سورة الليل: الآية 6 - وصدق بالحسنى...

تفسير الآية 6, سورة الليل

وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ

الترجمة الإنجليزية

Wasaddaqa bialhusna

تفسير الآية 6

فأمَّا من بذل من ماله واتقى الله في ذلك، وصدَّق بـ"لا إله إلا الله" وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء، فسنرشده ونوفقه إلى أسباب الخير والصلاح ونيسِّر له أموره.

«وصدَّق بالحسنى» أي بلا إله إلا الله في الموضوعين.

وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى أي: صدق ب " لا إله إلا الله " وما دلت عليه، من جميع العقائد الدينية، وما ترتب عليها من الجزاء الأخروي.

( وصدق بالحسنى ) أي : بالمجازاة على ذلك - قاله قتادة ، وقال خصيف : بالثواب . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح ، وزيد بن أسلم : ( وصدق بالحسنى ) أي : بالخلف . وقال أبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك : ( وصدق بالحسنى ) أي : بلا إله إلا الله . وفي رواية عن عكرمة : ( وصدق بالحسنى ) أي : بما أنعم الله عليه . وفي رواية عن زيد بن أسلم : ( وصدق بالحسنى ) قال : الصلاة والزكاة والصوم . وقال مرة : وصدقة الفطر .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا زهير بن محمد ، حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي بن كعب قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسنى قال : " الحسنى : الجنة " .

وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى أى: وأيقن بالخصلة الحسنى، وهي الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، أو أيقن بالملة الحسنى، وهي ملة الإسلام، أو بالمثوبة الحسنى وهي الجنة.

( وصدق بالحسنى ) قال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك : وصدق بلا إله إلا‌ الله ، وهي رواية عطية عن ابن عباس .وقال مجاهد : بالجنة دليله : قوله تعالى " للذين أحسنوا الحسنى " يعني الجنة .وقيل : وصدق بالحسنى أي بالخلف ، أي أيقن أن الله تعالى سيخلفه . وهي رواية عكرمة عن ابن عباس .وقال قتادة ومقاتل والكلبي : بموعود الله - عز وجل - الذي وعده أن يثيبه .

وصدق بالحسنى أي بلا إله إلا الله قاله الضحاك والسلمي وابن عباس أيضا . وقال مجاهد : بالجنة دليله قوله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . . . الآية . وقال قتادة : بموعود الله الذي وعده أن يثيبه . زيد بن أسلم : بالصلاة والزكاة والصوم . الحسن : بالخلف من عطائه وهو اختيار الطبري . وتقدم عن ابن عباس ، وكله متقارب المعنى إذ كله يرجع إلى الثواب الذي هو الجنة .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) فقال بعضهم: معنى ذلك: وصدّق بالخلَف من الله على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعْطَى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه.* ذكر من قال ذلك:حدثني حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا دواد، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قوله: ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) قال: وصدّق بالخَلَف من الله.حدثني محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس: ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) يقول: وصدّق بالخلَف من الله.حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) بالخلف.حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس، مثله.حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ، قال: أخبرنا بشر بن الحكم الأحْمَسِيِّ، عن سعيد بن الصلت، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، عن ابن عباس ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) قال: أيقن بالخلف.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن عكرِمة (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) قال: بالخلف.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن عكرِمة ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) قال: بأن الله سيخلف له.قال ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي هاشم المكي، عن مجاهد ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) قال بالخلف.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبي بكر الهُذليّ، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس: ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) قال: بالخلف.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، قال: بالخلف.وقال آخرون: بل معنى ذلك: وصدّق بأن الله واحد لا شريك له.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمر بن عليّ المُقَدَّمِيِّ، قال: ثنا أشعث السجستاني، قال: ثنا مِسْعَر؛ وحدثنا أبو كُرَيب قال: ثنا وكيع، عن مِسْعَر عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) قال: بلا إله إلا الله.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن مثله.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهرإن، عن سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن، مثله.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) : بلا إله إلا الله.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) : يقول: صدّقَ بلا إله إلا الله.وقال آخرون: بل معنى ذلك: وصدّق بالجنة.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) قال: بالجنة.حدثنا ابن بشار، قال: ثني محمد بن محبب، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.وقال آخرون: بل معناه: وصدق بموعود الله.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) قال: بموعود الله على نفسه، فعمل بذلك الموعود الذي وعده الله.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) قال: صدّق المؤمن بموعود الله الحسن.وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، وأولاها بالصواب عندي: قول من قال: عُنِي به التصديق بالخلف من الله على نفقته.وإنما قلت: ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك، لأن الله ذكر قبله مُنفقا أنفق طالبا بنفقته الخلف منها، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد الله إياه بالخلف إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه، مع أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك ورد.* ذكر الخبر الوارد بذلك:حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة، قال: ثنا عبد الملك بن عمرو، قال: ثنا عباد بن راشد، عن قتادة قال: ثني خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ إلا وَبِجَنْبِيهَا مَلَكانِ يُنادِيانِ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللهِ كُلُّهُم إلا الثَّقَلَينِ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقا خَلَفا، وأعْطِ مُمْسِكا تلَفا " فأنزلَ الله في ذلك القرآنَ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) ... إلى قوله ( لِلْعُسْرَى ) .وذُكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضى الله عنه.* ذكر الخبر بذلك:حدثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: كان أبو بكر الصدّيق يُعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بنيّ، أراك تعتق أناسا ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالا جَلْدا يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبت، إنما أريد " أظنه قال ": ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي، أن هذه الآية أنزلت فيه: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) .

وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) وقد يراد به زيادة طلب الغنى بالبخل بالمال ، فتكون السين والتاء للطلب ، وهذه الخلال كناية عن كونه من المشركين .والحُسنى : تَأنيث الأحسن فهي بالأصالة صفَة لموصوف مقدر ، وتأنيثها مشعر بأن موصوفها المقدر يعتبر مؤنث اللفظ ويحتمل أموراً كثيرة مثل المثوبة أو النصر أو العدة أو العاقبة .وقد يصير هذا الوصف علماً بالغلبة فقيل : الحسنى الجنة ، وقيل : كلمة الشهادة ، وقيل : الصلاة ، وقيل : الزكاة . وعلى الوجوه كلها فالتصديق بها الاعتراف بوقوعها ويكنى به عن الرغبة في تحصيلها .وحاصل الاحتمالات يحوم حول التصديق بوعد الله بما هو حسن من مثوبة أو نصر أو إخلاف ما تلف فيرجع هذا التصديق إلى الإيمان .ويتضمن أنه يعمل الأعمال التي يحصل بها الفوز بالحسنى .ولذلك قوبل في الشق الآخر بقوله : { وكذب بالحسنى } .
الآية 6 - سورة الليل: (وصدق بالحسنى...)