سورة العصر: الآية 1 - والعصر...

تفسير الآية 1, سورة العصر

وَٱلْعَصْرِ

الترجمة الإنجليزية

WaalAAasri

تفسير الآية 1

أقسم الله بالدهر على أن بني آدم لفي هلكة ونقصان. ولا يجوز للعبد أن يقسم إلا بالله، فإن القسم بغير الله شرك.

«والعصر» الدهر أو ما بعد الزوال إلى الغروب أو صلاة العصر.

أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم

تفسير سورة العصر وهي مكية .ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب [ لعنه الله ] وذلك بعد ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن يسلم عمرو فقال له مسيلمة : ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة ؟ قال لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة . فقال : وما هي ؟ فقال : " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال : وقد أنزل علي مثلها . فقال له عمرو : وما هو ؟ فقال : يا وبر يا وبر ، إنما أنت أذنان وصدر ، وسائرك حفز نقز . ثم قال : كيف ترى يا عمرو ؟ فقال له عمرو : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب .وقد رأيت أبا بكر الخرائطي أسند في كتابه المعروف ب " مساوي الأخلاق " ، في الجزء الثاني منه ، شيئا من هذا أو قريبا منه .والوبر : دويبة تشبه الهر ، أعظم شيء فيه أذناه ، وصدره وباقيه دميم . فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن ، فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزمان .وذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت عن عبد الله بن حصن [ أبي مدينة ] ، قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا ، لم يتفرقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر " سورة العصر " إلى آخرها ، ثم يسلم أحدهما على الآخر .وقال الشافعي رحمه الله : لو تدبر الناس هذه السورة ، لوسعتهم .العصر : الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم ، من خير وشر .وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : هو العشي ، والمشهور الأول .

تفسير سورة العصرمقدمة وتمهيد1- سورة «العصر» وتسمى سورة «والعصر» من السور المكية عند جمهور المفسرين، وكان نزولها بعد سورة «الانشراح» وقبل سورة «العاديات» فهي السورة الثالثة عشرة في ترتيب النزول.وقيل هي مدنية، والمعول عليه الأول، لأنه المنقول عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما، وعدد آياتها ثلاث آيات.2- وقد اشتملت على بيان من هم أهل الخسران، ومن هم أهل السعادة.قال الآلوسى: وهي على قصرها جمعت من العلوم ما جمعت، فقد روى عن الشافعى أنه قال: لو لم ينزل من القرآن غير هذه السورة لكفت الناس، لأنها شملت جميع علوم القرآن.وأخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب عن أبى حذيفة- وكانت له صحبة- أنه قال: كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقا، حتى يقرأ أحدهما على الآخر، سورة «والعصر» ثم يسلم أحدهما على الآخر ... أى: عند المفارقة .وللعلماء أقوال متعددة في المقصود بالعصر هنا فمنهم من يرى أن المقصود به: الدهر كله، لما فيه من العبر التي تدل دلالة واضحة على عظيم قدرة الله- تعالى-، ولما فيه من الأحداث التي يراها الناس بأعينهم، ويعرفونها عن غيرهم ...فهم يرون ويسمعون كم من غنى قد صار فقيرا، وقوى قد صار ضعيفا، ومسرور قد أصبح حزينا ... ورحم الله القائل:أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الغداة ومر العشىقال القرطبي: قوله- تعالى-: وَالْعَصْرِ أى: الدهر، قال ابن عباس وغيره.فالعصر مثل الدهر ... وأقسم به- سبحانه- لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها ...ومنهم من يرى أن المقصود به: وقت صلاة العصر، وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره لهذه الآية بهذا الرأى فقال: أقسم- سبحانه- بصلاة العصر لفضلها، بدليل قوله- تعالى-: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى - وهي صلاة العصر-، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» ولأن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار ... .ومنهم من يرى أن المراد بالعصر هنا: عصر النبوة. لأفضليته بالنسبة لما سبقه من عصور.وقد رجح الإمام ابن جرير القول الأول فقال: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر، والعصر اسم الدهر، وهو العشى، والليل والنهار ....

مكية( والعصر ) قال ابن عباس : والدهر . قيل : أقسم به لأن فيه عبرة للناظر . وقيل : معناه ورب العصر ، وكذلك في أمثاله . وقال ابن كيسان : أراد بالعصر الليل والنهار ، يقال لهما العصران . وقال الحسن : من بعد زوال الشمس إلى غروبها . وقال قتادة : آخر ساعة من ساعات النهار . وقال مقاتل : أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى .

تفسير سورة والعصروهي مكية . وقال قتادة مدنيةوروي عن ابن عباس . وهي ثلاث آياتبسم الله الرحمن الرحيموالعصرفيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : والعصر أي الدهر ; قاله ابن عباس وغيره . فالعصر مثل الدهر ; ومنه قول الشاعر :سبيل الهوى وعر وبحر الهوى غمر ويوم الهوى شهر وشهر الهوى دهرأي عصر .أقسم الله به - عز وجل - ; لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها ، وما فيها من الدلالة على الصانع . وقيل : العصر : الليل والنهار . قال حميد بن ثور :ولن يلبث العصران : يوم وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمماوالعصران أيضا : الغداة والعشي . قال :وأمطله العصرين حتى يملني ويرضى بنصف الدين والأنف راغميقول : إذا جاءني أول النهار وعدته آخره . وقيل : إنه العشي ، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها ; قاله الحسن وقتادة . ومنه قول الشاعر :تروح بنا يا عمرو قد قصر العصر وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجروعن قتادة أيضا : هو آخر ساعة من ساعات النهار . وقيل : هو قسم بصلاة العصر ، وهي الوسطى ; لأنها أفضل الصلوات ; قاله مقاتل . يقال : أذن للعصر ، أي لصلاة العصر . وصليت العصر ; أي صلاة العصر . وفي الخبر الصحيح الصلاة الوسطى صلاة العصر . وقد مضى في سورة ( البقرة ) بيانه . وقيل : هو قسم بعصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لفضله بتجديد النبوة فيه . وقيل : معناه ورب العصر .الثانية : قال مالك : من حلف ألا يكلم رجلا عصرا : لم يكلمه سنة . قال ابن العربي : إنما حمل مالك يمين الحالف ألا يكلم امرأ عصرا على السنة ; لأنه أكثر ما قيل فيه ، وذلك على أصله في تغليظ المعنى في الأيمان . وقال الشافعي : يبر بساعة ; إلا أن تكون له نية ، وبه أقول ; إلا أن يكون الحالف عربيا ، فيقال له : ما أردت ؟ فإذا فسره بما يحتمله قبل منه ، إلا أن يكون الأقل ، ويجيء على مذهب مالك أن يحمل على ما يفسر . والله أعلم .

القول في تأويل قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه: وَالْعَصْرِ (1)اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( وَالْعَصْرِ ) فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالدهر، فقال: العصر: هو الدهر.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( وَالْعَصْرِ ) قال: العصر: ساعة من ساعات النهار.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن ( وَالْعَصْرِ ) قال: هو العشيّ.والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر ( وَالْعَصْرِ ) اسم للدهر، وهو العشيّ والليل والنهار، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم، فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه.

وَالْعَصْرِ (1) أقسم الله تعالى بالعصر قسماً يراد به تأكيد الخبر كما هو شأن أقسام القرآن .والمقسَم به من مظاهر بديع التكوين الرباني الدال على عظيم قدرته وسعة علمه .وللعصر معاننٍ يتعين أن يَكون المراد منها لا يعدو أن يكون حالة دالة على صفة من صفات الأفعال الربانية ، يتعين إما بإضافته إلى ما يُقدر ، أو بالقرينة ، أو بالعهد ، وأيَّاً ما كان المرادُ منه هنا فإن القسم به باعتبار أنه زمن يذكِّر بعظيم قدرة الله تعالى في خلق العالم وأحواله ، وبأمور عظيمة مباركة مثل الصلاة المخصوصة أو عصرٍ معين مبارك .وأشهر إطلاق لفظ العصر أنه علَم بالغلبة لوقتتٍ ما بين آخر وقت الظهر وبين اصفرار الشمس فمبدؤه إذا صار ظل الجسم مثلَه بعد القَدْر الذي كان عليه عند زوال الشمس ويمتد إلى أن يصير ظلُّ الجسم مثلَيْ قدرِه بعد الظل الذي كان له عند زوال الشمس . وذلك وقت اصفرار الشمس ، والعصر مبدأ العشيّ . ويعقبه الأصيل والاحمرار وهو ما قبل غروب الشمس ، قال الحارث بن حِلزة :آنستْ نبأة وأفزَعها القَنَّ ... اصُ عَصراً وقَدْ دَنَا الإِمساءفذلك وقت يؤذن بقرب انتهاء النهار ، ويذكر بخلقة الشمس والأرض ، ونظام حركة الأرض حول الشمس ، وهي الحركة التي يتكون منها الليل والنهار كل يوم وهو من هذا الوجه كالقسم بالضحى وبالليل والنهار وبالفجر من الأحوال الجوية المتغيرة بتغير توجه شعاع الشمس نحو الكرة الأرضية .وفي ذلك الوقت يتهيأ الناس للانقطاع عن أعمالهم في النهار كالقيام على حقولهم وجنَّاتهم ، وتجاراتهم في أسواقهم ، فيذكر بحكمة نظام المجتمع الإِنساني وما ألهم الله في غريزته من دأب على العمل ونظاممٍ لابتدائه وانقطاعه . وفيه يتحفز الناس للإِقبال على بيوتهم لمبيتهم والتأنس بأهليهم وأولادهم . وهو من النعمة أو من النعيم ، وفيه إيماء إلى التذكير بمَثَل الحياة حين تدنو آجال الناس بعد مضي أطوار الشباب والاكتهال والهَرم .وتعريفه باللام على هذه الوجوه تعريف العهد الذهني أي كل عَصْر .ويطلق العصر على الصلاة الموقتة بوقت العَصر . وهي صلاة معظمة . قيل : هي المراد بالوسطى في قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } [ البقرة : 238 ] . وجاء في الحديث : « من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه » . وورد في الحديث الصحيح : « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة » فذَكَر « ورجل حلف يميناً فاجرة بعد العصر على سلعة لقد أعطي بها ما لم يُعْطَ » وتعريفه على هذا تعريف العهد وصار علَماً بالغلبة كما هو شأن كثير من أسماء الأجناس المعرفة باللام مثل العَقَبَة .ويطلق العصر على مدة معلومة لوجود جِيل من الناس ، أو مَلِك أو نبيء ، أو دين ، ويعيَّن بالإِضافة ، فيقال : عصر الفِطَحْل ، وعصر إبراهيم ، وعصر الإِسكندر ، وعصر الجاهلية ، فيجوز أن يكون مراد هذا الإِطلاق هنا ويكون المعنيّ به عصرَ النبي صلى الله عليه وسلم والتعريف فيه تعريف العهد الحضوري مثل التعريف في ( اليوم ) من قوْلك : فعلت اليوم كذا ، فالقسم به كالقسم بحياته في قوله تعالى :{ لعمرك } [ الحجر : 72 ] . قال الفخر : فهو تعالى أقسم بزمانه في هذه الآية وبمكانه في قوله تعالى : { وأنت حل بهذا البلد } [ البلد : 2 ] وبعمره في قوله : { لعمرك } . اه .ويجوز أن يراد عصر الإِسلام كلِه وهو خاتمة عصور الأديان لهذا العالم وقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم عصر الأمة الإِسلامية بالنسبة إلى عصر اليهود وعصر النصارى بما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس بقوله : « مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر أجراء يعملون له يوماً إلى الليل فعملت اليهود إلى نصف النهار ثم قالوا : لا حاجة لنا إلى أجرك وما عملنا باطل ، واستأجر آخرين بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا : لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلتَ لنا ، واستأجر قوماً أن يعملوا بقيةَ يومهم فعملوا حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما فأنتم هُم » . فلعل ذلك التمثيل النبوي له اتصال بالرمز إلى عصر الإِسلام في هذه الآية .ويجوز أن يفسر العصر في هذه الآية بالزمان كله ، قال ابن عطية : قال أبي بن كعب : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال : أقسم ربكم بآخر النهار . وهذه المعاني لا يفي باحتمالها غير لفظ العصر .ومناسبة القَسَم بالعَصر لغرض السورة على إرادة عصر الإِسلام ظاهرة فإنها بينت حال الناس في عصر الإِسلام بين مَن كفر به ومن آمن واستوفى حظه من الأعمال التي جاء بها الإِسلام ، ويعرف منه حالُ من أسلموا وكان في أعمالهم تقصير متفاوت ، أما أحوال الأمم التي كانت قبل الإِسلام فكانت مختلفة بحسب مجيء الرسل إلى بعض الأمم ، وبقاء بعض الأمم بدون شرائع متمسكة بغير دين الإِسلام من الشرك أو بدين جاء الإِسلام لنسخه مثل اليهودية والنصرانية قال تعالى : { من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } في سورة آل عمران ( 85 ) .وتعريف الإنسان } تعريف الجنس مراد به الاستغراق وهو استغراق عرفي لأنه يستغرق أفراد النوع الإِنساني الموجودين في زمن نزول الآية وهو زمن ظهور الإِسلام كما علمت قريباً . ومخصوص بالناس الذين بلغتهم الدعوة في بلاد العالم على تفاوتها . ولما استُثني منه الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقي حكمه متحققاً في غير المؤمنين كما سيأتي . . .والخُسر : مصدر وهو ضد الربح في التجارة ، استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظن لنفسه عاقبةً حسنة ، وتلك هي العاقبة الدائمة وهي عاقبة الإِنسان في آخرته من نعيم أو عذاب .وقد تقدم في قوله تعالى { فما ربحت تجارتهم } في سورة البقرة ( 16 ) وتكررت نظائره من القرآن آنفاً وبَعيداً .
الآية 1 - سورة العصر: (والعصر...)