سورة الإخلاص: الآية 3 - لم يلد ولم يولد...

تفسير الآية 3, سورة الإخلاص

لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ

الترجمة الإنجليزية

Lam yalid walam yooladu

تفسير الآية 3

ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة.

«لم يلد» لانتفاء مجانسته «ولم يولد» لانتفاء الحدوث عنه.

ومن كماله أنه لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لكمال غناه

وقوله : ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) أي : ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة .

وقوله- سبحانه-: لَمْ يَلِدْ تنزيه له- تعالى- عن أن يكون له ولد أو بنت، لأن الولادة تقتضي انفصال مادة منه، وذلك يقتضى التركيب المنافى للأحدية والصمدية، أو لأن الولد من جنس أبيه، وهو- تعالى- منزه عن مجانسة أحد.وقوله: وَلَمْ يُولَدْ تنزيه له- تعالى- عن أن يكون له أب أو أم، لأن المولودية تقتضي- أيضا- التركيب المنافى للأحدية والصمدية، أو لاقتضائها سبق العدم، أو المجانسة، وكل ذلك مستحيل عليه- تعالى- فهو- سبحانه-: الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

"لم يلد ولم يولد".

وروى الترمذي عن أبي بن كعب : أن المشركين قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انسب لنا ربك ؛ فأنزل الله - عز وجل - : قل هو الله أحد الله الصمد . والصمد : الذي لم يلد ولم يولد ؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث . ولم يكن له كفوا أحد قال : لم يكن له شبيه ولا عدل ، وليس كمثله شيء . وروي عن أبي العالية : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر آلهتهم فقالوا : انسب لنا ربك . قال : فأتاه جبريل بهذه السورة قل هو الله أحد ، فذكر نحوه ، ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب ، وهذا صحيح ؛ قاله الترمذي .قلت : ففي هذا الحديث إثبات لفظ قل هو الله أحد وتفسير الصمد ، وقد تقدم . وعن عكرمة نحوه . وقال ابن عباس : لم يلد كما ولدت مريم ، ولم يولد كما ولد عيسى وعزير . وهو رد على النصارى ، وعلى من قال : عزير ابن الله

وقوله: ( لَمْ يَلِدْ ) يقول: ليس بفانٍ, لأنه لا شيء يلد إلا هو فانٍ بائد( وَلَمْ يُولَدْ ) يقول: وليس بمحدث لم يكن فكان, لأن كل مولود فإنما وجد بعد أن لم يكن, وحدث بعد أن كان غير موجود, ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل, ودائم لم يبد, ولا يزول ولا يفنى.

لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)جملة : { لم يلد } خبر ثاننٍ عن اسم الجلالة من قوله : { اللَّه الصمد } ، أو حال من المبتدأ أو بدل اشتمال من جملة { اللَّه الصمد } ، لأن من يصمد إليه لا يكون من حاله أن يلد لأن طلب الولد لقصد الاستعانة به في إقامة شؤون الوالد وتدارك عجزه ، ولذلك استدل على إبطال قولهم : { اتخذ اللَّه ولداً } بإثبات أنه الغنيّ في قوله تعالى : { قالوا اتخذ اللَّه ولداً سبحانه هو الغني له ما في السماوات الأرض } [ يونس : 68 ] فبعدَ أن أبطلت الآية الأولى من هذه السورة تعدد الإله بالأصالة والاستقلال ، أبطلت هذه الآية تعدد الإله بطريق تولد إله عن إله ، لأن المتولِّد مساوٍ لما تولَّد عنه .والتعدُّد بالتولد مساوٍ في الاستحالة لتعدد الإله بالأصالة لتساوي ما يلزم على التعدد في كليهما من فساد الأكوان المشار إليه بقوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا اللَّه لفسدتا } [ الأنبياء : 22 ] ( وهو برهان التمانع ) ولأنه لو تولد عن الله موجود آخر للزم انفصال جزء عن الله تعالى وذلك مناف للأحدية كما علمت آنفاً وبَطل اعتقاد المشركين من العرب أن الملائكة بنات الله تعالى فعبدوا الملائكة لذلك ، لأن البنوّة للإله تقتضي إلهية الابن قال تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون } [ الأنبياء : 26 ] .وجملة { لم يولد } عطف على جملة { لم يلد } ، أي ولم يلده غيره ، وهي بمنزلة الاحتراس سدّاً لتجويز أن يكون له والِد ، فأردف نفي الولد بنفي الوالد . وإنما قدم نفي الولد لأنه أهم إذ قد نَسب أهل الضلالة الولَد إلى الله تعالى ولم ينسبوا إلى الله والِداً . وفيه الإِيماء إلى أن من يكون مولوداً مثل عيسى لا يكون إلها لأنه لو كان الإله مولوداً لكان وجوده مسبوقاً بعدم لا محالة ، وذلك محال لأنه لو كان مسبوقاً بعدم لكان مفتقراً إلى من يُخصصه بالوجود بعد العدم ، فحصل من مجموع جملة : { لم يلد ولم يولد } إبطالُ أن يكون الله والداً لِمولود ، أو مولوداً من والد بالصراحة . وبطلت إلهية كل مولود بطريق الكناية فبطلت العقائد المبنية على تولد الإله مثل عقيدة ( زرادشت ) الثانوية القائلة بوجود إلهين : إله الخير وهو الأصل ، وإله الشر وهو متولد عن إله الخير ، لأن إله الخير وهو المسمى عندهم ( يزدان ) فكَّر فكرةً سوء فتولد منه إله الشر المسمى عندهم ( أهرُمنْ ) ، وقد أشار إلى مذهبهم أبو العلاء بقوله: ... قَال أناس باطل زعمهمفراقِبوا الله ولا تَزْعُمُنْ ... فكَّر ( يزدان ) على غِرةفصيغَ من تفكيره ( أهْرُمُنْ ) ... وبطلت عقيدة النصارى بإلهية عيسى عليه السّلام بتوهمهم أنه ابن الله وأن ابن الإله لا يكون إلاّ إلها بأن الإله يستحيل أن يكون له ولد فليس عيسى بابن لله ، وبأن الإله يستحيل أن يكون مولوداً بعد عدم . فالمولود المتفق على أنه مولود يستحيل أن يكون إلها فبطل أن يكون عيسى إلها .فلما أبْطَلَت الجملةُ الأولى إلهية إله غير الله بالأصالة ، وأبْطَلَتْ الجملة الثانية إلهية غير الله بالاستحقاق ، أبْطَلَت هذه الجملة إلهية غير الله بالفرعية والتولد بطريق الكناية .وإنما نفي أن يكون الله والداً وأن يكون مولوداً في الزمن الماضي ، لأن عقيدة التولد ادعت وقوعَ ذلك في زمن مضى ، ولم يدع أحد أن الله سيتخذ ولداً في المستقبل .
الآية 3 - سورة الإخلاص: (لم يلد ولم يولد...)