سورة الكافرون: الآية 6 - لكم دينكم ولي دين...

تفسير الآية 6, سورة الكافرون

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ

الترجمة الإنجليزية

Lakum deenukum waliya deeni

تفسير الآية 6

لكم دينكم الذي أصررتم على اتباعه، ولي ديني الذي لا أبغي غيره.

«لكم دينكم» الشرك «ولي دين» الإسلام وهذا قبل أن يؤمر بالحرب وحذف ياء الإضافة القراء السبعة وقفا ووصلا وأثبتها يعقوب في الحالين.

ولهذا ميز بين الفريقين، وفصل بين الطائفتين، فقال: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ كما قال تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ .

قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لكم دينكم ولي دين ) كما قال تعالى : ( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) [ يونس : 41 ] وقال : ( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) [ القصص : 55 ] .وقال البخاري : يقال : ( لكم دينكم ) الكفر ( ولي دين ) الإسلام . ولم يقل : " ديني " لأن الآيات بالنون ، فحذف الياء ، كما قال : ( فهو يهدين ) [ الشعراء : 78 ] و ( يشفين ) [ الشعراء : 80 ] وقال غيره : لا أعبد ما تعبدون الآن ، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، وهم الذين قال : ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ) [ المائدة : 64 ] .انتهى ما ذكره .ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد ، كقوله : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) [ الشرح : 5 ، 6 ] وكقوله : ( لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ) التكاثر : 6 ، 7 ] وحكاه بعضهم - كابن الجوزي ، وغيره - عن ابن قتيبة ، فالله أعلم . فهذه ثلاثة أقوال : أولها ما ذكرناه أولا . الثاني : ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد : ( لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ) في الماضي ( ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد ) في المستقبل . الثالث : أن ذلك تأكيد محض .وثم قول رابع ، نصره أبو العباس بن تيمية في بعض كتبه ، وهو أن المراد بقوله : ( لا أعبد ما تعبدون ) نفي الفعل لأنها جملة فعلية ( ولا أنا عابد ما عبدتم ) نفي قبوله لذلك بالكلية ; لأن النفي بالجملة الاسمية آكد فكأنه نفى الفعل ، وكونه قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا . وهو قول حسن أيضا ، والله أعلم .وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة : ( لكم دينكم ولي دين ) على أن الكفر كله ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى ، وبالعكس ; إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به ; لأن الأديان - ما عدا الإسلام - كلها كالشيء الواحد في البطلان . وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس ; لحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يتوارث أهل ملتين شتى " .آخر تفسير سورة " قل يا أيها الكافرون " ولله الحمد والمنة .

وقوله- تعالى-: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ تذييل مؤكد لما قبله. والدين: يطلق بمعنى العقيدة التي يعتقدها الإنسان ويدين بها، وبمعنى الملة التي تجرى أقواله وأفعاله على مقتضاها، وبمعنى الحساب والجزاء. ومنه قولهم: دنت فلانا بما صنع، أى: جازيته على صنيعه.واللفظ هنا شامل لكل ذلك، أى: لكم- أيها الكافرون- دينكم وعقيدتكم التي تعتقدونها ولا تتجاوزكم إلى غيركم من المؤمنين الصادقين، فضلا عن رسولهم ومرشدهم صلى الله عليه وسلم، ولى ديني وعقيدتي التي هي عقيدة التوحيد، والتي بايعنى عليها أتباعى المؤمنون، وهي مقصورة علينا، وأنتم محرومون منها، وسترون سوء عاقبة مخالفتكم لي.وقدم- سبحانه- المسند على المسند إليه، لإفادة القصد والاختصاص فكأنه قيل: لكم دينكم لا لغيركم، ولى ديني لا لغيري والله- تعالى- هو أحكم الحاكمين بيني وبينكم.وبذلك نرى السورة الكريمة، قد قطعت كل أمل توهم الكافرون عن طريقه الوصول إلى مهادنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى الاستجابة لشيء من مطالبهم الفاسدة، وإنما هو صلى الله عليه وسلم برىء براءة تامة منهم ومن معبوداتهم وعباداتهم.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

( لكم دينكم ) الشرك ( ولي دين ) الإسلام ، قرأ ابن كثير ، ونافع ، وحفص : " ولي " بفتح الياء ، قرأ الآخرون بإسكانها . [ وهذه الآية منسوخة بآية السيف ] .

قوله تعالى : لكم دينكم ولي دين فيه معنى التهديد ؛ وهو كقوله تعالى : لنا أعمالنا ولكم أعمالكم أي إن رضيتم بدينكم ، فقد رضينا بديننا . وكان هذا قبل الأمر بالقتال ، فنسخ بآية السيف . وقيل : السورة كلها منسوخة . وقيل : ما نسخ منها شيء لأنها خبر . ومعنى لكم دينكم أي جزاء دينكم ، ولي جزاء ديني . وسمى دينهم دينا ، لأنهم اعتقدوه وتولوه . وقيل : المعنى لكم جزاؤكم ولي جزائي ؛ لأن الدين الجزاء . وفتح الياء من ولي دين نافع ، والبزي عن ابن كثير باختلاف عنه ، وهشام عن ابن عامر ، وحفص عن عاصم . وأثبت الياء في ( ديني ) في الحالين نصر بن عاصم وسلام ويعقوب ؛ قالوا : لأنها اسم مثل الكاف في دينكم ، والتاء في قمت . الباقون بغير ياء ، مثل قوله تعالى : فهو يهدين فاتقوا الله وأطيعون ونحوه ، اكتفاء بالكسرة ، واتباعا لخط المصحف ، فإنه وقع فيه بغير ياء .

وقوله: ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ )يقول تعالى ذكره: لكم دينكم فلا تتركونه أبدا, لأنه قد ختم عليكم, وقضي أن لا تنفكوا عنه, وأنكم تموتون عليه, ولي دين الذي أنا عليه, لا أتركه أبدا, لأنه قد مضى في سابق علم الله أني لا أنتقل عنه إلى غيره.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قول الله: ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) قال: للمشركين; قال: واليهود لا يعبدون إلا الله ولا يشركون, إلا أنهم يكفرون ببعض الأنبياء, وبما جاءوا به من عند الله, ويكفرون برسول الله, وبما جاء به من عند الله, وقتلوا طوائف الأنبياء ظلما وعدوانا, قال: إلا العصابة التي بقوا, حتى خرج بختنصر, فقالوا: عُزَير ابن الله, دعا الله ولم يعبدوه ولم يفعلوا كما فعلت النصارى, قالوا: المسيح ابن الله وعبدوه .وكان بعض أهل العربية يقول: كرّر قوله: ( لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) وما بعده على وجه التوكيد, كما قال: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا , وكقوله: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ .آخر تفسير سورة الكافرون

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)تذييل وفذلكة للكلام السابق بما فيه من التأكيدات ، وقد أُرسل هذا الكلام إرسالَ المثل وهو أجمع وأوجز من قول قيس بن الخطيم: ... نَحْن بما عندنا وأنتَ بماعنْدك راض والرأي مختلف ... ووقع في «تفسير الفخر» هنا : «جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المتاركة وذلك غير جائز لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به بل ليتدبَّر فيه ثم يعمل بموجبه» ا ه .وهذا كلام غير محرر لأن التمثل به لا ينافي العمل بموجبه وما التمثل به إلا من تمام بلاغته واستعداد للعمل به . وهذا المقدار من التفسير تركه الفخر في المسودة .وقدم في كلتا الجملتين المسندُ على المسند إليه ليفيد قصر المسند إليه على المسند ، أي دينكم مقصور على الكون بأنه لكم لا يتجاوزكم إلى الكون لي ، وديني مقصور على الكون بأنه لا يتجاوزني إلى كونه لكم ، أي لأنهم محقق عدم إسلامهم . فالقصر قصر إفراد ، واللام في الموضعين لشِبه الملك وهو الاختصاص أو الاستحقاق .والدين : العقيدة والملة ، وهو معلومات وعقائد يعتقدها المرء فتجري أعماله على مقتضاها ، فلذلك سمي دِيناً لأن أصل معنى الدين المعاملة والجزاء .وقرأ الجمهور { دين } بدون ياء بعد النون على أن ياء المتكلم محذوفة للتخفيف مع بَقاء الكسرة على النون . وقرأه يعقوب بإثبات الياء في الوصل والوقف . وقد كتبت هذه الكلمة في المصحف بدون ياء اعتماداً على حفظ الحفاظ لأن الذي يُثبت الياء مثل يعقوب يُشبع الكسرة إذ ليست الياء إلا مَدّة للكسرة فعدم رسمها في الخط لا يقتضي إسقاطها في اللفظ .وقرأ نافع والبزي عن ابن كثير وهشام عن ابن عامر وحفص عن عاصم بفتح الياء من قوله : { ولي } . وقرأه قنبل عن ابن كثير وابنُ ذكوان عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف بسكون الياء .
الآية 6 - سورة الكافرون: (لكم دينكم ولي دين...)