سورة الفجر: الآية 10 - وفرعون ذي الأوتاد...

تفسير الآية 10, سورة الفجر

وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلْأَوْتَادِ

الترجمة الإنجليزية

WafirAAawna thee alawtadi

تفسير الآية 10

وكيف فعل بفرعون مَلِك "مصر"، صاحب الجنود الذين ثبَّتوا مُلْكه، وقوَّوا له أمره؟

«وفرعون ذي الأوتاد» كان يتد أربعة أوتاد يشد إليها يدي ورجلي من يعذبه.

وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَاد أي: [ذي] الجنود الذين ثبتوا ملكه، كما تثبت الأوتاد ما يراد إمساكه بها.

وقوله : ( وفرعون ذي الأوتاد ) قال العوفي ، عن ابن عباس : الأوتاد : الجنود الذين يشدون له أمره . ويقال : كان فرعون يوتد أيديهم وأرجلهم في أوتاد من حديد يعلقهم بها . وكذا قال مجاهد : كان يوتد الناس بالأوتاد . وهكذا قال سعيد بن جبير ، والحسن ، والسدي . قال السدي : كان يربط الرجل ، كل قائمة من قوائمه في وتد ثم يرسل عليه صخرة عظيمة فتشدخه .وقال قتادة : بلغنا أنه كانت له مطال وملاعب ، يلعب له تحتها ، من أوتاد وحبال .وقال ثابت البناني ، عن أبي رافع : قيل لفرعون ( ذي الأوتاد ) ; لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتاد ، ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت .

والمراد بفرعون هنا: هو وقومه. والمراد بالأوتاد: الجنود والعساكر الذين يشدون ملكه ويقوونه، كما تشد الخيام وتقوى بالأوتاد.قال الآلوسى: وصف فرعون بذلك لكثرة جنوده وخيامهم، التي يضربون أوتادها في منازلهم، أو لأنه كان يدق لمن يريد تعذيبه أربعة أوتاد، ويشده بها.. .وقال بعض العلماء: ووصف فرعون بذي الأوتاد، لأن مملكته كانت تحتوى على الأهرامات، التي بناها أسلافه، لأن صورة الهرم على الأرض تشبه الوتد المدقوق، ويجوز أن يكون المراد بالأوتاد: التمكن والثبات على سبيل الاستعارة، أى: ذي القوة.. .وقال صاحب الظلال: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ وهي على الأرجح الأهرامات، التي تشبه الأوتاد الثابتة في الأرض المتينة البنيان، وفرعون المشار إليه هنا، هو فرعون الطاغية الجبار، الذي أرسل الله- تعالى- إليه موسى- عليه السلام-.. .والمعنى: لقد علمت- أيها الرسول الكريم- وعلم معك كل من هو أهل للخطاب، ما فعله ربك بقبيلة عاد، التي جدها إرم بن سام بن نوح، والتي كانت صاحبة أعمدة عظيمة ترفع عليها بيوتها، والتي لم يخلق في بلادها مثلها في القوة والغنى.وعلمت- أيضا- ما فعله ربك بقوم ثمود، الذين قطعوا صخر الجبال، واتخذوا منها بيوتا بوادي قراهم، التي ما زالت معروفة.وعلمت- كذلك- ما فعلناه بفرعون صاحب المبانى القوية الفخمة وصاحب الجنود والعساكر الذين يشدون ملكه.

( وفرعون ذي الأوتاد ) سمي بذلك لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد ، وقد ذكرناه في سورة ( ص ) .أخبرنا أبوسعيد الشريحي ، أخبرنا أبوإسحاق الثعلبي ، أخبرنا ابن فنجويه ، حدثنا مخلد بن جعفر ، حدثنا الحسين بن علويه ، حدثنا إسماعيل بن عيسى ، حدثنا إسحاق بن بشر عن ابن سمعان عن عطاء عن ابن عباس : أن فرعون إنما سمي " ذي الأوتاد " لأنه كانت امرأة ، وهي امرأة خازن فرعون حزبيل وكان مؤمنا كتم إيمانه مائة سنة ، وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون ، فبينما هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها ، فقالت : تعس من كفر بالله ، فقالت بنت فرعون : وهل لك من إله غير أبي ؟ فقالت : إلهي وإله أبيك وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له ، فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ قالت : الماشطة امرأة خازنك تزعم أن إلهك وإلهها وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له . فأرسل إليها فسألها عن ذلك ، فقالت : صدقت ، فقال لها : ويحك اكفري بإلهك وأقري بأني إلهك ، قالت : لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ، ثم أرسل عليها الحيات والعقارب ، وقال لها : اكفري بإلهك وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين ، فقالت له : ولو عذبتني سبعين شهرا ما كفرت بالله . وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على قرب منها . وقال لها : اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على قلبك ، وكانت رضيعا ، فقالت : لو ذبحت من على وجه الأرض على في ما كفرت بالله - عز وجل - ، فأتى بابنتها الصغرى فلما أضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة ، فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت ، وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالا وقالت : يا أماه لا تجزعي فإن الله قد بنى لك بيتا في الجنة . اصبري فإنك تفضين إلى رحمة الله وكرامته ، فذبحت فلم تلبث أن ماتت فأسكنها الله الجنة ، قال : وبعث في طلب زوجها حزبيل فلم يقدروا عليه ، فقيل لفرعون : إنه قد رئي في موضع كذا وكذا في جبل كذا ، فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلي ويليه صفوف من الوحوش خلفه يصلون ، فلما رأيا ذلك انصرفا ، فقال حزبيل : اللهم إنك تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة ، ولم يظهر علي أحد ، فأيما هذين الرجلين كتم علي فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤله ، وأيما هذين الرجلين أظهر علي فعجل عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار ، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن ، وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رءوس الملأ فقال له فرعون : وهل كان معك غيرك ؟ قال : نعم فلان ، فدعا به فقال : أحق ما يقول هذا ؟ قال : لا ما رأيت مما قال شيئا فأعطاه فرعون وأجزل ، وأما الآخر فقتله ، ثم صلبه .قال : وكان فرعون قد تزوج امرأة من نساء بني إسرائيل يقال لها " آسية بنت مزاحم " فرأت ما صنع فرعون بالماشطة ، فقالت : وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي به فرعون ، وأنا مسلمة وهو كافر ؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبا منها ، فقالت : يا فرعون أنت شر الخلق وأخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها ، قال : فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت : ما بي من جنون ، وإن إلهي وإلهها وإلهك وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له ، فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما ، فقال لهما : ألا تريان أن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها ؟ قالت : أعوذ بالله من ذلك ، إني أشهد أن ربي وربك ورب السماوات والأرض واحد لا شريك له ، فقال لها أبوها : يا آسية ألست من خير نساء [ العماليق ] وزوجك إله العماليق ؟ قالت أعوذ بالله من ذلك ، إن كان ما يقول حقا فقولا له أن يتوجني تاجا تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله ، فقال لهما فرعون : اخرجا عني ، فمدها بين أربعة أوتاد يعذبها ، ففتح الله لها بابا إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون ، فعند ذلك قالت : " رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين " ( التحريم - 11 ) فقبض الله روحها وأسكنها الجنة .

قوله تعالى : وفرعون ذي الأوتادأي الجنود والعساكر والجموع والجيوش التي تشد ملكه قاله ابن عباس . وقيل : كان يعذب الناس بالأوتاد ، ويشدهم بها إلى أن يموتوا تجبرا منه وعتوا . وهكذا فعل بامرأته آسية وماشطة ابنته حسب ما تقدم في آخر سورة ( التحريم ) . وقال عبد الرحمن بن زيد : كانت له صخرة ترفع بالبكرات ، ثم يؤخذ الإنسان فتوتد له أوتاد الحديد ، ثم يرسل تلك الصخرة عليه فتشدخه . وقد مضى في سورة ( ص ) من ذكر أوتاده ما فيه كفاية . والحمد لله .

وقوله: ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ ) يقول جلّ ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك أيضا بفرعون صاحب الأوتاد.واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( ذِي الأوْتَادِ ) ولم قيل له ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ذي الجنود الذي يقوّون له أمره، وقالوا: الأوتاد في هذا الموضع: الجنود.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ ) قال: الأوتاد: الجنود الذين يشدّون له أمره، ويقال: كان فرعون يُوتِد في أيديهم وأرجلهم أوتادًا من حديد، يعلقهم بها.وقال آخرون: بل قيل له ذلك لأنه كان يُوتِد الناس بالأوتاد.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( ذِي الأوْتَادِ ) قال: كان يوتد الناس بالأوتاد.وقال آخرون: كانت مظالّ وملاعب يلعب له تحتها.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ ) ذُكر لنا أنها كانت مظال وملاعب يلعب له تحتها من أوتاد وحبال.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( ذِي الأوْتَادِ ) قال: ذي البناء كانت مظال يلعب له تحتها، وأوتادا تضرب له.قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ثابت البناني، عن أبي رافع، قال: أوتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد، ثم جعل على ظهرها رحا عظيمة حتى ماتت.وقال آخرون: بل ذلك لأنه كان يعذّب الناس بالأوتاد.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن محمود، عن سعيد بن جُبير ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ ) قال: كان يجعل رجلا هاهنا ورجلا هاهنا، ويدا هاهنا ويدا هاهنا بالأوتاد.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( ذِي الأوْتَادِ ) قال: كان يوتد الناس بالأوتاد.وقال آخرون: إنما قيل ذلك لأنه كان له بنيان يعذّب الناس عليه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن رجل، عن سعيد بن جُبير ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ ) قال: كان له منَارات يعذّبهم عليها.وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: عُنِيَ بذلك: الأوتاد التي تُوتَد، من خشب كانت أو حديد، لأن ذلك هو المعروف من معاني الأوتاد، ووصف بذلك لأنه إما أن يكون كان يعذّب الناس بها، كما قال أبو رافع وسعيد بن جُبير، وإما أن يكون كان يُلعب له بها.

وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) والمراد ب { فرعون } هو وقومه .ووصف { ذي الأوتاد } لأن مملكته كانت تحتوي على الأهرام التي بناها أسلافه لأن صورة الهرم على الأرض تشبه الوتد المدقوق ، ويجوز أن يكون الأوتاد مستعاراً للتمكن والثبات ، أي ذي القوة على نحو قوله : { ذات العماد } ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذُو الأوتاد } في ص ( 12 ) .
الآية 10 - سورة الفجر: (وفرعون ذي الأوتاد...)