سورة الغاشية: الآية 16 - وزرابي مبثوثة...

تفسير الآية 16, سورة الغاشية

وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ

الترجمة الإنجليزية

Wazarabiyyu mabthoothatun

تفسير الآية 16

وجوه المؤمنين يوم القيامة ذات نعمة؛ لسعيها في الدنيا بالطاعات راضية في الآخرة، في جنة رفيعة المكان والمكانة، لا تسمع فيها كلمة لغو واحدة، فيها عين تتدفق مياهها، فيها سرر عالية وأكواب معدة للشاربين، ووسائد مصفوفة، الواحدة جنب الأخرى، وبُسُط كثيرة مفروشة.

«وزرابيُّ» بسط طنافس لها خمل «مبثوثة» مبسوطة.

وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ والزرابي [هي:] البسط الحسان، مبثوثة أي: مملوءة بها مجالسهم من كل جانب.

( فيها سرر مرفوعة ) أي : عالية ناعمة كثيرة الفرش ، مرتفعة السمك ، عليها الحور العين . قالوا : فإذا أراد ولي الله أن يجلس على تلك السرر العالية تواضعت له ، ( وأكواب موضوعة ) يعني : أواني الشرب معدة مرصدة لمن أرادها من أربابها ، ( ونمارق مصفوفة ) قال ابن عباس : النمارق : الوسائد . وكذا قال عكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، والثوري ، وغيرهم .وقوله : ( وزرابي مبثوثة ) قال ابن عباس : الزرابي : البسط . وكذا قال الضحاك ، وغير واحد .ومعنى مبثوثة ، أي : هاهنا وهاهنا لمن أراد الجلوس عليها .ونذكر هاهنا هذا الحديث الذي رواه أبو بكر بن أبي داود : حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي ، عن محمد بن مهاجر ، عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى : حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا هل من مشمر للجنة ، فإن الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد في دار سليمة ، وفاكهة وخضرة ، وحبرة ونعمة ، في محلة عالية بهية ؟ " . قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها . قال : " قولوا : إن شاء الله " . قال القوم : إن شاء الله .ورواه ابن ماجه عن العباس بن عثمان الدمشقي ، عن الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر به .

وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ والزرابي جمع زربية- بتثليث الزاى- وهي البساط الواسع الفاخر، أو ما يشبهه من الأشياء الثمينة التي تتخذ للجلوس عليها. والمبثوثة: أى: المنتشرة على الأرض، من البث بمعنى النشر، كما في قوله- تعالى-: وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ.أى: وفيها بسط فاخرة جميلة.. مبسوطة في كل مكان، ومتفرقة في كل مجلس.فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف الجنة التي أعدها- سبحانه- لعباده المتقين، بعدد من الصفات الكريمة المتنوعة.وصفها بأنها عالية في ذاتها، وبأنها خالية من الكلام الساقط، وبأن مياهها لا تنقطع، وبأن أثاثها في غاية الفخامة، حيث اجتمع فيها كل ما هو مريح ولذيذ.نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا جميعا من أهلها.

"وزرابي"، يعني البسط العريضة. قال ابن عباس: هي الطنافس التي لها خمل واحدتها زريبة، "مبثوثة"، مبسوطة، وقيل متفرقة في المجالس.

وزرابي مبثوثة قال أبو عبيدة : الزرابي : البسط . وقال ابن عباس : الزرابي : الطنافس التي لها خمل رقيق ، واحدتها : زربية وقال الكلبي والفراء . والمبثوثة : المبسوطة قال قتادة . وقيل : بعضها فوق بعض قاله عكرمة . وقيل كثيرة قاله الفراء . وقيل : متفرقة في المجالس قاله القتبي .قلت : هذا أصوب ، فهي كثيرة متفرقة . ومنه وبث فيها من كل دابة . وقال أبو بكر الأنباري : وحدثنا أحمد بن الحسين ، قال حدثنا حسين بن عرفة ، قال حدثنا عمار بن محمد ، قال : صليت خلف منصور بن المعتمر ، فقرأ : هل أتاك حديث الغاشية ، وقرأ فيها : وزرابي مبثوثة : متكئين فيها ناعمين .

وقوله: ( وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ) يقول تعالى ذكره: وفيها طنافس وبُسُط كثيرة مبثوثة مفروشة، والواحدة: زِرْبية، وهي الطِّنفسة التي لها خمل رقيق.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أحمد بن منصور، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن سفيان، قال: ثنا توبة العنبريّ، عن عكرِمة بن خالد، عن عبد الله بن عمار، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي على عبقريّ، وهو الزرابيّ.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ) : المبسوطة.

وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) ولذلك عطف { وأكواب } ، { ونمارق } ، { وزرابي } ، لأنها متماثلة في أنها من متاع المساكن الفائقة .وهذا وصف لمحاسن الجنة بمحاسن أثاث قصورها فضمير فيها عائد للجنة باعتبار أن ما في قصورها هو مظروف فيها بواسطة .و { مصفوفة } : أي جُعل بعضها قريباً من بعض صفاً ، أي أينما أراد الجالس أن يجلس وجدها .و { زرابيّ } : جمع زَرْبيَّة بفتح الزاي وسكون الراء وكسر الموحدة وتشديد الياء ، وهي البساط أو الطُنفسة ( بضم الطاء ) المنسوج من الصوف الملون الناعم يفرش في الأرض للزينة والجلوس عليه لأهل الترف واليسار .والزربية نسبة إلى ( أذربيجان ) بلدٍ من بلاد فارس وبخَارى ، فأصل زربية أذربية ، حذفت همزتها للتخفيف لثقل الاسم لعجمته واتصال ياء النسب به ، وذَالها مبدَلة عن الزاي في كلام العرب لأن اسم البلد في لسان الفرس أزربيجان بالزاي المعجمة بعدها راء مهملة وليس في الكلام الفارسي حرف الذال ، وبلد ( أذرْبيجان ) مشهور بنعومة صوف أغنامه . واشتهر أيضاً بدقة صنع البُسُط والطنافس ورقّة خَمَلها .والمبثوثة : المنتشرة على الأرض بكثرة وذلك يفيد كناية عن الكثرة .وقد قوبلت صفات وجوه أهل النار بصفات وجوه أهل الجنة فقوبلت صفات { خاشعة } [ الغاشية : 2 ] ، { عاملة } { ناصبة } [ الغاشية : 3 ] بصفات { ناعمة لسعيها راضية } [ الغاشية : 8 ، 9 ] ، وقوبل قوله : { تصلى ناراً حامية } [ الغاشية : 4 ] بقوله : في { جنة عالية } [ الغاشية : 10 ] . وقوبل : { تسقى من عين آنية } [ الغاشية : 5 ] بقوله : { فيها عين جارية } [ الغاشية : 12 ] ، وقوبل شقاء عيش أهل النار الذي أفاده قوله :{ ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع } [ الغاشية : 6 ، 7 ] ، بمقاعد أهل الجنة المشعرةِ بترف العيش من شراب ومتاع .وهذا وعد للمؤمنين بأن لهم في الجنة ما يعرفون من النعيم في الدنيا وقد علموا أن ترف الجنة لا يبلغه الوصف بالكلام وجمع ذلك بوجه الإِجمال في قوله تعالى : { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين } [ الزخرف : 71 ] ، ولكن الأرواح ترتاح بمألوفاتها فتعطاها فيكون نعيم أرواح الناس في كل عصر ومن كل مصر في الدرجة القصوى مما ألفوه ولا سيما ما هو مألوف لجميع أهل الحضارة والترف وكانوا يتمنونه في الدنيا ثم يُزادون من النعيم «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» .
الآية 16 - سورة الغاشية: (وزرابي مبثوثة...)