سورة الحاقة: الآية 7 - سخرها عليهم سبع ليال وثمانية...

تفسير الآية 7, سورة الحاقة

سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ

الترجمة الإنجليزية

Sakhkharaha AAalayhim sabAAa layalin wathamaniyata ayyamin husooman fatara alqawma feeha sarAAa kaannahum aAAjazu nakhlin khawiyatun

تفسير الآية 7

فأما ثمود فأهلكوا بالصيحة العظيمة التي جاوزت الحد في شدتها، وأمَّا عاد فأُهلِكوا بريح باردة شديدة الهبوب، سلَّطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة، لا تَفْتُر ولا تنقطع، فترى القوم في تلك الليالي والأيام موتى كأنهم أصول نخل خَرِبة متآكلة الأجواف. فهل ترى لهؤلاء القوم مِن نفس باقية دون هلاك؟

«سخرها» أرسلها بالقهر «عليهم سبع ليال وثمانية أيام» أولها من صبح يوم الأربعاء لثمان بقين من شوال، وكانت في عجز الشتاء «حسوما» متتابعات شبهت بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء كرة بعد أخرى حتى ينحسم «فترى القوم فيها صرعى» مطروحين هالكين «كأنهم أعجاز» أصول «نخل خاوية» ساقطة فارغة.

سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا أي: نحسا وشرا فظيعا عليهم فدمرتهم وأهلكتهم، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى أي: هلكى موتى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ أي: كأنهم جذوع النخل التي قد قطعت رءوسها الخاوية الساقط بعضها على بعض.

( سخرها عليهم ) أي : سلطها عليهم ( سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) أي : كوامل متتابعات مشائيم .قال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وعكرمة والثوري وغير واحد ) حسوما ) متتابعات .وعن عكرمة والربيع : مشائيم عليهم ، كقوله : ( في أيام نحسات ) [ فصلت : 16 ] قال الربيع : وكان أولها الجمعة . وقال غيره الأربعاء . ويقال : إنها التي تسميها الناس الأعجاز ; وكأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى : ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) وقيل : لأنها تكون في عجز الشتاء ، ويقال : أيام العجوز ; لأن عجوزا من قوم عاد دخلت سربا فقتلها الريح في اليوم الثامن . حكاه البغوي والله أعلم .قال ابن عباس : ( خاوية ) خربة . وقال غيره : بالية ، أي : جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتا على أم رأسه ، فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان .وقد ثبت في الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس العبدي ، حدثنا ابن فضيل ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا فيها إلا مثل موضع الخاتم ، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم ، فجعلتهم بين السماء والأرض ، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة الريح وما فيها قالوا : هذا عارض ممطرنا ، فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة " .وقال الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد : الريح لها جناحان وذنب .

ثم بين- سبحانه- كيفية نزول العذاب بهم فقال: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ، وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً.والتسخير: التذليل عن طريق القهر والأمر الذي لا يمكن مخالفته.وحسوما: من الحسم بمعنى التتابع، من حسمت الدابة، إذا تابعت كيها على الداء مرة بعد مرة حتى ينحسم.. أو من الحسم بمعنى القطع، ومنه سمى السيف حساما لأنه يقطع الرءوس، وينهى الحياة.قال صاحب الكشاف: «والحسوم» : لا يخلو من أن يكون جمع حاسم، كشهود وقعود. أو مصدرا كالشكور والكفور، فإن كان جمعا فمعنى قوله حُسُوماً: نحسات حسمت كل خير، واستأصلت كل بركة. أو: متتابعة هبوب الرياح، ما خفتت ساعة حتى أتت عليهم، تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكلى على الداء، كرة بعد كرة حتى ينحسم.وإن كان مصدرا، فإما أن ينتصب بفعله مضمرا، أى: تحسم حسوما، بمعنى تستأصل استئصالا. أو يكون صفة كقولك: ذات حسوم.. .أى: أرسل الله- تعالى- على هؤلاء المجرمين الريح التي لا يمكنها التخلف عن أمره، فبقيت تستأصل شأفتهم، وتخمد أنفاسهم.. سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً أى: متتابعة ومتوالية حتى قطعت دابرهم، ودمرتهم تدميرا.وقوله: حُسُوماً يصح أن يكون نعتا لسبع ليال وثمانية أيام، ويصح أن يكون منصوبا على المصدرية بفعل من لفظه، أى: تحسمهم حسوما.ثم صور- سبحانه- هيئاتهم بعد أن هلكوا فقال: فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ.والخطاب في قوله فَتَرَى.. لغير معين. والفاء للتفريع على ما تقدم والضمير في قوله فِيها يعود إلى الأيام والليالى. أو إلى مساكنهم.وقوله: صَرْعى أى: هلكى، جمع صريع كقتيل وقتلى، وجريح وجرحى.والأعجاز جمع عجز، والمراد بها هنا جذوع النخل التي قطعت رءوسها.وخاوية، أى: ساقطة، مأخوذ من خوى النجم، إذا سقط للغروب أو من خوى المكان إذا خلا من أهله وسكانه، وصار قاعا صفصفا. بعد أن كان ممتلئا بعمّاره.أى: أرسل الله- تعالى- على هؤلاء الظالمين الريح المتتابعة لمدة سبع ليال وثمانية أيام، فدمرتهم تدميرا، وصار الرائي ينظر إليهم فيراهم وقد ألقوا على الأرض هلكى، كأنهم في ضخامة أجسادهم ... جذوع نخل ساقطة على الأرض، وقد انفصلت رءوسها عنها.وعبر- سبحانه- بقوله: فَتَرَى الْقَوْمَ ... لاستحضار صورتهم في الأذهان، حتى يزداد المخاطب اعتبارا بأحوالهم، وبما حل بهم.والتشبيه بقوله: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ المقصود منه تشنيع صورتهم، والتنفير من مصيرهم السّيّئ، لأن من كان هذا مصيره، كان جديرا بأن يتحامى، وأن تجتنب أفعاله التي أدت به إلى هذه العاقبة المهينة.

( سخرها عليهم ) أرسلها عليهم . وقال مقاتل : سلطها عليهم ( سبع ليال وثمانية أيام ) قال وهب : هي الأيام التي تسميها العرب أيام العجوز ، ذات برد ورياح شديدة . قيل : سميت عجوزا لأنها في عجز الشتاء . وقيل : سميت بذلك لأن عجوزا من قوم عاد دخلت سربا فتبعتها الريح ، فقتلتها اليوم الثامن من نزول العذاب وانقطع العذاب ( حسوما ) قال مجاهد وقتادة : متتابعة ليس لها فترة ، فعلى هذا فهو من حسم الكي وهو أن يتابع على موضع الداء بالمكواة حتى يبرأ ، ثم قيل لكل شيء توبع : حاسم وجمعه حسوم ، مثل شاهد وشهود ، وقال الكلبي ومقاتل : حسوما دائمة . وقال النضر بن شميل : حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم ، والحسم : القطع والمنع ومنه حسم الداء . قال الزجاج : [ الذي توجبه الآية فعلى معنى ] تحسمهم حسوما تفنيهم وتذهبهم . وقال عطية : حسوما كأنها حسمت الخير عن أهلها ( فترى القوم فيها ) أي في تلك الليالي والأيام ( صرعى ) هلكى جمع صريع ( كأنهم أعجاز نخل خاوية ) ساقطة ، وقيل : خالية الأجواف .

سخرها عليهم أي أرسلها وسلطها عليهم . والتسخير : استعمال الشيء بالاقتدار .سبع ليال وثمانية أيام حسوما أي متتابعة لا تفتر ولا تنقطع ، عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما . قال الفراء : الحسوم التباع ، من حسم الداء إذا كوي صاحبه ، لأنه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه . قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي :ففرق بين بينهم زمان تتابع فيه أعوام حسوموقال المبرد : هو من قولك حسمت الشيء إذا قطعته وفصلته عن غيره . وقيل : الحسم الاستئصال . ويقال للسيف حسام ; لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته . وقال الشاعر :حسام إذا قمت معتضدا به كفى العود منه البدء ليس بمعضدوالمعنى أنها حسمتهم ، أي قطعتهم وأذهبتهم . فهي القاطعة بعذاب الاستئصال . قال ابن زيد : حسمتهم فلم تبق منهم أحدا . وعنه أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوعبتها . لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم وانقطعت غروب الشمس من آخر يوم . وقال الليث : الحسوم الشؤم . ويقال : هذه ليالي الحسوم ، أي تحسم الخير عن أهلها ، وقاله في الصحاح . وقال عكرمة والربيع بن أنس : مشائيم ، دليله قوله تعالى : في أيام نحسات . عطية العوفي : " حسوما " أي حسمت الخير عن أهلها . واختلف في أولها ، فقيل : غداة يوم الأحد ، قاله السدي . وقيل : غداة يوم الجمعة ، قاله الربيع بن أنس . وقيل : غداة يوم الأربعاء ، قاله يحيى بن سلام ووهب بن منبه . قال وهب : وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز ، ذات برد وريح شديدة ، وكان أولها يوم الأربعاء وآخرها يوم الأربعاء ; ونسبت إلى العجوز لأن عجوزا من عاد دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها في اليوم الثامن . وقيل : سميت أيام العجوز لأنها وقعت في عجز الشتاء . وهي في آذار من أشهر السريانيين . ولها أسام مشهورة ، وفيها يقول الشاعر وهو ابن أحمر :كسع الشتاء بسبعة غبر أيام شهلتنا من الشهرفإذا انقضت أيامها ومضت صن وصنبر مع الوبروبآمر وأخيه مؤتمر ومعلل وبمطفئ الجمرذهب الشتاء موليا عجلا وأتتك واقدة من النجرو " حسوما " نصب على الحال . وقيل على المصدر . قال الزجاج : أي تحسمهم حسوما أي تفنيهم ، وهو مصدر مؤكد . ويجوز أن يكون مفعولا له ; أي سخرها عليهم هذه المدة للاستئصال ; أي لقطعهم واستئصالهم . ويجوز أن يكون جمع حاسم . وقرأ السدي " حسوما " بالفتح ، حالا من الريح ; أي سخرها عليهم مستأصلة .قوله تعالى : فترى القوم فيها أي في تلك الليالي والأيام .صرعى جمع صريع ; يعني موتى . وقيل : فيها أي في الريح .كأنهم أعجاز أي أصول .نخل خاوية أي بالية ; قاله أبو الطفيل . وقيل : خالية الأجواف لا شيء فيها . والنخل يذكر ويؤنث . وقد قال تعالى في موضع آخر : كأنهم أعجاز نخل منقعر فيحتمل أنهم شبهوا بالنخل التي صرعت من أصلها ، وهو إخبار عن عظم أجسامهم . ويحتمل أن يكون المراد به الأصول دون الجذوع ; أي إن الريح قد قطعتهم حتى صاروا كأصول النخل " خاوية " أي الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخلة الخاوية الجوف . وقال ابن شجرة : كانت الريح تدخل في أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم ، فصاروا كالنخل الخاوية . وقال يحيى بن سلام ; إنما قال " خاوية " لأن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية . ويحتمل أن يكون المعنى كأنهم أعجاز نخل خاوية عن أصولها من البقاع ; كما قال تعالى : فتلك بيوتهم خاوية أي خربة لا سكان فيها . ويحتمل الخاوية بمعنى البالية كما ذكرنا ; لأنها إذا بليت خلت أجوافها . فشبهوا بعد أن هلكوا بالنخل الخاوية .

وقوله: ( سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) يقول تعالى ذكره: سخر تلك الرياح على عاد سبع ليال وثمانية أيام حسوما؛ فقال بعضهم: عُني بذلك تباعا.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) يقو ل: تباعا.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( حُسُومًا ) قال: متتابعة.حدثنا ابن حميد، قال حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود ( وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) قال: متتابعة.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود مثل حديث محمد بن عمرو.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله ( حُسُومًا ) قال: تباعا.قال: ثنا يحيي بن سعيد القطان، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، في قوله: ( حُسُومًا ) قال: تباعا.حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية ( وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) قال: متتابعة.حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثني أبي، قال: ثنا خالد بن قيس، عن قتادة ( وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) قال: متتابعة ليس لها فترة.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) قال: متتابعة ليس فيها تفتير.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( حُسُومًا ) قال: دائمات.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر عبد الله بن سَخْبَرَةَ، عن ابن مسعود ( أَيَّامٍ حُسُومًا ) قال: متتابعة.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان قال، قال مجاهد: ( أَيَّامٍ حُسُومًا ) قال: تباعا.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( أَيَّامٍ حُسُومًا ) قال: متتابعة، و أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ قال: مشائيم.وقال آخرون: عني بقوله: ( حُسُومًا ): الريح، وأنها تحسم كلّ شيء، فلا تبقي من عاد أحدا، وجعل هذه الحسوم من صفة الريح.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: ( وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) قال: حسمتهم لم تبق منهم أحدا، قال: ذلك الحسوم مثل الذي يقول: احسم هذا الأمر؛ قال: وكان فيهم ثمانية لهم خلق يذهب بهم في كل مذهب؛ قال، قال موسي بن عقبة: فلما جاءهم العذاب قالوا: قوموا بنا نردّ هذا العذاب عن قومنا؛ قال: فقاموا وصفوا في الوادي، فأوحى الله إلى ملك الريح أن يقلع منهم كل يوم واحدًا، وقرأ قول الله: ( سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) حتى بلغ: ( نَخْلٍ خَاوِيَةٍ )، قال: فإن كانت الريح لتمرّ بالظعينة فتستدبرها وحمولتها، ثم تذهب بهم في السماء، ثم تكبهم على الرءوس، وقرأ قول الله: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا قال: وكان أمسك عنهم المطر، فقرأ حتى بلغ: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ، قال: وما كانت الريح تقلع من أولئك الثمانية كلّ يوم إلا واحدًا؛ قال: فلما عذّب الله قوم عاد، أبقى الله واحدًا ينذر الناس، قال: فكانت امرأة قد رأت قومها، فقالوا لها: أنت أيضا، قالت: تنحيت على الجبل؛ قال: وقد قيل لها بعد: أنت قد سلمت وقد رأيت، فكيف لا رأيت عذاب الله ؟ قالت: ما أدري غير أن أسلم ليلة: ليلة لا ريح.وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بقوله: ( حُسُومًا ): متتابعة، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك. وكان بعض أهل العربية يقول: الحسوم: التباع، إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوّله عن آخره قيل فيه حسوم؛ قال: وإنما أخذوا والله أعلم من حسم الداء: إذا كوى صاحبه، لأنه لحم يكوى بالمكواة، ثم يتابع عليه.وقوله: ( فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى ) يقول: فترى يا محمد قوم عاد في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى، قد هلكوا، ( كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ) يقول: كأنهم أصول نخل قد خوت.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ) : وهي أصول النخل.

سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)والتسخير : الغصْب على عمل واستعير لتكوين الريح الصرصر تكويناً متجاوزاً المتعارف في قوة جنسها فكأنها مكرهة عليه .وعلق به عليهم } لأنه ضمن معنى أرسلها .و ( حسوم ) يجوز أن يكون جمع حاسم مثل قُعود جمع قاعد ، وشهود جمع شاهد ، غُلِّب فيه الأيام على الليالي لأنها أكثر عدداً إذ هي ثمانية أيام وهذا له معان :أحدها أن يكون المعنى : يتابع بعضها بعضاً ، أي لا فصل بينها كما يقال : صيام شهرين متتابعين ، وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي :ففرَّق بينَ بينِهمُ زمانٌ ... تتابع فيه أعوام حُسُومٌقيل : والحسوم مشتق من حسْم الداءِ بالمكواة إذ يكوى ويُتابع الكي أيّاماً ، فيكون إطلاقه استعارة ، ولعلها من مبتكرات القرآن ، وبيت عبد العزيز الكلابي من الشعر الإِسلامي فهو متابع لاستعمال القرآن .المعنى الثاني : أن يكون من الحَسم وهو القطع ، أي حاسمة مستأصلة . ومنه سمي السيف حُساماً لأنه يقطع ، أي حَسَمَتْهم فلم تُبققِ منهم أحداً ، وعلى هذين المعنيين فهو صفة ل { سبع ليال وثمانية أيّام } أو حال منها .المعنى الثالث : أن يكون حسوم مصدراً كالشُكور والدخُول فينتصب على المفعول لأجله وعاملُه { سَخَّرها ، } أي سخرها عليهم لاستئصالهم وقطع دابرهم .وكل هذه المعاني صالح لأن يذكر مع هذه الأيام ، فإيثار هذا اللفظ من تمام بلاغة القرآن وإعجازه .وقد سمّى أصحاب المِيقات من المسلمين أياماً ثمانية منصَّفة بين أواخر فبراير وأوائل مارس معروفة في عادة نظام الجو بأن تشتد فيها الرياح غالباً ، أيامَ الحُسوم على وجه التشبيه ، وزعموا أنها تقابل أمثالها من العام الذي أصيبت فيه عاد بالرياح ، وهو من الأوهام ، ومن ذا الذي رصد تلك الأيام .ومن أهل اللغة من زعم أن أيام الحسوم هي الأيام التي يقال لها : أيامُ العَجُوز أو العَجُز ، وهي آخر فصل الشتاء ويُعدها العرب خمسة أو سبعة لها أسماء معروفة مجموعة في أبيات تذكر في كتب اللغة ، وشتان بينها وبين حُسوم عاد في العِدة والمُدة .وفرع على { سخرها عليهم } أنهم صاروا صَرعى كلهم يراهم الرائي لو كان حاضراً تلك الحالة .والخطاب في قوله : { فترى } خطاب لغير معين ، أي فيرى الرائي لو كان راءٍ ، وهذا أسلوب في حكاية الأمور العظيمة الغائبة تستحضر فيه تلك الحالة كأنها حاضرة ويُتخيل في المقام سامع حاضر شاهد مُهْلَكهم أو شَاهَدَهم بعدَه ، وكلا المشاهدتين منتف في هذه الآية ، فيعتبر خطاباً فرضياً فليس هو بالتفات ولا هو من خطاب غير المعين ، وقريب منه قوله تعالى :{ وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل } [ الشورى : 45 ] ، وقوله : { وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيماً وملكاً كبيراً } [ الإنسان : 20 ] ، وعلى دقة هذا الاستعمال أهمل المفسرون التعرض له عدا كلمة للبيضاوي .والتعريف في { القومَ } للعهد الذِّكري ، والقوم : القبيلة وهذا تصوير لهلاك جميع القبيلة .وضمير { فيها } عائد إلى الليالي والأيام .و { صرعى } : جمع صريع وهو الملقى على الأرض ميتاً .وشُبهوا بأعجاز نخل ، أي أصول النخل ، وعجز النخلة : هو الساق التي تتصل بالأرض من النخلة وهو أغلظ النخلة وأشدها .ووجه التشبيه بها أن الذين يقطعون النخل إذا قطعوه للانتفاع بأعواده في إقامة البيوت للسُقُف والعضادات انتقوا منه أصوله لأنها أغلظ وأملأ وتركوها على الأرض حتى تيبس وتزول رطوبتها ثم يجعلوها عَمَداً وأساطين .والنخل : اسمُ جمععِ نخلة .والخاوي : الخالي مما كان مالئاً له وحالاً فيه .وقوله : { خاويةٍ } مجرور باتفاق القراء ، فتعين أن يكون صفة { نخل .ووصفُ نخل } بأنها { خاوية } باعتبار إطلاق اسم «النخل» على مكانه بتأويل الجنة أو الحديقة ، ففيه استخدام . والمعنى : خالية من الناس ، وهذا الوصف لتشويه المشبه به بتشويه مكانه ، ولا أثر له في المشابهة وأحسنه ما كان فيه مناسبة للغرض من التشبيه كما في الآية ، فإن لهذا الوصف وقعاً في التنفير من حالتهم ليناسب الموعظة والتحذير من الوقوع في مثل أسبابها ، ومنه قول كعب بن زهير :لَذاكَ أهْيَبُ عندي إذْ أُكلمه ... وقيلَ إنَّك مَنسُوبٌ ومَسْؤولمِن خادرٍ من لُيُوثثِ الأسْدِ مسكَنه ... من بَطْن عَثَّرَ غِيلٌ دونَهُ غِيلالأبيات الأربعة ، وقول عنترة :فتركتُه جَزَر السباععِ يَنُشْنَه ... يَقضِمْنَ حُسنَ بنانِه والمعصم
الآية 7 - سورة الحاقة: (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية...)