سورة الجمعة: الآية 6 - قل يا أيها الذين هادوا...

تفسير الآية 6, سورة الجمعة

قُلْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓا۟ إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ

الترجمة الإنجليزية

Qul ya ayyuha allatheena hadoo in zaAAamtum annakum awliyao lillahi min dooni alnnasi fatamannawoo almawta in kuntum sadiqeena

تفسير الآية 6

قل -أيها الرسول- للذين تمسكوا بالملة اليهودية المحرَّفة: إن ادَّعيتم- كذبًا- أنكم أحباء الله دون غيركم من الناس، فتمنَّوا الموت إن كنتم صادقين في ادِّعائكم حب الله لكم.

«قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين» تعلق بتمنوا الشرطان على أن الأول قيد في الثاني، أي إن صدقتم في زعمكم أنكم أولياء لله، والولي يؤثر الآخرة ومبدؤها الموت فتمنوه.

أمر الله رسوله، أن يقول لهم: إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم على الحق، وأولياء الله: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ وهذا أمر خفيف، فإنهم لو علموا أنهم على حق لما توقفوا عن هذا التحدي الذي جعله الله دليلاً على صدقهم إن تمنوه، وكذبهم إن لم يتمنوه ولما لم يقع منهم مع الإعلان لهم بذلك، علم أنهم عالمون ببطلان ما هم عليه وفساده

ثم قال تعالى : ( قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) أي : إن كنتم تزعمون أنكم على هدى ، وأن محمدا وأصحابه على ضلالة ، فادعوا بالموت على الضال من الفئتين ( إن كنتم صادقين ) فيما تزعمونه .

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتحدى اليهود، وأن يرد على مزاعمهم ردا يخرس ألسنتهم، ويكشف عن أكاذيبهم.. فقال- سبحانه-: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.قال الآلوسى: وأمر صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ذلك، إظهارا لكذبهم، فإنهم كانوا يقولون:نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ويدعون أن الآخرة خالصة لهم عند الله.وروى أنه لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب يهود المدينة إلى يهود خيبر: إن اتبعتم محمدا أطعناه، وإن خالفتموه خالفناه. فقالوا- أى: يهود خيبر-: «نحن أبناء خليل الرحمن، ومنا عزير ابن الله، ومنا الأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب؟ نحن أحق بها من محمد صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل إلى اتباعه، فنزلت هذه الآيات.. .والمقصود بالذين هادوا، أى: الذين ادعو أنهم على الديانة اليهودية، يقال: هاد فلان وتهوّد. إذا دخل في اليهودية، نسبة إلى يهوذا أحد أبناء يعقوب- عليه السلام-، أو سموا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل، من هاد يهود هودا بمعنى تاب، ومنه قوله- تعالى-:وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ ... أى: تبنا إليك.ومعنى، أولياء الله ... مقربين منه، كرماء عليه، لهم منزلة خاصة عنده- تعالى- وقوله: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ... جواب الشرط، والتمني معناه: ارتياح النفس، ورغبتها القوية في الحصول على الشيء.ويستعمل التمني في المعنى القائم بالقلب، بأن تتطلع نفس الشخص إلى الحصول على الشيء. كما يستعمل عن طريق النطق باللسان، بأن يقول الإنسان بلسانه، ليتني أحصل على كذا.وهذا المعنى الثاني هو المراد هنا، لأن المعنى الكائن في القلب لا يعلمه أحد سوى الله- تعالى-.ومعنى الآية الكريمة: قل يا محمد لهؤلاء اليهود الزاعمين. أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم أولياء الله- تعالى- المقربون إليه من دون سائر خلقه ...قل لهم على سبيل التحدي والتعجيز والتبكيت- إن كان الأمر كما زعمتم، فاذكروا أمام الناس بألسنتكم لفظا، يدل على أنكم تحبون الموت وترغبون فيه، لكي تظفروا بعد الموت بالمحبة الكاملة من الله، ولكي تنتقلوا من شقاء الدنيا ومتاعبها إلى النعيم الخالص بعد موتكم.وجواب الشرط في قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ محذوف لدلالة ما قبله عليه.أى: إن كنتم صادقين في دعواكم أنكم أولياء الله من دون الناس فتمنوا الموت.وافتتحت الآية الكريمة بلفظ قُلْ للاهتمام بشأن التحدي من الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، ولبيان أنه أمر من الله- تعالى- وليس للرسول صلى الله عليه وسلم سوى التنفيذ.وجيء بإن الشرطية المفيدة للشك، مع أنهم قد زعموا أنهم أولياء لله فعلا، للإشعار بأن زعمهم هذا وإن كانوا قد كرروا النطق والتباهي به.. إلا أنه بمنزلة الشيء الذي تلوكه الألسنة، دون أن يكون له أساس من الواقع، فهو لوضوح بطلانه صار بمنزلة الشيء الذي يفترض وقوعه افتراضا على سبيل التوبيخ لهم.قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا أى: تهودوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ أى: أحباء لله، ولم يضف- سبحانه- لفظ أولياء إليه، كما في قوله:أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ... ليؤذن بالفرق بين مدعى الولاية، ومن يخصه- تعالى- بها.وقوله: مِنْ دُونِ النَّاسِ ... حال من الضمير الراجع إلى اسم إِنْ أى:متجاوزين عن الناس.فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أى: فتمنوا من الله أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة. فإن من أيقن أنه من أهل الجنة أحب أن يخلص إليها من هذه الدنيا التي هي دار كدر وتعب.. .

( قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس ) من دون محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ( فتمنوا الموت ) فادعوا بالموت على أنفسكم ( إن كنتم صادقين ) ، أنكم أبناء الله وأحباؤه فإن الموت هو الذي يوصلكم إليه .

قوله تعالى : قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقينلما ادعت اليهود الفضيلة وقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه قال الله تعالى : إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فللأولياء عند الله الكرامة .فتمنوا الموت إن كنتم صادقين لتصيروا إلى ما يصير إليه أولياء الله .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لليهود ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ ) سواكم ( فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) في قيلكم، إنكم أولياء لله من دون الناس، فإن الله لا يعذّب أولياءه، بل يكرمهم وينعمهم، وإن كنتم محقين فيما تقولون فتمنوا الموت لتستريحوا من كرب الدنيا وهمومها وغمومها، وتصيروا إلى روح الجنان ونعيمها بالموت.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا ) قل يا أيها الذين تابوا: لليهود، قال موسى: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ إنا تبنا إليك.

قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)أعقب تمثيل حال جهلهم بالتوراة بذكر زعم من آثار جهلهم بها إبطالاً لمفخرة مزعومة عندهم أنهم أولياء الله وبقية الناس ليسوا مثلهم . وذلك أصل كانوا يجعلونه حجة على أن شؤونهم أفضل من شؤون غيرهم . ومن ذلك أنهم كانوا يفتخرون بأن الله جعل لهم السبت أفضل أيام الأسبوع وأنه ليس للأميين مثله فلما جعل الله الجمعة للمسلمين اغتاظوا ، وفي «الكشاف» «افتخر اليهود بالسبت وأنه للمسلمين مثله فشرع الله لهم الجمعة» .وافتتح بفعل { قل } للاهتمام .و { الذين هادوا } : هم الذين كانوا يهوداً ، وتقدم وجه تسمية اليهود يهوداً عند قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا } في سورة [ البقرة : 62 ] . ويجوز أن يكون هادوا } بمعنى تابوا لقول موسى عليه السّلام بعد أن أخذتهم الرجفة : { إنا هدنا إليك } كما تقدم في سورة [ الأعراف : 156 ] . وأشهر وصف بني إسرائيل في القرآن بأنهم هود جمع هائد مثل قعود جمع قاعد . وأصل هود هُوُود وقد تنوسي منه هذا المعنى وصار علماً بالغلبة على بني إسرائيل فنودوا به هنا بهذا الاعتبار لأن المقام ليس مقام ثناء عليهم أو هو تهكم .وجيء بإن } الشرطية التي الأصل فيها عدم الجزم بوقوع الشرط مع أن الشرط هنا محقق الوقوع إذ قد اشتهروا بهذا الزعم وحكاه القرآن عنهم في سورة [ العقود : 18 ] : { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه } للإِشارة إلى أن زعمهم هذا لما كان باطلاً بالدلائل كان بمنزلة الشيء الذي يفرض وقوعه كما يفرض المستبعد وكأنه ليس واقعاً على طريقة قوله تعالى : { أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إن كنتم قوماً مسرفين } [ الزخرف : 5 ] ويفيد ذلك توبيخاً بطريق الكناية .والمعنى : إن كنتم صادقين في زعمكم فتمنوا الموت . وهذا إلجاء لهم حتى يلزمهم ثبوت شكهم فيما زعموه .والأمر في قوله : { فتمنوا } مستعمل في التعجيز : كناية عن التكذيب مثل قوله تعالى : { قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين } [ آل عمران : 93 ] .ووجه الملازمة بين الشرط وجوابه أن الموْت رجوع الإِنسان بروحه إلى حياة أبدية تظهر فيها آثار رضى الله عن العبد أو غضبه ليجزيه على حسب فعله .والنتيجة الحاصلة من هذا الشرط تُحَصِّلُ أنهم مثل جميع الناس في الحياتين الدنيا والآخرة وآثارهما ، واختلاففِ أحواللِ أهلهما ، فيعلم من ذلك أنهم ليسوا أفضل من الناس . وهذا ما دل عليه قوله تعالى : { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق } [ المائدة : 18 ] .وبهذا يندفع ما قد يعرض للناظر في هذه الآية من المعارضة بينها وبين ما جاء في الأخبار الصحيحة من النهي عن تمني الموت . وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كَره لقاء الله كره الله لقاءه "، فقالت عائشة : «إنا نكره الموت فقال لها ليس ذلك» الحديث . وما روي عنه أنه قال : " ارسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت " إلى قوله : «قال موسى فالآن» .ذلك أن شأن المؤمنين أن يكونوا بين الرجاء والخوف من الله ، وليسوا يتوهمون أن الفوز مضمون لهم كما توهم اليهود .فما تضمنته هذه الآية حكاية عن حال اليهود الموجودين يومئذٍ ، وهم عامة غلبت عليهم الأوقام والغرور بعد انقراض علمائهم ، فهو حكايه عن مجموع قوم ، وأما الأَخبار التي أوردناها فوصف لأحوال معيّنة وأشخاص معينين فلا تعارض مع اختلاف الأحوال والأزمان ، فلو حصل لأحد يقين بالتعجيل إلى النعيم لتمنى الموت إلا أن تكون حياته لتأييد الدين كحياة الأنبياء .فعلى الأول يحمل حال عُمَير بن الحُمَام في قوله :جَرْياً إلى الله بغير زاد ... وحال جعفر بن أبي طالب يوم مُوتَةَ وقد اقتحم صَفّ المشركين :يَا حَبَّذا الجنةُ واقترابها ... وقول عبد الله بن رواحة :لكنني أسأل الرحمان مغفرة ... وضربة ذات فَرْغغٍ تقذف الزبداالمتقدمة في سورة البقرة لأن الشهادة مضمونة الجزاء الأحسن والمغفرة التامة .وعلى الثاني يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في تأويل قوله : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " إن المؤمن إذا حضره الموت بُشر برضوان الله فليس شيء أحبَّ إليه مما أمَامَه فأحَب لقاء الله . وقول موسى عليه السلام لملَك الموت : «فالآن .
الآية 6 - سورة الجمعة: (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين...)