سورة القصص: الآية 5 - ونريد أن نمن على الذين...

تفسير الآية 5, سورة القصص

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ

الترجمة الإنجليزية

Wanureedu an namunna AAala allatheena istudAAifoo fee alardi wanajAAalahum aimmatan wanajAAalahumu alwaritheena

تفسير الآية 5

ونريد أن نتفضل على الذين استضعفهم فرعون في الأرض، ونجعلهم قادةً في الخير ودعاةً إليه، ونجعلهم يرثون الأرض بعد هلاك فرعون وقومه.

«ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة» بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء يقتدى بهم في الخير «ونجعلهم الوارثين» ملك فرعون.

وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ بأن نزيل عنهم مواد الاستضعاف، ونهلك من قاومهم، ونخذل من ناوأهم. وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً في الدين، وذلك لا يحصل مع استضعاف، بل لا بد من تمكين في الأرض، وقدرة تامة، وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ للأرض، الذين لهم العاقبة في الدنيا قبل الآخرة.

ولهذا قال : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) . وقد فعل تعالى ذلك بهم ، كما قال : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) [ الأعراف : 137 ] وقال : ( كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) [ الشعراء : 59 ] ، أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى ، فما نفعه ذلك مع قدر الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ، بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القدم بأن يكون إهلاك فرعون على يديه ، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده ، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك ، وفي دارك ، وغذاؤه من طعامك ، وأنت تربيه وتدلله وتتفداه ، وحتفك ، وهلاكك وهلاك جنودك على يديه ، لتعلم أن رب السموات العلا هو القادر الغالب العظيم ، العزيز القوي الشديد المحال ، الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .

ثم بين- سبحانه- ما اقتضته إرادته وحكمته، من تنفيذ وعيده في القوم الظالمين، مهما احتاطوا وحذروا، ومن إنقاذه للمظلومين بعد أن أصابهم من الظلم ما أصابهم فقال: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ.وقوله نَمُنَّ من المن بمعنى التفضل، ومنه قوله- تعالى-: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ... أى: لقد تفضل عليهم، وأحسن إليهم.وقوله: وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ من التمكين، وأصله: أن نجعل للشيء مكانا يستقر فيه، ويحل به. ثم استعير للتسليط وللحصول على القوة بعد الضعف، وللعز بعد الذل.وقوله: يَحْذَرُونَ من الحذر، بمعنى الاحتراس والاحتراز من الوقوع في الأمر المخيف. يقال: حذر فلان فلانا، إذا خافه واحترس منه.قال الشوكانى: والواو، في قوله وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ للعطف على جملة، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ لأن بينهما تناسبا من حيث إن كل واحدة منهما، للتفسير والبيان للنبأ.ويجوز أن تكون حالا من فاعل يَسْتَضْعِفُ بتقدير مبتدأ. أى: ونحن نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض.. والأول أولى .والمعنى: لقد طغا فرعون وبغى، ونحن بإرادتنا وقدرتنا نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ونتفضل على بنى إسرائيل، الذين استضعفوا في الأرض، بأن ننجيهم من ظلمه، وننقذهم من قهره وبغيه.وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ للأرض المباركة، التي نعطيهم إياها متى آمنوا وأصلحوا، كما قال- تعالى-: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا، وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ.

( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ) يعني : بني إسرائيل ، ( ونجعلهم أئمة ) قادة في الخير يقتدى بهم . وقال قتادة : ولاة وملوكا ، دليله : قوله - عز وجل - : " وجعلكم ملوكا " ( المائدة - 20 ) . وقال مجاهد : دعاة إلى الخير . ( ونجعلهم الوارثين ) يعني : أملاك فرعون وقومه يخلفونهم في مساكنهم .

قوله تعالى : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض أي نتفضل عليهم وننعم . وهذه حكاية مضت ونجعلهم أئمة قال ابن عباس : قادة في الخير مجاهد : دعاة إلى الخير . قتادة : ولاة وملوكا ; دليله قوله تعالى : وجعلكم ملوكا .قلت : وهذا أعم فإن الملك إمام يؤتم به ومقتدى به . ونجعلهم الوارثين لملك فرعون ; يرثون ملكه ، ويسكنون مساكن القبط وهذا معنى قوله تعالى : وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا .

القول في تأويل قوله تعالى : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)ومعنى الكلام: أن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها، من بني إسرائيل، فِرَقًا يستضعِف طائفة منهم (وَ) نَحْنُ( نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ ) استضعفهم فرعون من بني إسرائيل ( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ).وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ ) قال: بنو إسرائيل.قوله: ( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ) أي: ولاة وملوكا.وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة ( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ) أي: ولاة الأمر.وقوله: ( وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) يقول: ونجعلهم ورَّاث آل فرعون يرثون الأرض من بعد مهلكهم.وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة (وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ): أي يرثون الأرض بعد فرعون وقومه.

وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) عطفت جملة { ونريد } على جملة { إن فرعون علا في الأرض } [ القصص : 4 ] لمناسبة ما في تلك الجملة من نبأ تذبيح الأبناء واستحياء النساء ، فذلك من علو فرعون في الأرض وهو بيان لنبإ موسى وفرعون فإن إرادة الله الخير بالذين استضعفهم فرعون من تمام نبإ موسى وفرعون ، وهو موقع عبرة عظيمة من عِبَر هذه القصة .وجيء بصيغة المضارع في حكاية إرادة مضت لاستحضار ذلك الوقت كأنه في الحال لأن المعنى أن فرعون يطغى عليهم والله يريد في ذلك الوقت إبطال عمله وجعلهم أمة عظيمة ، ولذلك جاز أن تكون جملة { ونريد } في موضع الحال من ضمير { يستضعف } [ القصص : 4 ] باعتبار أن تلك الإرادة مقارنة لوقت استضعاف فرعون إياهم . فالمعنى على الاحتمالين : ونحن حينئذ مُريدون أن ننعم في زمن مستقبل على الذين استضعفوا .والمنّ : الإنعام ، وجاء مضارعه مضموم العين على خلاف القياس .و { الذين استضعفوا في الأرض } هم الطائفة التي استضعفها فرعون . و { الأرض } هي الأرض في قوله { إن فرعون علا في الأرض } [ القصص : 4 ] .ونكتة إظهار { الذين استضعفوا } دون إيراد ضمير الطائفة للتنبيه على ما في الصلة من التعليل فإن الله رحيم لعباده ، وينصر المستضعفين المظلومين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً .وخص بالذكر من المن أربعة أشياء عطفت على فعل { نمنّ } عطف الخاص على العام وهي : جعلهم أيمة ، وجعلهم الوارثين ، والتمكين لهم في الأرض ، وأن يكون زوال ملك فرعون على أيديهم في نعم أخرى جمة ، ذكر كثير منها في سورة البقرة .فأما جعلهم أيمة فذلك بأن أخرجهم من ذلّ العبودية وجعلهم أمة حرة مالكة أمر نفسها لها شريعة عادلة وقانون معاملاتها وقوة تدفع بها أعداءها ومملكة خالصة لها وحضارة كاملة تفوق حضارة جيرتها بحيث تصير قدوة للأمم في شؤون الكمال وطلب الهناء ، فهذا معنى جعلهم أيمة ، أي يقتدي بهم غيرهم ويدعون الناس إلى الخير وناهيك بما بلغه ملك إسرائيل في عهد سليمان عليه السلام .وأما جعلهم الوارثين فهو أن يعطيهم الله ديار قوم آخرين ويحكّمهم فيهم ، فالإرث مستعمل مجازاً في خلافة أمم أخرى .فالتعريف في { الوارثين } تعريف الجنس المفيد أنهم أهل الإرث الخاص وهو إرث السلطة في الأرض بعد من كان قبلهم من أهل السلطان ، فإن الله أورثهم أرض الكنعانيين والحثيين والأموريين والأراميين ، وأحلهم محلهم على ما كانوا عليه من العظمة حتى كانوا يعرفون بالجبابرة قال تعالى { قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين } [ المائدة : 22 ] .
الآية 5 - سورة القصص: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين...)