سورة المعارج: الآية 1 - سأل سائل بعذاب واقع...

تفسير الآية 1, سورة المعارج

سَأَلَ سَآئِلٌۢ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ

الترجمة الإنجليزية

Saala sailun biAAathabin waqiAAin

تفسير الآية 1

دعا داع من المشركين على نفسه وقومه بنزول العذاب عليهم، وهو واقع بهم يوم القيامة لا محالة، ليس له مانع يمنعه من الله ذي العلو والجلال، تصعد الملائكة وجبريل إليه تعالى في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من سني الدنيا، وهو على المؤمن مثل صلاة مكتوبة.

«سأل سائل» دعا داع «بعذاب واقع».

يقول تعالى مبينا لجهل المعاندين، واستعجالهم لعذاب الله، استهزاء وتعنتا وتعجيزا: سَأَلَ سَائِلٌ أي: دعا داع، واستفتح مستفتح بِعَذَابٍ وَاقِعٍ

تفسير سورة سأل سائل وهي مكية .( سأل سائل بعذاب واقع ) فيه تضمين دل عليه حرف " الباء " ، كأنه مقدر : يستعجل سائل بعذاب واقع . كقوله : ( ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ) أي : وعذابه واقع لا محالة .قال النسائي : حدثنا بشر بن خالد ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( سأل سائل بعذاب واقع ) قال : النضر بن الحارث بن كلدة .وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( سأل سائل بعذاب واقع ) قال : ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع .وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : تعالى ) سأل سائل ) دعا داع بعذاب واقع يقع في الآخرة ، قال : وهو قولهم : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) [ الأنفال : 32 ] .وقال ابن زيد وغيره : ( سأل سائل بعذاب واقع ) أي : واد في جهنم ، يسيل يوم القيامة بالعذاب . وهذا القول ضعيف ، بعيد عن المراد . والصحيح الأول لدلالة السياق عليه .

تفسير سورة المعارجمقدمة وتمهيد1- سورة (المعارج) هي السورة السبعون في ترتيب المصحف، أما ترتيبها في النزول فهي السورة الثامنة والسبعون، وكان نزولها بعد سورة (الحاقة) وقبل سورة (النبأ) .وتسمى- أيضا- بسورة (سأل سائل) ، وذكر السيوطي في كتابه (الإتقان) أنها تسمى كذلك بسورة (الواقع) .وهذه الأسماء الثلاثة قد وردت ألفاظها في السورة الكريمة. قال- تعالى- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ. لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ. مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ.وهي من السور المكية الخالصة، وعدد آياتها أربع وأربعون آية في عامة المصاحف، وفي المصحف الشامي ثلاث وأربعون آية.والسورة الكريمة نراها في مطلعها، تحكى لنا جانبا من استهزاء المشركين بما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من بعث وثواب وعقاب.. وترد عليهم بما يكبتهم، حيث تؤكد أن يوم القيامة حق، وأنه واقع، وأن أهواله شديدة.قال- تعالى- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ. لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ. مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ. تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا. إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً. وَنَراهُ قَرِيباً. يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ. وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ. وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً.3- ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى تصوير طبيعة الإنسان، وتمدح المحافظين على صلاتهم، وعلى أداء حقوق الله- تعالى- في أموالهم، كما تمدح الذين يؤمنون بأن البعث حق،ويستعدون لهذا اليوم بالإيمان والعمل الصالح.قال- تعالى- إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً. إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ.4- ثم أخذت السورة الكريمة في أواخرها في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي توبيخ الكافرين على مسالكهم الخبيثة بإزاء الدعوة الإسلامية، وفي بيان أن يوم القيامة الذي يكذبون به آت لا ريب فيه.قال- تعالى-: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ. يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ.5- هذا والمتدبر في هذه السورة الكريمة، يرى أن على رأس القضايا التي اهتمت بالحديث عنها: التذكير بيوم القيامة، وبأهواله وشدائده، وببيان ما فيه من حساب، وجزاء، وثواب وعقاب.والحديث عن النفس الإنسانية بصفة عامة في حال عسرها ويسرها، وصحتها ومرضها، وأملها ويأسها ... واستثناء المؤمنين الصادقين، من كل صفة لا يحبها الله- تعالى- وأنهم بسبب إيمانهم الصادق، وعملهم الصالح، سيكونون يوم القيامة. في جنات مكرمين.كما أن السورة الكريمة اهتمت بالرد على الكافرين، وبتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما لحقه منهم، وببيان مظاهر قدرة الله- تعالى- التي لا يعجزها شيء.وقوله- تعالى- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ قرأه الجمهور بإظهار الهمزة في سَأَلَ.وقرأه نافع وابن عامر سَأَلَ بتخفيف الهمزة.قال الجمل: قرأ نافع وابن عامر بألف محضة، والباقون، بهمزة محققة وهي الأصل.فأما القراءة بالألف ففيها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها بمعنى قراءة الهمزة، وإنما خففت بقلبها ألفا. والثاني: أنها من سال يسال، مثل خاف يخاف، والألف منقلبة عن واو، والواو منقلبة عن الهمزة.والثالث: من السيلان، والمعنى: سال واد في جهنم بعذاب، فالألف منقلبة عن ياء .وقد حكى القرآن الكريم عن كفار مكة، أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم والاستهزاء عن موعد العذاب الذي يتوعدهم به إذا ما استمروا على كفرهم، ويستعجلون وقوعه.قال- تعالى-: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وقال- سبحانه- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ.وعلى هذا يكون السؤال على حقيقته، وأن المقصود به الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين.ومنهم من يرى أن سأل هنا بمعنى دعا. أى: دعا داع على نفسه بعذاب واقع.قال الآلوسى ما ملخصه: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ أى: دعا داع به، فالسؤال بمعنى الدعاء، ولذا عدى بالباء تعديته بها في قوله يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ. والمراد:استدعاء العذاب وطلبه.. وقيل إنها بمعنى «عن» كما في قوله: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً.والسائل هو النضر بن الحارث- كما روى النسائي وجماعة وصححه الحاكم- حيث قال إنكارا واستهزاء «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم» . وقيل السائل: أبو جهل، حيث قال: «فأسقط علينا كسفا من السماء» .وعلى أية حال فسؤالهم عن العذاب، يتضمن معنى الإنكار والتهكم، كما يتضمن معنى الاستعجال، كما حكته بعض الآيات الكريمة..ومن بلاغة القرآن، تعدية هذا الفعل هنا بالباء، ليصلح لمعنى الاستفهام الإنكارى، ولمعنى الدعاء والاستعجال.أى: سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم سؤال تهكم، عن العذاب الذي توعد به الكافرين إذا ما استمروا على كفرهم. وتعجّله في وقوعه بل أضاف إلى ذلك- لتجاوزه الحد في عناده وطغيانه- أن قال: «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم» .وقال- سبحانه- بِعَذابٍ واقِعٍ ولم يقل بعذاب سيقع، للإشارة إلى تحقق وقوع هذا العذاب في الدنيا والآخرة.أما الدنيا فمن هؤلاء السائلين من قتل في غزوة بدر وهو النضر بن الحارث، وأبو جهل وغيرهما، وأما في الآخرة فالعذاب النازل بهم أشد وأبقى.

مكية( سأل سائل ) قرأ أهل المدينة والشام : " سال " بغير همز وقرأ الآخرون بالهمز ، فمن همز فهو من السؤال ، ومن قرأ بغير همز قيل : هو لغة في السؤال ، يقال : سال يسال مثل خاف يخاف [ يعني ] سال يسال خفف الهمزة وجعلها ألفا .وقيل : هو من السيل ، والسايل واد من أودية جهنم ، يروى ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، والأول أصح .واختلفوا في الباء في قوله : " بعذاب " قيل : هي بمعنى " عن " كقوله : " فاسأل به خبيرا " ( الفرقان - 59 ) [ أي عنه خبيرا ]ومعنى الآية : سأل سائل عن عذاب ( واقع ) نازل كائن على من ينزل ولمن ذلك العذاب

سورة المعارجوهي مكية باتفاق . وهي أربع وأربعون آيةبسم الله الرحمن الرحيمسأل سائل بعذاب واقعقوله تعالى : سأل سائل بعذاب واقع قرأ نافع وابن عامر " سال سايل " بغير همزة . الباقون بالهمز . فمن همز فهو من السؤال . والباء يجوز أن تكون زائدة ، ويجوز أن تكون بمعنى عن . والسؤال بمعنى الدعاء ; أي دعا داع بعذاب ; عن ابن عباس وغيره . يقال : دعا على فلان بالويل ، ودعا عليه بالعذاب . ويقال : دعوت زيدا ; أي التمست إحضاره . أي التمس ملتمس عذابا للكافرين ; وهو واقع بهم لا محالة يوم القيامة . وعلى هذا فالباء زائدة ; كقوله تعالى : تنبت بالدهن ، وقوله : وهزي إليك بجذع النخلة فهي تأكيد . أي سأل سائل عذابا واقعا .

القول في تأويل قوله تعالى : سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)قال أبو جعفر: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( سَأَلَ سَائِلٌ )، فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة: ( سَأَلَ سَائِلٌ ) بهمز سأل سائل، بمعنى سأل سائل من الكفار عن عذاب الله، بمن هو واقع، وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة ( سالَ سَائِلٌ ) فلم يهمز سأل، ووجهه إلى أنه فعل من السيل.والذي هو أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأه بالهمز؛ لإجماع الحجة من القرّاء على ذلك، وأن عامة أهل التأويل من السلف بمعنى الهمز تأوّلوه.* ذكر من تأوّل ذلك كذلك، وقال تأويله نحو قولنا فيه:حدثني محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) قال: ذاك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ... الآية، قال ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ).حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( سَأَلَ سَائِلٌ ) قال: دعا داع، ( بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) قال: يقع في الآخرة، قال: وهو قولهم: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ .حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) قال: سأل عذاب الله أقوام، فبين الله على من يقع؛ على الكافرين.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: ( سَأَلَ سَائِلٌ ) قال: سأل عن عذاب واقع، فقال الله: ( لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ).وأما الذين قرءوا ذلك بغير همز، فإنهم قالوا: السائل واد من أودية جهنم.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله الله: ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) قال: قال بعض أهل العلم: هو واد في جهنم يقال له سائل.وقوله: ( بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ ) يقول: سأل بعذاب للكافرين واجب لهم يوم القيامة واقع بهم، ومعنى ( لِلْكَافِرِينَ ) على الكافرين، كالذي حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) كان كفار قريش يستهزئون فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم متى هذا العذاب الذي تتوعدنا به ، ويسألونه تعجيله ، قال تعالى : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يونس : 48 ] { ويستعجلونك بالعذاب } [ الحج : 47 ] وكانوا أيضاً يسألون الله أن يوقع عليهم عذاباً إن كان القرآن حقاً من عنده قال تعالى : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .وقيل : إن السائل شخص معين هو النضر بن الحارث قال : { إن كان هذا ( أي القرآن ) هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله أن يعينه على المشركين بالقحط فأشارت الآية إلى ذلك كله ، ولذلك فالمراد ب { سائل } فريقٌ أو شخص .والسؤال مستعمل في معنيي الاستفهام عن شيء والدعاء ، على أن استفهامهم مستعمل في التهكم والتعجيز . ويجوز أن يكون { سأل سائل } بمعنى استعجل وأَلَحّ .وقرأ الجمهور { سأل } بإظهار الهمزة . وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر { سال } بتخفيف الهمزة ألفاً . قال في «الكشاف» : وهي لغة قريش وهو يريد أن قريشاً قد يخففون المهموز في مقام الثقل وليس ذلك قياساً في لغتهم بل لغتهم تحقيق الهمز ولذلك قال سيبويه : وليس ذا بقياس مُتْلَئِبَ ( أي مطرد مستقيم ) وإنما يحفظ عن العرب قال : ويكون قياساً متلئباً ، إذا اضطُر الشاعر ، قال الفرزدق :راحتْ بِمسلمةَ البغال عشية ... فارْعَيْ فَزازةُ لا هَنَاككِ المَرتَعيريد لا هَنَأككِ بالهمز . وقال حسان :سَالتْ هُذْيلٌ رسولَ الله فاحشةً ... ضلتْ هُذيلٌ بمَا سَالت ولم تُصِبِيريد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحَةَ الزنا . وقال القرشي زيدُ بن عمرو بن نفيل ( يذكر زَوجيه ): ... سَألتَانِي الطلاقَ أنْ رَأتَانيقَلَّ مَالي قد جيتُمانِي بنُكْرِ ... فهؤلاء ليس لغتهم سَال ولا يَسَالُ وبلغنا أن سَلْتَ تَسَال لغة ا ه . فجعل إبدال الهمز ألفاً للضرورة مطرداً ولغير الضرورة يُسمع ولا يقاس عليه فتكون قراءة التخفيف سماعاً . وذكر الطيبي عن أبي علي في الحجة : أن من قرأ { سَالَ } غير مهموز جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين الكلمة مثل : قَال وخاف . وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع من يقول : هما متساوِلان . وقال في «الكشاف» : يقولون ( أي أهل الحجاز ) : سَلْتَ تَسَالُ وهما يتسَايلان ، أي فهو أجوف يائي مثل هاب يهاب . وكل هذه تلتقي في أن نطق أهل الحجاز { سال } غيرَ مهموز سماعي ، وليس بقياس عندهم وأنه إمّا تخفيف للهمزة على غير قياس مطرد وهو رأي سيبويه ، وإما لغة لهم في هذا الفعل وأفعال أخرى جاء هذا الفعل أجوف واوياً كما هو رأي أبي علي أو أجوف يائياً كما هو رأي الزمخشري .وبذلك يندحض تردد أبي حيان جعل الزمخشري قراءة { سال } لغة أهل الحجاز إذ قد يكون لبعض القبائل لغتان في فعل واحد .وإنما اجتلب هنا لغة المخفف لثقل الهمز المفتوح بتوالي حركات قبله وبعده وهي أربع فتحات ، ولذلك لم يرد في القرآن مخففاً في بعض القراءات إلاّ في هذا الموضع إذ لا نظير له في توالي حركات ، وإلاّ فإنه لم يقرأ أحد بالتخفيف في قوله : { وإذا سَألك عبادي } [ البقرة : 186 ] وهو يساوي { سال سائل بعذاب } بله قوله : سالتهم وتسالهم ولا يسالون .وقوله : { سال سائل } بمنزلة سُئل لأن مجيء فاعل الفعل اسمَ فاعل من لفظ فعله لا يفيد زيادة علم بفاعل الفعل ما هو ، فالعدول عن أن يقول : سُئِل بعذاب إلى قوله { سال سائل بعذاب } ، لزيادة تصوير هذا السؤال العجيب ، ومثله قول يزيد بن عمرو بن خويلد يهاجي النابغة: ... وإن الغدْر قد عَلِمت معدٌّبنَاه في بني ذُبيان بَانِي ... ومن بلاغة القرآن تعدية { سال } بالباء ليصلح الفعل لمعنى الاستفهام والدعاء والاستعجال ، لأن الباء تأتي بمعنى ( عن ) وهو من معاني الباء الواقعة بعد فعل السؤال نحو { فاسال به خبيراً } [ الفرقان : 59 ] ، وقول علقمة :فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيبأي إن تسألوني عن النساء ، وقال الجوهري عن الأخفش : يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . وجعل في «الكشاف» تعدية فعل سأل بالباء لتضمينه معنى عُني واهتمّ . وقد علمت احتمال أن يكون سال بمعنى استعجل ، فتكون تعديته بالباء كما في قوله تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب } [ الحج : 47 ] وقوله : { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها } [ الشورى : 18 ] .
الآية 1 - سورة المعارج: (سأل سائل بعذاب واقع...)