سورة الفجر: الآية 6 - ألم تر كيف فعل ربك...

تفسير الآية 6, سورة الفجر

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ

الترجمة الإنجليزية

Alam tara kayfa faAAala rabbuka biAAadin

تفسير الآية 6

ألم تر -أيها الرسول- كيف فعل ربُّك بقوم عاد، قبيلة إرم، ذات القوة والأبنية المرفوعة على الأعمدة، التي لم يُخلق مثلها في البلاد في عِظَم الأجساد وقوة البأس؟

«ألم ترَ» تعلم يا محمد «كيف فعل ربك بعاد».

يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ بقلبك وبصيرتك كيف فعل بهذه الأمم الطاغية

ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد ) وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين ، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله ، جاحدين لكتبه . فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم ، وجعلهم أحاديث وعبرا ، فقال : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ) وهؤلاء عاد الأولى ، وهم أولاد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ، قاله ابن إسحاق وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا ، عليه السلام ، فكذبوه وخالفوه ، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم ، وأهلكهم بريح صرصر عاتية ، ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ) [ الحاقة : 7 ، 8 ] وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع ، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون .

ثم ذكر- سبحانه- على سبيل الاستشهاد، ما أنزله من عذاب مهين، بالأقوام المكذبين. فقال- تعالى-: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ.والاستفهام في قوله: أَلَمْ تَرَ.. للتقرير، والرؤية: علمية، تشبيها للعلم اليقيني بالرؤية في الوضوح والانكشاف، لأن أخبار هذه الأمم كانت معلومة للمخاطبين.ويجوز أن تكون الرؤية بصرية، لكل من شاهد آثار هؤلاء الأقوام البائدين..والمراد بعاد: تلك القبيلة المشهورة بهذا الاسم، والتي كانت تسكن الأحقاف، وهو مكان في جنوب الجزيرة العربية، معروف للعرب، قال- تعالى-: وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.سموا بذلك نسبة إلى أبيهم عاد بن عوص، بن إرم، بن سام، بن نوح- عليه السلام-

واعترض بين القسم وجوابه قوله - عز وجل - : ( ألم تر ) قال الفراء : ألم تخبر ؟ وقال الزجاج : ألم تعلم ؟ ومعناه التعجب . ( كيف فعل ربك بعاد)

قوله تعالى : ألم تر كيف فعل ربك بعادقوله تعالى : ألم تر كيف فعل ربك أي مالكك وخالقك . بعاد إرم قراءة العامة بعاد منونا . وقرأ الحسن وأبو العالية بعاد إرم مضافا . فمن لم يضف جعل إرم اسمه ، ولم يصرفه ; لأنه جعل عادا اسم أبيهم ، وإرم اسم القبيلة وجعله بدلا منه ، أو عطف بيان . ومن قرأه بالإضافة ولم يصرفه جعله اسم أمهم ، أو اسم بلدتهم . وتقديره : بعاد أهل إرم . كقوله : واسأل القرية ولم تنصرف - قبيلة كانت أو أرضا - للتعريف والتأنيث . وقراءة العامة إرم بكسر الهمزة . وعن الحسن أيضا بعاد إرم مفتوحتين ، وقرئ ( بعاد إرم ) بسكون الراء ، على التخفيف كما قرئ بورقكم . وقرئ ( بعاد إرم ذات العماد ) بإضافة إرم - إلى - ذات العماد . والإرم : العلم . أي بعاد أهل ذات العلم . وقرئ بعاد أرم ذات العماد أي جعل الله ذات العماد رميما . وقرأ مجاهد والضحاك وقتادة ( أرم ) بفتح الهمزة . قال مجاهد : من قرأ بفتح الهمزة شبههم بالآرام ، التي هي الأعلام ، واحدها : أرم . وفي الكلام تقديم وتأخير أي والفجر وكذا وكذا إن ربك لبالمرصاد ألم تر . أي ألم ينته علمك إلى ما فعل ربك بعاد . وهذه الرؤية رؤية القلب ، والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد عام . وكان أمر عاد وثمود عندهم مشهورا إذ كانوا في بلاد العرب ، وحجر ثمود موجود اليوم . وأمر فرعون كانوا يسمعونه من جيرانهم من أهل الكتاب ، واستفاضت به الأخبار ، وبلاد فرعون متصلة بأرض العرب . وقد تقدم هذا المعنى في سورة ( البروج ) وغيرها بعاد أي بقوم عاد . فروى شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراع من حجارة ، ولو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلوه ، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها .

القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6).وقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك، فترى كيف فعل ربك بعاد؟

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) لا يصلح هذا أن يكون جواباً للقسم ولكنه : إمَّا دليلُ الجواب إذ يدل على أن المقسَم عليه من جنس ما فُعِل بهذه الأمم الثلاث وهو الاستئصال الدال عليه قوله : { فصب عليهم ربك سوط عذاب } ، فتقدير الجواب ليصبن ربك على مكذبيك سوط عذاب كما صب على عاد وثمود وفرعون .وإمّا تمهيد للجواب ومقدمة له إن جعلت الجواب قوله : { إن ربك لبالمرصاد } وما بينه وبين الآيات السابقة اعتراض جعل كمقدمة لجواب القسم .والمعنى : إن ربك لبالمرصاد للمكذبين لا يخفى عليه أمرهم ، فيكون تثبيتاً للنبيء صلى الله عليه وسلم كقوله : { ولا تحسبن اللَّه غافلاً عما يعمل الظالمون } [ إبراهيم : 42 ] .فالاستفهام في قوله : { ألم تر } تقريري ، والمخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم تثبيتاً له ووعداً بالنصر ، وتعريضاً للمعاندين بالإِنذار بمثله فإن ما فُعل بهذه الأمم الثلاث موعظة وإنذار للقوم الذين فَعَلوا مثل فعلهم من تكذيب رسل الله قُصد منه تقريب وقوع ذلك وتوقع حلوله . لأن التذكير بالنظائر واستحضَار الأمثال يقرِّب إلى الأذهاننِ الأمر الغريب الوقوع ، لأن بُعد العهد بحدوث أمثاله ينسيه الناسَ ، وإذا نُسي استبعَد الناسُ وقوعه ، فالتذكير يزيل الاستبعاد .فهذه العِبَر جزئيات من مضمون جواب القسم ، فإن كان محذوفاً فذِكْرُها دليلُه ، وإن كان الجواب قوله : { إن ربك لبالمرصاد } كان تقديمها على الجواب زيادة في التشويق إلى تلقيه ، وإيذاناً بجنس الجواب من قَبْل ذكره ليحصل بعد ذكره مزيد تقرُّره في الأذهان .والرؤيَةُ في { ألم تر } يجوز أن تكون رؤية عِلْمية تشبيهاً للعلم اليقيني بالرؤية في الوضوح والانكشاف لأن أخبار هذه الأمم شائعة مضروبة بها المُثُل فكأنها مشاهدة . فتكون { كيف } استفهاماً معلِّقاً فعل الرؤية عن العمل في مفعولين .ويجوز أن تكون الرؤية بصرية والمعنى : ألم تر آثار ما فعل ربك بعاد ، وتكون { كيف } إسْماً مجرّداً عن الاستفهام في محل نصب على المفعولية لفعل الرؤية البصرية .وعُدل عن اسم الجلالة إلى التعريف بإضافة رب إلى ضمير المخاطب في قوله : { فعل ربك } لِما في وصف رب من الإِشعار بالولاية والتأييد ولما تؤذن به إضافته إلى ضمير المخاطب من إعزازه وتشريفه .وقد ابتُدئت الموعظة بذكر عاد وثمود لشهرتهما بين المخاطبين وذُكِرَ بعدهما قوم فرعون لشهرة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون بين أهل الكتاب ببلاد العرب وهم يحدِّثون العرب عنها .وأريد ب«عاد» الأمة لا محالة قال تعالى : { وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم } [ هود : 59 ] فوَجْه صرفه أنه اسم ثلاثي ساكن الوسط مثللِ هِند ونُوح وإرَم بكسر الهمزة وفتح الراء اسم إرَم بن سَامٍ بن نُوح وهو جد عاد لأن عاداً هو ابن عُوص بن إرَم ، وهو ممنوع من الصرف للعجمة لأن العرب البائدة يُعتبرون خارجين عن أسماء اللغة العربية المستعملة ، فهو عطف بيان ل«عاد» للإِشارة إلى أن المراد ب«عاد» القبيلة التي جدها الأدنى هو عاد بن عوص بن إرم ، وهم عاد الموصوفة ب { الأولى } في قوله تعالى :{ وأنه أهلك عاداً الأولى } [ النجم : 50 ] لئلا يتوهم أن المتحدَّثَ عنهم قبيلة أخرى تسمى عاداً أيضاً . كانت تنزل مكة مع العَمَاليق يقال : إنهم بقية من عاد الأولى فعاد وإرم اسمان لقبيلة عاد الأولى .
الآية 6 - سورة الفجر: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد...)