سورة الإنشقاق: الآية 17 - والليل وما وسق...

تفسير الآية 17, سورة الإنشقاق

وَٱلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ

الترجمة الإنجليزية

Waallayli wama wasaqa

تفسير الآية 17

أقسم الله تعالى باحمرار الأفق عند الغروب، وبالليل وما جمع من الدواب والحشرات والهوام وغير ذلك، وبالقمر إذا تكامل نوره، لتركبُنَّ- أيها الناس- أطوارا متعددة وأحوالا متباينة: من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى نفخ الروح إلى الموت إلى البعث والنشور. ولا يجوز للمخلوق أن يقسم بغير الله، ولو فعل ذلك لأشرك.

«والليل وما وسق» جمع ما دخل عليه من الدواب وغيرها.

وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ أي: احتوى عليه من حيوانات وغيرها.

وإنما حمله على هذا قرنه بقوله تعالى ( والليل وما وسق ) أي : جمع كأنه أقسم بالضياء والظلاموقال ابن جرير أقسم الله بالنهار مدبرا وبالليل مقبلا . وقال ابن جرير وقال آخرون الشفق اسم للحمرة والبياض . وقالوا هو من الأضداد .قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة : ( وما وسق ) وما جمع قال قتادة وما جمع من نجم ودابة واستشهد ابن عباس بقول الشاعر :مستوسقات لو تجدن سائقاقد قال عكرمة ( والليل وما وسق ) يقول ما ساق من ظلمة إذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه

والوسق : جمع الأشياء ، وضم بعضها إلى بعض . يقال : وسَق الشئَ يسِقُه - كضرب - إذا جمعه فاجتمع ، ومنه قولهم : إبل مستوسقة ، أى : مجتمعة ، وأمر متسق . أى : مجتمع على ما يسر صاحبه ويرضيه .أى : أقسم بالحمرة التى تظهر فى الأفق العربى ، بعد غروب الشمس ، وبالليل وما يضمه تحت جناحه من مخلوقات وعجائب لا يعلمها إلا الله - تعالى - وبالقمر إذا ما اجتمع نوره ، وأكتمل ضاؤه ، وصار بدرا متلألئاً .وفى القسم بهذه الأشياء ، دليل واضح على قدرة الله - تعالى - الباهرة ، لأن هذه الأشياء تتغير من حال إلى حال ، ومن هيئة إلى هيئة . . فالشفق حالة تأتى فى أعقاب غروب الشمس ، والليل يأتى بعد النهار ، والقمر يكتمل بعد نقصان . . وكل هذه الحالات الطارئة ، دلائل على قدرة الله - تعالى - .

( والليل وما وسق ) أي جمع وضم ، يقال : وسقته أسقه وسقا ، أي : جمعته ، واستوسقت الإبل : إذا اجتمعت وانضمت . والمعنى : والليل وما جمع وضم ما كان بالنهار منتشرا من الدواب ، وذلك أن الليل إذا أقبل أوى كل شيء إلى مأواه . روى منصور عن مجاهد قال : ما لف وأظلم عليه . وقال مقاتل بن حيان : أقبل من ظلمة أو كوكب . وقال سعيد بن جبير . وما عمل فيه .

قوله تعالى : والليل وما وسق أي جمع وضم ولف ، وأصله من سورة السلطان وغضبه فلولا أنه خرج إلى العباد من باب الرحمة ما تمالك العباد لمجيئه ولكن خرج من باب الرحمة فمزح بها ، فسكن الخلق إليه ثم ابذعروا والتفوا وانقبضوا ، ورجع كل إلى مأواه فسكن فيه من هوله وحشا ، وهو قوله تعالى : ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه أي بالليل ولتبتغوا من فضله أي بالنهار على ما تقدم . فالليل يجمع ويضم ما كان منتشرا بالنهار في تصرفه . هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم ; قال ضابئ بن الحارث البرجمي :فإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أناملهيقول : ليس في يده من ذلك شيء كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء ; فإذا جلل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له ، فقد وسقها . والوسق : ضمك الشيء بعضه إلى بعض ، تقول : وسقته أسقه وسقا . ومنه قيل للطعام الكثير المجتمع : وسق ، وهو ستون صاعا . وطعام موسق : أي مجموع ، وإبل مستوسقة أي مجتمعة ; قال الراجز [ العجاج ] :إن لنا قلائصا حقائقا متوسقات لو يجدن سائقاوقال عكرمة : وما وسق أي وما ساق من شيء إلى حيث يأوي ، فالوسق بمعنى الطرد ، ومنه قيل للطريدة من الإبل والغنم والحمر : وسيقة ، قال الشاعر [ الأسود بن يعفر ] :كما قاف آثار الوسيقة قائفوعن ابن عباس : وما وسق أي وما جن وستر . وعنه أيضا : وما حمل ، وكل شيء حملته فقد وسقته ، والعرب تقول : لا أفعله ما وسقت عيني الماء ، أي حملته . ووسقت الناقة تسق وسقا : أي حملت وأغلقت رحمها على الماء ، فهي ناقة واسق ، ونوق وساق مثل نائم ونيام ، وصاحب وصحاب ، قال بشر بن أبي خازم :ألظ بهن يحدوهن حتى تبينت الحيال من الوساقومواسيق أيضا . وأوسقت البعير : حملته حمله ، وأوسقت النخلة : كثر حملها . وقال يمان والضحاك ومقاتل بن سليمان : حمل من الظلمة . قال مقاتل : أو حمل من الكواكب . القشيري : ومعنى حمل : ضم وجمع ، والليل يجلل بظلمته كل شيء فإذا جللها فقد وسقها . ويكون هذا القسم قسما بجميع المخلوقات ، لاشتمال الليل عليها ، كقوله تعالى : فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون . وقال ابن جبير : وما وسق أي وما عمل فيه ، يعني التهجد والاستغفار بالأسحار ، قال الشاعر :ويوما ترانا صالحين وتارة تقوم بنا كالواسق المتلببأي كالعامل .

وقوله: ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) يقول: والليل وما جمع مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير، أو يَدِب نهارًا، يقال منه: وسَقْتُه أسِقُه وَسْقا، ومنه طعام موسُوق، وهو المجموع في غرائر أو وعاء، ومنه الوَسْق، وهو الطعام المجتمع الكثير مما يُكال أو يوزن، يقال: هو ستون صاعًا، وبه جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَمَا وَسَقَ ) يقول: وما جمع .حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال: وما جمع . وقال ابن عباس:مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقَا (2)حدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سأل حفص الحسن عن قوله: ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال: وما جمع .حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال: وما جمع، يقول: ما آوى فيه من دابة .حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) : وما لفّ .حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال: وما أظلم عليه، وما أدخل فيه . وقال ابن عباس:* مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ حَادِيا *حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) يقول: وما جمع من نجم أو دابة .حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَمَا وَسَقَ ) قال: وما جمع .حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال: وما جمع مجتمع فيه الأشياء التي يجمعها الله التي تأوي إليه، وأشياء تكون في الليل لا تكون في النهار ما جمع مما فيه ما يأوي إليه، فهو مما جمع .حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد: ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) يقول: ما لُفّ عليه .قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال: وما دخل فيه .حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) : وما جمع .قال: ثنا وكيع، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس ( وَمَا وَسَقَ ) : وما جمع، ألم تسمع قول الشاعر:* مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقَا *حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله: ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال: ما حاز إذا جاء الليل .وقال آخرون: معنى ذلك: وما ساق.* ذكر من قال ذلك:حدثنا عبد الله بن أحمد المَرْوَزيّ، قال: ثنا عليّ بن الحسن، قال: ثنا حسين، قال: سمعت عكرمة وسئل ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال: ما ساق من ظلمة، فإذَا كان الليل، ذهب كلّ شيء إلى مأواه .حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسن، عن عكرمة ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) يقول: ما ساق من ظلمة إذا جاء الليل ساق كل شيء إلى مأواه .حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال: ما ساق معه من ظلمة إذا أقبل .حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) يعني: وما ساق الليل من شيء جمعه النجوم، ويقال: والليل وما جمع .------------------------الهوامش:(2) هذا بيت من مشطور الرجز ، أنشده أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 186 ) قال : وما وسق ما علاه لم يمتنع منه شيء ، فإذا جلل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض ، فاجتمعت له ، فقد وسقها ؛ قال الشاعر :* مستوسقات لو وجدن سائقًا *وفي الكامل للمبرد ( طبعة الحلبي 957 ) حدث أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي النسابة ، عن أسامة بن زيد ، عن عكرمة ، قال : رأيت عبد الله بن العباس وعنده نافع بن الأزرق وهو يسأله ، ويطلب منه الاحتجاج باللغة ، فسأله عن قول الله جل ثناؤه : والليل وما وسق ، فقال ابن عباس : وما جمع ، فقال : أتعرف ذلك العرب ؟ قال ابن عباس : أما سمعت قول الراجز :إنَّ لَنا قَلائِصًا حَقائِقَامُسْتَوْسِقاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سائِقَاقال المبرد : هذا قول ابن عباس ؛ وهو الحق الذي لا يقدح فيه قادح . قلت : وبناء عليه يكون هذان البيتان معروفين في عصر ابن عباس ونافع بن الأزرق . وتكون نسبتهما إلى العجاج في ملحق ديوانه ، وفي إحدى روايات ( اللسان : وشق ) غير صحيحة . والنون في يجدن أو وجد : راجعة إلى الأبل ، وأن من الخطأ أن يقال : تجدن بالتاء في أول الفعل إلا إذا كان لجمع مؤنث للمخاطبات ، وقد وقع خطأ تجدن في اللسان ، وفي ديوان العجاج 84 . وخلاصة ما تقدم أن هذا الرجز عرفه ابن عباس وأنشده احتجاجا على ما سأله عنه نافع . ولابد إذن من حمل عبارة : وقال ابن عباس " مستوسقات " التي وردت في ثلاثة مواضع في الطبري على إرادة . وأنشد ابن عباس ؛ لأن ما ورد في التفسير مسوق روايات لبعض المفسرين ، وفيه تسمح في التعبير .

وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) و { ما وَسَق } ( مَا ) فيه مصدرية ، ويجوز أن يكون موصولة على طريقة حذف العائد المنصوب .والوسْق : جمع الأشياء بعضها إلى بعض فيجوز أن يكون المعنى وما جمع مما كان منتشراً في النهار من ناس وحيوان فإنها تأوي في الليل إلى مآويها وذلك مما جعل الله في الجبلة من طلب الأحياء السكون في الليل قال تعالى : { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله } [ القصص : 73 ] ، وذلك من بديع التكوين فلذلك أقْسم به قسماً أدمجت فيه منّة . وقيل : ما وسقه الليل : النجوم ، لأنها تظهر في الليل ، فشبه ظهورها فيه بوسق الواسِق أشياء متفرقة . وهذا أنسب بعطف القمر عليه .
الآية 17 - سورة الإنشقاق: (والليل وما وسق...)