سورة الكافرون: الآية 3 - ولا أنتم عابدون ما أعبد...

تفسير الآية 3, سورة الكافرون

وَلَآ أَنتُمْ عَٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ

الترجمة الإنجليزية

Wala antum AAabidoona ma aAAbudu

تفسير الآية 3

ولا أنتم عابدون ما أعبد من إله واحد، هو الله رب العالمين المستحق وحده للعبادة.

«ولا أنتم عابدون» في الحال «ما أعبد» وهو الله تعالى وحده.

وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لعدم إخلاصكم في عبادته ، فعبادتكم له المقترنة بالشرك لا تسمى عبادة، ثم كرر ذلك ليدل الأول على عدم وجود الفعل، والثاني على أن ذلك قد صار وصفًا لازمًا.

وهو الله وحده لا شريك له.

وقوله- تعالى-: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ تأكيد وتقرير لما اشتمل عليه الكلام السابق ... «وما» هنا مصدرية، فكأنه قبل: ولا أنا عابد عبادتكم، ولا أنتم عابدون عبادتي.فالآيتان السابقتان تنفيان الاتحاد بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم في المعبود، وهاتان الآيتان تنفيان الاتحاد في العبادة، والمقصود من ذلك المبالغة التامة في البراءة من معبوداتهم الباطلة، ومن عبادتهم الفاسدة، وأنه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين، لا يعبدون إلا الله- عز وجل-، وهم بذلك يكونون قد اهتدوا إلى العبادة الصحيحة.

"ولا أنتم عابدون ما أعبد"، في الحال.

ثم قال : ولا أنتم عابدون ما أعبد وإنما تعبدون الوثن الذي اتخذتموه ، وهو عندكم الآن . ولا أنا عابد ما عبدتم أي بالأمس من الآلهة التي رفضتموها ، وأقبلتم على هذه . ولا أنتم عابدون ما أعبد فإني أعبد إلهي . وقيل : إن قوله تعالى : لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد في الاستقبال .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وكان المشركون من قومه فيما ذكر عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة, على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة, فأنزل الله معرفه جوابهم في ذلك: ( قُلْ ) يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة, على أن يعبدوا إلهك سنة ( يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) بالله ( لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) من الآلهة والأوثان الآن ( وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) الآن( وَلا أَنَا عَابِدٌ ) فيما أستقبل( مَا عَبَدْتُمْ ) فيما مضى ( وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ ) فيما تستقبلون أبدا( مَا أَعْبُدُ ) أنا الآن, وفيما أستقبل. وإنما قيل ذلك كذلك, لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين, قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا , وسبق لهم ذلك في السابق من علمه, فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه, وحدّثوا به أنفسهم, وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم, في وقت من الأوقات, وآيس نبي الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم, ومن أن يفلحوا أبدا, فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا, إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف, وهلك بعض قبل ذلك كافرا.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وجاءت به الآثار.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن موسى الحَرشي, قال: ثنا أبو خلف, قال: ثنا داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس: أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة, ويزّوجوه ما أراد من النساء, ويطئوا عقبه, فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد, وكفّ عن شتم آلهتنا, فلا تذكرها بسوء, فإن لم تفعل, فإنا نعرض عليك خصلة واحدة, فهي لك ولنا فيها صلاح. قال: " ما هي؟" قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى, ونعبد إلهك سنة, قال: " حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي", فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) السورة, وأنزل الله: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ... إلى قوله: فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ .حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن عُلَية, عن محمد بن إسحاق, قال: ثني سعيد بن مينا مولى البَختري (1) قال: لقي الوليد بن المُغيرة والعاص بن وائل, والأسود بن المطلب, وأميَّة بن خلف, رسول الله, فقالوا: يا محمد, هلمّ فلنعبد ما تعبد, وتعبدْ ما نعبد, ونُشركك في أمرنا كله, فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا، كنا قد شَرِكناك فيه, وأخذنا بحظنا منه; وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك, كنت قد شَرِكتنا في أمرنا, وأخذت منه بحظك, فأنزل الله: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) حتى انقضت السورة .

وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)وهذا إخباره إياهم بأنه يعلم أنهم غير فاعلين ذلك من الآن بإنباء الله تعالى نبيئه صلى الله عليه وسلم بذلك فكان قوله هذا من دلائل نبوءته نظير قوله تعالى : { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } [ البقرة : 24 ] فإن أولئك النفر الأربعة لم يُسلم منهم أحد فماتوا على شركهم .ومَا صدقُ { ما أعبد } هو الله تعالى وعبر ب { ما } الموصولة لأنها موضوعة للعاقل وغيره من المختار وإنما تختص ( مَن ) بالعاقل ، فلا مانع من إطلاق ( ما ) على العاقل إذا كان اللبس مأموناً . وقال السهيلي في «الروض الأنف» : إن ( ما ) الموصولة يؤتى بها لقصد الإِبهام لتفيد المبالغة في التفخيم كقول العرب : سبحان ما سَبَّح الرعد بحمده ، وقوله تعالى : { والسماء وما بناها } كما تقدم في سورة الشمس ( 5 ) .
الآية 3 - سورة الكافرون: (ولا أنتم عابدون ما أعبد...)