سورة الجاثية (45): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الجاثية بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الجاثية مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الجاثية

سُورَةُ الجَاثِيَةِ
الصفحة 500 (آيات من 14 إلى 22)

قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يَغْفِرُوا۟ لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجْزِىَ قَوْمًۢا بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ وَءَاتَيْنَٰهُم بَيِّنَٰتٍ مِّنَ ٱلْأَمْرِ ۖ فَمَا ٱخْتَلَفُوٓا۟ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُوا۟ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلْأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا۟ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا ۚ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۖ وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُوا۟ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍۭ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
500

الاستماع إلى سورة الجاثية

تفسير سورة الجاثية (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Qul lillatheena amanoo yaghfiroo lillatheena la yarjoona ayyama Allahi liyajziya qawman bima kanoo yaksiboona

.قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) إن كانت هذه متصلة بالآي التي قبلها في النزول ولم يصح ما روي عن ابن عباس في سبب نزولها فمناسبة وقعها هنا أن قوله : { ويل لكل أفّاك أثيم } إلى قوله : { لهم عذاب من رجز أليم } [ الجاثية : 7 11 ] يثير غضب المسلمين على المستهزئين بالقرآن . وَقد أخذ المسلمون يعتزون بكثرتهم فكان ما ذكر من استهزاء المشركين بالقرآن واستكبارهم عن سماعه يتوقع منه أن يبطش بعض المسلمين ببعض المشركين ، ويحتمل أن يكون بَدَرَ من بعض المسلمين غضب أو توعد وأن الله علم ذلك من بعضهم .قال القرطبي والسدي : نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة أصابهم أذى شديد من المشركين فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم الله بالتجاوز عن ذلك لمصلحة في استبقاء الهدوء بمكة والمتاركة بين المسلمين والمشركين ففي ذلك مصالح جمّة من شيوع القرآن بين أهل مكة وبين القبائل النازلين حولها فإن شيوعه لا يخلو من أن يأخذ بمجامع قلوبهم بالرغم على ما يبدونه من إِعراض واستكبار واستهزاء فتتهَيَّأ نفوسهم إلى الدخول في الدين عند زوال ممانعة سادتهم بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبعد استئصال صناديد قريش يوم بدر . وقد تكرر في القرآن مثل هذا من الأمر بالصفح عن المشركين والعفو عنهم والإعراض عن أذاهم ، ولكن كان أكثر الآيات أمراً للنبيء صلى الله عليه وسلم في نفسه وكانت هذه أمراً له بأن يبلغ للمؤمنين ذلك ، وذلك يشعر بأن الآية نزلت في وقت كان المسلمون قد كثروا فيه وأحسّوا بعزتهم . فأمروا بالعفو وأن يكلوا أمر نصرهم إلى الله تعالى ، وإن كانت نزلت على سبب خاص عرض في أثناء نزول السورة فمناسبتها لأغراض السورة واضحة لأنها تعليم لما يصلح به مقام المسلمين بمكة بين المضادين لهم واحتمال ما يلاقونه من صَلفهم وتجبرهم إلى أن يقضي الله بينهم .وقد روي في سبب نزولها أخبار متفاوتة الضعف ، فروى مكي بن أبي طالب أن رجلاً من المشركين شتم عمر بن الخطاب فَهَمّ أن يبطش به قال ابن العربي : «وهذا لم يصح» . وفي «الكشاف» أن عمر شتمه رجل من غِفار فَهَمَّ أن يبطش به فنزلت . وعن سعيد بن المسيب «كنا بين يدي عمر بن الخطاب فقرأ قارىء هذه الآية فقال عمر : ليَجزِيَ عُمَرَ بما صنع» يعني أنه سبب نزول الآية . وروى الواحدي والقشيري عن ابن عباس : إنها نزلت في غزوة بني المصطلق : نزلوا على بئر يقال لها : المُرَيْسِيع فأرسَل عبدُ الله بن أُبَيّ غلامه ليستقي من البئر فأبطأ ، فلما أتاه قال : ما حسبك . قال : غلام عُمر قعد على فم البئر فما ترك أحداً يسقي حتى مَلأ قِرَبَ النبي صلى الله عليه وسلم وقِرَب أبي بكر ومَلأ لمولاه ، فقال عبد الله بن أُبيّ : ما مَثلُنا ومثَلُ هؤلاء إلا كما قال القائل : «سَمِّن كلبَك يأكُلك» فهَمَّ عمر بن الخطاب بقتله ، فنزلت .وروى ابن مهران عن ابن عباس لما نزل قوله تعالى : { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } [ البقرة : 245 ] الآية قال فنحاص اليهودي : احتاج ربّ محمد ، فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه فنزلت الآية ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه فلما جاء قال : ضع سيفك . وهاتان روايتان ضعيفتان ومن أجلهما روي عن عطاء وقتادة وابن عباس أن هذه الآية مدنية .وأقرب هذه الأخبار ما قاله مكي بن أبي طالب . ولو صحت ما كان فيه ما يفكك انتظام الآيات سواء صادف نزولها تلك الحادثة أو أمر الله بوضعها في هذا الموضع .وجزْم { يغفروا } على تقدير لام الأمر محذوفاً ، أي قل لهم ليغفروا ، أو هو مجزوم في جواب { قل } ، والمقول محذوف دل عليه الجواب . والتقدير : قل للذين آمنوا اغفروا يغفروا . وهذا ثقة بالمؤمنين أنهم إذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم امتثلوا . والوجهان يتأتَّيان في مثل هذا التركيب كلما وقع في الكلام ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة } في سورة إبراهيم ( 31 ) .و { الذين لا يرجون أيام الله } يراد بهم المشركون من أهل مكة .والرجاء : ترقب وتطلب الأمر المحبوب ، وهذا أشهر إطلاقاته وهو الظاهر في هذه الآية .والأيام : جمع يوم ، وهذا الجمع أو مفرده إذا أضيف إلى اسم أحد أو قوم أو قبيلة كان المراد به اليوم الذي حصل فيه لمَن أضيف هو إليه نَصر وغلب على معاند أو مُقاتل ، ومنه أطلق على أيام القتال المشهورة بين قبائل العرب : أيامُ العرب ، أي التي كان فيها قتال بين قبائل منهم فانتصر بعضهم على بعض ، كما يقال أيام عبس ، وأيام داحس والغبراء ، وأيام البَسوس ، قال عمرو بن كلثوم: ... وأيام لنَا غرٌّ طِوالعَصينا المَلْك فيها إن نَدِينا ... فإذا قالوا : أيام بني فلان ، أرادوا الأيام التي انتصر فيها من أضيفت الأيام إلى اسمه ، ويقولون : أيام بني فلان على بني فلان فيريدون أن المجرور بحرف الاستعلاء مغلوب لتضمن لفظ { أيام } أو ( يوم ) معنى الانتصار والغلب . وبذلك التضمّن كان المجرور متعلقاً بلفظ { أيام } أو ( يوم ) وإن كان جامداً ، فمعنى { أيام الله } على هذا هو من قبيل قولهم : أيام بني فلان ، فيحصل من محمل الرجاء على ظاهر استعماله .ومحمل { أيام الله } على محمل أمثاله أن معنى الآية للذين لا تترقب نفوسهم أيام نصر الله ، أي نصر الله لهم : إما لأنهم لا يتوكلون على الله ولا يستنصرونه بل توجّههم إلى الأصنام ، وإما لأنهم لا يخطر ببالهم إلا أنهم منصورون بحولهم وقوتهم فلا يخطر ببالهم سؤال نصر الله أو رجاؤه وهم معروفون بهذه الصلة بين المسلمين فلذلك أجريت عليهم هنا وعرفوا بها .وأوثر تعريفهم بهذه الصلة ليكون في ذلك تعريض بأن الله ينصر الذين يرجون أيام نصره وهم المؤمنون . والغرض من هذا التعريض الإيماء بالموصول إلى وجه أمر المؤمنين أن يغفِروا للمشركين ويصفحوا عن أذى المشركين ولا يتكلفوا الانتصار لأنفسهم لأن الله ضمن لهم النصر .وقد يطلق { أيام الله } في القرآن على الأيام التي حصل فيها فضله ونعمته على قوم ، وهو أحد تفسيرين لقوله تعالى : { وذَكِّرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] .ومعنى { لا يرجون أيام الله } على هذا التأويل أنهم في شغل عن ترقب نعم الله بما هم فيه من إسناد فعل الخير إلى أصنامهم بانكبابهم على عبادة الأصنام دون عبادة الله ويأتي في هذا الوجه من التعريض والتحريض مثل ما ذكر في الوجه الأول لأن المؤمنين هم الذين يرجون نعمة الله . وفسر به قوله تعالى : { وقال الذين لا يرجون لقاءنا } [ الفرقان : 21 ] وقوله : { ما لكم لا تَرْجَون لله وقاراً } [ نوح : 13 ] ، فيكون المراد ب { أيام الله } : أيام جزائه في الآخرة لأنها أيام ظهور حكمه وعزته فهي تقارب الأيام بالمعنى الأول ، ومنه قوله تعالى : { ذلك اليوم الحقّ } [ النبأ : 39 ] ، أي ذلك يوم النصر الذي يحق أن يطلق عليه ( يوم ) فيكون معنى هذه الآية : أنهم لا يخافون تمكن الله من عقابهم لأنهم لا يؤمنون بالبعث .ومعنى الآية أن المؤمنين أمروا بالعفو عن أذى المشركين وقد تكرر ذلك في القرآن قال تعالى : { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } [ آل عمران : 186 ] . وفي «صحيح البخاري» عن أسامة بن زيد في هذه الآية : وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى . وقوله : { ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون } تعليل للأمر المستفاد من قوله : { يغفروا } أي ليغفروا ويصفحوا عن أذى المشركين فلا ينتصروا لأنفسهم ليجزيهم الله على إيمانهم وعلى ما أوذوا في سبيله فإن الانتصار للنفس توفية للحق وماذا عساهم يبلغون من شفاء أنفسهم بالتصدّي للانتقام من المشركين على قلتهم وكثرة أولئك فإذا توكلوا على نصر ربّهم كان نصره لهم أتم وأخضد لشوكة المشركين كما قال نوح { إني مغلوب فانتصر } [ القمر : 10 ] . وهذا من معنى قوله تعالى : { وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل } [ الحجر : 85 ] . وكان مقتضى الظاهر أن يقال ليجزيهم بما كانوا يكسبون ، فعدل إلى الإظهار في مقام الإضمار ليكون لفظُ { قوماً } مشعراً بأنهم ليسوا بمضيعة عند الله فإن لفظ ( قوم ) مشعر بفريق له قِوامه وعزته { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا } [ محمد : 11 ] .

الترجمة الإنجليزية

Man AAamila salihan falinafsihi waman asaa faAAalayha thumma ila rabbikum turjaAAoona

. مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)وتنكير { قوماً } للتعظيم ، فكأنه قيل : ليجزي أيما قوم ، أي قوماً مخصوصين . وهذا مدح لهم وثناء عليهم . ونحْوُه ما ذكر الطيبي عن ابن جنِّي عن أبي علي الفارسي في قول الشاعر: ... أفآت بنو مروان ظلماً دماءناوفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل ... قال أبو علي : هو تعالى أعرف المعارف وسماه الشاعر : حكماً عدلاً وأخرج اللفظ مخرج التنكير ، ألا ترى كيف آل الكلام من لفظ التنكير إلى معنى التعريف اه . قيل : والأظهر أن { قوماً } مراد به الإبهام وتنوينه للتنكير فقط .والمعنى : ليجزي الله كل قوم بما كانوا يكسبون من خير أو شر بما يناسب كسبهم فيكون وعيداً للمشركين المعتدين على المؤمنين ووعداً للمؤمنين المأمورين بالصفح والتجاوز عن أذى المشركين ، وهذا وجه عدم تعليق الجزاء بضمير الموقنين لأنه أريد العموم فليس ثمة إظهار في مقام الإضمار ويؤيد هذا قوله : { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها } [ فصلت : 46 ] . وهذا كالتفصيل للإجمال الذي في قوله : { ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون } . ولذلك فصلت الجملة ولم تعطف على سابقتها ، وتقدم نظيره في سورة فصّلت . وقرأ الجمهور { ليجزي قوماً } بتحتية في أوله ، والضمير المستتر عائد إلى اسم الجلالة في قوله : { يَرْجُونَ أَيَّامَ } . وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف بنون العظمة في أوله على الالتفات . وقرأه أبو جعفر بتحتية في أوله مضمومة وبفتح الزاي على البناء للمجهول ونَصبَ { قوماً } . وتأويلها أن نائب الفاعل مصدر مأخوذ من فعل ( يُجْزي ) . والتقدير : ليجزَى الجزاءُ . { وقوماً } مفعول ثان لفعل ( يجزى ) من باب كسا وأعطى . وليس هذا من إنابة المصدر الذي هو مفعول مطلق وقد منعه نحاة البصرة بل جعل المصدر مفعولاً أول من باب أعطى وهو في المعنى مفعول ثان لفعل جزى ، وإنابة المفعول الثاني في باب كسا وأعطى متفق على جوازه وإن كان الغالب إنابة المفعول الأول كقوله تعالى : { ثم يُجزاه الجزاءَ الأوفى } [ النجم : 41 ] .وقوله : { ثم إلى ربّكم ترجعون } أي بعد الأعمال في الدنيا تصيرون إلى حكم الله تعالى فيجازيكم على أعمالكم الصالحة والسيئة بما يناسب أعمالكم .وأطلق على المصير إلى حكم الله أنه رجُوع إلى الله على طريقة التمثيل بحال من كان بعيداً عن سيده أو أميره فعمل ما شاء ثم رجع إلى سيده أو أميره فإنه يلاقي جزاء ما عمله ، وقد تقدمت نظائره .

الترجمة الإنجليزية

Walaqad atayna banee israeela alkitaba waalhukma waalnnubuwwata warazaqnahum mina alttayyibati wafaddalnahum AAala alAAalameena

.وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) الوجه أن يكون سَوق خبر بني إسرائيل هنا توطئةً وتمهيداً لقوله بعده { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها } [ الجاثية : 18 ] أثار ذلك ما تقدم من قوله : { ويل لكلّ أفّاك أثيم يسمع آيات الله تُتْلَى عليه } إلى قوله : { اتخذها هزؤا } [ الجاثية : 7 9 ] ثم قوله : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } [ الجاثية : 14 ] فكان المقصدُ قولَه { ثم جعلناك على شريعة من الأمر } [ الجاثية : 18 ] ولذلك عطفت الجملة بحرف { ثمَّ الدال على التراخي الرتبي ، أي على أهمية ما عطف بها .ومقتضى ظاهر النظم أن يقع قوله : ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب } الآيتين بعد قوله : { جعلناك على شريعة من الأمر } [ الجاثية : 18 ] فيكونَ دليلاً وحجة له فأخرج النظم على خلاف مقتضى الظاهر فجعلت الحجة تمهيداً قصداً للتشويق لما بعده ، وليقع ما بعده معطوفاً ب { ثم الدالةِ على أهمية ما بعدها .وقد عرف من تورك المشركين على النبي في شأن القرآن ما حكاه الله عنهم في قوله : { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثلَ ما أوتي موسى } [ القصص : 48 ] وقولهم : { لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة } [ الفرقان : 32 ] ، فمن أجل ذلك وقع هذا بعد قوله : { ويل لكل أفّاك أثيم إلى قوله : وإذا عَلم من آياتنا شيئاً اتخذها هزؤا } [ الجاثية : 7 9 ] وقوله : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } [ الجاثية : 14 ] ، فالجملة معطوفة على تلك الجمل .وأدمج في خلالها ما اختلف فيه بنو إسرائيل على ما دعتهم إليه شريعتهم ، لما فيه من تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على مخالفة قومه دعوته تنظيراً في أصل الاختلاف دون أسبابه وعوارضه .ولما كان في الكلام ما القصد منه التسلية والاعتبار بأحوال الأمم حَسن تأكيد الخبر بلام القسم وحرففِ التحقيق ، فمصب هذا التحقيق هو التفريع الذي في قوله : { فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } [ يونس : 93 ] تأكيداً للمؤمنين بأن الله يقضي بينهم وبين المشركين كشأنه فيما حدث بين بني إسرائيل .وقد بُسِط في ذكر النظير في بني إسرائيل من وصف حالهم حينما حدث الاختلاف بينهم ، ومن التصريح بالداعي للاختلاف بينهم ما طُوي من مِثللِ بعضِه من حال المشركين حين جاءهم الإسلام فاختلفوا مع أهله إيجازاً في الكلام للاعتماد على ما يفهمه السامعون بطريق المقايسة على أن أكثره قد وقع تفصيله في الآيات السابقة مثل قوله : { تِلك آيات الله نتلوها عليك بالحق } [ الجاثية : 6 ] وقوله هذا هدى [ الجاثية : 11 ] فإن ذلك يقابل قولَه هنا { ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحُكم والنبوءة } ومثل قوله : { وسخَّر لكم ما في السموات وما في الأرض } [ الجاثية : 13 ] فإنه يقابل قولَه هنا { ورَزقناهم من الطيبات } ، ومثل قوله : { يسمع آيات الله تُتْلَى عليه ثم يُصرّ مستكبراً } إلى قوله { لهم عذاب مهين } [ الجاثية : 8 ، 9 ] فإنه يقابل

الترجمة الإنجليزية

Waataynahum bayyinatin mina alamri fama ikhtalafoo illa min baAAdi ma jaahumu alAAilmu baghyan baynahum inna rabbaka yaqdee baynahum yawma alqiyamati feema kanoo feehi yakhtalifoona

.وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)قوله هنا { وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم } ، ومثل قوله :{ ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون } [ الجاثية : 14 ] فإنه مقابل قوله هنا { إن ربك يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } .و { الكتاب } : التوراة .و { الحكم } يصح أن يكون بمعنى الحِكمة ، أي الفهم في الدّين وعلم محاسن الأخلاق كقوله تعالى : { وآتيناه الحُكم صبيّاً } [ مريم : 12 ] ، يعني يحيى ، ويصح أن يكون بمعنى السيادة ، أي أنهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم ولا تحكمهم أمة أخرى كقوله تعالى و { جَعلَكم ملوكاً } [ المائدة : 20 ] ، و { النبوءة } أن يقوم فيهم أنبياء . ومعنى إيتائهم هذه الأمور الثلاثة : إيجادها في الأمة وإيجاد القائمين بها لأن نفع ذلك عائد على الأمة جمعاء فكان كل فرد من الأمة كمن أوتي تلك الأمور .وأما رزقهم من الطيبات فبأن يسّر لهم امتلاك بلاد الشام التي تفيض لبناً وعسلاً كما في التوراة في وعد إبراهيم والتي تجبى إليها ثمرات الأرضين المجاورة لها وتَرد عليها سلع الأمم المقابلة لها على سواحل البحر فتزخر مراسيها بمختلف الطعام واللباس والفواكه والثمار والزخارف ، وذلك بحُسن موقِععِ البلاد من بين المشرق براً والمغرب بحراً . و { الطيبات } : هي التي تطيب عند الناس وتحسن طعْماً ومنظراً ونفعاً وزينة . وأما تفضيلهم على العالمين فبأن جمع الله لهم بين استقامة الدّين والخَلق ، وبين حكم أنفسهم بأنفسهم ، وبث أصول العدل فيهم ، وبين حسن العيش والأمن والرخاء ، فإن أمماً أخرى كانوا في بحبوحة من العيش ولكن ينقص بعضَها استقامةُ الدّين والخلق ، وبعضها عزة حكم النفس وبعضَها الأمن بسبب كثرة الفتن .والمراد ب { العالمين } : أمم زمانهم وكل ذلك إخبار عما مضى من شأن بني إسرائيل في عنفوان أمرهم لا عَمَّا آل إليه أمرهم بعد أن اختلفوا واضمحل ملكهم ونسخت شريعتهم .و { بيّنات } صفة نزلت منزلة الجامد ، فالبينة : الحجة الظاهرة ، أي آتيناهم حججاً ، أي علمناهم بواسطة كتبهم وبواسطة علمائهم حجج الحق والهدى التي من شأنها أن لا تترك للشك والخطإ إلى نفوسهم سبلاً إلا سدتها .و { الأمر } : الشأن كما في قوله : { وما أمر فرعون برشيدٍ } [ هود : 97 ] والتعريف في { الأمر } للتعظيم ، أي من شؤون عظيمة ، أي شأن الأمة وما به قوام نظامها إذْ لم يترك موسى والأنبياء من بعده شيئاً مُهماً من مصالحهم إلا وقد وضحوه وبينوه وحذروا من الالتباس فيه .و { مِن } في قوله { من الأمر } بمعنى ( في ) الظرفيّة فيحصل من هذا أن معنى { وءاتيناهم بينات من الأمر } : علمناهم حججاً وعلوماً في أمر دينهم ونظامهم بحيث يكونون على بصيرة في تدبير مجتمعهم وعلى سلامة من مخاطر الخطإ والخطل . وفُرع على ذلك قولُه { فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم } تفريعَ إدماج لمناسبته للحالة التي أريد تنظيرها . وتقدير الكلام : فاختلفوا وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ، فحذف المفرَّع لدلالة ما بعده عليه على طريقة الإيجاز إذ المقصود هو التعجيب من حالهم كيف اختلفوا حينَ لا مظنة للاختلاف إذ كان الاختلاف بينهم بعدما جاءهم العلم المعهود بالذكر آنفاً من الكتاب والحُكم والنبوءة والبينات من الأمر ، ولو اختلفوا قبل ذلك لكان لهم عذر في الاختلاف وهذا كقوله تعالى :{ وأضلّه الله على علم } [ الجاثية : 23 ] . وهذا الكلام كناية عن عدم التعجيب من اختلاف المشركين مع المؤمنين حيث أن المشركين ليسوا على علم ولا هدى ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملطوف به في رسالته .والبغي : الظلم . والمراد : أن اختلافهم عن عمد ومكابرة بعضهم لبعض وليس عن غفلة أو تأويل ، وهذا الظلم هو ظلم الحسد فإن الحسد من أعظم الظلم ، أي فكذلك حال نظرائهم من المشركين ما اختلفوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا بغياً منهم عليه مع علمهم بصدقه بدلالة إعجاز القرآن لفظاً ومعاني .وانتصب { بغياً } إمّا على المفعول لأجله ، وإمّا على الحال بتأويل المصدر باسم الفاعل ، وعلى كلا الوجهين فالعامل فيه فعل { اختلفوا } ، وإن كان منفياً في اللفظ لأن الاستثناء أبطل النفي إذ ما أريد إلا نفي أن يكون الاختلاف في وقت قبل أن يحثهم العلم فلما استفيد ذلك بالاستثناء صار الاختلاف ثابتاً وما عدا ذلك غير منفي .وجملة { إن ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن خبرَهم العجيب يثير سؤالاً في نفس سامعه عن جزاء الله إياهم على فعلهم ، وهذا جواب فيه إجمال لتهويل ما سيُقضَى به بينهم في الخير والشر لأن الخلاف يقتضي محقّاً ومبطلاً .ونظير هذه الآية قوله تعالى : { ولقد بوَّأنا بني إسرائيل مُبَوّأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } في سورة يونس ( 93 ) .

الترجمة الإنجليزية

Thumma jaAAalnaka AAala shareeAAatin mina alamri faittabiAAha wala tattabiAA ahwaa allatheena la yaAAlamoona

.ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) { ثم } للتراخي الرتبي كما هو شأنها في عطف الجمل ، ولولا إرادة التراخي الرتبي لكانت الجملة معطوفة بالواو . وهذا التراخي يفيد أن مضمون الجملة المعطوفة بحرف { ثم } أهم من مضمون الجملة المعطوففِ عليها أهمية الغرض على المقدمة والنتيجةِ على الدليل . وفي هذا التراخي تنويه بهذا الجعل وإشارة إلى أنه أفضل من إيتاء بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوءة والبّيناتتِ من الأمر ، فنبوءة محمد صلى الله عليه وسلم وكتابُه وحُكمه وبَيناته أفضل وأهدى مما أوتيه بنو إسرائيل من مثل ذلك .و { على } للاستعلاء المجازي ، أي التمكن والثبات على حد قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربّهم } [ البقرة : 5 ] .وتنوين { شريعة } للتعظيم بقرينة حرف التراخي الرتبي .والشريعة : الدين والملة المتَّبعة ، مشتقة من الشرع وهو : جَعل طريق للسير ، وسمي النهج شَرعاً تسميةً بالمصدر . وسُميت شَريعة الماء الذي يرده الناس شريعةً لذلك ، قال الراغب : استعير اسم الشريعة للطريقة الإلهية تشبيهاً بشريعة الماء قلتُ : ووجه الشبه ما في الماء من المنافع وهي الري والتطهير .و { الأمر } : الشأن ، وهو شأن الدين وهو شأن من شؤون الله تعالى ، قال تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى : 52 ] ، فتكون { مِن } تبعيضية وليست كالتي في قوله آنفاً { وآتيناهم بينات من الأمر } [ الجاثية : 17 ] لأن إضافة { شريعة } إلى { الأمر } تمنع من ذلك .وقد بلغت هذه الجملة من الإيجاز مبلغاً عظيماً إذ أفادت أن شريعة الإسلام أفضل من شريعة موسى ، وأنها شريعة عظيمة ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم متمكن منها لا يزعزعه شيء عن الدَأب في بيانها والدعوة إليها . ولذلك فرع عليه أمره باتباعها بقوله : { فاتّبعها } أي دُم على اتباعها ، فالأمر لطلب الدوام مثل { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله } [ النساء : 136 ] .وبين قوله : { فاتبعها } وقوله : { ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } محسِّن المطابقة بين الأمر بالاتباع والنهي عن اتباع آخر . و { الذين لا يعلمون } هم المشركون وأهواؤهم دين الشرك قال تعالى : { أفرأيت من اتخذ إلهاه هواه } [ الجاثية : 23 ] .والأهواء : جمع هوى ، وهو المحبة والميل . والمعنى : أن دينهم أعمال أحبوها لم يأمر الله بها ولا اقتضتها البراهين .والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والمقصود منه : إسماع المشركين لئلا يطمعوا بمصانعة الرسول صلى الله عليه وسلم إيَّاهم حين يرون منه الإغضاء عن هفواتهم وأذاهم وحِينَ يسمعون في القرآن بالصفح عنهم كما في الآية السالفة { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } [ الجاثية : 14 ] . وفيه أيضاً تعريض للمسلمين بأن يحذروا من أهواء الذين لا يعلمون . وعن ابن عباس «أنها نزلت لمّا دعته قريش إلى دين آبائه» قال البغوي : كانوا يقولون له : ارجع إلى دين آبائك فإنهم أفضل منك .

الترجمة الإنجليزية

Innahum lan yughnoo AAanka mina Allahi shayan wainna alththalimeena baAAduhum awliyao baAAdin waAllahu waliyyu almuttaqeena

. إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)وجملة { إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً } تعليل للنهي عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون ، ويتضمن تعليلَ الأمر باتباع شريعة الله فإن كونهم لا يغنون عنه من الله شيئاً يستلزم أن في مخالفة ما أمر الله من اتباع شريعته ما يوقع في غضب الله وعقابه فلا يغني عنه اتباع أهوائهم من عقابه .والإغناء : جعل الغير غنياً ، أي غير محتاج ، فالآثم المهدد من قدير غير غنيّ عن الذي يعاقبه ولو حماه من هو كفء لمهدده أو أقدر منه لأغناه عنه وضُمّن فعل الإغناء معنى الدفع فعدّي ب ( عن ) . وانتصب { شيئاً } على المفعول المطلق ، و { من الله } صفة ل { شيئاً } و { مِن } بمعنى بَدل ، أي لن يُغنُوا عنك بدلاً من عذاب الله ، أي قليلاً من الإغناء البديل من عقاب الله فالكلام على حذف مضاف ، وتقدم عند قوله تعالى : { إن الذين كفروا لن تُغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً } في آل عمران ( 10 ) .وعُطف على هذا التعليل تعليل آخر وهو { وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض } أي إنهم ظالمون وأنت لست من الظالمين في شيء فلا يجوز أن تتبعهم في شيء وإنما يتبعهم من هم أولياؤهم . وذُيل ذلك بقوله : { والله ولي المتقين } وهو يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم الله وليُّه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أول المتقين .

الترجمة الإنجليزية

Hatha basairu lilnnasi wahudan warahmatun liqawmin yooqinoona

.هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)إن كانت الإشارة إلى الكلام المتقدم وما فيه من ضرب المثل بموسى وقومه ومن تفضيل شريعة محمد على شريعة موسى عليهما الصلاة والسلام والأمر بملازمة اتباعها والتحذير من اتباع رغائب الذين لا يعلمون ، فهذه الجملة بمنزلة التذييل لما قبلها والتهيئةِ لأغراضها تنبيهاً لما في طيها من عواصمَ عن الشك والباطل بمنزلة قوله تعالى بعد عدة آيات في آخر سورة الأحقاف ( 35 ) { بلاغ } وقوله في سورة الأنبياء ( 105 ، 106 ) { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحونإن في هذا لبلاغاً لقوممٍ عابدين } وإن كانت الإشارة إلى القرآن إذ هو حاضر في الأذهان كانت الجملة استئنافاً أعيد بها التنويه بشأن القرآن ومتبعيه والتعريضُ بتحميق الذين أعرضوا عنه ، وتكون مفيدة تأكيد قوله آنفاً { هذا هدىً والذين كفروا بآيات ربّهم لهم عذابٌ من رجزٍ أليم } [ الجاثية : 11 ] ، وتكون الجملة المتقدمة صريحة في وعيد الذين كفروا بآياته وهذه تعريضاً بأنهم لم يَحْظَواْ بهذه البصائر ، وكلا الاحتمالين رشيق ، وكل بأن يكون مقصوداً حقيق .و { بصائر } : جمع بصيرة وهي إدراك العقل الأمور على حقائقها ، شبهت ببصر العين ، وفرق بينهما بصيغة فعلية للمبالغة قال تعالى : { أدْعو إلى الله على بصيرةٍ أنا ومَن اتّبعني } في سورة يوسف ( 108 ) . وقال : { قال لقد علمتَ ما أنزل هؤلاء إلا ربّ السماوات والأرض بصائر } في سورة الإسراء ( 102 ) وقوله : { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس } في سورة القصص ( 43 ) .ووصف الآيات السابقة أو القرآن بالبصائر مجاز عقلي لأن ذلك سبب البصائر . وجمع البصائر : إن كانت الإشارة إلى القرآن باعتبار المتبصرين بسببه كما اقتضاه قوله : للناس } لأن لكل أحد بصيرته الخاصة فهي أمر جزئي بالتبع لكَون صاحببِ كل بصيرة جزئياً مشخصاً فناسب أن تُورد جمعاً ، فالبصيرة : الحاسَّة من الحواس الباطنة ، وهذا بخلاف إفراد { هدى ورحمة } لأن الهدى والرحمة معنيان كليان يصلحان للعدد الكثير قال تعالى : { هدى للناس } [ آل عمران : 4 ] وقال : { وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين } [ الأنبياء : 107 ] . وإنما كان هدى لأنه طريق نفع لمن اتبع إرشاده فاتباعه كالاهتداء للطريق الموصلة إلى المقصود . وإنّما كان رحمة لأن في اتباع هديه نجاح الناس أفراداً وجَماعاتتٍ في الدنيا لأنه نظام مجتمعهم ومناط أمنهم ، وفي الآخرة لأنه سبب نوالهم درجات النعيم الأبدي . وكان بصائر لأنه يبين للناس الخير والشر ويحَرضهم على الخير ويحذرهم من الشر ويعدهم على فعل الخير ويوعدهم على فعل الشرور فعمله عمل البصيرة .وجُعل البصائر للناس لأنه بيان للناس عامة وجعل الهدى والرحمة لقوم يوقنون لأنه لا يهتدي ببيانه إلا الموقن بحقيقته ولا يرحم به إلا من اتبعه المؤمن بحقيته .وذكر لفظ ( قوم ) للإيماء إلى أن الإيقان متمكن من نفوسهم كأنه من مقومات قوميتهم التي تميزهم عن أقوام آخرين .والإيقان : العلم الذي لا يتردد فيه صاحبه . وحذف متعلقه لأنه معلوم بما جاءت به آيات الله .

الترجمة الإنجليزية

Am hasiba allatheena ijtarahoo alssayyiati an najAAalahum kaallatheena amanoo waAAamiloo alssalihati sawaan mahyahum wamamatuhum saa ma yahkumoona

.أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)انتقال من وصف تكذيبهم بالآيات واستهزائهم بها ثم من أمر المؤمنين بالصفح عنهم وإيكال جزاء صنائعهم إلى الله ثم من التثبيت على ملازمة الشريعة الإسلامية إلى وصف صنف آخر من ضلالهم واستهزائهم بالوعد والوعيد وإحالتهم الحياة بعد الموت والجزاءَ على الأعمال وتخييلهم للناس أنهم يصيرون في الآخرة ، على الحال التي كانوا عليها في الدنيا ، عظيمهم في الدنيا عظيمهم في الآخرة ، وضعيفهم في الدنيا ضعيفهم في الآخرة ، وهذا الانتقال رجوع إلى بيان قوله : { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربّكم ترجعون } [ الجاثية : 15 ] .فحرف { أم } للإضراب الانتقالي ، والاستفهام الذي يلزم تقديره بعد { أمْ } استفهام إنكاري ، والتقدير : لا يحسب الذين اجترحوا السيئات أنهم كالذين آمنوا لا في الحياة وفي في الممات . و { الذين اجترحوا السيئات } في نقل عن ابن عباس : أنهم المشركون كما يؤذن به الانتقال من الغرض السابق إلى هذا الغرض وإنما عبر عنهم بهذا العنوان لما في الصلة من تعليل إنكار المشابهة والمساواة بينهم وبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند الله في عالم الخلد ولأن اكتساب السيئات من شعار أهل الشرك إذ ليس لهم دين وازع يزعهم عن السيئات ولا هم مؤمنون بالبعث والجزاء ، فيكون إيمانهم به مرغباً في الجزاء ، ولذلك كثُر في القرآن الكناية عن المشركين بالتلبس بالسيئات كقوله : { ويلٌ للمطففين } إلى قوله : { ألاَ يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم } [ المطففين : 1 5 ] وكقوله : { ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين } [ المدثر : 42 46 ] وقوله : { أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدعّ اليتيم ولا يحضّ على طعام المسكين } [ الماعون : 1 3 ] ونظيره { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون } [ العنكبوت : 4 ] ، فإن ذلك حال الكفار ، وأما المؤمن العاصي فلا تبلغ به حاله أن يحسب أنه مفلت من قدرة الله . قيل : نزلت في قوم من المشركين . قال البغوي : نزلت في نفر من مشركي مكة قالوا للمؤمنين : لئن كان ما تقولون حقاً لنفضلنّ عليكم في الآخرة كما فضّلنا عليكم في الدنيا . وعن الكلبي : أن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة قالوا لعلي وحمزة وبعض المسلمين : والله ما أنتم على شيء ولئن كان ما تقولون حقاً أي إن كان البعث حقاً لحالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما أنّا أفضل حالاً منكم في الدنيا . وتأويل نزول هذه الآية على هذا السبب أن حدوث قول هؤلاء النفر صادف وقت نزول هذه الآيات من السورة أو أن قولهم هذا متكرر فناسب تعرض الآية له حقه .ونزول الآية على هذا السبب لإبطال كلامهم في ظاهر حاله وإن كانوا لم يقولوه عن اعتقاد وإنما قالوه استهزاء ، لئلا يروج كلامهم على دهمائهم وَالحديثين في الإسلام لأن شأن التصدّي للإرشاد أن لا يغادر مغمزاً لرواج الباطل إلا سدّه ، كما في قوله تعالى :{ أفرأيتَ الذي كفر بآياتنا وقال لأُوتَيّن مالاً وولداً أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمان عهداً } [ مريم : 77 ، 78 ] وله نظائر في القرآن . وزاد القرطبي في حكاية كلام الكلبي أنهم قالوه حين برزوا لهم يوم بدر ، وهو لا يستقيم لأن السورة مكية ولم ينقل عن أحد استثناء هذه الآية منها .والاجتراح : الاكتساب ، وصيغة الافتعال فيه للمبالغة ، وهو مشتق من الجرح فأطلق على اكتساب السباع ونحوها ، ولذلك سميت كلاب الصيد جوارحَ وسمي به اكتساب الناس لأن غالب كسبهم في الجاهلية كان من الإغارة على إبل القوم وهي بالرماح ، قالت أم زرع : فنكحتُ بعدَه رَجُلاً سريّاً ، ركب شَريّاً ، وأخذ خطباً وأراح عليَّ نَعَماً ثَرَياً ، ولذلك غلب إطلاق الاجتراح على اكتساب الإثم والخبيث .وظاهر تركيب الآية أن قوله : { سواء محياهم ومماتهم } داخل في الحسبان المنكور فيكون المعنى : إنكار أن يستوي المشركون مع المؤمنين لا في الحياة ولا بعد الممات ، فكما خالف الله بين حالَيْهم في الحياة الدنيا فجعل فريقاً كفرة مسيئين وفريقاً مؤمنين محسنين ، فكذلك سيخالف بين حاليهم في الممات فيموت المشركون على اليأس من رحمة الله إذ لا يوقنون بالبعث ويلاقون بعد الممات هول ما توعدهم الله به ، ويموت المؤمنون رجاء رحمة الله والبشرى بما وُعدوا به ويلاقون بعد الممات ثواب الله ورضوانه .وقرأ الجمهور : { سواء } مرفوعاً فيكون موقع جملة { سواء محياهم } موقع البدل من كاف التشبيه التي هي بمعنى مِثل على ما ذهب إليه صاحب «الكشاف» يريد أنه بدل مطابق لأن الجملة تبدل من المفرد على الأصح ، والبدل المطابق هو عطف البيان عند التحقيق ، فيكون جملة { سواء محياهم ومماتهم } بيانَ ما حسبه المشركون . وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف منصوباً ، فلفظُ { سواء } وحده بدل من كاف المماثلة ، بَدَل مفرد من مفرد أو حال من ضمير النصب في { نجعلهم } . وهذا لأن المشركين قالوا للمسلمين : سنكون بعد الموت خيراً منكم كما كنا في الحياة خيراً منكم .فضمير { محياهم } وضمير { مماتهم } عائدان لكل من الذين اجترحوا السيئات والذين آمنوا على التوزيع ، أي مَحْيَا كلِّ مساوٍ لمماته ، أي لا يتبدل حال الفريقين بعد الممات بل يكُونون بعد الممات كما كانوا في الحياة غير أن موقع كاف التمثيل في قوله : { كالذين آمنوا } ليس واضح الملاقاة لحُسبان المشركين المسلطِ عليه الإنكار لأنهم إنما حسبوا أن يكونوا بعد الممات على تقدير وقوع البعث أحسنَ حالاً من المؤمنين لا أن يكونوا مثل المؤمنين لأنهم قالوا ذلك في مقام التطاول على المؤمنين ، وإرادة إفحامهم بسفسطتهم . فبِنا أن نبين موقع هذا الكاف في الآية .والذي أرى : أن موقعه الإيماء إلى أن الله قدّر للمؤمنين حسن الحال بعد الممات حتى صار ذلك المقدَّر مَضرِبَ الأمثال ومناط التشبيه ، وإلى أن حُسبان المشركين أنفسَهم في الآخرة على حالة حسنة باطل ، فعبر عن حسبانهم الباطللِ بأنهم أثبتوا لأنفسهم في الآخرة الحال التي هي حال المؤمنين ، أي حسب المشركون بزعمهم أن يكونوا بعد الموت في حالة إذا أراد الواصف أن يصفها وصفها بمشابهة حال المؤمنين في عندِ الله وفي نفس الأمر ، وليس المراد أن المشركين مَثَّلوا حالهم بحال المؤمنين فيؤول قوله : { كالذين آمنوا } إلى حكاية الكلام المحكي بعبارة تساويه لا بعبارة قائله ، وذلك مما يتوسع فيه في حكاية الأقوال كقوله تعالى حكاية عن عيسى{ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ، ربّي وربّكم } [ المائدة : 117 ] فإن ما أمره الله به : أن اعبدوا الله ربَّك وربّهم ، وذلك من خلاف مقتضى الظاهر دعا الله هنا قصد التنويه بالمؤمنين والعناية بزلفاهم عند الله ، فكأنه قيل : أحسبوا أن نجعلهم في حالة حسنة ولكن هذا المأمول في حسبانهم هو في نفس الأمر حال المؤمنين لا حالُهم . فأُوجز الكلام ، وفَهْم السامع يبسطه . والمواجه بهذا الكلام هم النبي والمؤمنون تكملة للغرض المبتدأ به في قوله : { قل للذي آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } [ الجاثية : 14 ] على أن لك أن تجعل قوله تعالى : { كالذين آمنوا } معترضاً بين مفعولي ( نجعل ) وهما ضميرا الغائبين وجملة { سواء محياهم } أو ولفظ { سواء } في قراءة نصبه فلا يكون مراداً إدخاله في حسبان المشركين .ويجوز على هذا أن يكون قوله : { كالذين آمنوا } تهكماً على المشركين في حسبانهم تأكيداً للإنكار عليهم .ومِن خلاف ظاهر التركيب ما قيل : إن مدلول { سواء محياهم ومماتهم } ليس من حسبان المشركين المنكور ولكنه كلام مستأنف ، والمعنى : أنه لما أنكر حسبان استواء الكافرين والمؤمنين خطر ببال السامع أن يسأل كيف واقعُ حال الفريقين فأجيب بأن حال محياهم هو مقياس حال مماتهم ، أي حالهم في الآخرة مختلف كما هو في الدنيا مختلف ، فالمؤمنون يحيون في الإقبال على ربهم ورجاء فضله ، والكافرون يعيشون معرضين عن عبادة ربّهم آيسين من البعث والجزاء . وهذا ليس عين الجواب ولكنه من الاكتفاء بعلة الجواب عن ذكره . والتقدير : حال الفريقين مختلف في الآخرة كما كان مختلفاً في الحياة .وجملة { ساء ما يحكمون } تذييل لما قبلها من إنكار حسبانهم وما اتصل بذلك الإنكار من المعاني . واعلم أن هذه الآية وإن كان موردها في تخالف حالي المشركين والمؤمنين فإن نوط الحكم فيها بصلة { الذين اجترحوا السيئات } يجعل منها إيماء إلى تفاوت حالي المسيئين والمحسنين من أهل الإيمان وإن لم يحسب أحد من المؤمنين ذلك وعن تميم الداري أنه بات ليلة يقرأ هذه الآية ويركع ويسجد ويبكي إلى الصباح . وروي مثل ذلك عن الربيع بن خيثم وعن الفضيل بن عياض : أنه كان كثيراً ما يردد من أول الليل هذه الآية ثم يقول : ليت شعري من أي الفريقين أنت . يخاطب نفسه فكانت هذه الآية تسمى مَبكاة العابدين .والمحيا والممات : مصدران ميميان أو اسما زَمان ، أي حياتهم وموتهم ، وهو على كلا الاعتبارين بتقدير مضاف ، أي حالة محياهم وحالات مماتهم .

الترجمة الإنجليزية

Wakhalaqa Allahu alssamawati waalarda bialhaqqi walitujza kullu nafsin bima kasabat wahum la yuthlamoona

.وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)الجملة معترضة والواو اعتراضية وهو اعتراض بين الكلام المتقدم وبين ما فرع عليه من قوله : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } [ الجاثية : 23 ] هو كالدليل على انتفاء أن يكون الذين اجترحوا السيئات الذين هم في بحبوحة عيش مدة حياتهم أن يكونوا في نعيم بعد مماتهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات مدة حياتهم فكان جزاؤهم النعيم بعد مماتهم ، أي بعد حياتهم الثانية بأنَّ خلق السماواتتِ والأرض بالعدل يستدعي التفاوت بين المسيء والمحسن ، والانتصاف للمعتدَى عليه من المعتدي .ووجه الاستدلال أن خلق السماوات والأرض تبين كونه في تمام الإتقان والنظام بحيث إن دلائل إرادة العدل في تصاريفها قائمة ، وما أودعه الخالق في المخلوقات من القوى مناسب لتحصيل ذلك النظام الذي فيه صلاحهم فإذا استعملوها في الإفساد والإساءة كان من إتمام إقامة النظام أن يُعاقبوا على تلك الإساءة والمشاهدُ أن المسيء كثير ما عكَف على إساءته حتى المماتتِ ، فلو لم يكن الجزاء بعد الموت حصل اختلال في نظام خلق المخلوقات وخلققِ القوى الصادرِ عنها الإحسان والإساءة ، وهذا المعنى تكرر في آيات كثيرة وكلما ذكر شيء منه أتبع بذكر الجزاء ، وقد تقدم في سورة آل عمران ( 191 ) قوله : { ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربَّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار } وقوله في سورة الدخان ( 38 40 ) وما خلقْنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين .والباء في قوله : بالحق } للسببية أو للملابسة ، أي خلقاً للسبب الحق أو ملابساً للحق لا يتخلف الحق عن حال من أحواله .والحق : اسم جامع لما شأنه أن يَحقّ ويثبت ، ومن شأن الحكمة والحكيم أن يقيمه ، ولذلك أشير بقوله : { وخلق الله } فإن اسم الجلالة جامع لصفات الكمال وتصرفات الحكمة .وعطف { ولتجزى كل نفس بما كسبت } على { بالحق } لأن المعطوف عليه المجرور بالياء فيه معنى التعليل ، وهذا تفصيل بعد إجمال فإن الجزاء على الفعل بما يناسبه هو من الحق ، ولأن تعليل الخلق بعلة الجزاء من تفصيل معنى الحق وآثارِ كون الحق سبباً لخلق السماوات والأرض أو ملابساً لأحوال خلقهما ، فظهرت المناسبة بين الباء في المعطوف عليه واللام في المعطوف .والباء في { بما كسبت } للتعويض . وما كسبته النفس لا تجزى به بل تجازَى بمثله وما يناسبه ، فالكلام على حذف مضاف ، أي بمثل ما كسبته . وهذه المماثلة مماثلة في النوع ، وأما تقدير تلك المماثلة فذلك موكول إلى الله تعالى ومراعًى فيه عظمة عالَم الجزاء في الخير والشر ومقدار تمرد المسيء وامتثال المحسن ، بخلاف الحدود والزواجر فإنها مقدرة بما يناسب عالم الدنيا من الضعف . ولهذا أعقبه بقوله : { وهم لا يظلمون } فضمير { وهم } عائد إلى { كل نفس } ، فإن ذلك الجزاء مما اقتضاه العدل الذي جُعل سبباً أو ملابساً لخلق السماوات والأرض وما فيهما ، فهو عدل ، فليس من الظلم في شيء فالمُجازَى غير مظلوم ، وبالجزاء أيضاً ينتفي أثر ظلم الظالم عن المظلوم إذ لو ترك الجزاء لاستمر المظلوم مظلوماً .
500