سورة الإنفطار: الآية 9 - كلا بل تكذبون بالدين...

تفسير الآية 9, سورة الإنفطار

كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ

الترجمة الإنجليزية

Kalla bal tukaththiboona bialddeeni

تفسير الآية 9

ليس الأمر كما تقولون من أنكم في عبادتكم غير الله مُحِقون، بل تكذِّبون بيوم الحساب والجزاء. وإن عليكم لملائكة رقباء كراما على الله كاتبين لما وُكِّلوا بإحصائه، لا يفوتهم من أعمالكم وأسراركم شيء، يعلمون ما تفعلون من خير أو شر.

«كلا» ردع عن الاغترار بكرم الله تعالى «بل تكذبون» أي كفار مكة «بالدين» بالجزاء على الأعمال.

كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ أي: مع هذا الوعظ والتذكير، لا تزالون مستمرين على التكذيب بالجزاء.

وقوله ( كلا بل تكذبون بالدين ) أي : بل إنما يحملكم على مواجهة الكريم ومقابلته بالمعاصي تكذيب في قلوبكم بالمعاد والجزاء والحساب .

ثم يكشف القرآن بعد ذلك عن علة الغرور والغفلة - وهى التكذيب بيوم الحساب - ويقرر أن كل عمل يعمله الإِنسان هو مسجل عليه فيقول : ( كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين . وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَاماً كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) .و " كلا " حرف ردع وزجر ، وهى هنا للردع والزجر عن الاغترار بكرم الله - تعالى - وعن جعله ذريعة إلى الكفر والفسوق والعصيان .وقوله : ( كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين ) إبطال لوجود ما يدعو إلى غرورهم لو كانوا يعقلون .أى : كلا ليس هناك شئ يقتضى غروركم بالله - تعالى - ويجرؤكم على عصيانه لو كنتم تتفكرون وتتدبرون . . ولكن تكذيبهم بالبعث والحساب والجزاء هو الذى حملكم على الكفر والفسوق والعصيان .قال الآلوسى ما ملخصه : قوله ( كلا ) ردع عن الاغترار بكرم الله - تعالى - وقوله : ( كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين ) إضراب عن جملة مقدرة ، ينساق إليها الكلام ، كأنه قيل بعد الردع بطريق الاعتراض ، وأنتم لا ترتدعون عن ذلك ، بل تجترئون على أعظم منه ، حيث تكذبون بالجزاء والبعث رأسا ، أو بدين الإِسلام ، اللذين هما من جملة أحكامه ، فلا تصدقون سؤالا ولا جوابا ، ولا ثوابا ولا عقابا ، وفيه ترق من الأهوان إلى الأعظم .وعن الراغب : " بل " هنا لتصحيح الثانى وإبطال الأول . كأنه قيل : ليس هنا مقتض لغرورهم ، ولكن تكذيبهم بالبعث حملهم على ما ارتكبوه .وقيل تقدير الكلام : كلا إنكم لا تستقيمون على ما توجبه نعمى إليكم ، وإرشادى لكم ، بل تكذبون بالدين . .

"كلا بل تكذبون"، قرأ أبو جعفر بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله: "وإن عليكم لحافظين" "بالدين"، بالجزاء والحساب.

قوله تعالى : كلا بل تكذبون بالدين يجوز أن تكون كلا بمعنى حقا و ( ألا ) فيبتدأ بها . ويجوز أن تكون بمعنى ( لا ) ، على أن يكون المعنى ليس الأمر كما تقولون من أنكم في عبادتكم غير الله محقون . يدل على ذلك قوله تعالى : ما غرك بربك الكريم وكذلك يقول الفراء : يصير المعنى : ليس كما غررت به . وقيل : أي ليس الأمر كما يقولون ، من أنه لا بعث . وقيل : هو بمعنى الردع والزجر . أي لا تغتروا بحلم الله وكرمه ، فتتركوا التفكر في آياته . ابن الأنباري : الوقف الجيد على الدين ، وعلى ركبك ، والوقف على كلا قبيح . بل تكذبون يا أهل مكة بالدين أي بالحساب ، و ( بل ) لنفي شيء تقدم وتحقيق غيره . وإنكارهم للبعث كان معلوما ، وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة .

القول في تأويل قوله تعالى : كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)يقول تعالى ذكره: ليس الأمر أيها الكافرون كما تقولون من أنكم على الحقّ في عبادتكم غير الله، ولكنكم تكذّبون بالثواب والعقاب، والجزاء والحساب.وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ( بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) قال: بالحساب.حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) قال: بيوم الحساب.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: ( بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) قال: يوم شدّة، يوم يدين الله العباد بأعمالهم.

كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9){ كَلاَّ } ردع عما هو غرور بالله أو بالغرور مما تضمنه قوله : { ما غرك بربك } [ الانفطار : 6 ] من حصور ما يغرّ الإِنسان بالشرك ومن إغْراضه عن نعم الله تعالى بالكفر ، أو من كون حالة المشرك كحالة المغرور كما تقدم من الوجهين في الإِنكار المستفاد من قوله : { ما غرك بربك الكريم } .والمعنى : إشراكك بخالقك باطل وهو غُرور ، أو كالغرور .ويكون قوله بعده : { بل تكذبون بالدين } إضراباً انتقالياً من غرض التوبيخ والزجر على الكفر إلى ذكر جرم فظيع آخر ، وهو التكذيب بالبعث والجزاء ويشمله التوبيخ بالزجر بسبب أنه معطوف على توبيخ وجزر لأن { بل } لا تخرج عن معنى العطف أي العطف في الغرض لا في نسبة الحكم . ولذلك يتبع المعطوف بها المفرد في إعراب المعطوف عليه فيقول النحويون : إنها تُتْبَع في اللفظ لا في الحكم ، أي هو اتباعُ مناسبة في الغرض لا اتباعٌ في النسبة .ويجوز أن يكون { كلاّ } إبطالاً لوجود ما يغرّ الإِنسان أن يشرك بالله ، أي لا عذر للإِنسان في الإِشراك بالله إذ لا يوجد ما يغرّه به .ويكون قوله : { بل تكذبون } إضراباً إبطالياً ، وما بعد { بل } بياناً لِما جرَّأهم على الإِشراك وأنه ليس غروراً إذ لا شبهة لهم في الإِشراك حتى تكون الشبهة كالغرور ، ولكنهم أصروا على الإِشراك لأنهم حسبوا أنفسهم في مأمن من تبعته فاختاروا الاستمرار عليه لأنه هوى أنفسهم ، ولم يعبأوا بأنه باطل صُراح فهم يكذبون بالجزاء فذلك سبب تصميم جميعهم على الشرك مع تفاوت مداركهم التي لا يخفى على بعضِها بطلانُ كون الحجارة آلهة ، ألا ترى أنهم ما كانوا يرون العذاب إلا عذاب الدنيا .وعلى هذا الوجه يكون فيه إشارة إلى أن إنكار البعث هو جُماع الإِجرام ، ونظير هذا الوجه وقع في قوله تعالى : { فمالهم لا يؤمنون وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون بل الذين كفروا يكذبون } في سورة الانشقاق ( 20 ، 22 ) .وقرأ الجمهور : تكذبون } بتاء الخطاب . وقرأه أبو جعفر بياء الغيبة على الالتفات .وفي صيغة المضارع من قوله : { تكذبون بالدين } إفادة أن تكذيبهم بالجزاء متجدد لا يقلعون عنه ، وهو سبب استمرار كفرهم .وفي المضارع أيضاً استحضار حالة هذا التكذيب استحضاراً يقتضي التعجيب من تكذيبهم لأن معهم من الدلائل ما لحقه أن يقلع تكذيبهم بالجزاء .والدين : الجزاء .
الآية 9 - سورة الإنفطار: (كلا بل تكذبون بالدين...)