سورة الإنفطار: الآية 6 - يا أيها الإنسان ما غرك...

تفسير الآية 6, سورة الإنفطار

يَٰٓأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ

الترجمة الإنجليزية

Ya ayyuha alinsanu ma gharraka birabbika alkareemi

تفسير الآية 6

يا أيها الإنسان المنكر للبعث، ما الذي جعلك تغتَرُّ بربك الجواد كثير الخير الحقيق بالشكر والطاعة، أليس هو الذي خلقك فسوَّى خلقك فعَدَلك، وركَّبك لأداء وظائفك، في أيِّ صورة شاءها خلقك؟

«يا أيها الإنسان» الكافر «ما غرَّك بربك الكريم» حتى عصيته.

يقول تعالى معاتبا للإنسان المقصر في حق ربه، المتجرئ على مساخطه : يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ أتهاونا منك في حقوقه؟ أم احتقارا منك لعذابه؟ أم عدم إيمان منك بجزائه؟

وقوله ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) ؟ : هذا تهديد لا كما يتوهمه بعض الناس من أنه إرشاد إلى الجواب حيث قال : ( الكريم ) حتى يقول قائلهم غره كرمه بل المعنى في هذه الآية ما غرك يا ابن آدم بربك الكريم - أي العظيم حتى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق كما جاء في الحديث يقول الله يوم القيامة ابن آدم ما غرك بي ابن آدم ماذا أجبت المرسلينقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان أن عمر سمع رجلا يقرأ ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) فقال عمر الجهل .وقال أيضا حدثنا عمر بن شبة حدثنا أبو خلف حدثنا يحيى البكاء سمعت ابن عمر يقول وقرأ هذه الآية ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) قال ابن عمر غره والله جهلهقال وروي عن ابن عباس والربيع بن خثيم والحسن مثل ذلكوقال قتادة ( ما غرك بربك الكريم ) شيء ما غر ابن آدم غير هذا العدو الشيطانوقال الفضيل بن عياض لو قال لي ما غرك بي لقلت ستورك المرخاةوقال أبو بكر الوراق لو قال لي ( ما غرك بربك الكريم ) لقلت غرني كرم الكريمقال البغوي وقال بعض أهل الإشارة إنما قال ( بربك الكريم ) دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة .وهذا الذي تخيله هذا القائل ليس بطائل لأنه إنما أتى باسمه ( الكريم ) ; لينبه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال السوءو قد حكى البغوي عن الكلبي ومقاتل أنهما قالا نزلت هذه الآية في الأسود بن شريق ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعاقب في الحالة الراهنة فأنزل الله ( ما غرك بربك الكريم ) ؟ .

وبعد أن أشار - سبحانه - إلى أهوال علامات الساعة التى من شأنها أن تنبه العقول والحواس والمشاعر . . أتبع ذلك بنداء للإِنسان فقال - تعالى - : ( ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم ) والغرور : الخداع . يقال : غر فلان فلانا ، إذا خدعه وأطمعه بالباطل . والخطاب لجنس الإِنسان ، وقيل للكافر .و " ما " استفهامية ، والمقصود بالاستفهام : الإِنكار والتعجيب من حال هذا الإِنسان المخدوع .أى : يا أيها الإِنسان المخلوق بقدرة ربك وحده ، أى شئ غرك وخدعك وجعل جانبا من جنسك يكفر بخالقه ، ويعبد غيره ، وجانبا آخر يعصى ربه ، ويقصر فى أداء حقوقه؟قال الإِمام ابن كثير : قوله - تعالى - : ( ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم ) : هذا تهديد ، لا كما يتوهمه بعض الناس من أنه إرشاد إلى الجواب ، حيث قال : ( الكريم ) ، حتى يقول قائلهم : غره كرمه . بل المعنى فى الآية : ما غرك يا بن آدم بربك الكريم - ، أى : العظيم - حتى أقدمت على معصيته ، وقابلته بما لا يليق؟ كما جاء فى الحديث : " يقول الله يوم القيامة : يا بن آدم ماذا أجبت المرسلين؟ " . .وهذا الذى تخيله هذا القائل ليس تحته طائل ، لأنه إنما أتى باسمه الكريم لينبه على أنه لا ينبغى أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة ، وأعمال السوء . .والمقصود بالنداء هنا : التنبيه إلى ما سيأتى بعده من توجيهات ، وليس المقصود به طلب الإِقبال على شئ معين .وإيثار تعريف الله - تعالى - بصفة الرب ، لما فى معنى الرب من التربية والرعاية والملكيمة ، والإِيجاد من العدم . . ففى هذا الوصف تذكير للإِنسان بنعم خالقه الذى أنشأه من العدم ، وتعهده بالرعاية والتربية .وكذلك الوصف بالكريم ، فيه - أيضاً - تذكير لهذا الإِنسان بكرم ربه عليه ، إذ مقتضى هذا الكرم منه - تعالى - ، أن يقابل المخلوق ذلك بالشكر والطاعة .

( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) ما خدعك وسول لك الباطل حتى أضعت ما وجب عليك . والمعنى : ماذا أمنك من [ عذابه ] قال عطاء : نزلت في الوليد بن المغيرة .وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في الأسود بن شريق ضرب النبي فلم يعاقبه الله - عز وجل - فأنزل الله هذه الآية يقول : ما الذي غرك بربك الكريم المتجاوز عنك إذ لم يعاقبك عاجلا بكفرك ؟ قال قتادة : غره عدوه المسلط عليه يعني الشيطان قال مقاتل : غره عفو الله حين لم يعاقبه في أول [ مرة ] . وقال السدي : غره رفق الله به .وقال ابن مسعود : ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة . فيقول : يا ابن آدم ما غرك بي ؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما [ علمت ] ؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ .وقيل للفضيل بن عياض : لو أقامك الله يوم القيامة فقال : ما غرك بربك الكريم ماذا كنت تقول ؟ قال : أقول غرني ستورك المرخاة .وقال يحيى بن معاذ : لو أقامني بين يديه فقال ما غرك بي ؟ [ فأقول ] غرني بك برك بي سالفا وآنفا .وقال أبو بكر الوراق : لو قال لي : ما غرك بربك الكريم لقلت : غرني كرم الكريم .قال بعض أهل الإشارة : إنما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة حتى يقول : غرني كرم الكريم .

قوله تعالى : يا أيها خاطب بهذا منكري البعث . وقال ابن عباس : الإنسان هنا : الوليد بن المغيرة . وقال عكرمة : أبي بن خلف . وقيل : نزلت في أبي الأشد بن كلدة الجمحي . عن ابن عباس أيضا ( ما غرك بربك ) أي ما الذي غرك حتى كفرت ؟ بربك الكريم أي المتجاوز عنك . قال قتادة : غره شيطانه المسلط عليه . الحسن : غره شيطانه الخبيث . وقيل : حمقه وجهله . رواه الحسن عن عمر - رضي الله عنه - . وروى غالب الحنفي قال : لما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم قال : " غره الجهل " وقال صالح بن مسمار : بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ؟ فقال : " غره جهله " . وقال عمر - رضي الله عنه - : كما قال الله تعالى : إنه كان ظلوما جهولا . وقيل : غره عفو الله ، إذ لم يعاقبه في أول مرة . قال إبراهيم بن الأشعث : قيل : للفضيل بن عياض : لو أقامك الله تعالى يوم القيامة بين يديه ، فقال لك : ما غرك بربك الكريم ؟ ماذا كنت تقول ؟ قال : كنت أقول غرني ستورك المرخاة ; لأن الكريم هو الستار . نظمه ابن السماك فقال :يا كاتم الذنب أما تستحي والله في الخلوة ثانيكا غرك من ربك إمهالهوستره طول مساويكاوقال ذو النون المصري : كم من مغرور تحت الستر وهو لا يشعر .وأنشد أبو بكر بن طاهر الأبهري :يا من غلا في العجب والتيه وغره طول تماديهأملى لك الله فبارزته ولم تخف غب معاصيهوروي عن علي - رضي الله عنه - أنه صاح بغلام له مرات فلم يلبه فنظر فإذا هو بالباب ، فقال : ما لك لم تجبني ؟ فقال . لثقتي بحلمك ، وأمني من عقوبتك . فاستحسن جوابه فأعتقه . وناس يقولون : ما غرك : ما خدعك وسول لك ، حتى أضعت ما وجب عليك ؟ وقال ابن مسعود : ما منكم من أحد إلا وسيخلو الله به يوم القيامة ، فيقول له : يابن آدم ماذا غرك بي ؟ يابن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ يابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)يقول تعالى ذكره: يا أيها الإنسان الكافر، أيّ شيء غرّك بربك الكريم، غرّ الإنسانَ به عدوُّه المسلَّط عليه.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) شيء ما غرّ ابن آدم هذا العدوّ الشيطان.

يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) استئناف ابتدائي لأن ما قبله بمنزلة المقدمة له لتهيئة السامع لتلقي هذه الموعظة لأن ما سبقه من التهويل والإِنذار يهيّىء النفس لقبول الموعظة إذ الموعظة تكون أشدّ تغلغلاً في القلب حينئذ لما يشعر به السامع من انكسار نفسه ورقّة قلبه فيزول عنه طغيان المكابرة والعناد فخطر في النفوس ترقب شيء بعد ذلك .النداء للتنبيه تنبيهاً يشعر بالاهتمام بالكلام والاستدعاء لسماعه فليس النداء مستعملاً في حقيقته إذ ليس مراداً به طلب إقبال ولا هو موجّه لشخص معين أو جماعة معينة بل مثلُه يجعله المتكلم موجّهاً لكل من يسمعه بقصد أو بغير قصد .فالتعريف في { الإِنسان } تعريف الجنس ، وعلى ذلك حمله جمهور المفسرين ، أي ليس المراد إنساناً معيناً ، وقرينة ذلك سياق الكلام مع قوله عَقِبَه { بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين } [ الانفطار : 9 ، 10 ] الآية .وهذا العموم مراد به الذين أنكروا البعث بدلالة وقوعه عقب الإِنذار بحصول البعث ويدل على ذلك قوله بعده : { بل تكذبون بالدين } [ الانفطار : 9 ] فالمعنى : يا أيها الإنسان الذي أنكر البعث ولا يكون منكر البعث إلا مشركاً لأن إنكار البعث والشرك مُتلازمان يومئذ فهو من العامّ المراد به الخصوص بالقرينة أو من الاستغراق العرفي لأن جمهور المخاطبين في ابتداء الدعوة الإِسلامية هم المشركون .و { مَا } في قوله : { ما غرك بربك } استفهامية عن الشيء الذي غرّ المشرك فحمله على الإِشراك بربه وعلى إنكار البعث .وعن ابن عباس وعطاء : الإِنسان هنا الوليد بن المغيرة ، وعن عكرمة المراد أبيّ بن خلف ، وعن ابن عباس أيضاً : المراد أبو الأشد بن كَلَدَة الجُمحِي ، وعن الكلبي ومقاتل : نزلت في الأسود بن شَريق .والاستفهام مجاز في الإِنكار والتعجيب من الإِشراك بالله ، أي لا موجب للشرك وإنكار البعث إلا أن يكون ذلك غروراً غرّه عنا كناية عن كون الشرك لا يخطر ببال العاقل إلا أن يغره به غار ، فيحتمل أن يكون الغرور موجوداً ويحتمل أن لا يكون غروراً .والغرور : الإِطماع بما يتوهمه المغرور نفعاً وهو ضرّ ، وفعلُه قد يسند إلى اسم ذات المُطمع حقيقة مثل : { ولا يغرنكم باللَّه الغرور } [ لقمان : 33 ] أو مجازاً نحو : { وغرتكم الحياة الدنيا } [ الجاثية : 35 ] فإن الحياة زمان الغرور ، وقد يسند إلى اسم معنى من المعاني حقيقة نحو : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } [ آل عمران : 196 ] . وقول امرىء القيس: ... أغرَّك مني أن حبك قاتليأو مجازاً نحو قوله تعالى : { زخرف القول غروراً } [ الأنعام : 112 ] .ويتعدى فعله إلى مفعول واحد ، وقد يذكر مع مفعوله اسم ما يتعلق الغرور بشؤونه فيعدى إليه بالباء ، ومعنى الباء فيه الملابسة كما في قوله : { ولا يغرنكم باللَّه الغرور } [ لقمان : 33 ] ، أي لا يغرنكم غروراً متلبساً بشأن الله ، أي مصاحباً لشؤون الله مصاحبة مجازية وليست هي بَاء السببية كما يقال : غره ببذل المال ، أو غرّه بالقول .
الآية 6 - سورة الإنفطار: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم...)