سورة البلد: الآية 16 - أو مسكينا ذا متربة...

تفسير الآية 16, سورة البلد

أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ

الترجمة الإنجليزية

Aw miskeenan tha matrabatin

تفسير الآية 16

أو إطعام في يوم ذي مجاعة شديدة، يتيمًا من ذوي القرابة يجتمع فيه فضل الصدقة وصلة الرحم، أو فقيرًا معدمًا لا شيء عنده.

«أو مسكينا ذا متربة» لصوق بالتراب لفقره، وفي قراءة بدل الفعلين مصدران مرفوعان مضاف الأول لرقبة وينون الثاني فيقدر قبل العقبة اقتحام، والقراءة المذكورة بيانه.

أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ أي: قد لزق بالتراب من الحاجة والضرورة.

وقوله : ( أو مسكينا ذا متربة ) أي : فقيرا مدقعا لاصقا بالتراب ، وهو الدقعاء أيضا .قال ابن عباس : ( ذا متربة ) هو المطروح في الطريق الذي لا بيت له ، ولا شيء يقيه من التراب - وفي رواية : هو الذي لصق بالدقعاء من الفقر والحاجة ، ليس له شيء - وفي رواية عنه : هو البعيد التربة .قال ابن أبي حاتم : يعني الغريب عن وطنه .وقال عكرمة : هو الفقير المديون المحتاج .وقال سعيد بن جبير : هو الذي لا أحد له .وقال ابن عباس ، وسعيد ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان : هو ذو العيال .وكل هذه قريبة المعنى .

وقوله- سبحانه-: يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ بيان لفضيلة ثالثة من الفضائل التي تؤدى إلى رضا الله- تعالى-.وقوله: يَتِيماً منصوب على أنه مفعول به لقوله «إطعام» أو أطعم على القراءة الثانية. واليتيم: هو الشخص الذي مات أبوه وهو صغير..والمقربة: بمعنى القرابة، مصدر ميمى، من قرب فلان من فلان، إذا كان بينهما نسب قريب..والمتربة: الحاجة والافتقار الشديد، مصدر ميمى من ترب الرجل- كطرب- إذا افتقر، حتى لكأنه قد لصق بالتراب من شدة الفقر، وأنه ليس له مأوى سوى التراب.وأما قولهم: أترب فلان، فمعناه استغنى، حتى لكأن ماله قد صار كالتراب من كثرته.أى: اقتحام العقبة من أكبر مظاهره: فك الرقاب، وإطعام الطعام لليتامى الأقارب، وللمساكين المحتاجين إلى العون والمساعدة.وخص- سبحانه- الإطعام بكونه في يوم ذي مجاعة، لأن إخراج المال في وقت القحط، أثقل على النفس، وأوجب لجزيل الأجر، كما قال- تعالى-: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.وقيد- سبحانه- اليتيم بكونه ذا مقربة، لأنه في هذه الحالة يكون له حقان: حق القرابة، وحق اليتم، ومن كان كذلك فهو أولى بالمساعدة من غيره.

"أو مسكيناً ذا متربة"، قد لصق بالتراب من فقره وضره. وقال مجاهد عن ابن عباس: هو المطروح في التراب لا يقه شيء. و المتربة مصدر ترب يترب ترباً ومتربة، إذا افتقر.

قوله تعالى : أو مسكينا ذا متربة أي لا شيء له ، حتى كأنه قد لصق بالتراب من الفقر ، ليس له مأوى إلا التراب . قال ابن عباس : هو المطروح على الطريق ، الذي لا بيت له . مجاهد : هو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره . وقال قتادة : إنه ذو العيال . عكرمة : المديون . أبو سنان : ذو الزمانة . ابن جبير : الذي ليس له أحد . وروى عكرمة عن ابن عباس : ذو المتربة البعيد التربة يعني الغريب البعيد عن وطنه . وقال أبو حامد الخارزنجي : المتربة هنا : من التريب وهي شدة الحال . يقال ترب : إذا افتقر . قال الهذلي :وكنا إذا ما الضيف حل بأرضنا سفكنا دماء البدن في تربة الحالوقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي : ( فك ) بفتح الكاف ، على الفعل الماضي . ( رقبة ) نصبا لكونها مفعولا ( أو أطعم ) بفتح الهمزة ونصب الميم ، من غير ألف ، على الفعل الماضي أيضا لقوله : ثم كان من الذين آمنوا فهذا أشكل ب فك أو إطعام . وقرأ الباقون : فك رفعا ، على أنه مصدر فككت . رقبة خفض بالإضافة . أو إطعام بكسر الهمزة وألف ورفع الميم وتنوينها على المصدر أيضا . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ; لأنه تفسير لقوله تعالى : وما أدراك ما العقبة ؟ ثم أخبره فقال : فك رقبة أو إطعام . المعنى : اقتحام العقبة : فك رقبة أو إطعام . ومن قرأ بالنصب فهو محمول على المعنى أي ولا فك رقبة ، ولا أطعم في يوم ذا مسغبة فكيف يجاوز العقبة . وقرأ الحسن وأبو رجاء : ذا مسغبة بالنصب على أنه مفعول إطعام أي يطعمون ذا مسغبة ويتيما بدل منه . الباقون ذي مسغبة فهو صفة ليوم . ويجوز أن يكون قراءة النصب صفة لموضع الجار والمجرور ; لأن قوله : في يوم ظرف منصوب الموضع ، فيكون وصفا له على المعنى دون اللفظ .

وقوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( ذَا مَتْرَبَةٍ ) فقال بعضهم: عُنِيَ بذلك: ذو اللصوق بالتراب.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، قال: أخبرني المُغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: الذي ليس له مأوى إلا التراب.حدثنا مطرِّف بن محمد الضبيّ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شعبة، عن المُغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن حُصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قول الله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: الذي لا يُواريه إلا التراب.حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو عاصم، عن شعبة، عن المُغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس ( ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: الذي ليس له مَأوًى إلا التراب.حدثنا ابن حميد، قال: ثني جرير، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس ( مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: الذي ليس له مَأوًى إلا التراب.قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: المسكين؛ المطروح في التراب.حدثني أبو حصين قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عَبْثَرٌ، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، قوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: الذي لا يقيه من التراب شيء.حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا حصين والمغيرة كلاهما، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال في قوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: هو اللازق بالتراب من شدّة الفقر.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: التراب الملقى على الطريق على الكُناسة.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا طَلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: هو المسكين الملقى بالطريق بالتراب.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: المطروح في الأرض، الذي لا يقيه شيء دون التراب.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: هو المُلزق بالأرض، لا يقيه شيء من التراب.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حصين وعثمان بن المُغيرة، عن مجاهد عن ابن عباس ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال الذي ليس له شيء يقيه من التراب.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: ساقط في التراب.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن جعفر بن برقان، قال: سمع عكرِمة ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: الملتزق بالأرض من الحاجة.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عكرِمة، في قوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: التراب اللاصق بالأرض.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عثمان بن المُغيرة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: المُلقى في الطريق الذي ليس له بيت إلا التراب.وقال آخرون: بل هو المحتاج، كان لاصقا بالتراب، أو غير لاصق؛ وقالوا: إنما هو من قولهم: تَرِب الرجل: إذا افتقر.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) يقول: شديد الحاجة.حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن عكرِمة، في قوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: هو المحارَف الذي لا مال له.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: ذا حاجة، الترب: المحتاج.وقال آخرون: بل هو ذو العيال الكثير الذين قد لصقوا بالتراب من الضرّ وشدّة الحاجة.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) يقول: مسكين ذو بنين وعيال، ليس بينك وبينه قرابة.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر بن أبي المُغيرة، عن سعيد بن جُبير، في قوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) قال: ذا عِيال.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) كنا نحدّث أن الترب هو ذو العيال الذي لا شيء له.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ) ذا عيال لاصقين بالأرض، من المسكنة والجهد.وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال: عُنِيَ به: أو مسكينا قد لصق بالتراب من الفقر والحاجة؛ لأن ذلك هو الظاهر من معانيه. وأن قوله: ( مَتْرَبَةٍ ) إنما هي" مَفْعَلةٍ " من ترب الرجل: إذا أصابه التراب.

أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) والمسكين : الفقير ، وتقدم في سورة البقرة ( 184 ) عند قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين وذا متربة } صفة لمسكين جعلت المتربة علامة على الاحتياج بحسب العرف .والمَتربة مصدر بوزن مفْعَلة أيضاً وفعِله تَرِب يقال : ترب ، إذا نام على التراب أي لم يكن له ما يفترشه على الأرض ، وهو في الأصل كناية عن العُروِّ من الثياب التي تحول بين الجسد والأرض عند الجلوس والاضطجاع وقريب منه قولهم في الدعاء : تَرِبت يمينك : وتربَت يداك .و { أو } للتقسيم وهو معنى من معاني ( أو ) جاء من إفادة التخيير .واعلم أنه إن كان المراد بالإنسان الجنس المخصوص ، أي المشركين كان نفي فكّ الرقاب والإِطعام كنايةً عن انتفاء تحلّيهم بشرائع الإِسلام لأن فكّ الرقاب وإطعام الجياع من القُربات التي جاء بها الإِسلام من إطعام الجياع والمحاويج وفيه تعريض بتعيير المشركين بأنهم إنما يحبون التفاخر والسمعة وإرضاء أنفسهم بذلك ، أو لمؤانسة الأخلاّء وذلك غالب أحوالهم ، أي لم يطعموا يتيماً ولا مسكيناً في يوم مسغبة ، أي هو الطعام الذي يرضاه الله لأن فيه نفع المحتاجين من عباده . وليس مثل إطعامكم في المآدب والولائم والمنادمة التي لا تعود بالنفع على المطعَمين لأن تلك المطاعم كانوا يدْعُون لها أمثالهم من أهل الجِدّة دون حاجة إلى الطعام وإنما يريدون المؤانسة أو المفاخرة .وفي حديث مسلم " شر الطعام طعامُ الوليمة يُمْنَعْها من يأتيها ويُدعى إليها من يأباها " وروى الطبراني : " شرّ الطعام طعام الوليمة يُدعى إليه الشَّبْعان ويُحبس عنه الجائع " .وإن كان المراد من الإِنسان واحداً معيناً جاز أن يكون المعنى على نحو ما تقدم ، وجاز أن يكون ذَمّاً له باللّؤْم والتفاخرِ الكاذب ، وفضحاً له بأنه لم يسبق منه عمل نافع لقومه قبل الإِسلام فلم يغرم غرامة في فَكاك أسير أو مأخوذٍ بدم أو مَنّ بحُرية على عبدٍ .وأيَّاَ مَّا كان فليس في الآية دلالة على أن الله كلف المشركين بهذه القرب ولا أنه عاقبهم على تركهم هذه القربات ، حتى تفرض فيه مسألة خطاب الكفار بفروع الشريعة وهي مسألة قليلة الجدوى وفرضها هنا أقل إجداء .وجملة : { ثم كان من الذين آمنوا } عطف على جملة { فلا اقتحم العقبة } .و { ثم } للتراخي الرتبي فتدل على أن مضمون الجملة المعطوفة بها أرقى رتبة في الغرض المسوق له الكلام من مضمون الكلام المعطوفة عليه ، فيصير تقدير الكلام : فلا اقتحم العقبة بفكّ رقبة أو إطعاممٍ بعد كونه مؤمناً . وفي فعل { كان } إشعار بأن إيمانه سابق على اقتحام العقبة المطلوبة فيه بطريقة التوبيخ على انتفائها عنه .
الآية 16 - سورة البلد: (أو مسكينا ذا متربة...)