سورة الفتح: الآية 8 - إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا...

تفسير الآية 8, سورة الفتح

إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

الترجمة الإنجليزية

Inna arsalnaka shahidan wamubashshiran wanatheeran

تفسير الآية 8

إنا أرسلناك -أيها الرسول- شاهدًا على أمتك بالبلاغ، مبينًا لهم ما أرسلناك به إليهم، ومبشرًا لمن أطاعك بالجنة، ونذيرًا لمن عصاك بالعقاب العاجل والآجل؛ لتؤمنوا بالله ورسوله، وتنصروا الله بنصر دينه، وتعظموه، وتسبحوه أول النهار وآخره.

«إنا أرسلناك شاهدا» على أمتك في القيامة «ومبشرا» لهم في الدنيا «ونذيرا» منذرا مخّوفا فيها من عمل سوءا بالنار.

أي: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ أيها الرسول الكريم شَاهِدًا لأمتك بما فعلوه من خير وشر، وشاهدا على المقالات والمسائل، حقها وباطلها، وشاهدا لله تعالى بالوحدانية والانفراد بالكمال من كل وجه، وَمُبَشِّرًا من أطاعك وأطاع الله بالثواب الدنيوي والديني والأخروي، ومنذرا من عصى الله بالعقاب العاجل والآجل، ومن تمام البشارة والنذارة، بيان الأعمال والأخلاق التي يبشر بها وينذر، فهو المبين للخير والشر، والسعادة والشقاوة، والحق من الباطل.

يقول تعالى لنبيه محمد - صلوات الله وسلامه عليه ( إنا أرسلناك شاهدا ) أي : على الخلق ، ( ومبشرا ) أي : للمؤمنين ، ( ونذيرا ) أي : للكافرين . وقد تقدم تفسيرها في سورة " الأحزاب " .

وقوله: مُبَشِّراً من التبشير، وهو الإخبار بالأمر السار لمن لا علم له بهذا الأمر.وقوله: وَنَذِيراً من الإنذار، وهو الإخبار بالأمر المخيف، لكي يجتنب ويحذر.أى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ- أيها الرسول الكريم- إلى الناس، لتكون شاهِداً لمن آمن منهم بالإيمان، ولمن كفر منهم بالكفر، بعد أن بلغتهم رسالة ربك تبليغا تاما كاملا.ولتكون مُبَشِّراً للمؤمنين منهم برضا الله عنهم ومغفرته لهم وَنَذِيراً للكافرين وللعصاة بسوء المصير إذا ما استمروا على كفرهم وعصيانهم.والحكمة في جعله صلّى الله عليه وسلّم شاهدا مع أن الله- تعالى- لا يخفى عليه شيء: إظهار العدل الإلهى للناس في صورة جلية واضحة، وتكريم النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذه الشهادة.وجمع- سبحانه- بين كونه صلّى الله عليه وسلّم مُبَشِّراً وَنَذِيراً لأن من الناس من ينفعه الترغيب في الثواب، ومنهم من لا يزجره إلا التخويف من العقاب. وانتصاب شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً على الحال المقدرة.وفي معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ... .وقوله- سبحانه- وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ.. .وقوله- عز وجل-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً .

" إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً "

قوله تعالى : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيراقوله تعالى : إنا أرسلناك شاهدا قال قتادة : على أمتك بالبلاغ . وقيل : شاهدا عليهم بأعمالهم من طاعة أو معصية . وقيل : مبينا لهم ما أرسلناك به إليهم . وقيل : شاهدا عليهم يوم القيامة . فهو شاهد أفعالهم اليوم ، والشهيد عليهم يوم القيامة . وقد مضى في ( النساء ) عن سعيد بن جبير هذا المعنى مبينا . ومبشرا : لمن أطاعه بالجنة . ونذيرا : من النار لمن عصى ، قاله قتادة وغيره . وقد مضى في ( البقرة ) اشتقاق البشارة والنذارة ومعناهما . وانتصب " شاهدا ومبشرا ونذيرا " على الحال المقدرة . حكى سيبويه : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، فالمعنى : إنا أرسلناك مقدرين بشهادتك يوم القيامة . وعلى هذا تقول : رأيت عمرا قائما غدا .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ ) يا محمد ( شَاهِدًا ) على أمتك بما أجابوك فيما دعوتهم إليه, مما أرسلتك به إليهم من الرسالة, ومبشرا لهم بالجنة إن أجابوك إلى ما دعوتهم إليه من الدين القيم, ونذيرا لهم عذاب الله إن هم تولَّوْا عما جئتهم به من عند ربك.

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8(لما أريد الانتقال من الوعد بالفتح والنصر وما اقتضاه ذلك مما اتصل به ذِكره إلى تبيين ما جرى في حادثة الحديبية وإبلاغ كل ذي حظ من تلك القضية نصيبهُ المستحق ثناء أو غيره صدر ذلك بذكر مراد الله من إرسال رسوله صلى الله عليه وسلم ليكون ذلك كالمقدمة للقصة وذكرت حكمة الله تعالى في إرساله ما له مزيد اختصاص بالواقعة المتحدث عنها ، فذكرت أوصاف ثلاثة هي : شاهد ، ومبشر ، ونذير . وقدم منها وصف الشاهد لأنه يتفرع عنه الوصفان بعده .فالشاهد : المخبر بتصديق أحدٍ أو تكذيبه فيما ادعاه أو ادُعي به عليه وتقدم في قوله : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } في سورة النساء ( 41 ( وقوله : { ويكون الرسول عليكم شهيدا } في سورة البقرة ( 143 ( .فالمعنى : أرسلناك في حال أنك تشهد على الأمة بالتبليغ بحيث لا يعذر المخالفون عن شريعتك فيما خالفوا فيه ، وتشهد على الأمم وهذه الشهادة حاصلة في الدنيا وفي يوم القيامة ، فانتصب شاهداً } على أنه حال ، وهو حال مقارنة ويترتّب على التبليغ الذي سيشهد به أنه مبشر للمطيعين ونذير للعَاصين على مراتب العصيان . والكلام استئناف ابتدائي وتأكيده بحرف التأكيد للاهتمام .وقوله : { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا } . قرأ الجمهور الأفعال الأربعة { لتؤمنوا وتعزروه وتوقروه وتسبحوه } بالمثناة الفوقية في الأفعال الأربعة فيجوز أن تكون اللام في { لتؤمنوا } لام كي مفيدة للتعليل ومتعلقة بفعل { أرسلناك } .والخطاب يجوز أن يكون للنبيء صلى الله عليه وسلم مع أمة الدعوة ، أي لتؤمن أنت والذين أرسلت إليهم شاهداً ومبشراً ونذيراً ، والمقصود الإيمان بالله . وأقحم { ورسوله } لأن الخطاب شامل للأمّة وهم مأمورون بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يؤمن بأنه رسول الله ولذلك كان يقول في تشهده : « وأشهد أن محمداً عبده ورسوله » وقال يوم حنين : « أشهدُ أني عبد الله ورسوله » وصحّ أنه كان يتابع قول المؤذن « أشهد أن محمداً رسول الله » ويجوز أن يكون الخطاب للناس خاصة ولا إشكال في عطف { ورسوله } . ويجوز أن يكون الكلام قد انتهى عند قوله { ونذيرا }
الآية 8 - سورة الفتح: (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا...)