سورة الكوثر: الآية 3 - إن شانئك هو الأبتر...

تفسير الآية 3, سورة الكوثر

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلْأَبْتَرُ

الترجمة الإنجليزية

Inna shaniaka huwa alabtaru

تفسير الآية 3

إن مبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والنور، هو المنقطع أثره، المقطوع من كل خير.

«إن شانئك» أي مُبغضك «هو الأبتر» المنقطع عن كل خير، أو المنقطع العقب، نزلت في العاص بن وائل سمى النبي صلى الله عليه وسلم أبتر عند موت ابنه القاسم.

إِنَّ شَانِئَكَ أي: مبغضك وذامك ومنتقصك هُوَ الْأَبْتَرُ أي: المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر.وأما محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الكامل حقًا، الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق، من رفع الذكر، وكثرة الأنصار، والأتباع صلى الله عليه وسلم.

وقوله : ( إن شانئك هو الأبتر ) أي : إن مبغضك - يا محمد - ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين ، هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره .قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة : نزلت في العاص بن وائل .وقال محمد بن إسحاق : عن يزيد بن رومان قال : كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : دعوه ، فإنه رجل أبتر لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره . فأنزل الله هذه السورة .وقال شمر بن عطية : نزلت في عقبة بن أبي معيط .وقال ابن عباس أيضا وعكرمة : نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش .وقال البزار : حدثنا زياد بن يحيى الحساني ، حدثنا بن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش : أنت سيدهم ، ألا ترى إلى هذا المصنبر المنبتر من قومه ، يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة وأهل السقاية ؟ فقال : أنتم خير منه . قال : فنزلت : ( إن شانئك هو الأبتر )هكذا رواه البزار ، وهو إسناد صحيح .وعن عطاء : نزلت في أبي لهب ، وذلك حين مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين وقال : بتر محمد الليلة . فأنزل الله في ذلك : ( إن شانئك هو الأبتر )وعن ابن عباس : نزلت في أبي جهل . وعنه : ( إن شانئك ) يعني : عدوك . وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر ، وغيرهم .وقال عكرمة : الأبتر : الفرد . وقال السدي : كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا : بتر . فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : بتر محمد . فأنزل الله : ( إن شانئك هو الأبتر )وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره ، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره ، وحاشا وكلا ، بل قد أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمرا على دوام الآباد ، إلى يوم الحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد .آخر تفسير سورة " الكوثر " ، ولله الحمد والمنة .

ثم بشره- سبحانه- ببشارة أخرى فقال: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ والشانئ:هو المبغض لغيره، يقال: شنأ فلان شنئا، إذا أبغضه وكرهه.والأبتر في الأصل: هو الحيوان المقطوع الذنب، والمراد به هنا: الإنسان الذي لا يبقى له ذكر. ولا يدوم له أثر ...شبه بقاء الذكر الحسن بذنب الحيوان، لأنه تابع له وهو زينته، وشبه الحرمان من ذلك ببتر الذيل وقطعه.والمعنى: إن مبغضك وكارهك- أيها الرسول الكريم- هو المقطوع عن كل خير، والمحروم من كل ذكر حسن.قال الإمام ابن كثير: «كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله- تعالى- هذه السورة.وقال السدى: كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا: بتر، فلما مات أبناء النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: بتر محمد فأنزل الله هذه الآية.وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر إذا مات انقطع ذكره، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره، وحاشا وكلا، بل أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الآباد، إلى يوم الحشر والمعاد، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد ...نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا من أهل شفاعته يوم القيامة.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قوله تعالى : ( إن شانئك ) عدوك ومبغضك ( هو الأبتر ) هو الأقل الأذل المنقطع دابره .نزلت في العاص بن وائل السهمي ; وذلك أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج من [ باب ] المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المساجد فلما دخل العاص قالوا له : من الذي كنت تتحدث معه ؟ قال : ذلك الأبتر يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان قد توفي ابن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خديجة رضي الله عنها .وذكر محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال : كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره ، فأنزل الله تعالى هذه السورة .وقال عكرمة عن ابن عباس : نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من قريش ، وذلك أنه لما قدم كعب مكة قالت له قريش : نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل المدينة ، فنحن خير أم هذا [ الصنبور ] المنبتر من قومه ؟ فقال : بل أنتم خير منه ، فنزلت : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت " ( النساء - 51 ) . الآية ، ونزل في الذين قالوا إنه أبتر : " إن شانئك هو الأبتر " أي المنقطع من كل خير .

قوله تعالى : إن شانئك هو الأبترأي مبغضك ; وهو العاص بن وائل . وكانت العرب تسمي من كان له بنون وبنات ، ثم مات البنون وبقي البنات : أبتر . فيقال : إن العاص وقف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يكلمه ، فقال له جمع من صناديد قريش : مع من كنت واقفا ؟ فقال : مع ذلك الأبتر . وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان من خديجة ; فأنزل الله جل شأنه : إن شانئك هو الأبتر أي المقطوع ذكره من خير الدنيا والآخرة . وذكر عكرمة عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية إذا مات ابن الرجل قالوا : بتر فلان . فلما مات إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج أبو جهل إلى أصحابه ، فقال : بتر محمد ; فأنزل الله جل ثناؤه : إن شانئك هو الأبتر يعني بذلك أبا جهل . وقال شمر بن عطية : هو عقبة بن أبي معيط . وقيل : إن قريشا كانوا يقولون لمن مات ذكور ولده : قد بتر فلان . فلما مات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنه القاسم : بمكة ، وإبراهيم بالمدينة ، قالوا : بتر محمد ، فليس له من يقوم بأمره من بعده ; فنزلت هذه الآية ; قال السدي وابن زيد . وقيل : إنه جواب لقريش حين قالوا لكعب بن الأشرف لما قدم مكة : نحن أصحاب السقاية والسدانة والحجابة واللواء ، وأنت سيد أهل المدينة ، فنحن خير أم هذا الصنيبر الأبيتر من قومه ؟ قال كعب : بل أنتم خير ; فنزلت في كعب : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت الآية . ونزلت في قريش : إن شانئك هو الأبتر ; قاله ابن عباس أيضا وعكرمة .وقيل : إن الله - عز وجل - لما أوحى إلى رسوله ، ودعا قريشا إلى الإيمان ، قالوا : انبتر منا محمد ; أي خالفنا وانقطع عنا . فأخبر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنهم هم المبتورون ; قاله أيضا عكرمة وشهر بن حوشب . قال أهل اللغة : الأبتر من الرجال : الذي لا ولد له ، ومن الدواب الذي لا ذنب له . وكل أمر انقطع من الخير أثره ، فهو أبتر . والبتر : القطع . بترت الشيء بترا : قطعته قبل الإتمام . والانبتار : الانقطاع . والباتر : السيف القاطع . والأبتر : المقطوع الذنب . تقول منه : بتر ( بالكسر ) يبتر بترا . وفي الحديث ما هذه البتيراء . وخطب زياد خطبته البتراء ; لأنه لم يمجد الله فيها ، ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - . ابن السكيت : الأبتران : العير والعبد ; قال سميا أبترين لقلة خيرهما . وقد أبتره الله : أي صيره أبتر . ويقال : رجل أباتر بضم الهمزة : الذي يقطع رحمه قال الشاعر :لئيم نزت في أنفه خنزوانة على قطع ذي القربى أحد أباتروالبترية : فرقة من الزيدية ; نسبوا إلى المغيرة بن سعد ، ولقبه الأبتر . وأما الصنبور فلفظ مشترك . قيل : هو النخلة تبقى منفردة ، ويدق أسفلها ويتقشر ; يقال : صنبر أسفل النخلة . وقيل : هو الرجل الفرد الذي لا ولد له ولا أخ . وقيل : هو مثعب الحوض خاصة ; حكاه أبو عبيد . وأنشد :ما بين صنبور إلى الإزاءوالصنبور : قصبة تكون في الإداوة من حديد أو رصاص يشرب منها . حكى جميعه الجوهري - رحمه الله - والله سبحانه وتعالى أعلم .

وقوله: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ )يعني بقوله جل ثناؤه: ( إِنَّ شَانِئَكَ ) إن مبغضك يا محمد وعدوك ( هُوَ الأبْتَرُ ) يعني بالأبتر: الأقلّ والأذلّ المنقطع دابره, الذي لا عقب له.واختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك, فقال بعضهم: عني به العاص بن وائل السهميّ.* ذكر من قال ذلك:حدثني علي, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) يقول: عدوّك.حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) قال: هو العاص بن وائل.حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن هلال بن خباب, قال: سمعت سعيد بن جُبير يقول: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) قال: هو العاص بن وائل.حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن هلال, قال: سألت سعيد بن جُبير, عن قوله: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) قال: عدوّك العاص بن وائل انبتر من قومه.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) قال: العاص بن وائل, قال: أنا شانئٌ محمدا, ومن شنأه الناس فهو الأبتر.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) قال: هو العاص بن وائل, قال: أنا شانئٌ محمدا, وهو أبتر, ليس له عقب, قال الله: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) قال قتادة: الأبتر: الحقير الدقيق الذليل.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) هذا العاص بن وائل, بلغنا أنه قال: أنا شانئُ محمد.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) قال: الرجل يقول: إنما محمد أبتر, ليس له كما ترون عقب, قال الله: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) .وقال آخرون: بل عني بذلك: عقبة بن أبي معيط.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب القُمِّي, عن حفص بن حميد, عن شمر بن عطية, قال: كان عقبة بن أبي معيط يقول: إنه لا يبقى للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولد, وهو أبتر, فأنزل الله فيه هؤلاء الآيات: ( إِنَّ شَانِئَكَ ) عقبة بن أبي معيط ( هُوَ الأبْتَرُ ) .وقال آخرون: بل عني بذلك جماعة من قريش.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الوهاب, قال: ثنا داود, عن عكرمة, في هذه الآية: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا قال: نزلت في كعب بن الأشرف, أتى مكة فقال لها أهلها: نحن خير أم هذا الصنبور (9) المنبتر من قومه, ونحن أهل الحجيج, وعندنا منحر البدن, قال: أنتم خير. فأنزل الله فيه هذه الآية, وأنزل في الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) .حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, عن بدر بن عثمان, عن عكرمة ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) . قال: لما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت قريش: بَتِرَ محمد منا, فنزلت: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) قال: الذي رماك بالبتر هو الأبتر.حدثنا ابن بشار, قال: ثنا ابن أبى عديّ, قال: أنبأنا داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: لما قَدِم كعب بن الأشرف مكة أتَوْه, فقالوا له: نحن أهل السقاية والسدانة, وأنت سيد أهل المدينة, فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه, يزعم أنه خير منا؟ قال: بل أنتم خير منه, فنزلت عليه: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) قال: وأنزلت عليه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ... إلى قوله نَصِيرًا .وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن مُبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأقلّ الأذلّ, المنقطع عقبه, فذلك صفة كل من أبغضه من الناس, وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه.آخر تفسير سورة الكوثر------------------------الهوامش:(7) لعله خطبة الفطر أو النحر ، فإنه اختلف في الخروج إلى عمرة الحديبية هل كان في رمضان أو ذي القعدة ؟ فيكون شكا من الراوي .(8) البيت لبعض بني أسد، وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن ( 377 ) قال : وقوله : فصل لربك وانحر فصل لربك يوم القيامة : انحر . وبإسناد إلى علي قال : فيها النحر : أخذك شمالك بيمينك في الصلاة . ويقال : فصل لربك وانحر : استقبل القبلة بنحرك . وسمعت بعض العرب يقول : منازلنا تناحر هذا : أي قبالته . وأنشدني بعض بني أسد : " أبا حكم ... " البيت فهذا من ذلك : ينحر بعضه بعضا . ا ه . وفي ( اللسان : نحر ) والداران تتناحران : أي تتقابلان . وإذا استقبلت دار دارا ، قيل : هذه تنحر تلك . ثم نقل كلام الفراء والبيت .(9) في ( اللسان : صنبر ) أصل الصنوبر : سعفة تنبت في جذع النخلة ، لا في الأرض ، أو النخلة تبقى منفردة . ومراد كفار قريش بقولهم صنبور ، أي : أنه إذا قلع انقطع ذكره ، كما يذهب أصل الصنبور ؛ لأنه لا عقب له .

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)استئناف يجوز أن يكون استئنافاً ابتدائياً . ويجوز أن تكون الجملة تعليلاً لحرف { إنّ } إذا لم يكن لرد الإِنكار يكثر أن يفيد التعليل كما تقدم عند قوله تعالى : { قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } في سورة البقرة ( 32 ) .واشتمال الكلام على صيغة قصر وعلى ضمير غائب وعلى لفظ الأبتر مؤذن بأن المقصود به ردُّ كلام صادر من معيَّن ، وحكايةُ لفظٍ مرادٍ بالرد ، قال الواحدي : قال ابن عباس : إن العاصي بن وائل السهمي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام عند باب بني سهم فتحدث معه وأناسٌ من صناديد قريش في المسجد فلما دخل العاصي عليهم قالوا له : من الذي كنت تتحدث معه فقال : ذلك الأبترُ ، وكان قد توفّي قبل ذلك عبدُ الله ابنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن مات ابنه القاسم قبلَ عبد الله فانقطع بموت عبد الله الذكورُ من ولده صلى الله عليه وسلم يومئذ ، وكانوا يَصِفون من ليس له ابن بأبتر فأنزل الله هذه السورة ، فحصل القصر في قوله { إن شانئك هو الأبتر } لأن ضمير الفصل يفيد قصر صفة الأبتر على الموصوف وهو شانىء النبي صلى الله عليه وسلم قصرَ المسند على المسند إليه ، وهو قصر قلب ، أي هو الأبتر لا أنت .و { الأبتر } : حقيقته المقطوع بعضه وغلب على المقطوع ذَنبه من الدواب ويستعار لمن نقص منه ما هو من الخير في نظر الناس تشبيهاً بالدَّابة المقطوع ذَنَبها تشبيه معقول بمحسوس كما في الحديث : " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر " يقال : بَتر شيئاً إذا قطع بعضَه وبَتر بالكسر كفرِح فهو أبتر ، ويقال للذي لا عقب له ذكوراً ، هو أبتر على الاستعارة تشبيه متخيل بمحسوس شبهوه بالدابة المقطوع ذنبها لأنه قُطع أثره في تخيُّل أهللِ العرف .ومعنى الأبتر في الآية الذي لا خير فيه وهو رد لقول العاصي بن وائل أو غيره في حق النبي صلى الله عليه وسلم فبهذا المعنى استقام وصف العاصي أو غيره بالأبتر دون المعنى الذي عناه هو حيث لمز النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أبتر ، أي لا عقب له لأن العاصي بن وائل له عقب ، فابنه عمرو الصحابي الجليل ، وابن ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي الجليل ولعبد الله عقب كثير . قال ابن حزم في «الجمهرة» عقبه بمكة وبالرهط .فقوله تعالى : { هو الأبتر } اقتضت صيغة القصر إثبات صفة الأبتر لشانىء النبي صلى الله عليه وسلم ونفيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأبتر بمعنى الذي لا خير فيه .ولكن لما كان وصف الأبتر في الآية جيء به لمحاكاة قول القائل : «محمد أبتر» إبطالاً لقوله ذلك ، وكانَ عرفهم في وصف الأبتر أنه الذي لا عقب له تعيّن أن يكون هذا الإِبطال ضرباً من الأسلوب الحكيم وهو تلقي السامع بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيهاً على أن الأحقَّ غيرُ ما عناه من كلامه كقوله تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } [ البقرة : 189 ] . وذلك بصرف مراد القائل عن الأبتر الذي هو عديم الابن الذكر إلى ما هو أجدر بالاعتبار وهو الناقص حظّ الخير ، أي ليس ينقص للمرء أنه لا ولد له لأن ذلك لا يعود على المرء بنقص في صفاته وخلائقه وعقله . وهب أنه لم يولد له البتة ، وإنما اصطلح الناس على اعتباره نقصاً لرغبتهم في الولد بناء على ما كانت عليه أحوالهم الاجتماعية من الاعتماد على الجهود البدنية فهم يبتغون الولد الذكور رجاء الاستعانة بهم عند الكبر وذلك أمر قد يعرض ، وقد لا يعرض أو لمحبة ذِكر المرء بعد موته وذلك أمر وهمي ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أغناه الله بالقناعة ، وأعزّه بالتأييد ، وقد جعل الله له لسان صدق لم يجعل مثله لأحد من خلقه ، فتمحض أن كماله الذاتي بما عَلِمه الله فيه إذ جعل فيه رسالته ، وأن كماله العرضي بأصحابه وأمته إذ جعله الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم .وفي الآية محسن الاستخدام التقديري لأن سوق الإبطال بطريق القصر في قوله : { هو الأبتر } نفيُ وصف الأبتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن بمعنًى غير المعنى الذي عناه شانئه فهو استخدام ينشأ من صيغة القصر بناء على أن ليس الاستخدام منحصراً في استعمال الضمير في غير معنى معاده ، على ما حققه أستاذنا العلامة سالم أبو حاجب وجعله وجهاً في واو العطف من قوله تعالى : { وجاء ربك والملك } [ الفجر : 22 ] لأن العطف بمعنى إعادة العامل فكأنه قال : وجاء الملك وهو مجيء مغاير لمعنى مجيء الله تعالى ، قال : وقد سَبقنا الخفاجي إلى ذلك إذ أجراه في حرف الاستثناء في «طراز المجالس» في قول محمد الصالحي من شعراء الشام: ... وحديثُ حُبّي ليسَ بالْمَنْسُوخ إلاّ في الدَّفاتر ... والشانىء : المبغض وهو فاعل من الشناءة وهي البغض ويقال فيه : الشنآن ، وهو يشمل كل مبغض له من أهل الكفر فكلهم بتر من الخير ما دام فيه شنآن للنبيء صلى الله عليه وسلم فأما من أسلموا منهم فقد انقلب بعضهم محبة له واعتزازاً به .
الآية 3 - سورة الكوثر: (إن شانئك هو الأبتر...)