سورة القمر: الآية 5 - حكمة بالغة ۖ فما تغن...

تفسير الآية 5, سورة القمر

حِكْمَةٌۢ بَٰلِغَةٌ ۖ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ

الترجمة الإنجليزية

Hikmatun balighatun fama tughnee alnnuthuru

تفسير الآية 5

هذا القرآن الذي جاءهم حكمة عظيمة بالغة غايتها، فأي شيء تغني النذر عن قوم أعرضوا وكذَّبوا بها؟

«حكمة» خبر مبتدأ محذوف أو بدل من ما أو من مزدجر «بالغة» تامة «فما تغن» تنفع فيهم «النذر» جمع نذير بمعنى منذر، أي الأمور المنذورة لهم وما للنفي أو للاستفهام الإنكاري وهي على الثاني مفعول مقدم.

حِكْمَةٌ منه تعالى بَالِغَةٌ أي: لتقوم حجته على المخالفين ولا يبقى لأحد على الله حجة بعد الرسل، فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ كقوله تعالى: وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ لا يؤمنوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ

وقوله : ( حكمة بالغة ) أي : في هدايته تعالى لمن هداه وإضلاله لمن أضله ، ( فما تغن النذر ) يعني : أي شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة ، وختم على قلبه ؟ فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ وهذه الآية كقوله تعالى : ( قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) [ الأنعام : 149 ] ، وكذا قوله تعالى : ( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) [ يونس : 101 ] .

وقوله- تعالى-: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ بدل من «ما» أو خبر لمبتدأ محذوف.والحكمة: العلم النافع الذي يترتب عليه تحرى الصواب في القول والفعل.أى: هذا الذي جاءهم من أنباء الماضين، ومن أخبار السابقين فيه ما فيه عن الحكم البليغة، والعظات الواضحة التي لا خلل فيها ولا اضطراب.و «ما» في قوله: فَما تُغْنِ النُّذُرُ نافية، والنذر: جمع نذير بمعنى منذر.أى: لقد جاء إلى هؤلاء المشركين من الأخبار ومن الحكم البليغة ما يزجرهم عن ارتكاب الشرور، وما فيه إنذار لهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا في غيهم، ولكن كل ذلك لا غناء فيه، ولا نفع من ورائه لهؤلاء الجاحدين المعاندين الذين عموا وصموا ...ويصح أن تكون «ما» هنا، للاستفهام الإنكارى. أى: ما الذي تغنيه النذر بالنسبة لهؤلاء المصرين على الكفر؟ إنها لا تغنى شيئا ما داموا لم يفتحوا قلوبهم للحق:

( حكمة بالغة ) يعني : القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية ( فما تغن النذر ) يجوز أن تكون " ما " نفيا على معنى : فليست تغني النذر ، ويجوز أن يكون استفهاما والمعنى : فأي شيء تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم ؟ كقوله : " وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " ( يونس - 101 ) و " النذر " : جمع نذير .

حكمة بالغة يعني القرآن وهو بدل من " ما " من قوله : ما فيه مزدجر ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ; أي هو حكمة .فما تغن النذر إذا كذبوا وخالفوا كما قال الله تعالى : وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ف " ما " نفي أي : ليست تغني عنهم النذر . ويجوز أن يكون استفهاما بمعنى التوبيخ ; أي : فأي شيء تغني النذر عنهم وهم معرضون عنها ، و " النذر " يجوز أن تكون بمعنى الإنذار ، ويجوز أن تكون جمع نذير .

وقوله ( حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ) يعني بالحكمة البالغة: هذا القرآن, ورُفعت الحكمةُ ردّا على " ما " التي في قوله ( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ) .وتأويل الكلام: ولقد جاءهم من الأنباء النبأ الذي فيه مزدَجَر, حكمة بالغة. ولو رُفعت الحكمة على الاستئناف كان جائزا, فيكون معنى الكلام حينئذ: ولقد جاءهم من الأنباء النبأ الذي فيه مزدجر, ذلك حكمة بالغة, أو هو حكمة بالغة فتكون الحكمة كالتفسير لها.وقوله ( فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ) وفي " ما " التي في قوله ( فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ) وجهان: أحدهما أن تكون بمعنى الجحد, فيكون إذا وجهت إلى ذلك معنى الكلام, فليست تغني عنهم النذر ولا ينتفعون بها, لإعراضهم عنها وتكذيبهم بها. والآخر: أن تكون بمعنى: أنى, فيكون معنى الكلام إذا وجهت إلى ذلك: فأي شيء تُغني عنهم النُّذر. والنُّذر: جمع نذير, كالجُدُد: جمع جديد, والحُصُر: جمع حَصير.

حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5(و { حكمة بالغة } بدل من { مَا } ، أي جاءهم حكمةٌ بالغة .والحكمة : إتقان الفهم وإصابة العقل . والمراد هنا الكلام الذي تضمن الحكمة ويفيد سامعه حكمة ، فوصْفُ الكلام بالحكمة مجاز عقلي كثير الاستعمال ، وتقدم في سورة البقرة ( 269 ( ، { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } والبالغة : الواصلة ، أي واصلة إلى المقصود مفيدة لصاحبها .وفرع عليه قوله : { فما تغن النذر } ، أي جاءهم ما فيه مزدجر فلم يُغن ذلك ، أي لم يحصل فيه الإقلاع عن ضلالهم .و { ما } تحتمل النفي ، أي لا تغني عنهم النذر بعد ذلك . وهذا تمهيد لقوله : { فتول عنهم } [ القمر : 6 ] ، فالمضارع للحال والاستقبال ، أي ما هي مغنية ، ويفيد بالفحوى أن تلك الأنباء لم تغن عنهم فيما مضى بطريق الأحرى ، لأنه إذا كان ما جاءهم من الأنباء لا يغني عنهم من الانزجار شيئاً في الحال والاستقبال فهو لم يغن عنهم فيما مضى إذ لو أغنى عنهم لارتفع اللوم عليهم .ويحتمل أن تكون { مَا } استفهامية للإِنكار ، أي ماذا تفيد النذر في أمثالهم المكابرين المصرين ، أي لا غناء لهم في تلك الأنباء ، ف { ما } على هذا في محل نصب على المفعول المطلق ل { تغن } ، وحذف ما أضيفت إليه { ما } . والتقدير : فأي غناء تغني النذر وهو المخبر بما يسوء ، فإن الأنباء تتضمن إرسال الرسل من الله منذرين لقومهم فما أغنوهم ولم ينتفعوا بهم ولأن الأنباء فيها الموعظة والتحذير من مثل صنيعهم فيكون المراد ب { النذر } آيات القرآن ، جعلت كل آية كالنذير : وجمعت على نُذُر ، ويجوز أن يكون جمع نذير بمعنى الإِنذار اسم مصدر ، وتقدم عند قوله تعالى : { هذا نذير من النذر الأولى } في آخر سورة النجم ( 56 ( .
الآية 5 - سورة القمر: (حكمة بالغة ۖ فما تغن النذر...)