ؟ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.وقال تعالى: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ؟والمعنى: فلنسألن المرسل إليهم عما أجابوا به رسلهم الذين جاءوا لهدايتهم، ولنسألن المرسلين عما أجيبوا به من أقوامهم وعن تبليغهم لرسالات الله، ولنقصن على الرسل والمرسل إليهم كل ما وقع منهم عن علم دقيق وإحصاء شامل، لأننا لا يغيب عنا شيء من أحوالهم.وعطفت جملة فَلَنَسْئَلَنَّ على ما قبلها بالفاء، لأن هذا السؤال سيكون في الآخرة، وما ذكر قبل ذلك من عقوبات هو آخر أمرهم في الدنيا. فالآية الكريمة بيان لعذابهم الأخروى إثر بيان عذابهم الدنيوي.وأكد الخبر بلام القسم ونون التوكيد، لأن المخاطبين كانوا ينكرون البعث والجزاء.فإن قيل: قد أخبر الله عنهم قبل ذلك أنهم قالوا عند نزول العذاب بهم إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فلماذا يسألون يوم القيامة مع أنهم اعترفوا بظلمهم في الدنيا؟فالجواب: أنهم لما اعترفوا سئلوا بعد ذلك عن سبب هذا الظلم، والمقصود من هذا السؤال تقريعهم وتوبيخهم لكفرهم وعنادهم.فإن قيل: فما فائدة سؤال الرسل مع العلم بأنهم قد بلغوا الأمانة ونصحوا للأمة؟فالجواب من فوائده الرد على من أنكر من المشركين أن الرسل قد بلغوهم، فقد حكى القرآن أن بعضهم قال: ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ ومن فوائده- أيضا- مضاعفة الثواب لهؤلاء الرسل الكرام حيث إنهم قد بذلوا قصارى جهدهم في التبشير والإنذار، ولم يصدر عنهم تقصير قط. فسؤال المرسل إليهم إنما هو سؤال توبيخ وإفضاح، وسؤال المرسلين إنما هو سؤال استشهاد بهم وإفصاح.فإن قيل: هناك بعض الآيات تثبت أن المجرمين لن يسألوا يوم القيامة كما في قوله تعالى:وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ وكما في قوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ فكيف نجمع بين هذه الآيات التي تنفى السؤال والآيات التي تثبته كما في قوله:فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ؟فالجواب، أن في يوم القيامة مواقف متعددة، فقد يسألون في موقف الحساب ولا يسألون في موقف العقاب. أو أن المراد بالسؤال في قوله: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ التوبيخ والتقريع. والمنفي في قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ سؤال الاستعلام، أى أن المذنب لا يسأل يوم القيامة هل أذنبت أولا، لأن الله لا تخفى عليه خافية، وإنما يسأل: لم فعلت كذا؟ بعد أن يعرفه- سبحانه- بما فعله، ويؤيد هذا القول قوله- تعالى-: فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ

( فلنسألن الذين أرسل إليهم ) يعني : الأمم عن إجابتهم الرسل ، وهذا سؤال توبيخ لا سؤال استعلام ، يعني : لنسألهم عما عملوا فيما بلغتهم الرسل . ( ولنسألن المرسلين ) عن الإبلاغ .

قوله تعالى فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلينقوله تعالى فلنسألن الذين أرسل إليهم دليل على أن الكفار يحاسبون . وفي التنزيل ثم إن علينا حسابهم . وفي سورة القصص ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون يعني إذا استقروا في العذاب . والآخرة مواطن : موطن يسألون فيه للحساب . وموطن لا يسألون فيه . وسؤالهم تقرير وتوبيخ وإفضاح . وسؤال الرسل سؤال استشهاد بهم وإفصاح ; أي عن جواب القوم لهم . وهو معنى قوله : ليسأل الصادقين عن صدقهم على ما يأتي .وقيل : المعنى فلنسألن الذين أرسل إليهم أي الأنبياء ولنسألن المرسلين أي الملائكة الذين أرسلوا إليهم . واللام في فلنسألن لام القسم وحقيقتها التوكيد .

القول في تأويل قوله : فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لنسألن الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي: ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي؟ هل عملوا بما أمرتهم به، وانتهوا عما نهيتهم عنه، وأطاعوا أمري, أم عصوني فخالفوا ذلك؟ =(ولنسألن المرسلين)، يقول: ولنسألن الرسل الذين أرسلتهم إلى الأمم: هل بلغتهم رسالاتي، وأدَّت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليهم, أم قصّروا في ذلك ففرَّطوا ولم يبلغوهم؟.* * *وكذلك كان أهل التأويل يتأولونه.* ذكر من قال ذلك:14324- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين)، قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين, ويسأل المرسلين عما بلغوا.14325- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم) إلى قوله: (غائبين)، قال: يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون.14326- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين)، يقول فلنسألن الأمم: ما عملوا فيما جاءت به الرسل؟ ولنسألن الرسل: هل بلغوا ما أرسلوا به؟14327- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد: (فلنسألن الذين أرسل إليهم)، الأمم = ولنسألن الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه: هل بلغوا؟ (24)-------------------الهوامش :(24) الأثر : 14327 - (( أبو سعد المدني )) ، مضى في الأثر رقم : 14322 ، ولم أعرف من هو ، ولم أجد له ترجمة .

الفاء في قوله : { فلنسألن } عاطفة ، لِترتيب الأخبار لأنّ وجود لام القسم علامة على أنّه كلام أنُفٌ انتقال من خبر إلى خبر ، ومن قصة إلى قصة وهو انتقالٌ من الخبر عن حَالتهم الدنيوية إلى الخبر عن أحوالهم في الآخرة .وأكّد الخبر بلام القسم ونون التّوكيد لإزالة الشكّ في ذلك .وسؤال الذين أرسل إليهم سُؤال عن بلوغ الرّسالة . وهو سؤال تقريع في ذلك المحشر ، قال تعالى : { ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين } [ القصص : 65 ].وسؤال المرسلين عن تبليغهم الرّسالة سؤال إرهاب لأمُمِهم ، لأنّهم إذا سمعوا شهادة رسلهم عليهم أيقنوا بأنّهم مسوقون إلى العذاب ، وقد تقدّم ذلك في قوله : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } [ النساء : 41 ] وقوله { يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم } [ المائدة : 109 ].و { الذين أرسل إليهم } ، هم أمم الرّسل ، وعبّر عنهم بالموصول لما تدُلّ عليه الصّلة من التّعليل ، فإن فائدة الإرسال هي إجابة الرّسل ، فلا جرم أن يسأل عن ذلك المُرسَل إليهم ، ولمّا كان المقصود الأهمّ من السّؤال هو الأمم ، لإقامة الحجّة عليهم في استحقاق العقاب ، قُدّم ذكرهم على ذكر الرّسل ، ولما تدُلّ عليه صلة ( الذي ) وصلة ( ال ) من أنّ المسؤول عنه هو ما يتعلّق بأمر الرّسالةِ ، وهو سؤال الفريقين عن وقوع التّبليغ .ولَمَّا دلّ على هذا المعنى التّعبيرُ : ب { الذين أرسل إليهم } والتّعبيرُ : ب { المرسلين } لم يحتجّ إلى ذكر جواب المسؤولين لظهور أنّه إثبات التّبليغ والبلاغ .
الآية 6 - سورة الأعراف: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين...)