سورة الإنشقاق: الآية 14 - إنه ظن أن لن يحور...

تفسير الآية 14, سورة الإنشقاق

إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ

الترجمة الإنجليزية

Innahu thanna an lan yahoora

تفسير الآية 14

وأمَّا مَن أُعطي صحيفة أعماله من وراء ظهره، وهو الكافر بالله، فسوف يدعو بالهلاك والثبور، ويدخل النار مقاسيًا حرها. إنه كان في أهله في الدنيا مسرورًا مغرورًا، لا يفكر في العواقب، إنه ظنَّ أن لن يرجع إلى خالقه حيا للحساب. بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله، إن ربه كان به بصيرًا عليمًا بحاله من يوم خلقه إلى أن بعثه.

«إنه ظن أن» مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي أنه «لن يحور» يرجع إلى ربه.

ولم يظن أنه راجع إلى ربه وموقوف بين يديه.

أي كان يعتقد أنه لا يرجع إلى الله ولا يعيده بعد موته قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما والحور هو الرجوع.

قال القرطبى : قوله ( إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ) أى : لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب . ثم يثاب أو يعاقب . يقال : حار فلان يحور إذا رجع ، ومنه قول لبيد :وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطعفالحور فى كلام العرب : ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم إنى أعوذ بك من الحَوْر بعد الكَوْر " يعنى : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة . .

"إنه ظن أن لن يحور"، أن لن يرجع إلينا ولن يبعث.

إنه ظن أن لن يحور أي لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب ، ثم يثاب أو يعاقب . يقال : حار يحور إذا رجع ; قال لبيد :وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطعوقال عكرمة وداود بن أبي هند ، يحور كلمة بالحبشية ، ومعناها يرجع . ويجوز أن تتفق الكلمتان فإنهما كلمة اشتقاق ; ومنه الخبز الحوارى ; لأنه يرجع إلى البياض . وقال ابن عباس : ما كنت أدري : ما يحور ؟ حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها : حوري ، أي ارجعي إلي ، فالحور في كلام العرب الرجوع ; ومنه قوله - عليه السلام - : اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور يعني : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة ، وكذلك الحور بالضم . وفي المثل ( حور في محارة ) أي نقصان في نقصان . يضرب للرجل إذا كان أمره يدبر ، قال الشاعر :واستعجلوا عن خفيف المضغ فازدردوا والذم يبقى وزاد القوم في حوروالحور أيضا : الاسم من قولك : طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا ; أي ما ردت شيئا من الدقيق . والحور أيضا الهلكة ; قال الراجز :في بئر لا حور سرى ولا شعرقال أبو عبيدة : أي بئر حور ، و ( لا ) زائدة . وروي ( بعد الكون ) ومعناه من انتشار الأمر بعد تمامه . وسئل معمر عن الحور بعد الكون ، فقال : هو الكنتي . فقال له عبد الرزاق : وما الكنتي ؟ فقال : الرجل يكون صالحا ثم يتحول رجل سوء . قال أبو عمرو : يقال للرجل إذا شاخ : كنتي ، كأنه نسب إلى قوله : كنت في شبابي كذا . قال :فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا وشر خصال المرء كنت وعاجنعجن الرجل : إذا نهض معتمدا على الأرض من الكبر . وقال ابن الأعرابي : الكنتي : هو الذي يقول : كنت شابا ، وكنت شجاعا ، والكاني هو الذي يقول : كان لي مال وكنت أهب ، وكان لي خيل وكنت أركب .

وقوله: ( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ* بَلَى ) يقول تعالى ذكره: إنّ هذا الذي أُوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة، ظنّ في الدنيا أن لن يرجع إلينا، ولن يُبعث بعد مماته، فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم؛ لأنه لم يكن يرجو ثوابًا، ولم يكن يخشى عقابًا، يقال منه: حار فلان عن هذا الأمر: إذا رجع عنه، ومنه الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: " اللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ" يعني بذلك: من الرجُوع إلى الكفر، بعد الإيمان.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) يقول: يُبعث .حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى ) قال: أن لا يرجع إلينا .حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) : أن لا مَعَادَ له ولا رجعة .حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( أَنْ لَنْ يَحُورَ ) قال: أن لن ينقلب: يقول: أن لن يبعث .حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، ( ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) قال: يرجع .حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( أَنْ لَنْ يَحُورَ ) قال: أن لن ينقلب .

إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) وموقع جملة : { إنه ظن أن لن يحور } موقع التعليل لمضمون جملة : { وأما من أوتي كتابه وراء ظهره } إلى آخرها .وحرف ( إنّ ) فيها مُغْننٍ عن فاء التعليل ، فالمعنى : يصلى سعيراً لأنه ظن أن لن يحور ، أي لن يرجع إلى الحياة بعد الموت ، أي لأنه يُكَذِّبُ بالبعث ، يقال : حار يحور ، إذا رجع إلى المكان الذي كان فيه ، ثم أطلق على الرجوع إلى حالة كان فيها بعدَ أن فارقها ، وهو المراد هنا وهو من المجاز الشائع مثل إطلاق الرجوع عليه في قوله : { ثم إلينا مرجعكم } [ يونس : 23 ] وقوله : { إنه على رجعه لقادر } [ الطارق : 8 ] وسُمي يومُ البعث يومَ المعاد .وجيء بحرف { لن } الدال على تأكيد النفي وتأييده لحكاية جزمهم وقطعهم بنفيه .وحرف { بلى } يجاب به الكلام المنفي لإبطال نفيه وأكثر وقوعه بعد الاستفهام عن النفي نحو : { ألست بربكم قالوا بلى } [ الأعراف : 172 ] ويقع بعد غير الاستفهام أيضاً نحو قوله تعالى :{ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن } [ التغابن : 7 ] .
الآية 14 - سورة الإنشقاق: (إنه ظن أن لن يحور...)