سورة القلم: الآية 14 - أن كان ذا مال وبنين...

تفسير الآية 14, سورة القلم

أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ

الترجمة الإنجليزية

An kana tha malin wabaneena

تفسير الآية 14

ولا تطع -أيها الرسول- كلَّ إنسانٍ كثير الحلف كذاب حقير، مغتاب للناس، يمشي بينهم بالنميمة، وينقل حديث بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم، بخيل بالمال ضنين به عن الحق، شديد المنع للخير، متجاوز حدَّه في العدوان على الناس وتناول المحرمات، كثير الآثام، شديد في كفره، فاحش لئيم، منسوب لغير أبيه. ومن أجل أنه كان صاحب مال وبنين طغى وتكبر عن الحق، فإذا قرأ عليه أحد آيات القرآن كذَّب بها، وقال: هذا أباطيل الأولين وخرافاتهم. وهذه الآيات وإن نزلت في بعض المشركين كالوليد بن المغيرة، إلا أن فيها تحذيرًا للمسلم من موافقة من اتصف بهذه الصفات الذميمة.

«أن كان ذا مال وبنين» أي لأن وهو متعلق بما دل عليه.

وهذه الآيات - وإن كانت نزلت في بعض المشركين، كالوليد بن المغيرة أو غيره لقوله عنه: أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي: لأجل كثرة ماله وولده، طغى واستكبر عن الحق، ودفعه حين جاءه، وجعله من جملة أساطير الأولين، التي يمكن صدقها وكذبها- فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم، وربما نزل بعض الآيات في سبب أو في شخص من الأشخاص، لتتضح به القاعدة العامة، ويعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة.

يقول تعالى هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين.

وقوله : ( أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ . . . ) متعلق بقوله قبل ذلك ( وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ . . )أى : ولا تطع من كانت هذه صفاته لكونه ذا مال وبنين ، فإن ماله وولده لن يغنى عنه من الله - تعالى - شيئا .

( أن كان ذا مال وبنين ) قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة وأبو بكر ويعقوب : " أإن " بالاستفهام . ثم حمزة وأبو بكر يخففان الهمزتين بلا مد ويمد الهمزة الأولى أبو جعفر وابن عامر ويعقوب ويلينون الثانية . وقرأ الآخرون بلا استفهام على الخبر ، فمن قرأ بالاستفهام فمعناه : ألإن كان ذا مال وبنين ؟

قوله تعالى : أن كان ذا مال وبنين قرأ أبو جعفر وابن عامر وأبو حيوة والمغيرة والأعرج " آن كان " بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام . وقرأ المفضل وأبو بكر وحمزة " أأن كان " بهمزتين محققتين . وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخبر ; فمن قرأ بهمزة مطولة أو بهمزتين محققتين فهو استفهام والمراد به التوبيخ ، ويحسن له أن يقف على زنيم ، ويبتدئ " أن كان " على معنى ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه . ويجوز أن يكون التقدير : ألأن كان ذا مال وبنين يقول إذا تتلى عليه آياتنا : أساطير الأولين . ويجوز أن يكون التقدير : ألأن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر . ودل عليه ما تقدم من الكلام فصار كالمذكور بعد الاستفهام . ومن قرأ " أن كان " بغير استفهام فهو مفعول من أجله والعامل فيه فعل مضمر ، والتقدير : يكفر لأن كان ذا مال وبنين .

القول في تأويل قوله تعالى : أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (15)اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( أَنْ كَانَ ) فقرأ ذلك أبو جعفر المدني وحمزة: (أأنْ كَانَ ذَا مالٍ ) بالاستفهام بهمزتين، وتتوجه قراءة من قرأ ذلك كذلك إلى وجهين:أحدهما أن يكون مرادًا به تقريع هذا الحلاف المهين، فقيل: ألأن كان هذا الحلاف المهين ذا مال وبنين ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ) وهذا أظهر وجهيه.والآخر أن يكون مرادًا به: ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه، على وجه التوبيخ لمن أطاعه. وقرأ ذلك بعد سائر قراء المدينة والكوفة والبصرة: ( أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ ) على وجه الخبر بغير استفهام بهمزة واحدة، ومعناه إذا قُرئ كذلك: ولا تطع كلّ حلاف مهين ( أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ) كأنه نهاه أن يطيعه من أجل أنه ذو مال وبنين.

أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) يتعلق قوله : { أن كان ذا مال وبنين } بفعل { قَال } بتقدير لام التعليل محذوفة قبل { أنْ } ، وهو حذف مطرد تعلق بذلك الفعل ظرف هو { إذا تتلى } ومجرور هو { أن كان ذا مال } ، ولا بدع في ذلك وليست { إذا } بشرطية هنا فلا يهولنك قولهم : إن ( مَا ) بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ، على أنها لو جعلت شرطية لما امتنع ذلك لأنهم يتوسعون في المجرورات ما لا يتوسعون في غيرها وهذا مجرور باللام المحذوفة .والمراد : كل من كان ذا مال وبنين من كبراء المشركين كقوله تعالى : { وذَرْني والمكذبين أولِي النعمة } [ المزمل : 11 ] . وقيل : أريد به الوليد بن المغيرة إذ هو الذي اختلق أن يقول في القرآن { أساطير الأولين } وقد علمت ذلك عند تفسير قوله تعالى : { ولا تطِعْ كلّ حلاّف مهين } [ القلم : 10 ] . وكان الوليد بن المغيرة ذا سعة في المال كثير الأبناء وهو المعنيُّ بقوله تعالى : { ذرني ومن خلقتُ وحيداً وجعلتُ له مالاً ممدوداً وبنينَ شهوداً إلى قوله : { إن هذا إلاّ قول البشر } [ المدثر : 1125 ] . والوجه أن لا يختص هذا الوصف به . وأن يكون تعريضاً به .والأساطير : جمع أسطورة وهي القصة ، والأسطورة كلمة معربة عن الرومية كما تقدم عند قوله تعالى : { يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأولين } في الأنعام ( 25 ) وقوله : { وَإذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأولين } في سورة النحل ( 24 ) .وختمت الأوصاف المحذر عن إطاعة أصحابها بوصف التكذيب ليُرجع إلى صفة التكذيب التي انتُقل الأسلوب منها من قوله : { فلا تطع المكذبين } [ القلم : 8 ] .وقرأ الجمهور { أنْ كان ذا مال } بهمزة واحدة على أنه خبر . وقرأه حمزة وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر بهمزتين مخففتين فهو استفهام إنكاري . وقرأه ابن عامر بهمزة ومَدَّة بجعل الهمزة الثانية ألفاً للتخفيف .
الآية 14 - سورة القلم: (أن كان ذا مال وبنين...)